أقلام وأراء

الأربعاء 03 أبريل 2024 10:20 صباحًا - بتوقيت القدس

إعادة بناء المنظمة كجبهة وطنية متحدة. الدروس المستخلصة: التحديات والفرص

تلخيص

تمكنت الانتفاضة الكبرى عام 1987، التي تميزت بطابعها الشعبي الديمقراطي العميق والمشاركة الشعبية الواسعة، ليس فقط من نقل العملية الوطنية في الصراع ضد الاحتلال من شتات المنافي إلى داخل الوطن المحتل، بل ودون مبالغة، فقد تمكنت في بدايتها على الأقل من احداث تغيير في آلية صنع القرار الوطني من ناحية، كما أحدثت تغييراً نسبياً في توازن القوى الداخلية للحركة الوطنية لصالح التيار الوطني الديمقراطي من ناحية ثانية. هذا بالإضافة لما أحدثته الانتفاضة من تغيير جدي في مكانة القضية الفلسطينية وتصدرها جدول الأعمال الدولي.


التضحية بالانتفاضة


هذا التغيير الذي جرى إجهاضه لأسباب متعددة، منها إحجام حركة المقاومة الإسلامية " حماس"عن الانخراط في اطار القيادة الوطنية الموحدة، مما ساهم في استنزاف قدرة الانتفاضة في سياق التنافس على قيادتها الذي شكل إمتداداً للصراع على المنظمة بين قيادتها وقيادة حركة حماس، كما كان لاستعجال البحث عن حلول سياسية وما رافقها من مظاهر خلل كبيرة، بفعل توجس القيادة من سحب البساط من تحت قدميها، وبأن القطار يتجاوزها جراء العزلة التي فُرضت عليها بعد حرب الخليج الأولى، وبالتالي، وبدلاً من استخلاص دروس ما وفرته الانتفاضة من عناصر القوة والبناء عليها، ومعالجة أوجه قصورها، غلّبت قيادة المنظمة في "الخارج " أولوية حماية مكانتها التمثيلية ، واندفعت نحو مسار أوسلو الذي قدم في حينه رأس الانتفاضة ثمناً لضمان موقع تلك القيادة في ادارة السلطة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد ولّد هذا المسار شرخاً بين الداخل والخارج ، كما أسس لكل الانقسامات اللاحقة والتي أضرت بمكانة و دور منظمة التحرير الفلسطينية كقائد للنضال الوطني وممثل شرعي وحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، بتأجيل قضايا الحل الدائم سيما قضيتي اللاجئين والقدس لمستقبل مفاوضات غير متكافئة، دون اعتراف إسرائيل المسبق بالحقوق الوطنية لشعبنا، وليس فقط بمنظمة التحرير، كما جاء في رسائل الاعتراف المتبادلة، فقط لتأكيد وترسيم اعتراف هذا الممثل الوحيد بحق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام، في وقت أن نظرتها لمجمل العملية السياسية لم تكن سوى كدفرسوار للالتفاف على الانتفاضة، وإجهاض ما أحدثته من تحولات دولية بتسويق وهم حل الصراع.


فشل مسار التسوية واندلاع الانتفاضة الثانية


فشل ما سمي بمفاوضات الحل الدائم، واندلاع الانتفاضة الثانية، ورغم ما قدمه شعبنا خلالها من تضحيات كبرى، إلا أن السمة الأساسية التي ميزتها كانت، وبالإضافة لعسكرتها على حساب طابعها الشعبي نقيضاً للانتفاضة الأولى، التي تمكنت من تحييد القدرة العسكرية لجيش الاحتلال، فقد كانت الثانية تحمل في طياتها استمراراً لصراع خفي على توازن القوى الداخلى، أكثر مما هي صراع لتغيير ميزان القوى مع الاحتلال، الأمر الذي أفضى إلى نجاح كاسح لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، والتي أفضت إلى تجدد الصراع على السلطة بين الخيارات السياسية للرئاسة ومعها المنظمة وبين الحكومة، بدلاً من الاحتكام للمصالح العليا لشعبنا باجراء معالجة مسؤولة لهذا التباين، في سياق مراجعة سياسية شاملة، مما دفع هذا الصراع إلى انقلاب على السلطة، والذي شكل حجر الزاوية لمجمل المخاطر الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية .


أسباب فشل جهود انهاء الانقسام


افشال قوى الانقسام لمحاولات رأب الصدع، وتمترسها حول مواقفها، دفعت قوى المجتمع الفلسطيني إلى إطلاق العديد من المبادرات لتوليد ضغط شعبي على طرفي الانقسام، في محاولة لإلزامهما بالارادة الشعبية الداعية للوحدة، وفتح أبواب منظمة التحرير لتشمل جميع القوي السياسية والاجتماعية الناهضة لاستعادة مكانتها كقائدة لمرحلة التحرر الوطني، وممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني بكافة مكوناته وفي مختلف تجمعاته، وانشاء حكومة وحدة وطنية لتعزيز قدرة الناس على الصمود في مواجهة مخططات التصفية بتمزيق الكيانية الوطنية، والاستفراد الاستيطاني بالضفة الغربية.


