عربي ودولي
الإثنين 16 ديسمبر 2024 8:55 صباحًا - بتوقيت القدس
جولة سوليفان في ربع الساعة الأخير هل تُنجز الصفقة أم تُعوّم سفينة نتنياهو الغارقة؟
رام الله - خاص بـ "القدس"
تتصاعد التوقعات بشأن قرب التوصل إلى صفقة تبادل ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط إشارات أمريكية متزايدة تدل على ضغوط لتحقيق هذا الهدف، بينها التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن إدارة بايدن تسعى جاهدة لتحقيق هذه الصفقة قبل عودة المرشح الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وتسلمه زمام السلطة، لكن نتنياهو لن يمنحه فرصة تحقيق أي إنجاز.
وبالرغم من الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، يلفت الكتاب والمحللون إلى أن الإدارة الأمريكية باتت أكثر صرامة تجاه سياسات نتنياهو، التي تعكس محاولات مكشوفة لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية.
ويشيرون إلى أن الضغوط تتزايد على إسرائيل لإنهاء الحرب، خاصة مع الانتقادات الدولية المتصاعدة بسبب تداعيات الحرب على أهالي قطاع غزة، وهو أمر سرّع الحديث عن إبرام الصفقة، فيما تأتي تصريحات سوليفان لمحاولة تبييض صورة إسرائيل الإجرامية وأنها لا تعطل الصفقة، وكذلك محاولة مد حبل النجاة لنتنياهو خاصة بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحقه وبحق وزير الحرب السابق يوآف غالانت.
رسائل متعددة تهدف في جوهرها لتحسين صورة إسرائيل
يرى الكاتب والمحلل السياسي د.أحمد رفيق عوض أن تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بشأن قرب التوصل إلى صفقة تبادل في غزة تحمل في طياتها رسائل متعددة، تهدف في جوهرها إلى تحسين صورة إسرائيل وإلقاء طوق نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إضافة إلى تحقيق مكاسب شخصية لسوليفان.
ووفقاً لعوض، فإن سوليفان يسعى عبر تصريحاته إلى تبييض صفحة إسرائيل أمام العالم وإظهار نتنياهو بأنه ليس المسؤول عن تأخير الصفقة أو تعطيلها، وبدلاً من ذلك، يحاول سوليفان تصوير إسرائيل على أنها الطرف الذي يبذل الجهود ويبدي استعداداً للتوصل إلى اتفاق، بينما يُلقي اللوم على حركة حماس باعتبارها العقبة الرئيسية أمام التقدم، على الرغم من الضغوط الدولية والإقليمية عليها.
ويشير عوض إلى أن هذه التصريحات تعكس محاولة أمريكية لتقديم نتنياهو بصورة إيجابية، في وقت يواجه فيه انتقادات دولية متزايدة بسبب الحرب في غزة.
إرغام الشعب الفلسطيني بدلاً من التفاوض معه
ويقول عوض: "سوليفان يريد أن يظهر أن إسرائيل هي الطرف المسؤول والمبادر، بالرغم من أن الحقيقة تشير إلى أن الطرفين، الإسرائيلي والأمريكي، لا يرغبان في الدخول في صفقة حقيقية تفضي إلى تفاهمات ملزمة، وإنما يهدفان إلى إخضاع حماس والشعب الفلسطيني بدلاً من التفاوض معه".
ويرى عوض أن تصريحات سوليفان تحمل أيضاً أبعاداً شخصية، حيث يسعى المسؤول الأمريكي إلى تحسين صورته الشخصية وضمان موقع مستقبلي في الإدارة الأمريكية أو في القطاع الخاص بعد انتهاء ولايته الحالية.
ويوضح عوض أن "سوليفان يحاول تقديم نفسه كشخصية فاعلة وملتزمة في قضايا الشرق الأوسط، ليس فقط من أجل دعم الإدارة الحالية، بل أيضاً لتسويق نفسه كشخصية قادرة على إدارة الملفات الاستراتيجية والأمنية المعقدة".
