أقلام وأراء
السّبت 28 يناير 2023 10:45 صباحًا - بتوقيت القدس
روايتنا ورؤيتنا ومنهج المواجهة في ظل المتغيرات الجارية
بقلم: مروان اِميل طوباسي
في مقال الأسبوع الماضي حول مقاربات الرواية والرؤية في توصيف حالة دولة الاحتلال الاستعماري ، اجتهدت باستعراض أسس ومفاهيم الرواية اليهودية الصهيونية بابعادها المختلفة وربطها بما هو جاري عبر تاريخ نشوء دولة الاحتلال ، بما قد يفسر معالم رؤية ومنهج عملهم في ظل تطورات الحالة الجارية .
وقد خَلصتُ في نهاية المقال السابق إلى السؤال الوارد أمامنا نحن، حول إمكانية وكيفية نجاحنا اليوم في استثمار النفور العالمي وتحديدا على المستويات الدولية الشعبية مما هو جاري من تصعيد لجرائم ولتحولات تحمل اشكال الابرتهايد والاستيطان والفاشية معاً والتي تعكس اليوم الوجه الحقيقي للحركة الصهيونية ، من اجل محاصرة وعزل دولة الأحتلال ، وليس بالدعوة الى عزل الاحتلال الذي هو بالاصل تعبير عن جوهر هذه الدولة ، ولجم عدوانها المستمر والمتصاعد وصولاً الى حقنا بتقرير المصير والاستقلال الوطني واسقاط نظام الابرتهايد .
أن الاجابة على تساؤلي يكمن بالسؤال السائد اليوم بشأن مسار القضية الفلسطينية ، وما هي الرسالة التي يجب أن يوصلها طرح روايتنا كأمر ضروري ينطوي على مصلحة وطنية ملحة ، وما هي أسس نهج المواجهة المطلوبة الآن؟.
ان هنالك ضرورة للتعرف النقدي إلى كيفية رواية التاريخ وإلى غرضِه وغايته، وتتضح هذه الضرورة في تفنيد الرواية الصهيونية القائمة على نفي حق شعبنا في وجوده على ترابه الوطني واحلال مكانه خرافة ما سُمي بالشعب اليهودي وحقهم المزعوم في تقرير المصير من خلال انشاء منظموتهم الاستعمارية، ومحاولاتهم محو الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني منذ بداية جريمة التهجير القصري والتطهير العرقي "النكبة"، بعد أن كان اليهود جزء من الشعب الفلسطيني أو شعوب اخرى قبل قرن من الزمن .
حيث ومنذ ذلك الوقت تواجه رواية التهجير الفلسطينية والنفي والاحتلال والتمييز العنصري جهودا ممنهجة ومنظمة تهدف إلى تفريغها من دلالاتها و"تطبيع" الوضع الراهن ، وإظهار الصراع وكأنه مسألة اراضي متنازع عليها، أو مسألة تحسين شروط حياة او حكم ذاتي محدود في احسن الحالات .
فهنالك مفارقات واسعة تاريخية وقانونية بين روايتنا وروايتهم بل وثقافية أيضا، تعكس مدى الهوة الواسعة بينهما والى كيفية استثمار تلك الرواية سياسيا في الوصول الى تحقيق الرؤية، والى ضرورة التخلص من مفردات ومصطلحات أصبحت دارجة بالخطاب الدولي أو المحلي تتسم بالخطأ التاريخي أو تؤدي الى اغفال حقنا التاريخي على ترابنا الوطني وحقيقة روايتنا .
وبغض النظر عن التحديات التي تواجه دولة الاحتلال الاستعماري اليوم بعد "٧٥ عاما" من بدايات جريمة الاستيطان في فلسطين الذي اتجه إلى مفهوم استكمال مشروع الحركة الصهيونية في كامل فلسطين التاريخية او الانتدابية وفق روايتهم التي قدمتها بالمقال السابق ، فأن تلك التحديات التي نراها اليوم بحكم عدم عبثيتنا السياسية والتي تتلخص اساسا بالتحولات الجارية نحو الانحدار لشكل الفاشية الدينية وما له علاقة بانقسامات مجتمعهم المتصاعدة الآن ومظاهر الأزمة لديهم ، في غياب معسكر معاد للصهيونية العنصرية .
إضافة إلى ما امامهم من التحديات الإقليمية المتمثلة في الملف الايراني وتطور الأوضاع بسوريا والعراق ولبنان .
بالإضافة الى تداعيات المتغيرات السياسية الدولية الجارية الآن والمترتبة عن استمرار الحرب بالوكالة التي افتعلها "الناتو" في أوروبا والذي يشكل تحدٍ آخر لدولة الاحتلال الاستعماري وحكومتها الحالية ، خاصة إذا ربطنا ذلك بالعلاقات الروسية الإسرائيلية وكيفية تطور اتجاهاتها في ميزان الربح والخسارة لإسرائيل ومكانتها ، تحديدا مع بداية ولوج العالم إلى نظام دولي جديد ينهي الهيمنة الأميركية احادية القطب ويهدد مكانة وتفوق دولة الاحتلال لاحقا كتحصيل .
