فلسطين
السّبت 04 يونيو 2022 11:28 صباحًا - بتوقيت القدس
بعد أن كان سيد المطبخ.. "بابور الكاز" يتحول إلى قطعة انتيكا
نابلس – "القدس" دوت كوم - آية عبيد/ مدار للصحافة والاعلام - على الرغم من الاستخدام الواسع لأحدث ما توصلت إليه التقنيات في مجال طهو الطعام وتسخينه من مواقد الغاز والكهرباء، الا أنه في فلسطين ما تزال هناك "قلاع" حرفية تقليدية صامدة في وجه الزمن ورياح التغيير.
ففي محله الصغير والبسيط الذي تفوح منه رائحة الكاز، داخل أروقة نابلس القديمة، يجلس الستيني (ابو نضال عودة) على كرسيه محاطًا بمجموعة من بوابير الكاز القديمة أو قطعًا منها، متباهٍ بحبه لمدينته ولتاريخها وحضارتها، ومشيرًا إلاّ اأه وبمهنته كمصلِّح لبوابير الكاز، إنما يحافظ على إرث وتراث الآباء والأجداد.
ويقول عودة، وهو يتفحص تفاصيل بابور كاز بِعمر أيام البلاد محاولا اعادة الحياة له واشعال ناره من جديد، بأنه يعمل في مهنته هذه منذ أكثر من عقدين من الزمان، وقد ورثها عن والده وعمه اللذين عملا في ذات المهنة لأكثر من نصف قرن.
ويتحدث باسهاب عن مزاولته لهذه المهنة التي أحبها، والتي استطاع من خلالها نسج علاقات مع شريحة كبيرة من أبناء المدينة.
"هذه المهنة هي جزء من التراث الفلسطيني، ولكنها تعرضت للاندثار بفعل التقدم التكنولوجي الكبير في مختلف المجالات".. يقول عودة.
ويبتسم الرجل وهو يشرح طريقة استخدام البابور، موضحا: "يعمل بابور الكاز وفق آلية بسيطة تشمل ضخ مادة الكاز من الخزان النحاسي إلى الرأس مرورَا بالأنابيب، من خلال دفع الهواء بواسطة مفتاح طويل يتم "دَكُّه" بشكل متواصل لحين تحول مادة الكاز من الحالة السائلة إلى الغازية، ويتم اشعاله بواسطة عود ثقاب أو ولاعة، فيشتعل رأس البابور وما هي سوى لحظات حتى يتوهج ويصبح لون اللهب أزرقًا".
ويضيف عودة: "سابقَا كان البابور يستخدم في كثير من الأشياء كطهو الطعام، أو اعداد الشاي والقهوة، أو تسخين الماء للغسيل والاستحمام".
ويتابع: "نتيجة تطور الحياة وظهور مواقد الغاز المطبخية بكافة أشكالها، ناهيك عن الأدوات الكهربائية، أصبحت بالكاد أصلح بابورًا واحدًا كل أسبوع، الأمر الذي دفعني لإجراء بعض التعديلات على طبيعة مهنتي حيث أدخلت تصليح (النرجيلة)، وكافة أشكال أجهزة الغاز وصوبات الكاز وقوالب الفلافل ومناقل النار".
ويشير عودة إلى أن من زبائنه اليوم من يشترون بوابير الكاز لاستخدامها كتحفة أو قطعة انتيكا في منازلهم، في حين أن آخرين ورثوا هذه البوابير عن آبائهم وأجدادهم، وتراهم يحافظون عليها ويقومون بصيانتها ما بين فترة وأخرى.
ويستخدم عودة بعض الأدوات البسيطة اللازمة لصيانة البوابير والتي اعتاد على استخدامها منذ القدم، مثل ماكنة اللحام، والمِسنّ القديم، وكذلك المِسنّ الكهربائي الذي يساعده على انجاز عمله بشكل اسرع.
وتقول الثمانينية سميرة السعد "أم محمد" من مخيم عسكر بأنها تتذكر كيف كان السمكري المرحوم نمر الفار، يتجول في المخيم مناديا: "جاء مصلح بوابير الكاز"، فتتجمع حوله النسوة، إحداهن تمسك بيدها بابورها الذي تشحبر، وأخرى تحمل طربوش بابورها المهترىء، فيقوم السمكري بتفحصها جميعا واصلاحها مقابل بعض المال.
وتضيف كان السمكري يجلس في ساحة البيت إن كان له ساحة، وفي الطريق إذا لم يكن للبيت ساحة، واضعًا عدّتّه وفاردًا ما في حقيبته من رؤوس بوابير لامعة جديدة، ونكّاشات، وماء نار، وجِلَدًا و"ستيمات" وكلها تلزمه في عملية الصيانة، وفي أغلب الحالات تكون المشكلة في جلدة الستيم فيقوم بتغييرها، أو بانسداد في مجرى خروج الكاز لما كان يحتويه هذا الكاز من أوساخ فيقوم بفتحها مستعملاً نكاشة البابور، وكان عادة ما يطلب كوبا من الشاي حتى يستطيع التركيز في عمله.
وتشير المعطيات إلى أن بوابير الكاز قد اجتاحت منازل الفلسطينيين في المدن الكبيرة خلال أربعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي كان فيه أهالي القرى الصغيرة يعتمدون بشكل أساسي على الحطب بسبب الطبيعة الجغرافية لقراهم وكثرة الأشجار والحطب فيها.
ومع انتشار تلك الآلة التي كان يُنظر لها على أنها تكنولوجيا متقدمة في حينه، حيث أراحت النساء من عناء إشعال نار الحطب والنفخ وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان، اكتسب "البابور" قيمة وأهمية كبيرة، لدرجة أنه برز كتقليد أساسي في الأعراس الفلسطينية، حيث كانت تحرص الفتيات في وقت من الأوقات على شرائه وحمله معها إلى منزلها الجديد لدى زواجها، كقطعة أثاث هامة.
ويتكون بابور الكاز من حوض أو خزان دائري محكم الاغلاق مصنوع من النحاس، يُملؤ بوقود الكاز، وأعلاه فوهة للاشتعال تسمى رأس البابور، يركب عليها إطار معدني مفتوح يسمى الطربوش، الذي يعمل على زيادة قوة تركيز نيرانه وفي أسفل الراس توجد عين ينطلق منها بخار الكاز بفعل الضغط في خزان الكاز، ليشتعل أعلى راس البابور، مصدرًا لهبًا قويًا، وعين البابور قطعة صغيرة مضلعة، بها ثقب يخرج منها الكاز الذي يتبخر لدى خروجه بسبب حرارة الرأس، وتسمى هذه القطعة "عين البابور"، وإذا ما انسدت عين البابور تم فتحها بـ"نكاشة البابور" أو "إبرة البابور".
وفي ظل حداثة وتكنولوجبا الحياة والمجتمع يبدو أن بابور الكاز خُلع عن عرشه، ليعتلي العرش كل من الغاز المنزلي والمواقد والأدوات الكهربائية الحديثة تاركة بابور الكاز يتقاعد بسلام ويصبح من صفحات التاريخ والتراث.
الأكثر تعليقاً
ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
أي شرق نريد؟
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الأكثر قراءة
أي شرق نريد؟
الحكومة الإسرائيلية توافق على قطع العلاقات مع صحيفة "هآرتس"
الفيتو في مجلس الأمن... أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
الفيتو في مجلس الأمن.. أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 107)
شارك برأيك
بعد أن كان سيد المطبخ.. "بابور الكاز" يتحول إلى قطعة انتيكا