أقلام وأراء
الأحد 08 سبتمبر 2024 9:33 صباحًا - بتوقيت القدس
جنديّ يروي قصّة كلبهم الذي نهش طفل متلازمة داون (محمد بهار) ؟؟
عقدنا بداية حلقة نقاش عندما وضعنا أيدينا على فريسة قد تبدو غريبة، وقد نبني عليها فيلماً قصيراً من إخراجنا. داخل شقّة آيلة للسقوط بعد أن تكوّم نصفها، وعلى وقع صعقات الحرب التي كانت تدار بشتّى أنواع الأسلحة: الطائرات بكلّ تشكيلاتها المحلّقة، صليل الدبّابات المزمجرة وصوت زخّات الرصاص الذي لا يهدأ له بال، بداية وقف الضابط أمامنا شارحا لفكرة الفيلم.
بين أيدينا الآن طفل غزيّ بعمر خمسة عشر عاماً من النوع "المنغولي" مصاب بمتلازمة داون، هنا تحلو الحكاية، بطل القصّة هذا الطفل الذي أرشّحه لكم للقيام بالدور قياماً حقيقيّاً وليس تمثيلاً، بقيّة الممثّلين الذين سيجسّدون دور الذئاب الذكيّة عندما تأخذ شكلها البشريّ بعيداً عن أيّة زخرفة أو تمثيل، وسيمثّلون دور العدوّ المفترس الذي يستمتع بتعذيب ضحيّته ويتسلّى على آلامها بحنكة وذكاء، فيلم رعب هم فيه الروح الشرّيرة القادرة على إخراج كلّ تجليّات الشرّ الكامنة في أعماق أعماقها، سيجسّدون كيف وصلت هذه الروح إلى هذا القاع السّحيق من البشرية ذات الروح السوداء الكريهة المقيتة، سيظهرون في الفيلم كيف نجحت أرواحهم نجاحاً باهراً في أن لا تستبقي شيئاً من دواخلها الشرّيرة.
لا بدّ من أن يكون قد مرّ من يرشح للقيام بهذا الدور بتجارب قد مارس فيها الإجرام بدرجات متفاوتة، ولا بدّ له من أن يرتقي في هذا السّلم درجة تلو الأخرى ليصل في النهاية إلى هذه القدرة الخارقة على ممارسة الجريمة بأبشع الصور التي لا يتخيّلها بشر، ولا تمرّ بخياله ولو مروراً سريعاً.
لا بدّ له مثلاً من أن يكون قد دخل سباقاً في نذالة الجريمة، قد هدم بيوتاً فوق رؤوس ساكنيها من أطفال ونساء لا دور لهم في هذه الحرب ودون أيّ مبرّر أو سبب، لا بدّ له من أن يكون قد مارس دوراً في قصف القنبلة ذات الألفي رطل على بيوت النازحين البلاستيكية والمشافي والمدارس والجامعات ودور العبادة، وأن يكون قد شاهد ذلك وهو يقهقه وينتشي ويفرح، ولا بدّ له من أن يكون قد اعتاد على أن يشعر بالطرب وهو يستمع لأنفاس الناس وصرخاتهم وهي تسلم الروح، ولا بدّ له من أن يكون قد تسلّى كثيراً وهو يقوم بتعرية الناس وتعذيبهم شتى أنواع العذاب ليزداد طرباً، ويستعذب قلبه هذا العذاب، وأن يكون من الذين مارسوا السحل وتكسير العظام والحرق وكلّ أشكال البطش الشديد والشرط أن لا تتحرّك في دواخلهم أية وخزة ضمير، بل يرتعش ضميرهم جزلاً وسروراً وابتهاجاً. هو بهذا وغير هذا يصبح مؤهلاً للإبداع والتفكير خارج الصندوق المألوف في عالم الجريمة، يصبح له خيال خلّاق وفاتح لآفاق جديدة وذو قدرة عالية للوصول إلى الذروة التي لم يصلها أحد من قبله لا من إنس ولا جان.
