فلسطين
الثّلاثاء 14 يناير 2025 8:55 صباحًا - بتوقيت القدس
تضخيم إسرائيل قوة المقاومة في الضفة.. ماذا وراء الأكمة؟
القدس - خاص بـ "القدس" والقدس دوت كوم
د. أمجد أبو العز: إسرائيل تسعى لاستغلال تنفيذ أي عملية ضدها للقضاء على الكينونة السياسية الفلسطينية وتحويل الضفة لمنطقة غير صالحة للعيش
محمد هواش: التحريض والتحشيد العسكري ضد الضفة الغربية يعكسان رغبة إسرائيل في تكثيف سيطرتها وتوسيع مشروعها الاستيطاني
مهند عبد الحميد: إبرام اتفاق وطني بوقف المقاومة المسلحة في الضفة لا يعني التخلي عن الحقوق بل يمثل تكتيكاً ضرورياً لتعطيل خطط الاحتلال
عماد موسى: الاحتلال قد يُقدم على تدمير مخيمات الشمال تحت ذريعة "فشل السلطة في أداء مهامها" ويتسبب بتأجيج الفتنة لتبرير تدخله العسكري
سري سمور: الضفة الجبهة الأبرز التي تسعى إسرائيل لاستهدافها مع قرب انتهاء عدوانها على غزة لأهميتها الاستراتيجية ضمن المشروع الاستيطاني
سامر عنبتاوي: إسرائيل تروج لمزاعم مبالغ فيها حول قدرات المقاومة في الضفة لتبرير أي عمليات عسكرية مستقبلية بذريعة محاربة تهديد مزعوم
تترقب الضفة الغربية مرحلة حرجة من التصعيد الإسرائيلي، حيث تسعى حكومة الاحتلال إلى تضخيم قدرات المقاومة، خاصة حركة "حماس"، واستغلال أي عمليات فلسطينية ضد إسرائيل كذريعة لتنفيذ خطط استراتيجية تهدف إلى القضاء على الكينونة السياسية الفلسطينية.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذه السياسات تسعى إلى تحويل الضفة الغربية إلى منطقة غير صالحة للعيش من خلال تصعيد الاستيطان، وتقليص عدد السكان، وتكثيف الإجراءات العسكرية اليومية التي تُعمق المعاناة الفلسطينية.
ويؤكدون أن إسرائيل تستخدم ذلك التضخيم لقدرات المقاومة، خاصة حركة "حماس" في الضفة الغربية لتبرير إجراءات قمعية واستيطانية جديدة تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية، وتحويلها إلى مناطق تحت السيادة الإسرائيلية، بما في ذلك تنفيذ ما يُسمى "خطة الحسم" التي يدعمها اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، وإحداث تغييرات جذرية على الأرض من خلال تكثيف النشاط الاستيطاني، وتعزيز الحضور العسكري في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وزيادة الضغط على السلطة الفلسطينية، وهو ما يطرح ضرورة التوافق على برنامج وطني من أجل سحب الذرائع من بين يدَي إسرائيل.
تهيئة الأجواء لتنفيذ خطة إسرائيلية طويلة الأمد
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية د.أمجد أبو العز أن إسرائيل تسعى لاستغلال أي عملية تستهدفها لتبرير تنفيذ مخطط استراتيجي يهدف إلى القضاء على الكينونة السياسية والقانونية للسلطة الفلسطينية، موضحاً أن هذا المخطط يشمل تحويل الضفة الغربية إلى منطقة غير صالحة للمعيشة وتقليص عدد السكان الفلسطينيين بشكل ممنهج، في إطار خطة إسرائيلية طويلة الأمد.
ويرى أبو العز أن تضخيم إسرائيل لقدرات حركة حماس والفصائل المسلحة في الضفة الغربية يأتي في سياق تهيئة الأجواء لتنفيذ هذه الخطة.