ترابط مهمتي التحرر الوطني وتعزيز الصمود


منذ نشأتها، فشلت السلطة الوطنية في بلورة رؤية للحكم قائمة على الربط الدقيق بين متطلبات استكمال مرحلة التحرر الوطني بقيادة منظمة التحرير، وما يستدعيه ذلك من توحيد كافة القوى في اطارها، وبين متطلبات البناء الديمقراطي لمؤسسات السلطة وفق معيار أساسي، جوهره توظيف امكانيات هذه السلطة لتعزيز صمود الناس في كافة المجالات على أساس التوزيع العادل لأعباء مواجهة الاحتلال، وهو ما مارسته أيضاً حركة حماس طوال فترة حكمها لغزة، وانشغالها بتكريس سلطتها دون ما يكفي من اهتمام بقدرة الناس التي تعاني من الحصار والانقسام وشعورها المتنامي بأن السلطة الوطنية تركتها وحيدة في مواجهة كليهما. هذا الأمر وبالإضافة لانكشاف أهداف حكومة الاحتلال من "مسار التسوية"، واصرار منظمة التحرير وسلطتها بالمضي قدما خلف وهم هذا المسار، ورفضها لأية مراجعة له، مغامرة بكل رصيدها الوطني الذي أنجزته تضحيات الشعب الفلسطيني، الأمر الذي شجع حكومات الاحتلال على المضي بمشروع فصل الكيانية الوطنية، وتسريع مشاريع الضم والاستيطان تمهيداً للتصفية .


رهانات الوهم تبدد فرص الوحدة


بعد تخلي حركة حماس عن الحكومة عام 2014، ورغم عدم تخليها عن الحكم، إلا أنها فتحت مدخلاً لامكانية التوصل لشراكة وطنية في الحكم تستدعي وحدة وطنية لقيادة النضال الوطني في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي عطلته القيادة الراهنة لمنظمة التحرير من خلال اشتراط الرئيس قبول حماس بشروط الرباعية بإعلان التزامها بالشرعية الدولية، دون الاكتفاء بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي يؤكد تمسك المنظمة بشروط الرباعية التي لم تعد قائمة، بل واندثرت.


هل كان ذلك وفق قراءة سياسية تتخوف من عزلة المنظمة والسلطة؟، أم أنها رغبة في استمرار الانفراد بهما وبالحكم وبمقدرات الشعب، أم كلا الأمرين معاً، واستمرار الرهان على وهم التسوية، التي حتى لو اتيحت فلن تقدم أكثر مما قدمته خديعة أوسلو، سيما في ظل الضعف الناجم عن الانقسام.


تجربة وطنيون لانهاء الانقسام


ظلت جهود ومحاولات و مبادرات وأد الانقسام المتعددة وأبرزها حراك وطنيون لانهاء الانقسام حبيسة نقاشات النخب، ومعزولة عن ادراك وقدرة القائمين علي هذه المبادرات في توسيع المشاركة الشعبية لجهة بناء كتلة شعبية وازنة، الأمر الذي كان وما زال يتطلب ربط تدهور قضايا المجتمع واحتياجات الناس وظروفها المعيشية باستمرار الانقسام، وما يولده من فساد وسوء الادارة والتفرد بالموارد والحكم من خلف ظهر المجتمع وعلى حساب قضاياه الاقتصادية والاجتماعية، ودون أي شكل من الرقابة والمساءلة البرلمانية والشعبية .


تفكك التيار الديمقراطي


كما تم اجهاض كل محاولات تطوير دور ما يعرف بالتيار الوطني الديمقراطي التي كان أبرزها تشكيل التجمع الديمقراطي، حيث سرعان ما انفرط عقده بفعل الاستقطاب الانقسامي واندفاع بعض مكوناته للمشاركة في تشكيل حكومة أهالت التراب في حينه على مقاربة الوفاق مع حماس، وما تلى ذلك من ارتداد عن اتفاق إسطنبول بين فتح وحماس لاجراء الانتخابات العامة في آيار 2021، عندما أصدر الرئيس مرسوماً بإلغائها .


