Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأربعاء 26 فبراير 2025 8:44 صباحًا - بتوقيت القدس

المنطلقات الدينية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية

ما من شك في أن البعد الدولي، كان وما يزال، أحد أهم جوانب التأثير على القضية الفلسطينية، حيث ارتبط الموضوع الفلسطيني منذ بدايته بمصالح الدول الكبرى منذ أكثر من قرنين من الزمن. فقد كان نابليون يرى في فلسطين ليس مكاناً مقدساً فحسب، وإنما ذو أهمية جيوسياسية وجيواقتصادية وتحقيقاً لمشروعه المتمثل في الحصول على موطئ قدم استراتيجي في المنطقة، وقطع الطريق على بريطانيا، ومناداته بتوطين اليهود في فلسطين، داعياً في الوقت عينه لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بوصفهم الورثة الشرعيين لفلسطين. وبعد أن فشل نابليون في ذلك، كانت الحظوة لبريطانيا منذ سايكس – بيكو ، مروراً بوعد بلفور عام 1917 وقرار التقسيم 1947 ، وانتهاءً بإعلان قيام دولة الاحتلال على الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية، إلى أن أفل نجمها ( أي بريطانيا) كقوة استعمارية، بخروجها كلاعب مؤثر من المسرح الدولي وانكفائها في جزرها. حيث صعدت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى جديدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقبل ذلك عقد المؤتمر الصهيوني غير العادي باسم مؤتمر (بيلتمور) في نيويورك في أيار 1942، وذلك بسبب تعذر انعقاده في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، وفي خطابه أكد بن غوريون أن بريطانيا تسير في طريق الانحدار وأن الولايات المتحدة هي القوة الصاعدة التي ستحل مكانها. 

تستند الإستراتيجية الأمريكية في مختلف مناطق العالم، بما في ذلك المنطقة العربية، إلى مرتكزات أساسية تهدف إلى تحقيق مصالحها القومية وتمرير سياساتها الخارجية. وتحتل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة العالم العربي، موقعاً محورياً في هذه الإستراتيجية، نظراً لأهميتها الجيوسياسية وموقعها الاستراتيجي ضمن مشروع الهيمنة الأمريكية، الذي يمتد ليشمل القوقاز وآسيا الوسطى. ولذلك تعتمد الولايات المتحدة في سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية دائماً على الثابت والمتغير في تلك السياسة، مستندة على آلية محددة تصنع من خلالها السياسة الخارجية الأمريكية، أو بعبارة أخرى كيف تصنع السياسة الخارجية الأمريكية ومن يصنعها، ودور مختلف المؤسسات في ذلك وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة، والكونجرس بشقيه النواب والشيوخ، وجماعات الضغط والمصالح ومراكز الأبحاث ... الخ ، هذا إلى جانب دور الدين في رسم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.

كما أن هناك مجموعة من المحددات الداخلية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية منها على سبيل المثال تأثير الرأي العام الأمريكي ودور جماعات الضغط، مع التركيز بشكل خاص على جماعات الضغط الصهيونية التي تمارس نفوذاً كبيراً في تشكيل مواقف الولايات المتحدة تجاه القضية، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المنطلقات الدينية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، والتي ربما تكون الإضافة الأهم والأبرز لهذه السياسة، والتي تركز على البعد الديني في السياسة الخارجية تجاه فلسطين تاريخياً، وبالتالي مدى تأثيرها على الصراع العربي الإسرائيلي.

أعتقد أن أحد أهم أسباب ثبات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ارتكازها على المنطلقات الدينية وعلى الأبعاد الروحية للإدارات الأمريكية المتعاقبة. ومن أجل فهم أعمق للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، لا بد من العودة للبدايات لا سيما إلى العلاقة التي ربطت الولايات المتحدة بالحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول الذي عقد بمدينة بازل في سويسرا عام 1897، هذا إلى جانب موقف الولايات المتحدة من إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والدور الذي لعبته في إنشاء دولة الاحتلال سواء في الأمم المتحدة (قرار التقسيم) أو من خلال العلاقة الثنائية بين الطرفين، وتطور العلاقة بين الدولتين وصولاً إلى التحالف الاستراتيجي بينهما في عهد الرئيس رونالد ريغان.

ولا أدل على ذلك النفوذ القوي للّوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي يستند إلى ثقافة سياسية قائمة على ارتباط وثيق بين الدين والسياسة، حيث يتم تصوير "الصهيونية" ضمن السياق الأمريكي على أنها امتداد لكلمة "الرب"، ما يمنح إسرائيل بعداً دينياً مقدساً، يجعلها في نظر العديد من التيارات السياسية والدينية مشروعاً (إلهياً) يجب دعمه وحمايته. هذا التصور العميق في الثقافة السياسية الأمريكية يترجم إلى سياسات خارجية منحازة بشدة لإسرائيل، حيث يتم تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية غير المشروطة كجزء من التزام أمريكي "أخلاقي" تجاه إسرائيل.

