أقلام وأراء
الأحد 20 أغسطس 2023 10:16 صباحًا - بتوقيت القدس
بطء فلسطيني وسط تحولات إقليمية متسارعة
على الرغم من كل المشاكل والانقسامات التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي وتدفع بمئات آلاف الإسرائيليين لمواصلة احتجاجاتهم الصاخبة في الشوارع للشهر الثامن على التوالي دونما توقف أو انقطاع، فإن آلة الحرب الإسرائيلية تبدو موحّدة في تنفيذ هجومها الشامل على الشعب الفلسطيني وأرضه ضمن خطتها الرامية لحسم الصراع. هذا الهجوم بكل ما يتخلله من خطوات لمواصلة تهويد القدس، وعمليات قتل للكبار والأطفال، ونهب الأراضي وانفلات المستوطنين من كل القيود، واستباحة المدن والقرى، وتنكيل بالأسرى وأهاليهم، وهدم المنازل والمدارس، كل ذلك لا يبدو أنه يثير اعتراض أحد من قادة المعارضة الإسرائيلية والمحتجين الغاضبين على ما يسمونه الانقلاب القضائي، وكأن هذا الانقلاب الشامل على كل القيم والمعاني الإنسانية يجري في قارة أخرى وزمن آخر وليس على بعد عشرات الكيلومترات فقط من ميدان كابلان في تل أبيب.
دلالة ما سلف هي أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على قضاياه الداخلية بشأن طبيعة النظام السياسي والعلاقة بين سلطاته المختلفة، ولكنه موحّد على قمع الفلسطينيين واحتلال أرضهم والتنكر لحقوقهم الوطنية، على الرغم من أن أي بحث موضوعي سوف يثبت العلاقة الأكيدة بين وجه اليمين الفاشي المتوحش تجاهنا، أي تجاه الآخر المختلف عنه قوميا ودينيا، وبين وجهه الثاني تجاه أبناء جلدته وعدائه لكل هوامش الديمقراطية وحقوق الإنسان وصولا لمعاداة القضاء المستقل، فما يجري في إسرائيل الآن جرى قبلها حرفيا في معظم البلاد التي عرفت أنظمة فاشية وشعبوية يمينية.
لا مبالاة الجمهور الإسرائيلي الواسع تجاه معاناة الفلسطينيين ليست مجرد عيب أخلاقي ولا هي ناشئة عن التعبئة العنصرية والتحريض وثقافة الكراهية المتغلغلة في الإعلام ومناهج التعليم والخطاب الديني، بل هي نتاج عدم تأثر مصالح هذا الجمهور في الأمد القريب من آثار الاحتلال. يدرك بعض الباحثين والأكاديميين الإسرائيليين أن الاحتلال على المدى البعيد يُفسد من يقومون بالاحتلال ويُخرّب ضمائرهم وقيمهم الانسانية، ويخلق في داخلهم وحوشا لن تلبث إلا أن تنقلب على مجتمعهم ومحيطهم وحتى على عائلاتهم، لكن ذلك لا يمكن تلمّسه بوضوح في يوميات الحياة وفي المدى المباشر، لأن الإسرائيلي يعيش حياة مرفهة، ويمكنه التجول بحرية ليس في هذه البلاد فقط بل في مختلف دول العالم بما في ذلك عدد من الدول العربية والإسلامية، ولا يعاني في أمنه الشخصي ولا في رزقه ومستوى حياته من نتائج الاحتلال، بل على العكس فهو يتمتع بثمار النهب الاستعماري لأرض الفلسطينيين ومياههم ومواردهم ونواتج كدهم وتعبهم، أما أولئك الذين يعيشون خلف الجدار في غزة أو الضفة، فهم في راي الإسرائيلي كائنات من نوع آخر، جُبلت على الشر والكراهية فهم إما متعصبون يتوقون لقتل اليهود لأنهم يهود، أو عمال يقبلون بأقسى شروط العمل والإذلال لقاء أجور زهيدة.
