فلسطين
السّبت 08 أكتوبر 2022 7:13 مساءً - بتوقيت القدس
"محمد" خرج إلى عمله فعاد شهيدًا محمولًا على الأكتاف
جنين - "القدس" دوت كوم - علي سمودي - طوال عمرها، لن تنسى الوالدة الأربعينية هناء هشام، لحظات الألم والصدمة الموجعة التي عاشتها عندما وصلها نبأ إصابة بكرها وأحب الناس لقلبها، محمد هشام يوسف أبو ناعسة، في صبيحة الأربعاء الماضي الذي تعتبره أسود أيام عمرها.
كانت الأم المكلومة كثيرًا ما تذرف الدموع على الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الاسرائيلي على المخيم في الآونة الأخيرة، حتى انضمت لأمهاتهم، وانهارت حزنًا عندما شاهدت محمد شهيدًا برصاص الاحتلال الذي حرمها فلذة كبدها، وحول حفيدها آدم وتالين إلى أيتام.
غادر محمد في ذاك اليوم منزله مبكرًا إلى مكان عمله المنتظم في بلدية جنين، ثم عاد محمولاً على الأكتاف، ليكون شهيد جنين الرابع، والضحية الشاهدة على جرائم الاحتلال التي لا تتوقف.
قبل حديثها لـ "القدس" دوت كوم، عانقت أم محمد طويلاً، آدم 4 سنوات، وتالين عامين ونصف، فهما الآن الأحب لقلبها، فهما "من رائحة محمد .. لم يبقي لي سوى زوجته وطفليه، وربي يصبرنا جميعًا .. ما ذنب أحفادي ليعيشوا أيتامًا، وتكون بداية حياتهم نحو القبور". كما تقول.
وتضيف "ابني لم يكن مسلحًا ولم يشارك في المواجهات .. كان عائدًا من عمله لمنزله، ولم يشكل على أمن الاحتلال أي خطر.. فلماذا قتلوه بدم بارد؟!".
تتذكر اللاجئة هناء، لحظات ذلك االصباح الذي استيقظت فيه كما باقي أهالي مخيم جنين على صوت الرصاص والانفجارات صوت الدوريات وهدير الطائرات، ثم كانت اللحظات الصعبة، عندما بدأت المسيرات الرمزية لأول شهيدين في شوارع المخيم، حيث وقفت الوالدة أبو ناعسة على بوابة منزلها في المدخل الرئيسي للمخيم تتابع المسيرات والتشييع ، وهي تبكي حرقةً عليهم، لكنها حتى في أسوأ كوابيس حياتها لم تتوقع أن ترى بكرها وحبيب قلبها مثلهم بعد أقل من ساعة.
تقول الأم: "عندما مرت المسيرة من أمام منزلنا، كنت أبكي وأقول: الله يصبر قلوب أمهاتهم؛ وفجأة رن هاتفي بشكل متكرر والجميع كان يسألني ماذا يوجد في بيتكم"، مشيرًا إلى أن نجله محمد غادر عمله من مقر البلدية، بعد بدء عملية الاحتلال، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى المخيم بسبب انتشار الاحتلال وكثافة إطلاق النار.
في تلك اللحظات كان محمد مصابًا برصاص الاحتلال، وفور نقله إلى المستشفى أعلن عن استشهاده، فازدادت مشاعر السخط والغضب على الاحتلال، وسرعان ما نشر نشطاء على شبكات التواصل، آخر عبارة كتبها الشهيد على صفحته في فيسبوك صبيحة يوم استشهاده، والتي كتب فيها: "في صباح كل يوم أقول يا رب أكرمني إذا لم يكن لأني استحق، فلأنك كريم"، وقال ابن عمه نضال "رب العالمين استجاب له ولبى النداء، وأكرمه بالشهادة".
في غضون ذلك، وقبل الإعلان في مساجد المدينة عن استشهاده، وخلال دقائق معدودة، تلقت الوالدة أم محمد عدة اتصالات معلوماتها متضاربة، لتعيش مشاعر الرعب وهي تبحث عن الحقيقة، بينما كان زوجها الخمسيني هشام والذي يعمل في الداخل المحتل، يواصل عمله بشكل طبيعي، ويقول: "سمعت بخبر الاقتحام، فأرسلت لمحمد رسالة صوتية للاطمئنان عليه، فرد بمثلها فأبلغني بأنه في منزل صديقه، ولم يستطع الدخول للمخيم، فطلبت منه البقاء، وعدم العودة قبل التأكد من خروج قوات الاحتلال .. وبعد دقائق لم تتوقف الاتصالات عن هاتفي، فعلمت أن ابني استشهد، فعدت سريعًا إلى جنين وأنا أحاول طوال الطريق الاتصال على هاتفه الذي كان رده بأنه مغلق".