ويعتقد عوض أن زيارة سوليفان الأخيرة لإسرائيل ولقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين لم تقتصر على مناقشة صفقة تبادل الأسرى أو وقف إطلاق النار، بل تناولت قضايا أمنية واستراتيجية تتجاوز إدارة بايدن الحالية.
نتنياهو لن يمنح إدارة بايدن أي إنجاز سياسي
وفي ما يتعلق بموقف نتنياهو من الصفقة، يرى عوض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يمنح إدارة بايدن أي إنجاز سياسي، مشيراً إلى أن نتنياهو يفضل التوصل إلى أي اتفاق أو صفقة كبيرة في ظل إدارة ترامب، الذي يراهن عليه اليمين الإسرائيلي لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.
ويقول عوض: "نتنياهو يدرك أن أي تنازل أو تقدم في الصفقة لصالح إدارة بايدن الراحلة قد يُفسر كهدية مجانية، لذلك، إذا كان سيدخل في هذه الصفقة، فسيكون ذلك عندما يتولى ترمب منصبه في البيت الأبيض".
أما على الصعيد الداخلي، فعلى الرغم من التهديدات المتكررة من شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة في حال إتمام الصفقة، يؤكد عوض أن هذه التهديدات ليست جدية.
ائتلاف نتنياهو الحكومي يبدو مستقراً إلى حد كبير
ويوضح عوض أن"ائتلاف نتنياهو الحكومي يبدو مستقراً إلى حد كبير، خاصة بعد انضمام جدعون ساعر، ورغم تهديدات بن غفير وسموتريتش بالاستقالة، إلا أن هذه التهديدات ليست ذات تأثير كبير، فسموتريتش مثلاً يعلم أن أي انتخابات مبكرة قد تعني خسارته لموقعه السياسي وربما حتى خروجه من الكنيست".
ويعتقد عوض أن التحدي الأكبر أمام نتنياهو ليس في استقرار ائتلافه الحكومي، بل في التهديدات المتزايدة التي يواجهها من المحكمة الجنائية الدولية، والتي قد تعرّضه للملاحقة الدولية بسبب الجرائم المرتكبة في غزة، ورغم ذلك، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى استمرار تقدم الليكود على منافسيه، ما يعزز موقف نتنياهو كزعيم بلا منازع للمعسكر اليميني.
ضغط حقيقي لإنجاز الصفقة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة وإسرائيل أصبحت أقرب من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الأخيرة ليست مجرد مناورة سياسية، بل تعكس ضغطاً حقيقياً لتحقيق هذا الهدف.
ويوضح هديب أن هناك أسباباً متعددة تدفع الإدارة الأمريكية إلى تسريع هذا المسار، أبرزها رغبة واشنطن في إنهاء الملف قبل تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة مرة أخرى.
ويشير هديب إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن طلبت مؤخراً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التدخل للضغط على حركة حماس والمساهمة في إنجاح الوساطة، حيث إن الجهود التركية أثمرت بالفعل، كما يظهر من الزيارات المكثفة التي قام بها مسؤولون أمريكيون إلى أنقرة، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي عقد لقاءات مكثفة مع الرئيس التركي والمسؤولين الأتراك بهذا الشأن.
الدولة العميقة بأمريكا باتت تدرك أن الوقت حان لإنهاء الحرب
ويُوضح هديب أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، من جانبها، باتت تدرك أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب، خاصة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استنفد تقريباً جميع الخيارات المتاحة لمواصلة القتال، في ظل افتقاده لمزيد من الوقت للمماطلة، وتجلّى ذلك في زيف الجداول الزمنية التي قدمها نتنياهو للإدارة الأمريكية بشأن تحقيق أهداف الحرب في غزة.
ويرى هديب أن موافقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) مؤخراً على مواصلة الجهود لإتمام صفقة تبادل الأسرى وإعطاء الضوء الأخضر لإنجازها تعكس محاولة إسرائيلية لإرضاء الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو القادمة، حيث إن إسرائيل ترى أن هذه اللحظة مناسبة لإبرام الصفقة، بعدما نجحت في استعادة جزء من قوة الردع التي تآكلت إثر عملية السابع من أكتوبر.