مناخات انفجار السابع من أكتوبر


في هذا المناخ الانقسامي، وما رافقه من تهميش غير مسبوق للقضية الوطنية على الصعيدين الاقليمي والدولي، وصعود اليمين الفاشي لمقود الحكم في حكومة الاحتلال، وترسيم مشاريع الضم بما يتجاوز حتى خطة ترامب ذاتها، وفي ظل غياب أي دور جدي للحركة الوطنية ومؤسساتها الرسمية في مواجهة ذلك، وانشغال العالم بصراعات دولية أخرى، واقتصار دوره في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على ما بات يعرف بالإنقلاب القضائي، ومخاطره على ما يسمى بديمقراطية إسرائيل، دون اكتراث بالمصير الوطني الفلسطيني، في هذا المناخ اتسعت في الضفة الغربية أعمال المقاومة، التي اتسمت في بدايتها بالفردية وغير المرتبطة بفصائل المقاومة، ثم جاء ما بات يعرف باتفاقي العقبة وشرم الشيخ الأمنيين لاثبات قدرة السلطة على وأد هذه الظاهرة .


مقدمات انفجار السابع من أكتوبر


صعدت حكومة الاحتلال الفاشية من حربها لتهويد القدس والمقدسات، ومن حرب الاجتياحات اليومية في محاولة لاخضاع الشعب الفلسطيني لمخططات الضم والتصفية بذريعة اجتثاث المقاومة المسلحة في العديد من مدن الضفة الغربية.


اتضاح مخاطر استراتيجية ومخططات التصفية الاسرائيلية، وتهميش القضية الوطنية على الصعيدين الاقليمي والدولي واندفاع قطار التطبيع، وما رافق ذلك كله من عزلة قيادة السلطة وتخليها عن دورها، وكذلك عزلة حركة حماس والمعضلات التي تواجه قدرتها على الاستجابة لاحتياجات أهل غزة، بل وبروز سؤال حول مدى جدية تمسكها بخيار المقاومة، سيما بعد حروب الاستفراد الإسرائيلي المتكررة ضد حركة الجهاد الإسلامي. هكذا كانت السمة السائدة للمشهد الفلسطيني حتى صباح السابع من أكتوبر.


أسئلة مشروعة ولكن ؟


دون اغفال العديد من الأسئلة المشروعة ازاء هذا الانفجار ومدى قدرة الشعب الفلسطيني على تحمل عواقبه، وفيما إذا كانت حركة حماس قد حسبت حسابات مثل هذه العواقب، ومدى دقة رهاناتها على حلفائها في محور المقاومة، أو طبيعة ودور النظام العربي الرسمي ، وهي أسئلة تحتاج لإجابات وطنية ولكن ليس قبل وقف حرب الابادة التي لا تحتمل أي شكل من تصفية الحسابات الانقسامية، ولا الإنزلاق الخطير نحو لوم الضحية، أو توظيف معاناة الناس في الصراع الانقسامي، بقدر الحاجة لتوحيد كل الجهود لوقف الحرب، سيما أن حرب الابادة هذه، وبفعل ما ارتكبته إسرائيل من جرائم فظيعة ضد شعبنا، فقد أيقظت الحرب وعي شعوب العالم ازاء عدالة القضية الفلسطينية، التي باتت اليوم أمام مفترق طرق جدي بين احتمال الاستجابة للانتفاضة الكونية لضرورة وقفها تمهيداً لمعالجة جذور الصراع وانهاء الاحتلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وسيادته الوطنية على دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967، وبين خطر التصفية والضم وتنفيذ الترانسفير الجماعي استكمالاً للنكبة، ولقطع الطريق على احتمال "الدولة الواحدة" كأحد خيارات حل الصراع الذي يواجه برفض مطلق من الإجماع الصهيوني.

دلالات

شارك برأيك

إعادة بناء المنظمة كجبهة وطنية متحدة. الدروس المستخلصة: التحديات والفرص

المزيد في أقلام وأراء

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

غسان عبد الله

حوار عربي أوروبي في عمّان

جواد العناني

حرب نفسية عنوانها : تهديد اسرائيلي وضغط أميركي

حديث القدس

الأمم المتحدة والإعتراف بفلسطين دولة

ناجي شراب

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب

سماح خليفة

نتياهو قرر إفشال الهدنة وصفقة التبادل

بهاء رحال

تعرية التحالف الاستعماري

حمادة فراعنة

عزلتهم تزداد وهزيمتهم مؤكدة

وسام رفيدي

عاش الاول من أيار ..عيد العمال الأحرار

حديث القدس

"سان ريمو" إرث استعماري يتجدد ضد فلسطين والقدس

عبد الله توفيق كنعان

لماذا تقلق النخب من الحراك الطلابي المعادي لسياسات إسرائيل والمؤيد لغزة بالجامعات الأمريكية والغربية ؟!

محمد النوباني

أزرار التحكم... والسيطرة!

حسين شبكشي

ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

عيسى الشعيبي

الانتماء لفترة الصهيونية

حمادة فراعنة

الجنائية الدولية وقرار اعتقال نتنياهو ... حكمة أم نكتة

سماح خليفة

أسعار العملات

الجمعة 03 مايو 2024 9:49 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.2

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%20

%5

(مجموع المصوتين 203)

القدس حالة الطقس