أقلام وأراء

الأربعاء 01 نوفمبر 2023 9:34 صباحًا - بتوقيت القدس

ما فائدة القانون الدولي الإنساني إن لم يطبق؟!

تغنى الكثيرون من المنتسبين للإنسانية بشكل عام، وبخاصة القانونيين منهم، وكاتب هذه السطور واحد منهم، بالقانون الدولي الإنساني عبر مواثيقه ومعاهداته وبروتوكولاته الذي لفظ قانون الحرب، وجعل همه الوحيد والأساسي تمييز المدنيين عن العسكريين، وتجنيبهم ويلات الحرب وآثارها المدمرة على كل الصعد عبر حمايتهم وسلامة جسدهم، وحماية مستشفياتهم ومدارسهم بل حظر أية معاناة لهم.


لكن ما جرى في الأسابيع الثلاثة الأخيرة في قطاع غزة من قصف كثيف بالطائرات على المراكز المدنية في قطاع غزة تحت ذريعة الدفاع الشرعي عن الكيان الإسرائيلي، كالمنازل والعمائر والأبراج والمستشفيات والمدارس والمساجد، ونتج عنه قتل وجرح آلاف المدنيين الفلسطينيين الغزاوين بحيث وصلت لأرقام مذهلة وغير قابلة للتصديق بل فاقت حدود التصور . فما يقارب ثمانية آلاف وخمس مائة شهيد مدني وألفا مفقود تحت الأنقاض، منهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل، وألف سيدة، قضوا وهم المدنيون المسالمون الأبرياء.


ولم تكتف السلطات الإسرائيلية المحتلة بقتل المدنيين، بل طالت يد القتل الشهداء والجرحى أثناء نقلهم للمستشفيات. فضربت سيارات الإسعاف والأطباء والطبيبات وعمال الخدمات الطبية كالمسعفين والممرضين والإغاثة الإنسانية. ولم تشفع لهم نصوص القانون الدولي الإنساني العديدة والكثيرة التي تقدم حماية لفظية هائلة لهم ولسيارات الإسعاف والمستشفيات، ضد اعتداءات جيش الإعتداء عليها. والجميع يعلم كم من أطباء القطاع وممرضيها ورجال الخدمات الطبية قد قضوا شهداء أثناء ممارسة أعمالهم الإنسانية. بل إن المادة 15 من البروتوكول الأول لعام 1977 توجب احترام وحماية الخدمات الطبية المدنية، وأن تسدي كل مساعدة ممكنة لأفراد الخدمات الطبية المدنية ( لا أن تقصفهم ) تعطلت فيها الخدمة الطبية بسبب ظروف القتال، والسماح لهم بالتنقل لتقديم خدماتهم الطبية. وهناك عشرات النصوص التي تقدم الحماية للطواقم الطبية ، ولا يتسع لها هذه المقال. ويجب أن ننوه هنا أن الجريح هنا ليس فقط المدني الجريح بل يشمل العسكري بشكل قاطع.


ولنا أن نتساءل بعد كل هذا الطوفان في قتل وجرح المدنيين، أين اختفى القانون الدولي الإنساني المكتوب والعرفي، أين اختفت اتفاقيات جنيف الأربع اللواتي بذل فيها جهد هائل ونقاش كبير لوقف الحرب العدوانية، التي لا تميز بين المدني والعسكري. أين إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بالأراضي المحتلة التي طالما تغنينا بها وطالبنا صباح مساء بتطبيقها وانتقدنا عدم تطبيقها. أين اتفاقيات لاهاي لعام 1907 وبخاصة الإتفاقية الرابعة الخاصة بالحرب البرية، التي أرست القواعد القانونية للإحتلال الحربي، والتي تحولت لقانون دولي عرفي. وأين برتوكولي عام 1977 المضافين لاتفاقات جنيف الأربع اللذين قدما حماية إضافية للمدنيين ومرافقهم المدنية. بل أين التطبيقات القضائية عبر محاكم نورمبورغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية. أين ميثاق روما لعام 1998 الذي جرم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم العدوان, وأين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان الذي فرطّ بإجراءات المحكمة، وصحا متأخرا وقام بزيارة رفح من الجانب المصري، ولم يستطع أن يدخل قطاع غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.


 وأين المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر مجرد التهديد بالقوة المسلحة والتدخل بالشؤون الداخلية بالدول الأخرى، وإعلان العلاقات الودية بين الدول لعام 1970 الذي اعتبر إضافة للميثاق، وأين الحق الآمر في تقرير المصير للفلسطينيين. وأين فقهاء القانون الدولي الإنساني وجمعياتهم ونواديهم ، ولماذا صمتوا صمت القبور.