ويشير هديب إلى أن مقترح الصفقة المطروحة على مراحل هو ما كان نتنياهو يسعى إليه منذ البداية، لمنحه فرصة العودة إلى العمليات العسكرية كلما استدعت مصالح إسرائيل ذلك.
ويرى هديب أن نتنياهو ما زال يلوّح بإمكانية التدخل في غزة في حال عادت حماس للسيطرة على القطاع، سواء إدارياً أو عسكرياً أو أمنياً.
التأسيس لحل سياسي شامل للقضية الفلسطينية
على الصعيد العربي، يلفت هديب إلى أن الجهود المصرية والقطرية، والمدعومة من السعودية، ليست فقط مدخلاً لوقف الحرب على غزة، بل تؤسس لإعادة النظر في حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية.
ويعتقد هديب أن السعودية باتت ترى نفسها مركزاً محورياً في المنطقة وتسعى لقيادة محور عربي-إقليمي تشارك فيه إسرائيل.
من جانب آخر، يشير هديب إلى أن بيان حركة حماس الأخير، الصادر في ذكرى انطلاقتها الـ37، يعكس تحولاً في موقف الحركة، حيث باتت تركز على ضرورة وقف الحرب على غزة دون التمسك بالاشتراطات التي كانت تُعد خطوطاً حمراء لا يمكن التنازل عنها.
على الصعيد الدولي، يوضح هديب أن التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودعوة مجلس الأمن لوقف إطلاق النار بشكل فوري في غزة، يعكسان غضباً دولياً متزايداً تجاه الإدارة الأمريكية بسبب دعمها المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.
ويشير هديب إلى مذكرتي الاستدعاء الصادرة بحق نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، إلى جانب دعوات بعض الدول لتفعيل قرارات المحكمة الجنائية الدولية احدى اسباب التقدم نحو الصفقة.
ويرى هديب أن الإدارة الأمريكية أصبحت أكثر صرامة تجاه نتنياهو، الذي بات واضحاً أنه لا يهدف إلى إطلاق سراح الرهائن بقدر ما يسعى لفرض وقائع جديدة في غزة تخدم مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف.
سياسات نتنياهو أصبحت مكشوفة للأمريكان
ويشير هديب إلى أن سياسات نتنياهو أصبحت مكشوفة للإدارتين الأمريكيتين، سواء إدارة بايدن الحالية أو إدارة ترمب المقبلة.
ويؤكد هديب أن الضغوط الأمريكية على نتنياهو لإنهاء الحرب ترتبط أيضاً بإنجاح مخططات إسرائيل لضرب منشآت استراتيجية أو نووية إيرانية.
ويرى هديب أن واشنطن لن تسمح لإسرائيل بتنفيذ هذه الخطط دون وقف الحرب على غزة، لضمان حشد الدعم الدولي لإسرائيل في حال نفذت ضربتها لإيران.
أما على الصعيد الداخلي، فيشير هديب إلى أن أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف بدأوا يدركون أن حكومة نتنياهو تصنع قضايا خلافية للحفاظ على الائتلاف الحكومي، حتى لو كان ذلك يضر بإسرائيل وأمنها ووحدة الشعب اليهودي.
ويشير هديب إلى تصريحات زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، الذي أكد أن استمرار سياسات نتنياهو يهدد وحدة الإسرائيليين وسمعة الدولة.
ويلفت كذلك إلى استطلاعات الرأي الأخيرة وضغط الشارع الإسرائيلي، حيث باتا يعززان فكرة وقف إطلاق النار، وأصبح من الواضح أن استمرار الحرب يهدد بقاء نتنياهو في السلطة ويزيد من خطر الإجراءات القانونية الدولية ضده وضد كبار المسؤولين الإسرائيليين.
مناورة إعلامية تهدف لتحقيق أهداف سياسية
يرى الكاتب والمحلل السياسي داود كُتَّاب أن تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بشأن قرب التوصل إلى صفقة تتعلق بقطاع غزة قد تكون مجرد مناورة إعلامية تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أكثر منها انعكاساً لواقع ملموس.
