منوعات

الأحد 09 أبريل 2023 6:26 مساءً - بتوقيت القدس

د. مفيد أبو عرقوب يسبر أغوار العتابا الفلسطينية بدراسة شاملة غير مسبوقة

رام الله- "القدس" دوت كوم - د. حسن عبدالله

‏يجد المهتمون والمتابعون للأدب والنقد في بلادنا أن أساتذة الجامعات الذين ينتجون نقدا برؤى منهجية، ‏هم قلة مقارنة بالعدد الكلي لأساتذة اللغة العربية وآدابها، وأساتذة النقد والأدب المقارن، وأقصد هنا كم ونوع النتاجات والمتابعات ‏النقدية المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية الرسمية والمجلات الثقافية المحكمة وغير المحكمة والكتب النقدية المتخصصة. 


‏أسماء النقاد الأكاديميين الحريصين منذ سنوات طوال على أداء رسالتهم النقدية، معروفة لدينا تماماً نحن الكتاب والأدباء والإعلاميين المهتمين بالأدب والنقد الذين يفرحنا ويثلج صدورنا أي إنجاز على هذا الصعيد.


‏وفي رأيي أن الرسالة ‏النقدية لا يحققها الموسميون في الإنتاج، وإنما أولئك الذين يحضرون في المشهد دائماً بشكل مكثف دون كلل أو ملل. 


‏استنادا إلى مواكبتي المستمرة للنتاجات تكونت لدي صورة واضحة عن الطاقات النقدية التي أكدت حضورها في المشهد، وقد تعززت هذه الصورة أيضاً من خلال عملي في الصحافة الثقافية والإعلام  الثقافي التلفزي ابتداءً من منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن ، وقد أتاح لي هذه العمل محاورة عشرات الأدباء والنقاد واطلاعي على جوانب مهمة من تجاربهم، ‏إلا أن الصورة التي بدت شديدة الوضوح في ذهني، تبين لي بعض النقص فيها، ‏لأنها لم تشمل الرموز النقدية كافة ، لاسيما بعد أن قرأت مؤخراً كتاباً نقدياً فوجئت بموسوعية مؤلفه المعرفية ‏التي تم توظيفها بطول نفس في التحليل والمقاربة والاستخلاص، ‏إلى جانب المهارة البحثية في استخدام عدد من المناهج النقدية في دراسة واحدة. ‏إنها طاقة الدكتور الناقد مفيد عرقوب الذي أهدى المكتبتين الفلسطينية والعربية دراسة نوعية بعنوان "بلاغة العتابا في فلسطين"، ‏واضعاً هذه التجربة الإبداعية في ميزان النقد. 


‏دراسة تستحق أن نحتفي بها ‏ونباهي بأن لدينا نقاداً حينما يشمرون عن سواعد أقلامهم ‏وينكبون على تفعيل أدواتهم ومنهجياتهم البحثية، يضعون بين أيدينا نتاجات، يتحتم علينا من منطلق مواقعنا الأدبية والإعلامية ، التعريف بها وتعميمها وتشجيع قراءتها ، بل وتقديم اقتراحات للجامعات والكليات باعتمادها ، ليتعلم من يتلمسون الطريق في الأدب والنقد كيف تُستخلص النتائج وتقدم  على أكف الجهد والمثابرة والمنهجيات، وكيف يأتي الحصاد حينما يكون الزرع نموذجياً. 


يقع كتاب د. عرقوب الصادر عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في 308 صفحة من القطع الكبير. 


قدَّم له التقديم الأول أمين عام الاتحاد الشاعر والمثقف المتمكن مراد السوداني، ومما ذكره في التقديم " في هذا الكتاب الذي جدله الباحث والناقد د. مفيد عرقوب من عروق الإبداع الريانة في الأدب الشعبي الفلسطيني، مظهراً الكثير من أبيات العتابا الخبية التي لم تلفحها شمس البحث والكشف والدرس قبلاً، في تنقيب دؤوب عن جواهر أبيات العتابا…".


قدَّم الدكتور حسين الدراويش التقديم الثاني للكتاب، مشيراً إلى أن ما جاء به د. عرقوب: "يأتي في سياق منظومة الأدب الشعبي الفلسطيني، وهو من الموضوعات الثرية التي أؤكد أنه لم يتناولها بحث من قبل في مواده وموضوعاته ومباحثه ومنهجه وأسلوب تناوله للعتابا الفلسطينية... ".


- أهمية الكتاب: 


أصاب د. عرقوب الهدف الذي وضعه نصب عينيه من خلال: 


1.سد النقص النقدي في تناول تجربة العتابا الفلسطينية، خصوصاً أنه لم يسبقه إلى هذا الميدان أي باحث من قبل، أي تقديم التجربة بالمنظور المنهجي وليس الارتجالي. 


2.برع الباحث في الجمع بين منهجيات بحثية، معتمداً قراءة النص قراءة جدلية فعلت فعلها في فهم النص بعمق، وبين جدلية الذاتي والموضوعي، وكذلك بين خاص الشاعر وعام الوطن أو القضية أو الحالة المعبّر عنها في العتابا، إضافة إلى تقليب النص للإمساك بحلقته المركزية عن طريق إثارة فضول السؤال. 


3.جاءت الدراسة النقدية غنية بالمعلومات التي استقاها الناقد من الكتب، ومن أفواه الشعراء الذين ذهب إليهم، ونقل أشعارهم من مصادرها الأصلية، حاورهم واستجلى أهم المراحل والمفاصل في تجاربهم، بعد تأكده من أن الاعتماد على المراجع المحدودة التي تناولت العتابا، لا يسعفه في الوصول إلى مراده، فقرر تدعيم ذلك بفعل ميداني، ليجمع في مشروعه بين المراجع النظرية والمراجع الميدانية. 