لقد قمنا بالفعل بتأهيل هذه المجموعة من الجنود وقد تأهّلت في هذه الحرب ووصلت ذروة الابداع، ثمّ إنّها ذات سبق في دوري الجريمة الممتاز، ولها تجارب في البحث عن أشكال جديدة لم يصلها أحد، فرصة تثبت للقاصي والداني في هذه العصابة أنّها لا يشقّ لها غبار، ولا يحدّها حدّ في تحقيق أعظم التجلّيات. وأنتم مررتم بهذه التجارب لذلك أرشحكم للقيام بهذا الدور الفظيع.
ولتحقيق أفضل مشهد درامي في سينما إنتاج أفلام الرعب أضع بين أيديكم هذا الطفل الملائكيّ المصاب بمتلازمة داون، إنّ في ذلك لفرصة عظيمة، لأن الجريمة عندما يكون لها مبرّر تفقد جودتها، هذا الطفل لا مبرّر بأي حال من الأحوال يجيز الاعتداء عليه، وهنا يكمن فنّ الجريمة، هكذا أريد أن أقتلك دون مبرّر صادق أو حتى كاذب، ثم إن شكله يوحي بكلّ شيء عن مرضه وإعاقته فرسالتنا في الفيلم واضحة العيان: لا داعي أيها الجندي العظيم عندما تقتل الفلسطينيّ أن يكون لك مبرّر لقتله، يكفي أن يكون فلسطينيّا.
هنا تبلغ الجريمة مداها العظيم ويبلغ الفيلم ذروته، ينزع من حضن أمّه فنضرب بذلك قلبها في مقتل، ثم رصاصة في رأسه، لا أبداً هكذا تبدو الجريمة اعتياديّة والإخراج سيء، تريح ضحيّتك بهذه السّرعة وكأنّكم لم تسمعوا وصيّة عظيمنا المقدّس بن غفير عندما قال:" لا يعتبر الموت عقوبة كافية للفلسطيني، يجب أن نذيقه ما هو أصعب من الموت" الرصاصة في الرأس غير كافية، ما رأيكم دام فضلكم؟
" هتف أحدهم مغتبطا بفكرته:"
- نقتل أمه ونتركه مكبّلاً حتى يموت جوعاً وعطشًا.
" هزّ الضابط المخرج رأسه منكرا:"
- قد يأتي من ينقذه بعد مغادرتنا المكان.
" قال ثالث مزهواً بفكرة بدت له أنّها عظيمة:"
- نقوم بالعكس نقتله ونترك أمّه تموت حسرة عليه.
" أنكر عليه الضابط مقولته:"
- فكرة ولكنّها مكرورة مملّة، حصل مثلها كثير. ثم أين المتعة فيها وأين التسلية؟
" قال الرابع وهو يظنّ أنه يحسن صنعا:"
- نقتل الاثنين برصاصتين غير مميتتين ثم نتركهما ينزفان حتى الموت.
" لم تعجب الضابط، استخفّ بها ونعق:"
- لا جديد، أريد فكرة خلّاقة، جديدة، طازجة لم يسبقنا إليها أحد.
" قال شرّير واضح أنه قد رضع من حليب إبليس في صغره:"
- وجدتها، لم لا نطعم كلبنا، نترك الكلب يفترسه ولننظر كيف يواجه هذا المعتوه مصيره، وننظر في وجه أمّه كيف نقرأ رواية البؤساء في تقاطيعه الجميلة، نطعم كلبنا ونسلّي أرواحنا.
" صفّق الجميع للفكرة، وسال لعابهم على مشهد سينمائيّ هوليودي رهيب"
- أرأيتم كيف تشرق الفكرة القويّة وتزهو بها الأرواح؟ أحضروا أمّه لتشاهد معنا الفيلم، هيّا أطلقوا الكلب عليه.