ويؤكد كُتَّاب أن السجل الأمريكي والإسرائيلي حافل بالتصريحات المماثلة، التي غالباً ما يتضح لاحقاً عدم صحتها، حيث إن مثل هذه التصريحات قد تكون مستندة إلى تطمينات إسرائيلية قدمها فريق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنه يشير إلى أن نتنياهو وفريقه يتمتعون بسمعة سيئة في المماطلة والتسويف وحتى التضليل، ما يجعل من الصعب الوثوق بمثل هذه التصريحات.
وفي السياق ذاته، يعتقد كُتَّاب أن الولايات المتحدة غالباً ما تلجأ إلى استخدام وسائل الإعلام كأداة للضغط على الأطراف المختلفة.
ويشير كُتَّاب إلى أن ما شهدناه خلال العام الماضي يعكس فشل هذه المحاولات في تحقيق نتائج ملموسة. فالضغط الإعلامي الأمريكي، بحسب كُتَّاب، أصبح استراتيجية يائسة لا تُجدي نفعاً في مواجهة تعقيدات الوضع السياسي والأمني سواء في إسرائيل أو المنطقة.
أداة قديمة يستخدمها نتنياهو لتخفيف الضغوط
وفي ما يتعلق بالتهديدات المتكررة من شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي بالانسحاب، يرى كُتَّاب أن هذا السيناريو بات أداة قديمة تُستخدم بشكل متكرر من قبل نتنياهو لتخفيف الضغوط، سواء كانت داخلية من الإسرائيليين أو خارجية من الولايات المتحدة.
ويؤكد كُتَّاب أن مثل هذه التهديدات لا تحمل أي وزن حقيقي على أرض الواقع، بل تُستخدم كوسيلة لإطالة أمد الأزمة والهروب من اتخاذ قرارات مصيرية.
ويشكك كُتَّاب في جدية التصريحات الأمريكية والإسرائيلية حول أي تقدم ملموس في ما يتعلق بقطاع غزة.
ويعتقد كُتَّاب أنه دون اتخاذ قرارت فعلية على الأرض فإن المراوغة والتسويف لا يزالان العنوان الأبرز لسياسات نتنياهو، وهو ما يجعل تحقيق اختراق حقيقي بقضية إبرام الصفقة في غزة أمراً بعيد المنال في ظل المعطيات الحالية.
نتنياهو قد يقايض الصفقة مقابل سياسات تخدم الاحتلال
يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي نبهان خريشة أن تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان حول قرب التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، تعكس رغبات وأحلام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر مما تعكس الواقع السياسي.
ويشير خريشة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم منح إدارة بايدن، التي تمثل الحزب الديمقراطي، هذا الإنجاز السياسي، بل يفضل توفيره لدونالد ترمب، المرشح الجمهوري الذي سيدخل البيت الأبيض بعد 35 يوماً.
ووفقاً لخريشة، فإن نتنياهو قد يقايض الصفقة مقابل سياسات تخدم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أو غزة أو حتى في المنطقة بشكل عام.
ويؤكد خريشة أنه خلال الحرب على غزة التي استمرت 15 شهراً، لم تُظهر إدارة بايدن جدية في التوصل إلى وقف إطلاق نار حقيقي يمهد الطريق لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وهذا يعكس عدم جديتها.
ويشير خريشة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة في مجلس الأمن لمنع صدور قرارات تدعو لوقف إطلاق النار في غزة.
وينتقد خريشة سياسة النفاق التي انتهجتها واشنطن تجاه الحرب، حيث دعت من جهة إلى تجنب قتل المدنيين الفلسطينيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم، ومن جهة أخرى استمرت في تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي استخدمت في الفتك بالمدنيين الذين تدعو لحمايتهم.
ويلفت خريشة إلى أن نتنياهو يتعامل مع قضية تبادل الأسرى والحرب على غزة من منظور سياسي داخلي بحت.
ويستشهد خريشة بقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: "إسرائيل ليس لديها سياسات خارجية وإنما داخلية"، ليؤكد أن حسابات نتنياهو تهدف بالأساس إلى تعزيز قبضته على السلطة.
ويؤكد خريشة أن إسرائيل، منذ عودة نتنياهو إلى الحكم نهاية عام 2022، دخلت في أزمات هي الأكثر تعقيداً في تاريخها الحديث، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي.
