فلسطين

السّبت 15 أكتوبر 2022 11:03 مساءً - بتوقيت القدس

صور|| "متين" و "الطبيب المشتبك" .. وحكاية "جنين" التي لا تنتهي

جنين - "القدس" دوت كوم - تقرير: علي سمودي -  في ساعة مبكرة من صبيحة يوم الجمعة، الذي كان من المفترض أن يمر هادئًا على الأقل صباحًا مع استعداد المواطنين لخطبة وصلاة ذاك اليوم العظيم، أبى الاحتلال إلا أن ينتهك حرمة ذاك اليوم، وواصل استهدافه وعدوانه على مدينة ومخيم جنين وأهلها بدعوى ملاحقة من يسميهم بالمطلوبين.


تفاصيل العدوان.. 


استيقظ السكان على أزيز الرصاص يدوي في جنبات المخيم، ليوقظ الجميع مذعورين، فقد اعتادوا على أن يحمل هذا الصوت أخبارًا موجعة عن شهداء وجرحى أي عدوان اسرائيلي، والذي كانت آخر صوره يوم السبت الماضي الذي سبق عدوان الجمعة، بعد أن  هاجم الاحتلال المخيم، مما أدى لسقوط ثلاثة شهداء وعدد آخر من الجرحى، ليرتفع عدد الشهداء الذين ارتقوا في محافظة جنين لـ 46 منذ بداية العام الجاري، بينهم الصحفية شيرين أبو عاقلة والطبيب الدكتور عبد الله الأحمد "أبو التين" وأطفال والعديد من المقاومين.



تتعدد الصور والمشاهد المروعة خلال عمليات الاحتلال، وتروي المواطنة خيرية حسن من المخيم، إحداها لمراسلنا، وتقول: "وقعت أرضًا خلال عملي في المطبخ من هول الصدمة، وشعرت أن الرصاص في منزلنا القريب من العمارة التي اكتشفنا لاحقاً، أنه تم احتلالها لنصب أحد الكمائن فيها، وحينها ركضت نحو أطفالي بحالة رعب وهم يلهون في  ساحة المنزل وجمعتهم ودخلنا المطبخ، وبقينا هناك من خوفنا لمدة نصف ساعة، وأنا أدعوا الله ليحمينا ويحمي المخيم، فكلما سمعنا رصاص، نشعر أن الجميع تحت الخطر".


بالعودة للمشهد، سبق الرصاص، تسلل أكثر من 30 مستعربُا كما أظهرت كاميرات المراقبة في المخيم لاحقًا، اقتحموا عمارة مصطفى القنيري المرتفعة والتي تطل على الأزقة الرئيسية، واقتحموا المنازل واحتجزوا سكانها، ونصبوا داخلها  كمائن للمقاومين، كما اقتحمت قوة أخرى، منزل ضياء سلامة الذي تزعم اسرائيل إنه مطلوب، وخلال دقائق اقتحموه وانسحبوا قبل أن يستيقظ "عش الدبابير".


في هذا الوقت، استكمل المستعربون مهمتهم، وحسب ما أفاد شهود عيان لـ "القدس" دوت كوم، فإنهم أشهروا أسلحتهم بوجه الأهالي، وهددوهم، واقتادوهم لغرف صغيرة داخل منازلهم، وصادروا هواتفهم الخلوية، واحتجزوهم وسط حراسة مشددة حتى نهاية العملية، بينما توزعت فرق القناصة على النوافذ الرئيسية المطلة على أزقة المخيم لرصد تحركات المقاومين واصطيادهم بعد الفشل الذريع والكبير لأجهزة الأمن الإسرائيلية في الوصول للمطلوبين خلال العمليات والتوغلات العسكرية التي تنفذ ليلاً على مدار العام المنصرم وأكثر.



استحكم المستعربين في العمارة والمنازل، لكن خبر التسلل للمخيم، انتشر بسرعة كما يروي أحد المقاومين لمراسلنا، والذي قال:"الوحدات الخاصة استغلت الصباح الباكر والجمعة.. وتسللت لارتكاب جريمة جديدة واستهداف المقاومين، ولولا يقظتنا لكانت النتيجة والكارثة أكبر .. وصلتنا اخبار عن دخول وحدات خاصة للمخيم من المدخل الفرعي، لكن بسبب وجود عمارات ومنازل متلاصقة لم نتمكن من معرفة أين دخلت، لكن في النهاية وصلنا إليهم، وأُعلن الاستنفار".