" اعترض جنديّ صامت هادئ من الواضح أنه حديث عهد في هذه الجنديّة، وجّه كلامه لضابط المجموعة"
- لا أرى ذلك مناسباً سيدّي، إن كان ولا بدّ فدعوني أجهز عليهما برصاصتين.
" قهقه الجند وضابطهم "
- ما زلت طريّ الفؤاد يا ولدي، محارب فاشل.
" ناشدتهم أمّه باكية بعد أن رأت الشرّ في عيونهم وقرأ قلبها ما يحيط بفلذة كبدها من مخاطر:"
- إنّه معاق، من أطفال متلازمة داون، ألا ترون شكله، بالله عليكم، أرجوكم ارحموه، اتركوه وشأنه.
" سأل أحدهم ساخراً:
- أنت أم هو، الكلب جائع ونريد أن نطعمه.
- أنا، فليأكلني كلبكم واتركوا ولدي.
" قهقه الضابط ونعق:
- أنت لحمك أزرق ناشف لا ينفع للأكل.
" هجم الكلب بكلّ عنفوانه وأنيابه مشرّعة، صرخت أمّه بأعلى صوتها، من وسط صراخها سمعت ابنها وهو يخاطب الكلب:
- "بس حبيبي، خلص. " لم يدر بخلده الصغير ولم يمر في حياته أن هناك ضباع على شكل بشر، حسب الكلب صديقاً أو دمية ولكن الكلب أنشب أنيابه في يده فمزّقها، امتقع وجهه هلعاً، وتداخلت مشاهد الرجاء والخوف والسذاجة والبراءة في صورة سيريالية واحدة في وجهه، امتزجت فيها كلّ الألوان القاتمة، تجعّد صباحه وشخصت عيناه، بكى بمرارة وحزن يقطّع القلوب، ثم صرخ من أعماقه صرخة اهتزّت لها الجدران.
- ماما أنا بحبّك. "وكانت آخر كلماته".
نهش الكلب وجهه ليخفي صوته، لعق من دمائه ونزل الدم غزيراً من رقبته.
" صرخت أمّه صرخّة تردّدت في جنبات خراب غزّة ثم راحت في غيبوبة طويلة، نجحنا بتصوير الفيلم على هواتفنا، اشتدّ القصف علينا فولّينا هاربين.."
هنا انتهت رواية الجنديّ بنهاية فيلمهم.
وجدت أمّه نفسها في خيمة يقال عنها مشفى، سألت عن ولدها لعلّها كانت في رؤيا سيئة أو كابوس في منامها، ولكن الناس ترحّموا عليه وقالوا لها ترضّي عنه سبقك إلى الجنةّ والرفيق الأعلى. تذكّرت المشهد الأخير من فيلم الرعب وجّهت قلبها لربّها وناجت:
" اللهم إنّك تسمع وترى ولا تخفى عليك خافية، إنهم ظلمة، جبابرة، طغاة، وحوش كاسرة، قد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم سوط عذاب، اللهم ما صنعوا مع ولدي أرهم إياه أضعافاً مضاعفة، وانتقم لي ولولدي انتقامك لأحبابك على أعدائك، اللّهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحدا".
.............
"بس حبيبي، خلص. " لم يدر بخلده الصغير ولم يمر في حياته أن هناك ضباع على شكل بشر، حسب الكلب صديقاً أو دمية ولكن الكلب أنشب أنيابه في يده فمزّقها، امتقع وجهه هلعاً، وتداخلت مشاهد الرجاء والخوف والسذاجة والبراءة في صورة سيريالية واحدة في وجهه، امتزجت فيها كلّ الألوان القاتمة.
دلالات
احمد قبل حوالي شهر واحد
الله يرحمه
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
جنديّ يروي قصّة كلبهم الذي نهش طفل متلازمة داون (محمد بهار) ؟؟