ووفق خريشة، فإنه بعد هبوط شعبيته إلى أدنى مستوياتها خلال الأشهر الأولى من الحرب على غزة ولبنان، تمكّن نتنياهو من استعادة مكانته عبر تكثيف عملياته العسكرية التي خلفت دماراً هائلاً في غزة، طالت البشر والشجر والحجر، إلى جانب تصعيده العسكري في لبنان، وبهذا الأداء العسكري، تجاهل مطالب إدارة بايدن التي حاولت الضغط عليه من خلال مقترحات تتعلق بوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، وهو ما رفضه نتنياهو جملة وتفصيلاً.
استراتيجية نتنياهو.. "اللعب على الوقت"
ويصف خريشة استراتيجية نتنياهو بـ"اللعب على الوقت"، حيث تبنى أسلوب المماطلة والتسويف في تعاطيه مع الإدارة الأمريكية.
ويشير خريشة إلى أن نتنياهو يرى بنفسه انه كالزعيم البريطاني ونستون تشيرتشل، إلا أن معارضيه يرون بتشيرتشل صانع قرارات حقيقية بعكس نتنياهو الذي يعتمد على المناورة السياسية للبقاء في السلطة.
وفي ظل مماطلة نتنياهو، يرى خريشة أن تصريحات سوليفان بشأن قرب التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى تحمل طابعاً "رغبويّاً" أكثر من كونها تعكس الواقع. ويشير خريشة إلى أن نتنياهو، الذي امتنع عن مساعدة إدارة بايدن الديمقراطية خلال فترة وجودها في السلطة، لن يمنحها أي مكاسب سياسية قبل مغادرتها بعد نحو شهر.
أما بخصوص تهديدات إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الشريكين في الائتلاف الحكومي، بالانسحاب من الحكومة إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، فيصفها خريشة بأنها "رسائل إعلامية" موجهة لجماهير ناخبيهما أكثر من كونها رسائل حقيقية تستهدف نتنياهو.
مواقف بن غفير وسموتريتش.. لعبة داخلية
ويشير خريشة إلى أن مواقف بن غفير وسموتريتش تتطابق إلى حد كبير مع مواقف نتنياهو، ما يجعل من هذه التهديدات جزءاً من لعبة سياسية داخلية موجهة للاستهلاك الإعلامي.
ويرى خريشة أن أحزاب اليمين المتطرف المشاركة في الحكومة الإسرائيلية لن تذهب فعلياً إلى حد إسقاط الحكومة، حتى لو اختلفت على بعض التفاصيل، لأن وجودها في هذا الائتلاف يمثل فرصة ذهبية لتنفيذ برامجها الاجتماعية والدينية، إلى جانب توسع الاستيطان في الضفة الغربية واستغلال الوضع في سوريا وجنوب لبنان.
ويشدد خريشة على أن هذه الأحزاب تدرك أن إسقاط الحكومة يعني هدم معبد الائتلاف الحاكم على رؤوسها، وهو ما لا ترغب فيه.
ويؤكد خريشة أن نتنياهو لا يزال يناور لكسب الوقت وضمان بقائه في السلطة، في حين تواصل إدارة بايدن محاولاتها اليائسة لتحقيق أي تقدم في ملف تبادل الأسرى، إلا أن المعطيات السياسية تشير إلى أن تصريحات سوليفان لا تتجاوز كونها رغبات أمريكية، في ظل تعقيد المشهد الإسرائيلي الداخلي وصراع المصالح بين الأحزاب المتطرفة التي تحكم المشهد.
الحرب الحالية تحمل بصمات أمريكية واضحة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الأخيرة تعكس واقعاً مفاده وجود اختراق في مسار صفقة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الصفقة وشيكة أو قاب قوسين أو أدنى.
ويشير سمور إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدرك جيداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد لها تحقيق أي إنجاز سياسي في ظل اقتراب نهاية فترة بايدن الرئاسية.
