أقلام وأراء

الإثنين 26 فبراير 2024 9:53 صباحًا - بتوقيت القدس

رسالة من غزة

ربما، لم يكن باستطاعة أحد مساعدتنا، ولأسباب عديدة فشلوا في الوصول إلينا طيلة أشهر الحرب، وربما كان علينا أن نعي ذلك منذ البداية، فلا ننتظر أحدًا يأتي من خلف الحدود، ولا نغرق كثيرًا في التمني الباحث عن العون، وكسر الحصار لإدخال الغذاء والدواء، وهذا ما لم يحدث برغم المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وبينما كانت جسور الدعم العسكري والمالي تصل الاحتلال، لم تصلنا شربة ماء ولا لقمة غذاء.


هي أشياء صارت خلفنا بعد أن أكلتنا الحرب، نحن الآن نعرف وحشة الطريق، ونعرف أثر الجوع، الخوف، الرعب، الحيرة، الحسرة، الفقد، القلق، الرهبة، وحشة الوحدة والخيبة، ونعرف المواقف الدولية المنحازة، وكم التخاذل، وصمت الدول وضعفها في وقف هذا العدوان المستعر.


نعرف أنها أقدار، وكان قدرنا الصعب هو الأطول في محاولة البقاء على قيد الحياة، بين حرب وحصار، وبين معركة ومعركة، وبين شهيد يودع شهيد، نواصل الصمود في حتمية الإرادة وعزيمة تفوق الخيال.


نعرف مقدار حدة الألم، وكم يلزمنا من الصبر لاحتمال الوجع أثناء عملية بتر القدم من دون مخدر، وكم نحتاج من الطعام يوميًا لنبقى على قيد الحياة، وكم هو بارد ليل الخيمة.


نعرف كمية الآهات والأنين التي ترافق الجوع، وحجم الوجع الذي يسكننا بفعل الفقد والموت، وهذا النزوح الذي جعلنا بلا مأوى، بلا طعام ولا شراب، بلا أمن وأمان، بلا بيوت نلجأ إليها، بلا علاج في المستشفيات وبلا مسكنات دوائية.


نعرف كميات الخضار والبندورة التي دخلت للاحتلال، من باب الصفقات التجارية والسياسية بينما نحن جوعى بلا خبز ولا ماء ولا دواء.


نعرف كمية الشعارات الوطنية التي لا تسمن ولا تشبع من جوع. نحن جوعى كلما جاء الصباح وأشرقت شمس نهار جديد، تذكروا، وكلما أسدلت ستائر العتمة فوق خيامنا التي لا تدفئ ولا تمنع الغرق في ليل المطر. جوعى بلسان لا يرجو المهانة وشفاه يبست من العطش.


نعرف مقدار العجز الذي أصابنا، العجز النفسي والعجز الجسدي، كلي أو نصفي، وبدأنا ندرك كم الأمنيات التي بترتها هذه الحرب. يُتم الصغار بلا والدين، وصراخ الطفولة في وجه الجوع والبرد، والحزن على وجه الكبار في خيوط تجاعيد الخيبة، والاغتراب الذي نشعر به.


نعرف طعم الخذلان. وكم هو مرّ وحاذق، يكنس منك روح الأمل ويبعث فيك المزيد من الأرق في ليالي الحرب. الحرب التي لم تتوقف بعد، وصفقات الهدنة تتعثر حينًا وتغيب من أثر الخلافات على شروطها، وضعف إرادة العالم.


نعرف أسماء الشهداء، الجرحى، المفقودين، النازحين، ونعرف أسماء الطائرات وأنواعها والمهمات الموكلة لها، ونستطيع التفرقة بين الميركافا و الـ D9 وناقلات الجند وجيبات الهامر. وبتنا نعرف كمية المتفجرات المحشوة بالصاروخ والقذيفة، نحدد ذلك من قوة الاهتزاز وصوت الانفجار.


الصوت الذي نسمعه دليلنا لمعرفة كل ذلك، وهو دليلنا إلى الأحياء تحت ركام البيوت التي تتعرض للقصف، صوت هند وبتول ويوسف وطارق، وأنين لمى ودنيا ورنا وأحلام، تلك الطفولة التي نامت في حضن أمها الأرض، وحشرجة بكاء الأم الشجرة.

دلالات

شارك برأيك

رسالة من غزة

المزيد في أقلام وأراء

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

إنكار النكبة

جيمس زغبي

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 212)

القدس حالة الطقس