يومان متتاليان وعدوان جيش الاحتلال على مخيم نورشمس متواصل بكل ما تحمله الكلمة من معاني القسوة والدمار والخراب واستهداف المواطنين الآمنين في بيوتهم المؤقتة ، وهدم عدد كبير منها ، وإطلاق النار من مختلف أنواع الأسلحة برا وجوا بهدف القتل ، حيث استشهد عشرة من شبان المخيم واصيب العشرات ، كما تم اعتقال عدد كبير من الاهالي وتجريدهم من ملابسهم وسط اهانات لكرامتهم في محاولة لاذلالهم ، ضمن حملة مسعورة تسعى إسرائيل من خلالها للقضاء على جمرة المقاومة التي لا تزال مشتعلة وتنبض بالكبرياء الوطني الأصيل ..

المخيمات الفلسطينية هي أصل الحكاية المقترنة بحياة كريمة رغم كل الظروف ، يعيشها النازحون واللاجئون بعزة وشموخ ، مجسدين صمودا أسطوريا يضيئ من جديد على مشهد وجوهر النكبة الفلسطينية ، ليذكروا العالم ان ملايين اللاجئين الفلسطينين الموزعين على مخيمات اللجوء في الشتات والداخل ، لا يستحقون هذا الظلم التاريخي الذي تفرضه اسرائيل عليهم ، وسط لوعة التشرد ومعانيات وقسوة وعذاب لسنوات طويلة ، ولا زالوا يحلمون بحقهم الطبيعي والإنساني بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي دمرها الاحتلال وأقام على أنقاضها مستعمراته ومستوطناته ، التي تحاول إسرائيل من خلالها طمس المعالم الفلسطينية التراثية والتاريخية وإخفاء معالم الجغرافيا ..

لأن المقاومة والصمود هي لغة المخيمات التي لا تساوم ، فان إسرائيل قررت خلال الأعوام الأخيرة رفع وتيرة مساعيها لتصفية هذه اللغة ، وبالتالي القضاء على اصل الحكاية وجوهر القضية الفلسطينية، واستهداف كل مقومات الحياة البسيطة والمتواضعة ، في مخيمات تفتقد إلى الحد الادنى من الحياة البشرية الطبيعية ، لتتزامن الحملة على مخيمات الضفة الغربية مع العدوان الشامل الذي يستهدف قطاع غزة ومخيماته ..

تدرك إسرائيل عدم جدوى الحلول العسكرية مع المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فانها لا تمتلك سوى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة التي يوفرها اهالي المخيمات ، ومن اجل ترهيب وترويع الاهالي ، فان الجيش يستهدف بشكل واضح البنية التحتية في المخيمات ويزرع الدمار في كل عدوان يشنه على هذه المواقع ، كما حصل في جنين وطولكرم وعقبة جبر والدهيشة ومخيمات نابلس ، لإضفاء حالة من البؤس على حياة الفلسطينيين في هذه المخيمات الذين تتشابه ظروفهم فيها بالمسكن والمعيشة وظروف العمل القاهرة والصعبة …

المخيمات تشكل قواعد الانطلاق نحو المقاومة وتحتضنها بشكل كبير ، ومن هنا فهي الهدف الاستراتيجي في مخططات الاحتلال للقضاء عليها ، ومحاولة قتل حكايات المخيمات التي ستبقى عصية على الجيش وكل معداته وآلاته الحربية ، وستبقى متسلحة ومتمسكة بحق العودة وفقا للقرار الاممي ١٩٤ ..

مخيم نور شمس لم يكن الاول الذي يتم استهدافه بهذا الشكل ، فالمداهمات طويلة ووصلت إلى اكثر من خمسة الاف استهداف اسرائيلي خلال عامين لكل مخيمات الضفة الغربية ، ورغم هذه الجرائم التي ترتكبها اسرائيل لإخماد ثورة المخيمات التي تطالب بحقوقها ، فان نور شمس المخيم الشمالي الذي انطفأ ليومين متتاليين سيسطع مجددا وستشرق شمس المخيم لتؤكد انها اصل الحكاية وجوهر القضية منذ البداية.