ووفق سمور، فإنه بالرغم من أن الحرب الحالية تحمل بصمات أمريكية واضحة، حيث تُدعم سياسياً وعسكرياً بشكل كامل، إلا أن إدارة بايدن لديها القدرة على إنهائها حتى في اللحظات الأخيرة من ولايته، لكنها لا تُمارس الضغط الكافي على إسرائيل، بل تفضل التدخل "الناعم" عبر أدواتها المختلفة.
تصريحات سوليفان تتخذ طابع الدعم المطلق لنتنياهو
في ظل مماطلة نتنياهو حول الصفقة، يرى سمور أن تصريحات سوليفان تتخذ طابع الدعم المطلق لنتنياهو، حيث تؤكد له أن الولايات المتحدة تقف إلى جانبه وتدعمه بكل الوسائل الممكنة.
وتأتي هذه التصريحات، وفقاً لسمور، في وقت يواجه فيه نتنياهو ضغوطاً داخلية وخارجية، بما في ذلك مواجهته مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، ورغم أن النظام الدولي يحمل الكثير من التناقضات والنفاق، إلا أن هذه المذكرات تُسبب لنتنياهو إحراجاً لا يمكن تجاهله، حتى لو كان بروتوكولياً.
ويرى سمور أن الرسائل الأمريكية تهدف إلى طمأنة نتنياهو بأن دعم واشنطن له لن يتراجع، وهو ما يتيح له الاستمرار في سياساته الحالية دون خوف من تداعيات قانونية أو سياسية فورية.
وحول الوضع الداخلي في إسرائيل، يوضح سمور أن القضية لا تتعلق فقط بخطر تفكك الائتلاف الحكومي، بل تمتد إلى دور وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يفتقران للخبرة السياسية وقواعد اللعبة داخل المؤسسة الإسرائيلية العميقة.
ويشير سمور إلى أن نتنياهو يولي أهمية للتيار الذي يمثله هؤلاء الوزراء أكثر من اهتمامه بشخصياتهم، حيث يُستخدمون كواجهة لتحقيق أهداف معينة.
ويؤكد سمور أن الدولة العميقة في إسرائيل لا تتردد في تجاوز الوزراء الذين يعيقون مصالحها، وبالتالي، إذا تطلبت مصلحة إسرائيل التخلص من بن غفير وسموتريتش لتسهيل مسار الصفقة أو أي تحرك استراتيجي، فإن ذلك سيتم بسهولة، لأنهما يُعتبران بالنسبة لنتنياهو "فزّاعة" يمكن الاستغناء عنهما في أي لحظة.
تخوف نتنياهو من ارتدادات "اليوم التالي للحرب" داخلياً
ويشير سمور إلى أن السبب الرئيسي وراء إصرار نتنياهو على استمرار الحرب ليس فقط تجنب المحاكمات ومحاسبته في القضاء الاسرائيلي، بل خوفه من ارتدادات مرحلة "اليوم التالي للحرب" في اسرائيل.
ويلفت سمور إلى أن وقف الحرب سيكشف حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على مستوى سمعتها الدولية، كما سيظهر حجم الانقسام الداخلي الذي قد يتطور إلى اقتتال داخلي، مما يهدد مستقبل نتنياهو السياسي بشكل مباشر.
ويؤكد سمور أن قلق نتنياهو من مرحلة ما بعد الحرب يدفعه إلى تبني نهج المماطلة، وهو ما تدركه إدارة بايدن، لكنها لا تمارس الضغط الكافي لإنهاء الحرب، ما يترك المنطقة في حالة من الغموض وعدم الاستقرار.
استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل
يرى الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن الإدارة الأمريكية، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت تمارس سياسة المناورة لدعم إسرائيل، ما أتاح لقوات الاحتلال مواصلة ارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين تحت غطاء أمريكي.
ويوضح عنبتاوي أن الإدارة الأمريكية دافعت ودعمت نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت بعد إصدار مذكرتي اعتقال بحقهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ما يعكس استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل.
ويعتقد عنبتاوي أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تُروج حالياً لفكرة إبرام "صفقة" تشمل وقف الحرب ولو بشكل مؤقت، بهدف تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير يُسجل لها قبل انتهاء ولايتها، إلا أن نتنياهو يتجاهل هذه الجهود ويمارس المماطلة، في وقت يُفضل فيه الإسرائيليون مواصلة عدوانهم على غزة، لتحقيق أهداف استراتيجية، أبرزها تهجير سكان شمال القطاع وتنفيذ مشاريع استيطانية فيه.
