لا تزال أربع صناديق بريدية أثرية قائمة في البلدة القديمة وما حولها بمدينة نابلس صامدة رغم تعاقب الأزمنة وتبدل الظروف التي عاشتها المدينة على مدار 100 عام وحتى الآن.

وهذه الصناديق التي توزعت في جنبات المدينة القديمة لجمع رسائل الناس تعود إلى حقبة الاحتلال الانجليزي لفلسطين بعد عام 1918 وتحمل حرفي G R واللذين يرمزان للملك جورج الخامس، وفقا لمسؤول العلاقات العامة في بريد نابلس طارق عاشور.

وحديثا عمد بريد نابلس لترميم هذه الصناديق وصيانتها وطلاؤها باللون الأحمر بالتعاون مع بلدية نابلس.

أما داخل مبنى مكتب بريد نابلس فتوجد أكثر من 2000 صندوق بريد مؤجرة لمواطنين وشركات ومؤسسات عامة، ورغم التطور التكنولوجي لا زالت الكثير من هذه الصناديق مستخدمة.

ويبين عاشور أن الكثيرين يحرصون على الصناديق الخاصة بهم وأرقامها ويورثونها من جيل لآخر كما يورثون المقتنيات الأثرية.

ومن ناحية ثانية، لا يمكن الاستغناء كليا عن البريد الورقي رغم تطور وسائل الاتصال الالكترونية، بسبب العيوب التي تهدد الأخيرة.

ولنابلس تاريخ طويل مع البريد، وعلى مدى أكثر من 170 عاما مرّ البريد الفلسطيني بخمس حقب زمنية رئيسية، كما شرح لنا عاشور.

وكانت بداية البريد بشكله الحديث عام 1840 في العهد العثماني، وفي العام 1849 تم افتتاح سبعة مكاتب للبريد فقط في كل فلسطين، أحدها كان في مدينة نابلس.

وبعد الاحتلال الانجليزي لفلسطين أنشئ البريد الفلسطيني في 1918 وصدرت طوابع فلسطينية تحمل اسم فلسطين بثلاث لغات؛ العربية والانجليزية والعبرية.

وفي تلك الحقبة صدر قانون رقم 115 المتعلق بالهاتف والبريد والبرق ونظم اعمال البريد عام 1930، واستمرت هذه الحقبة حتى انتهاء الانتداب البريطاني وقيام اسرائيل على جزء من ارض فلسطين عام 1948 لتبدأ بعدها مرحلة انقسام البريد بين شطري الوطن، ففي الضفة كان البريد تابعا للحكم الاردني، وفي غزة تحت حكم الادارة المصرية.

وبدأت الحقبة الرابعة باحتلال اسرائيل لما تبقى من الارض الفلسطينية عام 1967 ، وخضع البريد للحكم العسكري وكان قطاع البريد من اكثر القطاعات عرضة للرقابة الاسرائيلية والتفتيش بسبب وجود وارد وصادر من البريد.

أما الحقبة الأخيرة فهي حقبة السلطة الفلسطينية عام 1995 وبدأ معها تطور البريد بإصدار طوابع فلسطينية بحتة وكان اول طابع يحمل العلم الفلسطيني.

وبدأ بعدها التطور على البريد ببرمجة العمليات البريدية ضمن المعايير الدولية، ثم دخول فلسطين في العام 1999 كعضو مراقب بالاتحاد العالمي للبريد وشهد اكبر عملية اتمتة.

وفي عهد الوزير أ.د. اسحق سدر حدثت تطورات هائلة على البريد ومواءمته دوليا منذ العام 2019.

ففي 2021 حصلت فلسطين على الترميز البريدي والذي يعبر عن الهوية الوطنية الفلسطينية امام العالم، إذ قامت الادارة العامة للبريد بترميز فلسطين واستحداث الرمز البريدي الذي جعل لكل منشأة رمز بريدي خاص بها.

وهذا ترسخ من خلال قيام الاتحاد العالمي للبريد بإصدار شهادة على المعيار S42 تفيد بان فلسطين ملتزمة ومواءمة في العناوين كأية دولة، وبذلك تكون فلسطين سابع دولة عربية تحصل على هذه الشهادة، والدولة 37 على مستوى العالم.