ويشير أبو العز إلى أن إسرائيل تعتمد على إشاعة الروايات التي تصور الضفة كتهديد أمني خطير، ما يُسهل تمرير مخططاتها محلياً ودولياً، معتقداً أن التغطية الإعلامية لما يجري حاليًا قد تسهم، بشكل غير مباشر، في تضخيم المشكلة، حيث إن التركيز الإعلامي المفرط على الجوانب العسكرية يطغى على الأبعاد السياسية، ما يؤدي إلى تعزيز التصعيد بدلاً من الدفع نحو حلول سياسية.
ويلفت أبو العز إلى أن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب قدمت دعماً ضمنياً لهذه السياسات الإسرائيلية، حيث إن إدارة ترمب ترى أن الوقت مناسب لتحقيق ما وصفه بـ"الضم الصامت"، دون استفزاز المجتمع الدولي بشكل مباشر.
ويوضح أبو العز أن شخصيات إسرائيلية متطرفة، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تعتقد أن وجود ترمب في الحكم بالولايات المتحدة الأمريكية سيتيح ضم أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، خاصة تلك المصنفة ضمن مناطق (ج)، إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة.
إسرائيل تستخدم "فزاعة" حماس لتبرير استيطانها وعدوانها
يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن إسرائيل تستخدم "فزاعة" حركة "حماس" لتبرير إجراءاتها الاستيطانية والعسكرية، فالتحشيد والتحريض المتصاعدان، إلى جانب الادعاءات بامتلاك "حماس" أسلحة كاسرة للتوازن، ليست سوى محاولة لتبرير سياسات السيطرة على الضفة الغربية أمام المجتمع الدولي، الذي يصنّف حماس كحركة إرهابية.
ويوضح هواش أن إسرائيل لا تستطيع تجاوز الاتفاقات الدولية مع الفلسطينيين، وهي تسعى لخلق مبررات لضم الضفة الغربية، فوجود 22 كتيبة عسكرية إسرائيلية في الضفة، واقتراحات بزيادة العدد إلى 20 كتيبة إضافية، يمثلان جزءاً من خطط تكثيف السيطرة العسكرية وتعزيز الاحتلال.
ويشير إلى أن هذه الإجراءات تتماشى مع سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى إلى تنفيذ "خطة الحسم" التي طرحها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي تهدف إلى قضم الأراضي الفلسطينية تدريجياً، تعزيزاً لمشروع الاستيطان الإسرائيلي.
ووفقاً لهواش، يُعد مشروع الاستيطان الركيزة الأساسية في السياسات الإسرائيلية بالضفة الغربية، إذ إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمل على توفير التمويل والدعم التشريعي لهذا المشروع، بما في ذلك منح المستوطنين امتيازات مثل حيازة الأسلحة، وضمان حماية الجيش الإسرائيلي لهم على حساب الفلسطينيين.
تهدف هذه السياسات، بحسب هواش، إلى طمأنة المستوطنين بأن الحكومة والجيش الإسرائيلي ملتزمان بتعزيز الاستيطان، وتحويل الضفة الغربية إلى منطقة يهودية بالكامل، بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية التي تطلق عليها اسم "يهودا والسامرة".
ويشير هواش إلى أن إسرائيل تستغل ذكر "حماس" في التحريض ضد الفلسطينيين لتبرير سياساتها القمعية أمام العالم، حيث إن "حماس" تُصنف كحركة إرهابية في الدول الغربية، وهذه الرواية تمنح إسرائيل شرعية دولية لتنفيذ سياساتها الاستيطانية والعسكرية، ومع ذلك، يواجه هذا المبرر رفضاً متزايداً من المجتمع الدولي، الذي ينتقد الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، سواء من الجيش أو المستوطنين، خصوصاً بعد الهجمات الانتقامية التي تستهدف القرى والمناطق الريفية الفلسطينية عقب العمليات العسكرية.
ويرى هواش أن السياسات الإسرائيلية تهدف إلى ممارسة ضغوط يومية مشددة أكثر على الفلسطينيين في الضفة الغربية، لإشعارهم بأن السيادة على الأرض للإسرائيليين، ويتجلى ذلك في الحواجز العسكرية، والبوابات الحديدية، والسيطرة على الطرق، والتمركز العسكري المكثف عند مداخل المدن والقرى، بالرغم من أن هذه الإجراءات ليست جديدة، لكن يتم السعي لتكثيفها.