ويشير عنبتاوي إلى أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة تسعى للضغط على إسرائيل للوصول إلى اتفاق قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، كما حدث في الملف اللبناني، حيث تم التوصل إلى تفاهمات بدفع أمريكي واضح.
ضغط أمريكي ضعيف وغير فعال
ومع ذلك، يوضح عنبتاوي أن هذا الضغط لا يزال ضعيفاً وغير فعال بالقدر الكافي لإجبار نتنياهو على المضي قدماً في إبرام صفقة.
ويؤكد عنبتاوي أن الإدارة الأمريكية تترك المجال لإسرائيل للاستمرار في تنفيذ المجازر ضد الفلسطينيين بهدف إرغام المقاومة على الاستسلام الكامل، بما يحقق أهداف الاحتلال الإسرائيلي على الأرض.
من جهة أخرى، يعتقد عنبتاوي أن نتنياهو يواجه ضغوطات داخلية متزايدة لإنجاز صفقة تبادل الأسرى، وسط تصاعد الأصوات في الداخل الإسرائيلي المطالبة بإنهاء الحرب.
في المقابل، يشير عنبتاوي إلى تهديدات متكررة من وزراء في حكومته بتفكيك الائتلاف الحكومي في حال التوصل إلى صفقة، إلا أن تهديداتهم لا تشكل قلقاً لنتنياهو، حيث ينسجم معهم ويفضل استمرار الحرب والتمسك بمخططاته الاستيطانية.
نتنياهو يسعى لتنفيذ مشاريع استيطانية كبيرة
ويرى عنبتاوي أن نتنياهو لا يريد إبرام أي اتفاق في الوقت الراهن، بل يسعى لتنفيذ مشاريع استيطانية كبيرة، ليس فقط في قطاع غزة، بل أيضاً في الضفة الغربية، بهدف تعزيز سيطرة الاحتلال على المناطق الفلسطينية، وسط استمرار الحرب التي توفر له الغطاء لتنفيذ هذه المخططات.
ويشير عنبتاوي إلى أن الوضع الراهن يكشف عن تقاطع المصالح بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، التي تفضل تحقيق مكاسب دبلوماسية على حساب الشعب الفلسطيني، دون أن تُمارس ضغطاً حقيقياً على الاحتلال لوقف جرائمه أو تغيير سياساته العدوانية.
دلالات
الأكثر تعليقاً
في ذكرى استشهاد والدي الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة.. "رجل بأمة"
من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة
أما آن لنا أن نغير نشيدنا الوطني؟
مقتل عنصر من الأجهزة الأمنية في الأحداث المستمرة بجنين
بعد تفجير المقامات في سوريا...الثارات وتصفية الحسابات قد تودي بالإنجازات
السعودية تندد باقتحام بن غفير للمسجد الأقصى
معركة المواجهة وشروط الانتصار
الأكثر قراءة
أما آن لنا أن نغير نشيدنا الوطني؟
لجنة الإسناد المجتمعي.. هل تؤسس للقطيعة بين شطري الوطن؟
حل الفصائل المسلحة في سوريا.. محاولة لاستعادة هيبة الدولة
تحديات كبيرة وانغلاق في الأفق السياسي.. 2025 في عيون كُتّاب ومحللين
مخيم جنين.. ارتفاع عدد قتلى العملية الأمنية الفلسطينية إلى 9
في ذكرى استشهاد والدي الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة.. "رجل بأمة"
منع دخول الفلسطينيين القادمين من سوريا و4 دول إلى مصر
أسعار العملات
السّبت 28 ديسمبر 2024 10:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.68
شراء 3.66
دينار / شيكل
بيع 5.19
شراء 5.18
يورو / شيكل
بيع 3.84
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%57
%43
(مجموع المصوتين 311)
شارك برأيك
جولة سوليفان في ربع الساعة الأخير هل تُنجز الصفقة أم تُعوّم سفينة نتنياهو الغارقة؟