أقلام وأراء
الأربعاء 05 يوليو 2023 10:17 صباحًا - بتوقيت القدس
الجهة السابعة في مخيم جنين
قرأت رواية الجهة السابعة للأسير المحكوم بتسع مؤبدات كميل أبو حنيش، في الوقت الذي أتابع الاقتحام الصهيوني الهمجي لمخيم جنين والذي بدأ فجر 3/7/2023، وارى الدماء والشهداء والتشريد والدمار والموت الذي يملأ الأرصفة، وجدت في نص الرواية نبوءة وعين ثالثة هي عين المعجزة، وإلا كيف تصمد جنين أمام جنون القصف الصهيوني لولا جهتها السابعة، جنين أكثر من جسد وأكثر من مخيم وأكثر من ظل، وهي تتجدد وتتوالد وتبقى في وجه العاصفة ثابتة وواقفة، الشهداء يخرجون من قلب المقبرة، يموتون مرة أخرى ويعودون ثم يموتون ولكنهم لا ينقصون، يزرعون عظامهم في المداخل عبوات ناسفة.
في جنين لا يحدث الموت مرة واحدة، الموت الكثير هو الحياة الكثيرة، وهي حيرة المستعمرين الذين عجزوا عن احتلال جنين عبر مراحل عديدة من الحروب والغزوات والاقتحامات، ليس لأنها تمتلك صواريخاً ودبابات وطائرات وأساطيل بحرية، هناك في المخيم جهة سابعة غير مرئية، مفتاح بيت قديم وبوابات واسعة.
الناس في جنين تقاتل بإمكانيات بسيطة، لكن أحلامهم ثقيلة، لا تتشظى تحت وابل القنابل والإرهاب المنظم، لا تنصهر في المجازر والنيران كما يظن قادة تل أبيب، جنين قلب دولة لا ينطفىء، ومدينة تسكنها ألف مدينة.
يكتب الأسير كميل أبو حنيش عن البعد السابع في الإنسان الثائر، حيث ينطلق الزمن في خطه الممتد إلى الأمام ليتغلب على رباعية الأبعاد في السجن، ويدمر هندسته المعمارية والإدراكية، فيرتفع بزمنه إلى جماله الإنساني والحضاري، أحاسيس هائلة لا تكبل بالسلاسل، عواطف تتجاوز الأوقات كلها، فائضة عن الكم المحدود، كأنه يبني جنته الموعودة كحديقة معلقة بين النجوم، يحفر بالخيال، ثم يبني بالخيال، لا يعترف بالنظريات الفيزيائية، يجعل من الكون فضاءه الشعاعي سابحاً في أرجائه دون حد، يعزف على أوتار الحياة القادمة.
في جنين يتجسد الوحش الصهيوني، لتدخل المدينة إلى جهتها السابعة، البديل الآخر من أجل البقاء والصمود، هكذا فعلت الانتفاضة الأولى عام 1987، صنعت جهتها السابعة بابتكار الحجر والمقلاع سلاحاً للمقاومة بعد أن حوصرت منظمة التحرير الفلسطينية وتكالبت مؤامرات شطب القرار الفلسطيني المستقل والمشاريع الغامضة، وهكذا انطلقت الانتفاضة الثانية عام 2000 من جهتها السابعة، بعد أن فشلت المفاوضات ووصلت إلى طريق لا يقود إلا إلى مستوطنة أو إلى سجن وموت ورضوخ واستسلام، وهكذا تمرد الأسرى على مؤبداتهم وسياسة الإذلال بالدخول إلى بوابة الجهة السابعة بالإضرابات والمواجهات فأسسوا سلطة ثورية مضادة لسلطة السجان.
هناك دائماً خيار أمام الإنسان يقول كميل أبو حنيش، فالشهقة تصير صرخة، وليس كتماً للأنفاس، وقطرة الماء تصير نهراً ولا تجف في اليباس، وإذا تجرد الإنسان من سلاحه فليحمل أحلامه وذكرياته وثقافته وعقله عتاداً ويبقى في ساحة القتال، فالحقيقة ليست مادية، الحقيقة هي كل هذه الكينونة الكامنة في النفس البشرية، مما يجعل الواقع المستحيل ليس مستحيلاً، إنها التجسيد الواقعي لنزيف المخيلة.