من خلال استغلال هذا التداخل بين البعد الديني والسياسي، نجحت الجالية اليهودية في الولايات المتحدة في لعب دور محوري في التأثير على السياسة الأمريكية، لا سيما من خلال مؤسساتها المتعددة التي تعمل في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، والإعلامية. ومن بين هذه المؤسسات، تحتل منظمة "إيباك" (AIPAC) موقعاً استراتيجياً باعتبارها الذراع الأهم للحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، حيث تمارس نفوذاً واسعاً على دوائر صنع القرار في الكونغرس والإدارة الأمريكية، في الوقت نفسه تعمل جماعات إنجيلية أخرى مثل "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل (CUFI) على ترسيخ الدعم الشعبي والسياسي لإسرائيل، وتلعب دوراً كبيراً في توجيه السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وفي إضفاء "شرعية" على السياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، حتى إذا ما تناقضت تلك السياسات مع مبادئ القانون الدولي أو تسببت في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. إذ يتم تصوير أي انتقاد لهذه السياسات على أنه معادٍ للسامية أو تقويض للقيم الديمقراطية الأمريكية، مما يحد من أي محاولات جدية لمساءلة إسرائيل عن ممارساتها، مستغلة الروايات الدينية لتعزيز أجنداتها. 

علاوة على ذلك، فإن بنية النظام السياسي الأمريكي، القائم على جماعات الضغط والتمويل السياسي، تُسهل لمؤسسات مثل (إيباك) التأثير على توجهات السياسة الخارجية من خلال دعم حملات انتخابية للمرشحين الذين يتبنون مواقف داعمة لإسرائيل، مقابل الضغط على من ينتقدها، مما يخلق بيئة سياسية تتجنب طرح أي سياسات قد تضر بالمصالح الإسرائيلية.

في المقابل، تستخدم هذه المنظومة الفكرية والسياسية لتبرير السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، حيث يتم تصوير إسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بينما يتم تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب. وبهذا الشكل، تصبح السياسة الخارجية الأمريكية انعكاساً لرؤية دينية- سياسية تُشرعن الاحتلال وتقلل من أهمية الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية.

بناءً على ذلك، فإن العلاقة بين السياسي والديني في السياق الأمريكي لا تقتصر فقط على الخطاب، بل تمتد لتكون أداةً تستخدم لتوجيه السياسة الخارجية، مما يجعل أي تحرك لتغيير هذه السياسات أمراً بالغ التعقيد نظراً للتداخل العميق بين العقيدة والمصلحة السياسية.

لعب الدين دوراً بارزاً في السياسة الأمريكية، حيث ساهمت الجماعات الدينية، لا سيما اليمين المسيحي بأطيافه المختلفة من أصوليين وبروتستانت، في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإسرائيل. حيث أن هناك تأثيرا مباشرا للدين على السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تستند السياسة الخارجية الأمريكية في بعض توجهاتها إلى مفاهيم دينية تتقاطع مع المصالح السياسية والإستراتيجية. وقد ساهمت الجماعات الدينية، وخصوصاً اليمين المسيحي أو ما تدعى بالمسيحية الصهيونية، في ترسيخ سياسات محددة، وفي التأثير على صياغة الخطاب السياسي الرسمي، ما يعزز الطابع الديني لبعض القرارات السياسية، خاصة في ما يتعلق بالشرق الأوسط. حيث تروج لفكرة التحالف الوثيق مع إسرائيل استناداً إلى تفسيرات دينية توراتية تعتبر قيام إسرائيل جزءاً من خطة إلهية.

وقد قامت المسيحية الصهيونية بعملية تزاوج بين الأسطورة والدين لتشكّل قاعدة انطلاق للغرب الاستعماري باستثمارها من أجل تمرير مشروعه وفكره الاستعماري الاستيطاني في فلسطين بالسلاح، والذي شكّل رأس المال حاضنته الرئيسية.

ويروج اليمين المسيحي لفكرة أن دعم إسرائيل هو التزام ديني وسياسي، حيث تعد إسرائيل شريكاً استراتيجياً للجماعات الدينية الأمريكية التي ترى في دعمها لإسرائيل تحقيقاً لنبوءات دينية. وقد رأى زعماء الصهيونية المسيحية في العدوان على غزة على أنه جزء من خطة الله الأعظم كمقدمة لمجيء المسيح ليهزم الشر ويحقق ألفية السلام المسيحي. 

أشهر المعلقين من الصهاينة المسيحيين هو (هال ليندسي) مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً في السبعينيات من القرن الماضي بعنوان " كوكب الأرض العظيم المتأخر" ، حيث وصف هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023  على النحو التالي:" أنا أعتبره مقدمة للحرب التي تنبأ بها حزقيال، وأن هذا الحدث لم يفاجئ الله، وانه تحقيق للنبؤة التوراتية، فخطة الله مستمرة".