ويوضح أبو ناعسة نقلاً عن شهود عيان، أنه مع استمرار العملية الإسرائيلية غادر محمد جنين وتوجه للمخيم من شارع حيفا المؤدي لحي الزهراء بعدما سمع بانسحاب الاحتلال، لكنه شاهد في الطريق عدة دوريات، فتوجه إلى محلات قريبة تقع في المنطقة، واختبئ كباقي المواطنين بسبب قيام الاحتلال باطلاق الرصاص بكثافة، ورغم اختبائه أصيب بعيار ناري بالرأس، وبعد نقله للمستشفى استشهد على الفور.
في ذلك الوقت، كانت الوالدة "هناء" ما زالت تعيش دوامة رهيبة في ظل تضارب الأنباء، فأطلقت العنان لقدميها وهي تركض نحو المستشفى للبحث عن حبيب قلبها بين الجرحى وفي الأقسام، وتقول: "شعرت أن روحي اختنقت خلال سماع الكثير من القصص حول مصير ابني، فركضت دون التفكير سوى بالوصول إليه والاطمئنان عليه، وقبل أن أفرح عندما لم أجده بين الشهداء انهار قلبي عندما رأيته شهيدًا في الغرفة الأخرى".
تمردت هناء وأسرتها على الألم والوجع وعانقت كنتها وطفليه لدى احضار جثمان ابنها لتشييعه، وأصرت على وداعه بالزغاريد، وتقول بلغتها البسيطة: "ودعته بشكر الله، وقلت له الحمد لله أنك بطل، سلم على الرسول عليه السلام .. ربي يرضى عليك، ويتقبلك .. أنا فخورة وحزينة، وأشعر أني وسط حلم أنتظر أحد أن يصحيني، لكن مبارك لمحمد الشهادة، فقد كان يتمناها منذ زمن بعيد، ونالها لأنه استحقها".
أما الوالد الذي انشغل بالتخفيف من وطأة ألم عائلته، فقال: "رب العامين هو الذي يختار الشهداء، وأنا فخور جدًا بابني، ولم ولن نخاف من تهديدات الاحتلال، فإذا رحل الغالي، فلا أسف على رخيص".
و يعتبر الشهيد أبو ناعسة باكورة أبناء عائلته المكونة من 5 أفراد، حيث نشأ وتعلم في مدارس مخيم جنين حتى أنهى الثانوية العامة ثم التحق بجامعة القدس المفتوحة، وتخرج منذ عامين بشهادة بكالوريوس في التربية، وتقول والدته: "منذ صغره كان عصامي وخلوق ومرضي والدين بل إنه أكثر أبنائي قربًا لي .. اجتماعي ويشارك الناس أفراحهم ومناسباتهم".
وتضيف: "اعتمد على نفسه طوال حياته، وكان عصاميًا يعمل ويدرس، وتزوج من اعتماده على عمله، كان يقدم للتعليم كل عام ولكنه لم يحالفه الحظ بوظيفة،ومنذ فترة أصبح عاملاً في بلدية جنين حتى استشهاده، ودائمًا كان يتحدث عن أحلام ومستقبل جميل لطفليه، لكن رب العالمين اصطفاه شهيدًا".
دلالات
الأكثر تعليقاً
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
أي شرق نريد؟
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44,282
بلينكن: نريد أن يعيش سكان غزة من دون حماس
سموتريتش: يجب احتلال قطاع غزة
أردوغان: مبادرة بايدن الجديدة لوقف النار في غزة متأخرة لكنها مهمة
الأكثر قراءة
تحذير أميركي من إطلاق سراح المستوطنين المتهمين بالعنف ضد الفلسطينيين
أسقط الأقنعة عن الدول المتواطئة.. قرار "الجنائية" فضح السردية الـمُلفّقة
شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد
مهّدت له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.."بسط السيادة" على الضفة.. أوهام التوسع والسيطرة
الرئيس يصدر إعلانا دستوريا بتولي رئيس المجلس الوطني مهام رئيس السلطة الفلسطينية حال شغور المركز
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أي شرق نريد؟
أسعار العملات
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 10:27 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 136)
شارك برأيك
"محمد" خرج إلى عمله فعاد شهيدًا محمولًا على الأكتاف