ويتحدث هواش عن صراع داخلي بين أطياف اليمين الإسرائيلي حول كيفية التعامل مع الضفة الغربية، فبينما يدعو اليمين المتطرف إلى ضم الأراضي الفلسطينية بالكامل، يسعى اليمين المعتدل إلى تعزيز السيطرة الاستعمارية من دون استفزاز المجتمع الدولي بشكل كبير.
ويلفت هواش إلى أن هذا النقاش يكشف تبايناً في الرؤى داخل إسرائيل، لكنه يتفق على هدف واحد: السيطرة المطلقة على الضفة الغربية وتفريغها من مضمونها الفلسطيني.
ويشير إلى أن العمليات الفلسطينية، مثل عملية "الفندق" الأخيرة، تثير هستيريا عنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، ويطالب المتطرفون الإسرائيليون بمحو مدن فلسطينية مثل نابلس وجنين، على غرار ما يحدث في غزة، لكن هذه الدعوات تعكس الهشاشة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، بالرغم من قوته العسكرية الهائلة، وتكشف في الوقت ذاته نزعاته العنصرية ضد الفلسطينيين.
وعلى الرغم من الدعوات المتطرفة داخل إسرائيل، يؤكد هواش أن قرارات الحكومة الإسرائيلية تخضع لقيود دولية، فإسرائيل جزء من المنظومة الغربية، والغرب هو الذي يدير الصراع ضد الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو غزة، وهذا العامل يحدّ من قدرة إسرائيل على اتخاذ إجراءات مفرطة قد تؤدي إلى عزلة دولية، لكنه في الوقت ذاته يوفر لها الدعم اللازم لمواصلة مشروعها الاستيطاني.
ويعتقد هواش أن إسرائيل لا تحتاج إلى حملات عسكرية واسعة في الضفة الغربية، إذ إن الاحتلال في حد ذاته يشكل حملة دائمة، لكن التحريض والتحشيد العسكري يعكسان رغبة إسرائيل في تكثيف السيطرة وتوسيع مشروع الاستيطان.
ويؤكد هواش أن هذا الوضع يضع الفلسطينيين أمام تحديات يومية في مواجهة سياسات إسرائيلية تهدف إلى إلغاء وجودهم الوطني، بينما يستمر المجتمع الدولي في انتقاد هذه السياسات من دون اتخاذ خطوات عملية لإنهائها.
استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تستهدف الشعب الفلسطيني
يصف الكاتب الصحفي مهند عبد الحميد المزاعم الإسرائيلية حول امتلاك حركة "حماس" أسلحة كاسرة للتوازن في الضفة الغربية أشبه "بنكتة سخيفة"، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأي مراقب أن يأخذ هذا الادعاء على محمل الجد، خاصة أن سياسات حكومة بنيامين نتنياهو تُظهر بوضوح أن أهدافها تتجاوز مجرد ادعاءات إعلامية، فالمشهد على الأرض يكشف استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تستهدف الشعب الفلسطيني عبر مصادرة الأراضي، ونشر البؤر الاستيطانية، والتوسع في المستوطنات، والتطهير العرقي، والحصار، والتجويع، إضافة إلى حملات قمع يومية.
ويؤكد عبد الحميد أن هذه السياسات في الضفة الغربية تترافق مع حرب إبادة مستمرة في قطاع غزة تهدف إلى التدمير الشامل وفرض وقائع جديدة تخدم مشروع الاحتلال.
يقول عبد الحميد: "إن حكومة نتنياهو، التي لا تُخفي نواياها، تعمل بوضوح على فرض ما يمكن وصفه بـ(الحل الفاشي) للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو حل يناقض تماماً الحلول الدولية التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير".