متين والمسعفون..


يروي المقاوم: "سارع الجميع لتمشيط عاجل في أزقة المخيم، وتمكن بعضنا من تحديد موقع المستعربين، فأطلقنا الرصاص وبدأت الاشتباكات العنيفة".


هب شبان المخيم مع المقاومة، وتقدم المقاتلون نحو الموقع، وكان في مقدمتهم المقاوم متين ضبايا (26 عامًا)، من القادة الميدانيين لكتيبة جنين.


يروي سكان الحي لـ "القدس" دوت كوم، أن الشهيد متين فتح سلاحه على المستعربين في مكمنهم، وشن عدة هجمات بجرأة وشجاعة مع مجموعة من رفاقه حتى تمكن قناص إسرائيلي من اصابته بشكل مباشر، فسقط على الأرض وسط الشارع المؤدي للعمارة، مما أثار غضبًا شديدًا في صفوف المقاومين الذين شرعوا في مهاجمة المستعربين من كافة الاتجاهات.



بقي متين ممدًا على الأرض مضرجًا بدمائه، دون أن يتمكن رفاقه من الوصول إليه لإخراجه وانقاذه، فالمنطقة مفتوحة كما قال المقاوم "أبو داوود" لـ "القدس" دوت كوم، ومكشوفة بشكل مباشر أمام المستعربين ورصاصهم الذي استهدف طواقم الاسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.


لم يتمكن أحد من اخراج متين من المنطقة، بينما دفع الاحتلال بتعزيزات عسكرية، وبدأت الدوريات الإسرائيلية باقتحام أطراف المخيم، في وقت كانت فيه طواقم الاسعاف تحاول الوصول للمقاوم (متين) الممدد أرضًا، ويقول ضابط الاسعاف خالد الأحمد لمراسلنا: "تلقينا اشارة حول اصابة شاب، وتوجهنا للموقع بكامل زينا كمسعفين بواسطة سيارة اسعاف أوقفناها في مدخل الشارع مباشرة قبالة قوات الاحتلال، وحين دخلت الشارع بضع خطوات انهمر رصاص تلك القوات نحونا، فركضت وأصبت بشظايا الرصاص، كما أصيب اثنين من زملائي المسعفين بشظايا أيضًا".


وصف الأطباء في مشفى ابن سينا التخصصي، اصابات المسعفين بالطفيفة، لكن الدكتور وسام بكر مدير مشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي، أوضح أن متين ضبابا أصيب بعدة رصاصات توزعت في أنحاء جسده أدت لاستشهاده، وبحسب الشهود، بقي ممدًا حتى تمكن  الجندي المجهول وطبيب الواجب الإنساني الدكتور مجيد ارشيد اخصائي التخدير من انقاذه.


وأفادت مصادر محلية، أن الدكتور ارشيد وعند سماعه باصابة شاب يصعب الوصول إليه وقناصة الاحتلال تستهدف طواقم الاسعاف بالرصاص وتمنعهم من الوصول إليه، ترك مناوبته في المشفى، وقرر تولي مهمة انقاذ ذلك المصاب بدافع الإنسانية وفطرة الشجاعة الاخلاقية بداخله، فخرج مع طواقم الاسعاف ووصل إلى مكان ارتقاء الشهيد متين وسحبه من أمام عدسات القناصة غير مبال لحياته، مجسدًا أروع صور الالتزام بقسمه عندما بدأ بمزاولة مهنة الطب.



الطبيب المشتبك..


لم ينتهي المشهد والعملية، فاستشهاد متين فجر الغضب، واستنفرت المقاومة في المخيم لتخوض اشتباكات مسلحة للاحتلال الذي أطلق النار فأوقع المزيد من الإصابات، بينها الدكتور عبدالله الأحمد "أبو التين" الذي أصيب خلال تصديه للاحتلال، على بعد مئة متر من مدخل مخيم جنين، كما أعلنت عن ذلك كتائب شهداء الأقصى والتي قالت إن "الطبيب المشتبك من قادتها ومقاتليها الذي كان يؤدي رسالته الإنسانية في خدمة شعبه والمرضى نهارًا والانضمام لصفوف المقاومة ليلاُ، والمشاركة في التصدي للاحتلال خلال كل عمليات توغل".