ويشرح عاشور أهمية الترميز البريدي الذي يساعد ساعي البريد في ايصال المواد البريدية لاصحابها على عناوينهم مباشرة ودون الوقوع بأخطاء.

وتم كذلك انشاء بنك البريد وهو مشروع وطني يتم من خلاله صرف رواتب 14 الف اسير وجريح وذوي الشهداء من خلال مكاتب البريد المنتشرة في الضفة، وجاء ذلك بعد تضييق الاحتلال وفرض قيوده على البنوك التجارية بسبب صرف هذه الرواتب، وهناك الان 21 صرافا أليا لبنك البريد، ويتم تركيب المزيد من الصرافات الآلية.

وتم توسيع مكاتب البريد الرئيسية والفرعية وأصبح عددها 111 مكتبا بهدف تغطية الاماكن البعيدة والمهمشة والمستهدفة من الاستيطان، فضلا عن كون البريد أداة لترسيخ السيادة والوجود والهوية الفلسطينية.

وتم هذا العام افتتاح 12 مكتب بريد في كل المحافظات، كانت حصة نابلس منها 3 مكاتب؛ هي: عقربا وسبسطية وتل، بالاضافة إلى سبعة مكاتب سابقة.

ويقدم البريد الفلسطيني الان خدمة البريد العاجلEMS وتغطي 23 دولة عربية وعالمية، وتم التركيز على الدول التي يكثر فيها تواجد أبناء الشعب الفلسطيني خاصة الطلاب، لتبادل الهدايا والطرود.

وأطلق البريد موقعه الخاص palpost.ps والذي يوفر العديد من الخدمات التي تسهل على المواطن كحساب تكلفة البريد لأي دولة، وتتبع البعائث البريدية ومعرفة مكانها، ومعرفة الرمز البريدي الخاص بكل مبنى بالاضافة إلى الخدمات البلدية والادارية وتقديم شكاوي للادارة العامة للبريد.

ويوفر البريد خدمة اصدار شهادات عدم محكومية والتي يحتاجها الطلبة للدراسة في الخارج، وهذه الخدمة متوفرة في جميع فروع البريد، مما يتيح امكانية اصدارها ايام السبت حيث تتعطل وزارة العدل.

ويمكن من خلال مكاتب البريد تفعيل تطبيق (حكومتي) والتسجيل فيه بالاضافة إلى مكاتب وزارة الداخلية، ويقدم هذا التطبيق 17 خدمة من بينها خدمات مالية ويمكن الاستفادة منه لتقليل الوقت والجهد بانجاز المعاملات الحكومية.

لم تعد مهمة البريد ايصال الرسائل البريدية بشكلها التقليدي، لكن وظيفة البريد لا تقل أهمية عما كانت عليه في العصور السابقة، مع ظهور التجارة الإلكترونية، لكن الاحتلال الاسرائيلي كان ولا يزال عائقا أمام تطور البريد الفلسطيني وقدرته على تقديم خدماته بالشكل المطلوب.

وفي الفترة من عام 2010 إلى 2018 حجز البريد الفلسطيني في الاردن نتيجة منع الاحتلال دخوله إلى فلسطين بسبب وجود اسم فلسطين عليه، كما يتعرض موظفو البريد للتنكيل والمضايقات من الاحتلال مما يؤخر وصول البريد.

وفي العام 2019 اتخذ البريد الفلسطيني قرارا بمنع استقبال البريد الاسرائيلي، وبالمقابل عمل على تشجيع التجارة الالكترونية عبر توفير الرمز البريدي الفلسطيني، ووقع عدة اتفاقيات من بينها اتفاقية مع السوق التركي الذي يمنح خصما بنسبة 50% عند الشراء عبر الرمز الفلسطيني، كما وقع اتفاقيات مع بعض الشركات العالمية مثل "امازون" وقريبا مع شركة "علي اكسبرس".

ويبين عاشور أن بعض المواقع العالمية لا تقبل الاعتراف بالرمز الفلسطيني، الامر الذي يستدعي عدم الشراء منها والشراء من مواقع بديلة، خاصة وأن هناك مبالغ طائلة تذهب للاحتلال نتيجة عدم استخدام الرمز الفلسطيني.