أقلام وأراء
الإثنين 27 نوفمبر 2023 10:02 صباحًا - بتوقيت القدس
ملاحظات على هامش تبادل الأسرى
هذا التبادل ليس كغيره من عمليات التبادل السابقة في تاريخنا. فإذا كانت كل التبادلات السابقة قد تمت بفعل قدرة المقاومة على اسر جنود ومبادلتهم، فإن هذا التبادل أولاً يتميز بأنه يتم تحت النار تماماً، هدنة مؤقتة ليتم التبادل، وبعده ربما يستمر القتال، وربما نتوجه لتبادلات إضافية مع هدنة جديدة لأيام، وهذا المتوقع، وبعدها يستمر القتال، ولأنه تبادل تحت النار ففيه تنعكس موازين القوى على ارض القتال، فالاتفاق وشروطه وتوقيته وتفاصيله، وكيفية التعامل معه، تعكس تلك الموازين. أما ثانياً ففيه عدد لا باس به من المحتجزين الصهاينة من غير العسكريين، والأهم عدد من الأطفال، لم تتقصد المقاومة حجزهم، بعكس الجنود والضباط، ولا هي مَنْ انتزعتهم اصلاً من المستوطنات، كما قال القيادي اسامة حمدان في لقاء.
لذلك يتميز هذا التبادل بسمات تخصه وتطبع التبادل ببصمتها الخاصة.
(1)ظروف الاعتقال وتبادلات جديدة
من المتوقع بقوة، وهذا سجله الاتفاق الحالي للهدنة والتبادل، ان تتمدد الهدنة لهدن وتبادلات إضافية، ربما لاسبوع او اكثر، فلا زال هناك عدد من المحتجزين من غير العسكريين لدى المقاومة، فيما تبحث عن أعداد أخرى محتملة متوزعة هنا وهناك، كما أعلنت مراراً. شروط الاتفاق الحالي بالاجمال جيدة، باستثناء البند الخاص بطريق صلاح الدين، حيث كان يجب الإصرار على حرية الحركة عليه بالاتجاهين لا باتجاه الشمال نحو الجنوب فقط. يجب تدارك هذا في أي اتفاق قادم جديد، والأهم الإصرار على إعادة الوضع في السجون كما كان عليه قبل 7 أكتوبر، علماً أن زاهر جبارين نوّه لذلك في إحدى لقاءاته.
إن الإنفلات الفاشي في السجون يجعل من خطر الموت خطراً محدقاً بالأسرى، فقد استشهد حتى اللحظة ستة معتقلين نتيجة التعذيب والضرب المبرّح، وما كان يتسرب من هنا وهناك حول قرارات التعامل ما بعد 7 أوكتوبر غدا حقيقة مثبتة بشهادات النساء والأطفال المحررين خلال اليومين الماضيين. ليست هذه سياسة بن غفير الفاشي وحده، فنزعة الانتقام السادي تعم مجتمع المستوطنين من رأسه حتى أخمص قدميه. بات من الضروري وضع تلك القضية على جدول النقاش في اية اتفاقات لاحقة حول هدن جديدة وتبادلات جديدة، بانتظار التبادل الأكبر لتبييض السجون مقابل الجنود والضباط الأسرى.
(2)"الندية" مقابل "إحمونا"
لا أدري مدى صحة ما تم تداوله على شبكات التواصل من تصريح لحماس حول اتفاقية التبادل بان (هذه ليست اتفاقية أوسلو حتى يتم خرقها بسهولة)، رداً على خرق الصهاينة للاتفاقية. بغض النظر عن صحة الجملة من عدمها فإن المقاربة بين اتفاقية التبادل وما تعكسه من موازين قوى، وبين اتفاقية أوسلو صحيح تماماً. المفاوض الغزي امتلك عناصر القوة الميدانية بالدم، فاستثمرها ليظهر نديته التي تجسدت في موقف تأجيل البدء بالصفقة لإجبار المحتل على الالتزام ببنود الاتفاقية، خاصة بندي المساعدات للشمال والأقدمية لتحرير الأسرى، وكأني بالمفاوض الفلسطيني يقول لهم مهدداً (التزموا)، فالتزموا، وهذا يذكرني بكلمة شبيهة للسيد نصرالله خاطب بها الجنود الصهاينة شمال فلسطين حين قال لهم (إنضبوا). (التزموا) و (انضبوا) تعكس ندية قطعية لمن لم يلق (بأوراق القوة) ليذهب للتفاوض عارياً، وعليه، صح له ان يقول بندية فخورة، مهددة بلا وجل، (التزموا)، فيما مَنْ يسلم أوراق قوته، ويدير ظهره لشعبه وخياراته في المقاومة، ويقدم التنازل المجاني تلو التنازل، ويرضى على نفسه الدور الوظيفي لخدمة المستعمِر لا دور حركة التحرر، فحتماً لن يجد لديه سوى (إحمونا) الاستعطافية، ولن يحموه، لا هو ولا شعبه. ذلك منطق الصراع ومقتضياته، ومَنْ يفشل في فهم منطقه يفشل فيه، فليرحل لأنه لا يصلح لقيادة شعبه.