في هذا السياق، يشير عبد الحميد إلى تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التي تأتي كمؤشر صريح على هذا التوجه، فقد دعا إلى تحويل مدن في الضفة الغربية إلى نموذج مشابه للدمار الذي لحق بمخيم جباليا في غزة، كما سبق له أن دعا إلى محو بلدة حوارة من الوجود.
ويشدد عبد الحميد على أن هذه التصريحات لم تبقَ مجرد أقوال، بل تُرجمت إلى أفعال من خلال سياسات تعمل على إسقاط السلطة الفلسطينية وتفريغها من محتواها السياسي والإداري عبر الامتناع عن تسليم أموال الضرائب وتجريدها من صلاحياتها.
ويعتقد عبد الحميد أن المبالغة الإسرائيلية في تصوير خطر أمني مزعوم في الضفة الغربية، تزامناً مع الحديث عن فرص محتملة لوقف الحرب في غزة، تأتي كذريعة لتبرير عدوان تدميري مستمر في الضفة من جهة، ومن جهة أُخرى لقطع الطريق على الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تضميد جراح غزة ودعم أهلها المنكوبين.
ويوضح عبد الحميد أنه منذ عام 2021، والحملات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية مستمرة دون انقطاع، حيث الاقتحامات والغارات اليومية باتت واقعاً مألوفاً، ويتم استخدام الطائرات المسيّرة والمعدات الثقيلة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 760 شهيداً وآلاف الجرحى واعتقال 11 ألف فلسطيني منذ "طوفان الأقصى"، وهذا العدوان ترافق مع تدمير واسع للبنية التحتية، خصوصاً في مخيميات جنين وطولكرم، وهدم عشرات المنازل.
ويوضح عبد الحميد أنه بالرغم من ذلك، لم تلجأ حكومة نتنياهو إلى شن حملة عسكرية واسعة النطاق كما حدث عام 2002، عندما اجتاحت مدن الضفة وحاصرت الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبدلاً من ذلك، تتبع الحكومة تكتيكات جديدة تعتمد على هجمات يومية بهدف التوسع الاستيطاني، إذ ألغت قرار أريئيل شارون بتفكيك المستوطنات في محيط مدينة جنين، وأعادت بناءها ضمن مخطط يستهدف ضم الضفة الغربية وتصفية الكيانية الفلسطينية المتمثلة بالسلطة الوطنية.
ويعتقد عبد الحميد أن الحملات العسكرية المستمرة في الضفة، حتى وإن كانت على نطاق أصغر مقارنة بالاجتياحات الكبرى، تُخلّف آثاراً مدمرة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، فإلى جانب استهداف البنية التحتية وتهجير الفلسطينيين، تستخدم هذه الحملات كغطاء للتوسع الاستيطاني وتقويض السلطة الفلسطينية وإضعافها، وهذا الفراغ السياسي يُوظف لتعميق عمليات الضم والتهويد، بما يخدم المخطط الفاشي الذي تتبناه حكومة نتنياهو.
ويؤكد أنه في مواجهة هذا الواقع الخطير، تبدو الحاجة ملحة للتوصل إلى تفاهم فلسطيني داخلي يضع حداً للصدامات الداخلية، ويوحد الشعب بمختلف أطيافه السياسية والتنظيمات المسلحة على قاعدة الشرعية الفلسطينية.
ويوضح عبد الحميد أن استمرار الصدام الداخلي، في ظل التراجع الملحوظ لمحور المقاومة الإقليمي، يعزز قدرة الاحتلال على تحقيق أهدافه.
ويؤكد عبد الحميد أن إبرام اتفاق وطني بوقف المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، ضمن هذا الظرف العصيب، لا يعني التخلي عن الحقوق، بل يمثل تكتيكاً ضرورياً لتعطيل خطط الاحتلال وتحقيق الوحدة الفلسطينية والمشروع الوطني وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه المخططات الإسرائيلية.
إحداث شرخ عمودي وأفقي في العلاقات الفلسطينية الداخلية
يحذر الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى من أن حكومة بنيامين نتنياهو قد تقدم على تدمير المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية تحت ذريعة "فشل السلطة الفلسطينية في أداء مهامها"، ما سيؤدي إلى إحداث شرخ عمودي وأفقي في العلاقات الفلسطينية الداخلية.