كما تعمل هذه الجماعات بشكل دائم ومستمر على جمع التبرعات لصالح المستوطنات الإسرائيلية والمنظمات اليهودية التي تدعم سياسات الاستيطان والتوسع. كما تتعاون المؤسسات الدينية المسيحية الأمريكية مع نظيراتها الإسرائيلية لتعزيز الأجندة الداعمة لإسرائيل على الساحة الدولية. الأمر الذي انعكس على دعم سياسي وعسكري واقتصادي كبير تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. كما يعارض اليمين المسيحي أي ضغوط أمريكية على إسرائيل لتقديم تنازلات في إطار (عملية السلام)، ويضغط ضد أي سياسات قد تُضعف موقف إسرائيل في المفاوضات مع الفلسطينيين.

لذلك يحرص العديد من الرؤساء الأمريكيين على كسب دعم الجماعات الدينية لما لها من تأثير انتخابي واسع، مما يدفعهم إلى تبني سياسات تتماشى مع أجنداتها، وتبرز هذه العلاقة في تصريحات الرؤساء الأمريكيين حول إسرائيل، حيث يلتزمون بتقديم الدعم غير المشروط لها، ولا أدل على ذلك من قرار الرئيس دونالد ترامب عام 2018 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو مطلب رئيس لليمين المسيحي.

إذن، فقد لعب الدين ممثلاً في نفوذ الجماعات الدينية واليمين المسيحي، دوراً محورياً في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية كما أسلفنا، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإسرائيل. ومن خلال الضغط السياسي، والتأثير الإعلامي، والتمويل الانتخابي، عززت هذه الجماعات دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ما انعكس بشكل مباشر على مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الصراع العربي _ الإسرائيلي.

تم اعتبار الولايات المتحدة في الفكر البروتستانتي كجزءٍ من خطة إلهية شاملة، حيث لعب أتباع المذهبين الطهوري والكالفني في تشكيل الحاضنة  للمعتقدات الدينية أن اليهود هم  "شعب الله المختار"، وأن له الحق في إقامة "مملكة الله على الأرض"، حيث قاموا حينها بإبادة السكان الأصليين للبلاد. وقد استخدمت مفاهيم الحقوق الطبيعية والفضيلة الأمريكية والعناية الإلهية لتبرير السياسة الخارجية، كما فعل روزفلت الذي قال أن "أمركة العالم" تمثل المصير والقدر المحتوم للأمة الأمريكية، وأيزنهاور والذي وصف الدور الأمريكي بأنه تنفيذ لمخطط الله للخليقة .ومن هنا يدعم ملايين البروتستانت إسرائيل انطلاقاً من معتقدات دينية ترى في بقائها السياسي والروحي شرطاً لعودة المسيح، وفقاً للنبوءات التوراتية. كما ويعد بناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى ضرورة لتحقيق هذه النبوءة، إذ يُنظر إلى تلك الصراعات كوسيلة لتسريع الأحداث الدينية. لذا، لا يمكن فصل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عن التأثير العميق للقيم الدينية البروتستانتية.

دلالات

شارك برأيك

المنطلقات الدينية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية

المزيد في أقلام وأراء

تبادل من دون تفاؤل

حديث القدس

البرد يقتل الأطفال موتًا ويقتلنا عجزًا

بهاء رحال

بعد فشل مسار التسوية السياسية.. ماذا بعد؟

مروان إميل طوباسي

الهجمة الإسرائيلية على شمال الضفة.. أهداف أمنية وعسكرية وسياسية ونفسية

راسم عبيدات

مثقفون في وجه التغيير

تأييد زهير دبعي

إسرائيل تواصل دوامة العنف والدماء!

حديث القدس

معادلة... الأقرب للأخرق التخبط فالسقوط لا الاختراق فالصعود

حمدي فراج

ترمب سيف إسرائيل الحديدي

د. عقل صلاح

بوسة الرأس الحضارية

حمادة فراعنة

لسعة البرد القاتلة!

ابراهيم ملحم

استهداف المسجد الأقصى.. اعتداء على أمة بأكملها

حديث القدس

ترمب 2025.. ملامح الرئاسة الثانية

جيمس زغبي

حرب طاحنة بين ترمب وموظفي الوكالات الفدرالية

حسين الديك

ومع ذلك سيرضخ نتنياهو

حمادة فراعنة

الطريق لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة

جمال زقوت

عند مفترق الطرق

غيرشون باسكين

عربدة إسرائيلية لم يسبق لها مثيل

حديث القدس

أمريكا وإسرائيل .. إعادة هيكلة مسار تصفية القضية الفلسطينية

فادي أبو بكر

جنين مجددًا

بهاء رحال

لوم الضحية واستلابها

د. أحمد رفيق عوض

أسعار العملات

الخميس 27 فبراير 2025 9:15 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.56

شراء 3.55

دينار / شيكل

بيع 5.01

شراء 5.0

يورو / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 721)