(3)نزعة الانتقام الدموي
لنتأمل التالي: حكومة وجيش وأجهزة ومؤسسات مختلفة ترفع من سقف أهدافها حد المستحيل: تصفية حماس والمقاومة، تغيير الحكم في غزة، تغيير في الخارطة السياسية في المنطقة، ضمان أن لا يتكرر 7 أكتوبر للابد، وغيرها الكثير الكثير. ومع أن ذات الأهداف تتكرر في كل العدوانات السابقة على القطاع ولم يتحقق شيء منها إلا أنهم يعيدون تسجيلها كأهداف. ذلك سلوك المستعمِر عادة: لا يتقن الحسابات ولا يقرأ التاريخ.
أما في الممارسة فتلك الهيئات التي تضع تلك الأهداف، الكبيرة بكل المقاييس السياسية والعسكرية، (حطت راسها براس صفط حلو) كما يقال بالدارجة الفلسطينية، فهاجمت بيت اسيرة محررة من القدس وصادرت الحلويات الجاهزة للتوزيع على المحتفين بتحررها. فوق ذلك وفي القدس أيضاً، صادرت الكراسي المعدة لاستقبال المهنئينن، منعت الصحفيين من تغطية الحدث، طردت الناس من بيوت الأسيرات، بلغ الأمر ببن غفير أن اصدر قراره (الخطير): تغطية شبابيك الحافلات التي تنقل الأسيرات والاطفال الاسرى كي لا يراهم أحد ولا يرون أحدا في الشارع، يحييهم ويحييوه.
مخطيء مَنْ يعتقد ان هذه سياسة بن عفير فقط، مع أن لمسته الفاشية الانتقامية بطريقة هستيرية ظاهرة هنا. لا. هذا هو المجتمع الاستيطاني الذي استفاق يوم 7 أكتوبر فاكتشف هشاشته واقتراب نهايته وضعف مؤسساته، فلم يجد أمامه سوى التصرف بنزعة انتقامية هستيرية. يمكن في السياسة فهم النزعة الانتقامية أحياناً، باعتبارها جزء من رد الفعل المتوقع في لحظة من لحظات الصراع، ولكن من الصعب تصور قرارات حكومية تطارد فرح أهل أسيرة عبر ملاحقة الحلويات ومصادرها، ومنع الناس من انتظارها في بيتها.
دولة تهوي بأهدافها الكبيرة حد ملاحقة (صفط حلو) لا مستقبل لها.
(4)معاملتنا ومعاملتهم
إسمعو ما قالته العجوز التي أطلق القسام سراحها مبكراً لاعتبارات إنسانية، ودققوا فيما بدأ إعلامهم، خاصة قناة 13 العبرية، ينقله عن المحتجزين المطلق سراحهم، عبر أهاليهم، وتمعنوا في أسباب منع الجيش والأجهزة الأمنية المطلق سراحهم من مخاطبة الإعلام نهائياً، لتروا حقيقة المعاملة الإنسانية التي تلقوها اثناء احتجازهم. جرى توفير المأكل والملبس والدواء لهم، ولم يتم الاعتداء عليهم أو تعذيبهم أوضربهم، بل حتى ملامح الوجوه في بعض الفيديوهات التي نشرها القسام للحظة إطلاق سراحهم، تؤكد تلك المعاملة.
بالمقابل أعادوا شروط الاعتقال في السجون للايام الأولى من العام 1967: عدم تقديم العلاج إلا في فترات متباعدة، مصادرة الفرش والأغطية طوال النهار، قطع الكهرباء والماء لساعات طويلة، الاعتداءات الجسدية التي أدت لاستشهاد ستة معتقلين، منع الفورة اليومية. انتقامية تفتقد للحد الأدنى من الأخلاقية الإنسانية التي ينبغي للآسر أن يتمتع بها تجاه أسيره وفق ابسط المعايير والأعراف الدولية.
نحن تحركنا أخلاقنا وهم تحركهم نزعتهم الفاشية وهذا هو الفرق بين المستمعَر والمستعمِر.
(5)الأطفال الأسرى
بالتأكيد سينشر المحتل صور الأطفال الذين اطلقت المقاومة سراحهم ليمارس دعايته ضد المقاومة وشعبنا، وسيتعاطف العالم مع طفولة جميلة وبريئة، لا أحد، يتمتع بحس أخلاقي وإنساني سوي في العالم يرغب في رؤية الطفولة محتجزة. المقاومة أعلنت منذ اليوم الأيام الأولى استعدادها لاطلاق سراح المجتجزين من غير العسكريين دون مقابل إن توفرت الظروف الميدانية، فهي غير معنية باحتجازهم، ولم تكن مَنْ جلبهم إلى داخل القطاع أصلاً، ولكن المحتلين لم يابهوا بذلك، فلم يوفروا تلك الظروف بتوقف إبادتهم وعدوانهم.