ويعتقد موسى أن هذه الخطوة تهدف إلى تأجيج الفتنة بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وبينها وبين السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، ما يمنح إسرائيل مبرراً للتدخل العسكري الدموي تحت غطاء محاربة "الفوضى"، وهو ما يهدد بشكل مباشر مشروع الدولة الفلسطينية.
ويعتقد موسى أن حكومة بنيامين نتنياهو تسير بخطى مدروسة نحو تحقيق "الإنجاز النهائي" الذي يتمثل في القضاء الكامل على اتفاقيات أوسلو، والتي اعتبرها الكثيرون في وقتها أساساً لتحقيق تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويعتبر موسى أن حكومة نتنياهو تسعى إلى الإجهاز على أي أمل متبقٍ لدى الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وذلك من خلال سياسة ممنهجة تقوم على تدمير كافة مقومات الحياة، خصوصاً في قطاع غزة.
ويشير موسى إلى أن نتنياهو وحكومته يتبنون استراتيجية تقوم على الإبادة الممنهجة بحق الفلسطينيين، خصوصًا في غزة، التي أُعيدت بفعل الحصار والقصف المكثف إلى "العصور القديمة"، في تعبير عن تدهور الوضع الإنساني والمعيشي فيها.
ويعتقد موسى أن الأخطر من ذلك هو تجاهل حكومة نتنياهو التام للقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة التي كانت بمثابة "شهادة ميلاد" لدولة إسرائيل، ويتجلى هذا التجاهل في الهجمات التي تشنها حكومته على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وعلى المحكمة الجنائية الدولية، ما يعكس رغبة إسرائيل في تعطيل أي مسار قانوني يفضح انتهاكاتها المتكررة بحق الفلسطينيين.
ويرى موسى أن نتنياهو يسعى إلى توظيف "القوة الناعمة" لتحقيق أهدافه السياسية، من خلال مقايضة الفلسطينيين بين خيارين: التدمير والتهجير أو الخضوع لشروط إسرائيل.
ويؤكد موسى أن حكومة نتنياهو تضع نصب أعينها تمدداً إقليمياً باتجاه سوريا، خصوصًا بعد تراجع النفوذين الإيراني والروسي هناك.
ويتوقع موسى أن إسرائيل تطمح إلى الحصول على "حصة الأسد" في أي تسوية سياسية مستقبلية تتعلق بسوريا، ما يعزز سيطرتها الإقليمية ويضعف أي قوى منافسة.
ويشير موسى إلى دور الإدارة الأمريكية، وتحديداً إدارة دونالد ترمب، في ضبط طموحات نتنياهو، حيث إن واشنطن قد تضطر إلى كبح جماح إسرائيل، خصوصاً في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها الوضع السوري، والتي لا تصب جميعها في مصلحة إسرائيل.
ويرى موسى أن مستقبل هذه التحولات، وما قد تسفر عنه من توازنات جديدة، سيكون له تأثير مباشر على قدرة نتنياهو على تنفيذ مخططاته الإقليمية.
القوة والعنف لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن إسرائيل تعتمد بشكل رئيسي على استخدام القوة والعنف لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، موضحاً أن الدولة الإسرائيلية أصبحت "مدمنة" على الحلول العسكرية، حتى لو كانت هناك وسائل أخرى لتحقيق الأهداف نفسها.
ويشير إلى أن هذا النهج كان واضحاً حتى قبل حرب السابع من أكتوبر 2023، حيث تحولت العسكرة إلى ثقافة رئيسية في إسرائيل.
ويوضح سمور أن إسرائيل غالباً ما تبحث عن "جبهة جديدة" فور انتهاء أي مواجهة عسكرية، كما حدث بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، حينما اندلعت انتفاضة الأقصى بعد خمسة أشهر فقط، مشيراً إلى أن الضفة الغربية باتت الجبهة الأبرز التي تسعى إسرائيل لاستهدافها مع قرب انتهاء عدوانها على غزة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية ضمن المشروع الاستيطاني.