وقال أحد المقاومين عن الطبيب الأحمد: "كان يحمل في حقيبته أدوية وضمادات ليعالج الجرحى، وسلاحه وعتاده العسكري لمقاومة الاحتلال، لقد كان مقاومًا صلبًا .. شجاع وبطل ومقاتل شرس".


ورصد الشهود أحد قناصة الاحتلال وهو يطلق النار على الطبيب المشتبك، والذي أصيب بعيار ناري في الرأس اخترق العين، وحاول زملائه الأطباء إنقاذ حياته إلا أنه استشهد بعد نحو ساعة من إصابته، كما يفيد بذلك الدكتور وسام بكر.



امتزجت الأهازيج بالدموع وصرخات الغضب في وداع متين والأحمد، خلال مسيرات حاشدة غصت بها شوارع مدينة جنين ومخيمها على مدار يوم الجمعة، وبرز فيها المشاركة الكبيرة للمقاومين، ومجموعة كبيرة من الكوادر الطبية والتمريضية من كافة أرجاء الوطن.


الناطق باسم كتائب الأقصى "أبو داوود" قال لمراسلنا: "خسرت جنين اثنين من مقاوميها الأبطال والأوفياء، لكن نقسم أن نكمل مشوارهما، ولن نتخلى عن بنادقنا وسنستمر في المقاومة وتحدي الاحتلال مهما استخدم من أساليب ووسائل وارتكب من جرائم  .. سنعلم الاحتلال أن دم طبيبنا وقائدنا الدكتور لن يذهب هدرًا، وبندقية عبدالله ومتين ستبقى مشرعة".


أما أبو جميل الناطق باسم كتيبة جنين"، فقال لمراسلنا: "هذه جولة جديدة مع الاحتلال ضمن معاركنا المستمرة، وسنبقى نقدم الشهداء من أجل فلسطين، ولكن الاحتلال سيبقى يدفع الثمن ولن نفرط بعهدهم ووصاياهم".


دموع وغاريد ..


ووسط الدموع، قالت والدة الشهيد متين "تمنى الشهادة ونالها، كلما كنت أطلب منه الزواج كان يرفض ويبلغني أنه اختار الجهاد والشهادة، الحمدلله عاش بطلًا واستشهد مقاومًا، لحق برفاقه جميل العموري وعبد الله الحصري وداوود الزبيدي ..  لم يكن ينام، وفي كل الأوقات يقاوم الاحتلال .. ميروك عليه الشهادة".



أما والدة الشهيد عبدالله، فلم تتوقف عن البكاء منذ وصولها خبر إصابته وحتى اعلان استشهاده، وبمشهد أبكى جموع المحتشدين بمنزل أسرتها في حي جنين الشرقي، ودعت حبيب قلبها الذي أصرت على اللحاق بمسيرة تشييعه، بل وانتظرت حتى انتهت مراسم الدفن، ثم ألقت بنفسها قبر ضريحه الذي غسل ترابه بدموعها، وهي تردد وتصرخ بلوعة ووجع "عبدالله .. يا حبيب قلبي .. لمن تركتني .. ارجع لاحضاني، من سيحضر لي الدواء؟، ومن سيرعاني بعدك؟"، أما خاله الذي أشرف على تربيته مع باقي أخواله، فقد حبست الدموع كلماته، وعجز عن الحديث لحظة عناقه ووداعه، وكانت عبارته الوحيدة "سنفتقدك ونشتاق إليك، أوجعت قلوبنا .. ربنا تقبله شهيدًا مثلما احب وأتمنى".


وفي تأبين الشهيدين، قال المطارد فتحي خازم "أبو الرعد": "برحيلهما .. خسرت المقاومة وجنين وفلسطين مقاتلين وبطلين، لكن نعاهدهم على إكمال المشوار حتى تحقيق أهدافهم وأحلام كل الشهداء، فإما النصر أو الشهادة". 

دلالات

شارك برأيك

صور|| "متين" و "الطبيب المشتبك" .. وحكاية "جنين" التي لا تنتهي

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

السّبت 27 أبريل 2024 8:23 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.81

شراء 3.79

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.05

دينار / شيكل

بيع 5.41

شراء 5.39

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%73

%22

%5

(مجموع المصوتين 167)

القدس حالة الطقس