مفهوم أن دولة كالولايات المتحدة والكيان، لهما سجل حافل بالإجرام الدولي، أن تتجاهلا تطبيق القانون الدولي الإنساني، لكن أن لا تقوم دول أوروبية أخرى بأية خطوة لاستحضار وتنفيذ القانون الدولي الإنساني أمر يثير ألف سؤال واستفهام في الموضوع القانوني الذي غدا سياسيا بامتياز. وأن لا تقوم بأية خطوات عملية لتنفيذ هذا القانون الذي تعهدت بمادته الأولى على احترامه وضمان احترامه في جميع الأحوال.


من المثير للسخرية أن تزعم وأن تطالب الولايات المتحدة بتطبيق قانون الحرب – كما أسموه – ولا تقبل بوقف فوري لإطلاق النار، تناقض ما بعده تناقض. ولنا أن نتساءل أيضا كيف تروج الولايات المتحدة لمفهوم مشوه للهدنة التي تعني وقف الأعمال العدائية، وترفض في نفس الوقت وقف إطلاق النار الفوري. أوليست الولايات المتحدة هي التي شنت حربا عدوانية على العراق في الماضي القريب بحجة أسلحة الدمار الشامل التي ثبت بطلانها. أوليست هي التي شنت حربا ظالمة على شعب فقير هو الشعب الأفغاني بحجة محاربة القاعدة وهجوم الحادي عشر من سبتمبر. أو ليست هي الدولة التي لها تاريخ طويل بالحروب والنزاعات المسلحة سواء في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وأفريقيا بل في أوروبا والتي تنبو عن التعداد. أوليست هي الدولة التي سحبت توقيعها على ميثاق روما لإنشاء محكمة جنائية دولية تشجيعا للعدوان وعدم حماية المدنيين. أوليست هي الدولة التي عقدت اتفاقيات رشوة مع دول أخرى فقيرة منضمة لميثاق روما حتى لا تسلم الجنود الأمريكيين ليد المحكمة الجنائية الدولية من أجل محاكمتهم . أوليست هي التي صرح وزير خارجيتها بومبيو، بضرورة ملاحقة قضاة ومدعي المحكمة الجنائية الدولية وحساباتهم الخاصة في البنوك، في تقويض واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني وحمايتها من كل عسف.


الغريب والعجيب أن الكيان، وراعيته الولايات المتحدة الأمريكية، وقعتا وصادقتا على مواثيق جنيف الأربعة لعام 1949 الذي صادقت وانضمت إليه أكثر من 193 دولة. وهما أكثر دولتان خرقت هذا القانون الدولي الإنساني سواء في غواتيمالا أو في نيكاراجوا أو في أبو غريب أو في بحر البقر أو في كفر قاسم أو في الطنطورة وأخيرا وليس آخرا في قطاع غزة. وهما الزاعمتان باستمرار حرصهما على الديموقراطية وحقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين.


في ضوء كل هذه الخروقات للقانون الدولي الإنساني ، الذي ليس له مخالب، المراقب الموضوعي عن وجود قانون دولي إنساني إن لم يطبق، ولماذا شرع وجوده ابتداء، وما هي ضرورته إن لم يستطع وقف إطلاق النار وحماية المدنيين الذي ما وجد إلا لحمايتهم من عبث العابثين، ومن يستطيع فرض احترام هذه النصوص الكثيرة على المعتدين ويمنعهم من ارتكاب جرائم القتل للأطفال والنساء والإبادة والتدمير للمساجد والكنائس والمستشفيات.


حتما ، سيقول البعض الصليب الأحمر الدولي، فهو لم يقم إلا لهذا الهدف. ولكن ماذا تستطيع الهيئة الدولية للصليب الأحمر القابعة في جنيف أن تفعل، وهل لديها القوة، وهل هي راغبة، في مواجهة مجموعة دولية صممت على منع حتى وقف إطلاق نار محدود سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولما كان الصليب الأحمر الدولي عاجزا فما العمل أو قاصرا عن العمل، هل نمزق صحف القانون الدولي الإنساني ونردد معا وصية أبي بكر الصديق لجيش أسامة " لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، أو شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرا مثمرا، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، اندفعوا باسم الله". رحمك الله أيها الخليفة الراشدي الأول لقد سبقت هنري دونان وميثاق الصليب الأحمر الدولي!!!

دلالات

شارك برأيك

ما فائدة القانون الدولي الإنساني إن لم يطبق؟!

رام الله - فلسطين 🇵🇸

فلسطيني قبل 12 شهر

القانون الدولي يطبق علينا لا على اعداءنا

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)