ويرى سمور أن إسرائيل تعمل على تضخيم قدرات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، خاصة حركة حماس، مدعية أن الأخيرة تمتلك أسلحة "تكسر التوازن"، وهو ما وصفه بأنه "عارٍ عن الصحة وكاذب"، حيث أن المقاومة في الضفة تمتلك خلايا مسلحة بأسلحة خفيفة، ولا يمكنها بأي حال تهديد التوازن العسكري، مشيرًا إلى أن الاحتلال غالبًا ما يصل إلى منفذي العمليات بسرعة نسبية بسبب سيطرته الأمنية المطلقة على الضفة.
ويرى سمور أن تضخيم الاحتلال لهذه الادعاءات ليس له بعد أمني بحت، بل يأتي في سياق إيجاد ذرائع لتنفيذ مخططات استيطانية جديدة، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة قد تشمل إدخال الدبابات إلى شوارع الضفة الغربية، ومدنها، وبلداتها، ومخيماتها، ضمن حملة عسكرية أوسع.
ويشير سمور إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية على الضفة الغربية ليست أمراً جديداً، فهي مستمرة منذ فترة طويلة، لكنها قد تشهد توسعاً في المرحلة المقبلة مع زيادة حجم السلاح المستخدم.
ويلفت سمور إلى أن الضفة تعاني أصلاً من أوضاع صعبة، بما في ذلك هجمات المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال، والتمزيق الجغرافي بفعل الحواجز والاقتحامات المتكررة، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب المدن والقرى والمخيمات، وحال توسيع استهداف الضفة فإن المعاناة سوف تتعمق.
ويؤكد سمور أن مستقبل الضفة الغربية يعتمد إلى حد كبير على دور إدارة ترمب الجديدة، متسائلاً عما إذا كانت هذه الإدارة ستدفع نحو تهدئة الأوضاع في الضفة، أم ستدعم توسع العدوان الإسرائيلي عليها، مشيراً إلى أن إسرائيل تخضع للقرار الأمريكي في العديد من الجوانب.
ويحذر سمور من أن إسرائيل تستغل الصمت الدولي والعجز العربي والإسلامي لتنفيذ مخططاتها في الضفة الغربية دون رادع، موضحاً أن غياب أي ضغط دولي أو عربي فعّال يشجع الاحتلال على التمادي، محذراً من أن الضفة الغربية قد تواجه عدواناً كبيراً، خاصة مع عدم وجود مساندة من أي ساحة مقاومة أخرى.
اجتياحات واسعة من المرجح أن تكون مركزة على مناطق محددة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو هو بسط السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، مشيراً إلى أن هذا الهدف كان موجوداً قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
ويوضح عنبتاوي أن مشروع السيطرة على الضفة كان ضمن التفاهمات بين نتنياهو وشركائه في الحكومة، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حيث تضمنت خططهم القضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة، ودعم المستوطنين وتوسيع نفوذهم.
ويشير عنبتاوي إلى أن الحرب الدموية التي شنتها إسرائيل على غزة بعد السابع من أكتوبر غيّرت أولويات الحكومة الإسرائيلية مؤقتاً، حيث تم التركيز على القطاع، لكن بالرغم من ذلك، لم تتوقف الأطماع الاستيطانية والبرنامج الاستيطاني في الضفة الغربية، وإن كانت قد تراجعت قليلاً.
ويوضح عنبتاوي أن الاحتلال يعيد الآن تركيزه على الضفة في عدة محاور، أهمها استهداف المقاومة في شمال الضفة الغربية، خاصة بعد أن باتت المقاومة أكثر تنظيماً وفعالية، ونجحت في تنفيذ عمليات ألحقت خسائر ملموسة بالجيش الإسرائيلي والمستوطنين، كما أن الاحتلال يسعى إلى اجتثاث المقاومة قبل أن تتوسع وتصبح أكثر تأثيراً على الأرض.