بالمقابل هل عرف العالم أن لدى شعبنا في السجون مئات الأطفال، وبعضهم محكومون بأحكام عالية؟ فالعالم قبل أن يُظهر التعاطف مع الأطفال الإسرائيليين، وهو محق بذلك، ليتذكر ان ظاهرة اعتقال الأطفال، ومنذ العام 1967، هي ظاهرة معروفة، ودائماً هناك أطفال معتقلون بالعشرات، وأحياناً بالمئات، يعيشون ظروف الأسر القاسية التي تحرمهم طفولتهم وتقتل فرحهم يومياً، وتؤكد أن السجن لا يليق بالأطفال. لقد عشتُ انا نفسي مرة تلك الحقيقة، عندما وضعوا معي طفلاً، علماً ان هذا ممنوع قانوناً، لم يكن يتجاوز عمره العشر سنوات، في ذات الزنزانة، لمدو يومين في معبار سجن الرملة. كل سلوكه الطفولي كان يؤكد أن ليس هذا مكانه، ولكن للمحتلين الفاشيين سياسة أخرى مختلفة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
بعد وقف اطلاق النار: المعركة النفسية لا تنتهي
السلطات المتجددة ، أدوات جديدة للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط .
مروان أميل طوباسي
الوطن العربي بين جحيم ترامب والنهوض؟
د. فوزي علي السمهوري
أهوال جحيم الإبادة
بهاء رحال
صوت الكفاح الفلسطيني العاقل
حمادة فراعنة
ظروف مثالية نحو صفقة التبادل.. وماذا عن الضمانات؟
حديث القدس
الصفقة على الأبواب ما لم يخرّبها نتنياهو
هاني المصري
المقاومة أمر ما حتمي .. ودمشق تعطي للعروبة شكلها
حمدي فراج
ترامب وسموتريتش.. تقاطع أيديولوجي مسيحي أنجليكاني ويهودي تلمودي توراتي
راسم عبيدات
سوريا إلى أين؟
حمادة فراعنة
المغطس مكان عماد السيد المسيح يتوج بتدشين كنيسة كاثوليكية جديدة
كريستين حنا نصر
أسرى فلسطين في معسكرات الموت
حديث القدس
الفلسطينيون بين وعيد ترمب بالجحيم وسعي نتنياهو لـ"النصر المطلق"
اللواء المتقاعد أحمد عيسى
البدائل الوطنية الديمقراطية.. مفتاح التغيير الحقيقي بالمنطقة ولمواجهة الاحتلال
مروان اميل طوباسي
قد تتوقف الإبادة ولكن !
بهاء رحال
رحيل عيسى الشعيبي
حمادة فراعنة
أمريكا تؤسس لعالم جديد وعنيف
د. أحمد رفيق عوض
آفاقُ التربية: نحوَ سُمُوٍّ إنسانيٍّ مُلْهِمٍ
ثروت زيد الكيلاني
حلحلة الانسداد السياسي في لبنان و سوريا، مؤشر لشرق عربي مشرق
كريستين حنا نصر
بوادر اتفاق تلوح بالأفق!
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته(2) السياسي يربك الثقافي
ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلوس إلى 11 شخصا
غضب واسع من فشل احتواء حرائق لوس أنجليس
حماس: قيادة الحركة بحثت مع وزير المخابرات التركي تطورات المفاوضات
الصفقة على الأبواب ما لم يخرّبها نتنياهو
مقتل 4 جنود إسرائيليين جراء تفجير لغم شمال قطاع غزة
شهيدان وعدة إصابات في قصف للاحتلال على مخيم جنين
الأكثر قراءة
حماس: قيادة الحركة بحثت مع وزير المخابرات التركي تطورات المفاوضات
أوسلو تستضيف اجتماعا دوليا لدعم حل الدولتين
مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة.. اتفاق يلوح في الأفق وهذه تفاصيله!
الاحتلال سيستخدم عوائد الضرائب الفلسطينية لسداد ديون شركة الكهرباء
أسر رهائن إسرائيليين في غزة يوجهون انتقادات حادة لوزير المالية
ترمب و"تسوية الحدّ الأدنى" للقضية الفلسطينية: قراءة استشرافية (الحلقة الثالثة والأخيرة)
مصادر منخرطة في المفاوضات تكشف لـ"القدس" تفاصيل الاتفاق الذي سيعلن اليوم
أسعار العملات
الأربعاء 15 يناير 2025 8:59 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.63
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.12
شراء 5.1
يورو / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 415)
شارك برأيك
ملاحظات على هامش تبادل الأسرى