عندما تغلق من حولك كل الأبعاد، لا السياسي يملك مفتاحاً لكسر الدائرة، ولا المجتمع الدولي قادر أن يحرك القانون الدولي ويخرجك إلى فضاء العدالة والحقوق الشرعية، وتصير حياتك حينها تشبه الذوبان والتلاشي في العتمة، أو أشلاء في انفجار قنبلة، تدعس أحلامك جنازير الدبابات، حياتك كلها جنازات ونكبات، لا بد من جهة سابعة خارج المتعارف عليه من الجهات الست، خارج اللغة المألوفة في هذا الصراع الدامي، وأظن أن مخيم جنين الوحيد الذي خرج من جهته السابعة وقلب الطاولة.
الأسير كميل أبو حنيش المحشور في الزوايا المتعاكسة، لا يخشى السجن والجدران، وإنما يخشى سيف الزمن الذي يطحنه في ذاته ويحدد له حركته وإيماءاته ومشاعره ومستوى يقظته وحدود أفكاره، وهنا يكمن جوهر الصراع بين زمنين أحدهما يودي إلى قبر الجسد والعقل والثاني إلى الانعتاق والطيران إلى المستقبل، فلنخترع الجهة السابعة والزمن السابع ما بعد الحياة وما بعد الموت، ونتجاوز الأسلاك المغروزة كأمر واقع تفرضه شروط القوة والدوران في الفراغ اللولبي، وما علينا سوى أن نطلق الحب من دواخلنا إلى خارجنا، فالقلب لا يقيده شيء، ولننقذ ذواتنا من التشظي والتوهان، لنكون واحداً لا اثنين، علماً واحداً لا عشرة أعلام، وطناً واحداً لا تمزقه المصالح والكانتونات، حينها لن يصل الغزاة المتوحشون إلى مخيم جنين وإلى قريتي حوارة وترمسعيا، يشعلون الحرائق ويرتكبون المذابح وينشرون الخراب.
الجهة السابعة لا تطلب منك أن تكتفي بالشجب والاستنكار والاستغاثة والولولة وابتكار المفردات المفخمة تعويضاً عن التقاعس وشفاء للفقدان، الجهة السابعة هي رواية جديدة، محرك وثورة، التقدم إلى الأمام، توظيف الطاقات الحيوية كلها في المعركة، الإبداع في الموت أكثر من الإبداع في الحياة، المقاومة عقيدة ورؤيا وأفعال لا تحتاج إلى أوسمة، المقاومة تعني أن تتحرر من هاجس الموت والخوف، أن تستعصي على الشطب والإبادة، أن لا تكون قابلاً للابتلاع كياناً وهوية وثقافة، المقاومة تعني كسر النص واجتراح الكتابة والصوت والرعد والسحابة، المقاومة أن تكون داخل مخيم جنين الآن وغداً وحتى يوم القيامة، المقاومة أن تعيش في السجن عشرون عاماً، أو خمسون عاماً ولا زلت تقاوم القهر والظلم بسلاح لا يفهمه السجانون وهو الإرادة.
لنذهب إلى الجهة السابعة، ما دام هذا الحصار يشتد ويخنقنا في تجمعات ومعازل وبين حواجز الموت الكثيرة، استباحة بيوتنا ودمنا يومياً، مجزرة تتلوها مجزرة، ولنتعلم من كميل أبو حنيش ووليد دقة كيف يواجهان بأحلامهما وذكرياتهما وخيالهما الحديد والإسمنت، ويخترقان الأبواب الموصدة، يعيدان تركيب الواقع وزراعة الشجر، الماضي يصنع خميرة الحاضر، والحاضر هو جنين والقدس ونابلس، رواية تطل من الجهة السابعة كالصلاة أو المظاهرة إلى الحياة الحافلة.
ما أقوى الذاكرة عندما تحيي الشخوص والشهداء والأمكنة، تستدعي الأم والحبيبة والأصدقاء والشهداء، تواصل مشوار الكتابة وأطلاق النار صوتاً وصورة وأغنية، وما أجمل النوم في الحلم، عندما يأخذك إلى البيت حراً وسيداً على فصولك كلها وجهاتك المتعددة.
يقول كميل أبو حنيش: "يغدو الموت في الجهة السابعة مسألة عادية تماماً، بوابة تشبه بوابة الحب والحلم الإنساني، ففي تلك الجهة تتنازعني ثلاثية الحب والحلم والموت، ثلاثية الكينونة الإنسانية وهي تواصل رحلتها في البحث عن معنى الحياة".
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
هولندا: سنعتقل نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية
ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
الجهة السابعة في مخيم جنين