ويبيّن عنبتاوي أن إسرائيل ترى المخيمات الفلسطينية رمزاً للشاهد على النكبة وحق العودة، إلى جانب كونها قاعدة أساسية للمقاومة، ولذلك تحاول إسرائيل استهداف المخيمات بشكل مباشر في إطار محاولاتها لتفكيك البنية الاجتماعية والرمزية للمقاومة.
ويعتقد عنبتاوي أن إسرائيل تروج لمزاعم مبالغ فيها حول قدرات المقاومة في الضفة الغربية، ولا توجد دلائل واضحة على بعض هذه المزاعم، حيث تهدف هذه الحملات الدعائية إلى إيجاد تبرير لتقبُّل أي عمليات عسكرية مستقبلية بحجة محاربة تهديد مزعوم.
وحول العمليات العسكرية المحتملة، يؤكد عنبتاوي أن الاحتلال قد يلجأ إلى اجتياحات واسعة النطاق، لكن من المرجح أن تكون هذه العمليات مركزة على مناطق محددة.
ويوضح عنبتاوي أن الهدف الرئيسي سيكون استهداف البنية التحتية للمقاومة، إضافة إلى الحاضنة الشعبية لها، بهدف تقويض قدرتها على الاستمرار.
ويؤكد عنبتاوي أن مثل هذه العمليات العسكرية ستترك تداعيات خطيرة على الضفة الغربية، خاصة من الناحية الاقتصادية، حيث ستؤدي إلى إغلاق الطرق وإقامة المزيد من الحواجز العسكرية، ما سيزيد من صعوبة تنقل المواطنين، خاصة الموظفين، ويعقد الحياة اليومية.
ويشير عنبتاوي إلى أن الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال على القرى الفلسطينية، والمحاصيل الزراعية، ستتزايد في إطار محاولات تكريس "دولة المستوطنين" في الضفة.
ويحذر عنبتاوي من أن إسرائيل تعمل على ضم 60% من أراضي الضفة الغربية تحت ما يسمى "دولة يهودا والسامرة"، إذ إن هذا المخطط يتضمن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم بطرق طوعية أو قسرية، عبر تصعيد الضغوط الاقتصادية والمعيشية عليهم.
ويؤكد أن هذه السياسات تهدف إلى تنفيذ المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يتماشى مع الأيديولوجيا التوسعية للحكومة الحالية.
ويشدد عنبتاوي على أن المعركة المقبلة ستكون في الضفة الغربية، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض أمر واقع جديد، بما في ذلك تحويل الضفة إلى مركز للاستيطان اليهودي الكامل، وإعلان السيادة عليها.
دلالات
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته(2) السياسي يربك الثقافي
ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلوس إلى 11 شخصا
غضب واسع من فشل احتواء حرائق لوس أنجليس
مقتل 5 عسكريين إسرائيليين بمعركة شمال غزة
مقتل 4 جنود إسرائيليين جراء تفجير لغم شمال قطاع غزة
الصفقة على الأبواب ما لم يخرّبها نتنياهو
أبو ردينة: القيادة سعت منذ اليوم الأول لبدء العدوان على قطاع غزة
الأكثر قراءة
الأمم المتحدة: الاحتلال يواصل الحد من وصول المساعدات الحيوية لشمال غزة
دروس "الطوفان" وارتداداته(2) السياسي يربك الثقافي
الاحتلال سيستخدم عوائد الضرائب الفلسطينية لسداد ديون شركة الكهرباء
أسر رهائن إسرائيليين في غزة يوجهون انتقادات حادة لوزير المالية
مصادر منخرطة في المفاوضات تكشف لـ"القدس" تفاصيل الاتفاق الذي سيعلن اليوم
الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين
ترمب و"تسوية الحدّ الأدنى" للقضية الفلسطينية: قراءة استشرافية (الحلقة الثالثة والأخيرة)
أسعار العملات
الأربعاء 08 يناير 2025 9:02 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.13
يورو / شيكل
بيع 3.78
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 412)
شارك برأيك
تضخيم إسرائيل قوة المقاومة في الضفة.. ماذا وراء الأكمة؟