4.نستطيع أن نصف ما أنجزه د. عرقوب بأنه قد شكل عملاً تثقيفياً في موضوعه، من خلال سيل المعلومات والمعطيات والتفاصيل المتعلقة بالعتابا، مكوناتها، سياقاتها، موضوعها، قديمها وجديدها، ومكانتها في السلم الإبداعي. 


سلط الباحث الضوْء بأسلوب مشوق على المستوى اللغوي في العتابا، والوزن والقافية، والمحسنات البديعية، مركزاً على الجناس بالدرجة الأولى، وكذلك الرمز، مبيناً أن كل هذه المحسنات كانت مثابة الطبق الجمالي الذي حمل المضمون إلى الناس، وفي الحالة الفلسطينية فإن الوطن كان العنوان الأهم في مضمون العتابا الفلسطينية، حيث الاحتلال والتطلع إلى التحرر والاستقلال 


-القيمية التأريخية للدراسة:

بالرغم من ارتفاع نسبة المتعلمين في بلادنا، وأخص خريجي التعليم العالي، إلا أننا مازلنا نميل إلى التأريخ الشفوي، نتحدث عن محطاتنا التاريخية، بأحداثها وإنجازاتها وإخفاقاتها، وانتقالها من جيل إلى آخر. ومع أهمية التأريخ الشفوي فإنه يظل قابلاً للزيادة أو النقصان، ما يؤثر على المصداقية،

وهذا ينطبق على الثقافة والأدب أيضاً، فما كتب عن الشعر والأهازيج والأغاني في ثورة1936 مثلاً جاء متأخراً ومحدوداً ومبعثراً، وما كتب عن الحالة الثقافية والإبداعية قبل النكبة عانى ضعفاً ونقصاً وتشتتاً، الأمر ذاته ينسحب على التوثيق والتأريخ لتفاصيل التجربة الثقافية والإبداعية في انتفاضة العام 1987، وكذلك الوضع الثقافي والإبداعي في تجربة الاعتقال ….


إن القصور التأريخي ضيّع علينا معلومات ومعطيات كثيرة، لذلك فإن البحث والنقد  في تجربة العتابا الفلسطينية، قد حقق قيمة أدبية ونقدية، لكن إلى جانب هذه القيمة هناك قيمة تأريخية تمثلت في رصد التجربة وتتبع خيوطها في السياق التاريخي، والاستشهاد برموزها، ومميزات كل منهم ،مع إبراز الارتباط الوثيق للعتابا الفلسطينية بالمراحل النضالية، حيث اضطلع شعراء العتابا بدور تعبوي واستنهاضي، لايقل أهمية عن دور شعراء الفصحى في العمودي والحر. ولا نبالغ إذا قلنا إن العتابا تفوقت شعبياً لسهولة التداول والحفظ والإلقاء.


-مسؤولية الناقد


وعينه الاستشرافية:

العتابا الفلسطينية بتجلياتها الجمالية ومضامينها وأغراضها، هي فعل إبداعي بامتياز، شكلت لها البيئة الفلسطينية بمكوناتها الإنسانية والمادية بيئة إبداعية، ليتفاعل شعراؤها جدلياً مع هذه البيئة الغنية، ينهلون منها ثقافة ومعرفة، ثم يمارسون التأثير فيها فكرة وجمالا عن طريق حصيلتهم الإبداعية المحملة بمضامين عبرت  عن انتماء وطني عميق.


د. عرقوب بيّن بأسلوبه التنويري التثقيفي البعيد كل البعد عن "الأستذة"، كيف نقرأ النص وبأية أدوات ننظر إليه ونحلله.. وكيف نفكك الجملة ونركبها في إطار وحدة النص.. وكيف تثمر العلاقة التفاعلية بين الشكل والمضمون.. وكيف نجري مقارناتنا ومقارباتنا وماهي المعايير التي ينبغي اتباعها في ذلك..


نجح الناقد في كتابه حينما كثف تعبيره عن مسؤوليته الخاصة  تجاه التجلي الإبداعي في العتابا كتجربة شعرية فلسطينية انطلاقا:


أولاً- من دوره كمواطن فلسطيني غيور.


ثانياً-كأكاديمي يدرك رسالته جيداً.


ثالثاً- كباحث وناقد يتقن تحريك أدواته، ويعرف متى يرفع نبرته النقدية ومتى يخفضها، وبوصلته في ذلك فهمه وحسه ومنهجيته.


لقد قدم لنا رؤية نقدية واكبت موضوع بحثه في سيرورته وصيرورته، مستخلصاً استنتاجاته وتوصياته للجهات ذات الاختصاص، لإنتاج مزيد من الدراسات في هذا الموضوع، واعتماد العتابا في المدارس والجامعات الفلسطينية.


كان د. عرقوب في كتاب العتابا الفلسطينية ناقداً استشرافياً، جعلنا نرى ما بعد النص، أو ما بعد الحالة المدروسة، فالناقد الذي يكتفي بوصف النص، أو يصر على الالتصاق به، يكشف دون أن يقصد فقره المعرفي أو محدودية تجاربه.


ناقدنا وهو يتحفنا باستشرافيته، أكد لنا اتساع أفقه وغنى ثقافته، بعد أن كتب أبواب كتابه بقلم المثقف الذي حلل واستنتج وأوصى، وهو متشبث بتواضع الواثق، بمنأى عن أساليب النقد التنظيرية الاستعلائية التي تضع الحواجز بدل أن تبني الجسور.

دلالات

شارك برأيك

د. مفيد أبو عرقوب يسبر أغوار العتابا الفلسطينية بدراسة شاملة غير مسبوقة

المزيد في منوعات

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 212)

القدس حالة الطقس