الإسرائيلي لا يرى في الفلسطيني جاراً له، ولا ندّا إنسانيا، ناهيك عن أن يكون شريكا في أي عملية سياسية، ولذلك فهو ينظر إليه على المستوى الفردي كشخص دون مستوى اليهودي ولا يحق له أن يتمتع بالحقوق الإنسانية التي يتمتع بها اليهودي كحق السفر مثلا أو الحصول على حصة كافية من مياه الشرب أو الوصول إلى المشفى المناسب لتلقي العلاج فضلا عن وجود مساحات كافية لبناء مرافق عامة كالمتنزهات والملاعب والطرق المناسبة. وهذه الأفكار طوّرها بتسلئيل سموتريتش إلى نظرية سياسية مفادها أن الفلسطينيين ليسوا شعبا، وبالتالي ليست لهم حقوق جماعية أو سياسية على هذه الأرض. أما إذا صمموا على حقوقهم فمصيرهم الموت أو الإبعاد، وهذه الرؤية ليست بعيدة عن نظرية نتنياهو السياسية التي شكلت عنوان برنامج الائتلاف الحكومي، وقبل ذلك جوهر قانون القومية العنصري، ومضمون صفقة القرن المنسوبة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بينما هي من بنات أفكار اليمين الإسرائيلي وخلاصتها أن حق تقرير المصير على أرض إسرائيل (فلسطين من النهر للبحر) هو حق حصري لليهود.
هذه الصورة واضحة في تصريحات سموتريتش وبن جفير وسلوك ميليشياتهم المسلحة التي تنفلت ترويعا وإرهابا ومحارق كما جرى لدى انفلات المستوطنين في حوارة وترمسعيا وأم صفا، وهي واضحة كوضوح الدم الفلسطيني المسفوح الذي يصرخ في شوارع مدن الضفة وقراها ومخيماتها مطالبا بالعدالة. لكن ما يترتب على كل ذلك ليس واضحا للأسف في خيارات القيادة الفلسطينية والمؤسسات المُكوّنة لنظامنا السياسي الفلسطيني بدءا من هيئات ومؤسسات منظمة التحرير ودوائرها، إلى الحكومة ومؤسسات السلطة، فنحن لا نجد أثرا لهذا الوضوح المنشود لا في نتائج اجتماع العلمين، ولا في البيانات الصادرة عن الفصائل والهيئات، ولا في السلوك العملي الذي تلا اجتماع العلمين، حيث لم نر ولم نشهد إجراءات تشير إلى استخلاص الدروس المطلوبة سوى في الحركة غير المفهومة لإقالة المحافظين، ثم في إطلاق نوع من الاستشارات لترشيح محافظين وسفراء جدد على طريقة (على من يجد في نفسه الكفاءة..)، كما لمسنا هذه الحالة الرتيبة والبطيئة في التعاطي مع الأحداث من خلال الموقف من دعوة الفصائل ومنظمات المجتمع المدني في قطاع غزة لإجراء الانتخابات المحلية.
العالم يتحرك بإيقاع سريع جدا، أما حركتنا بشأن ترتيب أوضاعنا فهي أقرب إلى مشي السلحفاة، وثمة تحولات متلاحقة في منطقتنا أبرزها ما يتصل بالمملكة العربية السعودية من تطورات تعزز زعامتها للإقليم وما ينشر عن جهود أميركية لإبرام صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهي صفقة لو صحّ الحديث بشأنها فلا بد أن تشمل التطرق إلى الموضوع الفلسطيني كما هو معهود في المواقف التاريخية للسعودية، ولكن تبقى قدرة وضعنا الفلسطيني الداخلي على التعاطي بكفاءة مؤثرة مع هذه التطورات محل شك إلا إذا التمسنا معجزة من السماء.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
مستعمرون بينهم بن غفير يقتحمون الحرم الإبراهيمي
7 مجازر و120 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 96)
شارك برأيك
بطء فلسطيني وسط تحولات إقليمية متسارعة