اما التحدي الأساس فيتمثل بما له علاقة من تحديد لرؤيتنا نحن في مدى نجاحنا بمواجهة استمرار هذا الاحتلال الاستعماري بكل مظاهره وتجزيئاته العنصرية والفاشية الدينية المتنامية الآن التي أصبحت تصبغ شكل النظام في دولة الاحتلال الاستعماري اكثر من السابق.
لذلك وامام وضوح تلك التحديات، علينا أن نبني رؤيتنا للمرحلة القادمة من المواجهة استنادا لروايتنا التاريخية الحقيقية، ولتقييم تجربة مسيرة حركتنا الوطنية بروح نقدية وما تمخض عنها من أشكال كفاحية وتنظيمية .
فقد بدأ التاريخ الفلسطيني قبل نكبة ١٩٤٨ بزمنٍ طويل في مراحل سطوة الامبراطورية العثمانية ، بل إن شعبنا الفلسطيني أمضى معظم النصف الأول من القرن العشرين في مقارعة الاحتلال البريطاني أو ما سُمي ب"الانتداب" الذي هيأ عمداً لبدايات الاستعمار الصهيوني لارضنا لاحقا من أجل منعنا من تقرير مصيرنا ومحو وجودنا .
رؤية يجب أن ترتبط بالرواية التاريخية لشعبنا ووجودنا في وطننا منذ تاريخ الكنعانين مرورا بمراحل التحضير والتنفيذ لجريمة التهجير القسري والتطهير العرقي وصولا للحالة التي نحن عليها اليوم والتي تتلخص بنفي امكانية ما كانت بعض الأوساط الإسرائيلية تحاول الإيحاء بخصوصه امامنا وامام العالم، بأنه يمكن للفلسطينيين إقامة "دولتهم" على ما يتبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة ١٩٦٧ بعد أن تكون إسرائيل قد استولت على أكبر قدرٍ منها بأقل عدد من سكانها الفلسطينيين بدلا من كافة الأراضي المحتلة بما فيها القدس .
ولكن حتى لو افترضنا أنه سيُسمح باقامة كيان فلسطيني محدود ، فإن ذلك الكيان سيكون منزوع السيادة، وغير قابل للاستدامة اجتماعيًا واقتصاديًا، ومُقطع الأوصال جغرافيا بعد اقل بقليل من وجود مليون مستوطن والسيطرة على جزء كبير من تقسيمات الاراضي التي ترتبت بموجب اتفاق اوسلو الذي هدفت الحركة الصهيونية من خلاله الوصول الى الحالة القائمة الان بعد ان انهته بنفسها، الامر الذي عنى الإجهاض المتعمد للحل الدولي القائم على مبدأ حل الدولتين وحتى لما تبقى من هوامش للاتفاقيات السابقة التي اسقطها الاحتلال تهيئةً لذلك الغرض ، علما بأن ما تم الاتفاق عليه في أوسلو بالاصل لفترة انتقالية كان قد انتهى عام ١٩٩٩.
وفي هذا السياق لن يتوفر أي حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قابل للديمومة إنْ تجاهل حق اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين في العودة إلى موطنهم ، وليس إلى "دولة" مقامة على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة ، بل وبالأساس إلى موطنهم الأصلي أيضا الذين شردوا منه قسرا وتنفيذ حق تقرير المصير لشعبنا وتحقيق استقلاله الوطني وضمان حقوقه القومية بغض النظر عن الحل النهائي ان كان على شكل دولتين ذات سيادة وفق اهمية اعتراف ١٤٠ دولة بدولتنا المستقلة وعاصمتها القدس ، أو بحل دولة ديمقراطية واحدة تتساوى بها الحقوق القومية والاجتماعية دون تمييز بغياب الفوقية الدينية او الاثنية التي تمارس الآن.
من هنا علينا الاعتماد على رؤية واضحة وفق تلك التطورات والمتغيرات تستند إلى تعزيز التراث الفكري والكفاحي لدور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية أمام محاولات تطويعها من جانب الغرب وبعض العرب المطبعين وبناء رؤية وطنية إستراتيجية شاملة وموحدة لدورها في قيادة كفاح شعبنا بوحدة وطنية في كافة اماكن تواجده دون اختزال قضية شعبنا بالمتواجدين فقط بالاراضي التي احتلت عام ١٩٦٧. والانتقال بمهام السلطة الوطنية إلى تنفيذ برامج صمود حقيقية تعزز تمكين شعبنا من المواجهة بالقطاعات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية لادراكنا أن التنمية المستدامة تحت الأحتلال خرافة، كما وتعزيز العمل جديا نحو الانفكاك بالعلاقات مع دولة الاحتلال واجهزتها المختلفة ليكون الاحتلال اكثر كلفة، من خلال التكامل مع أشكال المقاومة الشعبية والاقتصاد المقاوم والمقاومة السياسية الدبلوماسية والقانونية، حتى لا يبقى هذا الاحتلال الاستيطاني هو الأرخص بالتاريخ كما وصفه الرئيس "أبو مازن" في وقت سابق .
لذلك هنالك ضرورة بعدم جعل العام ١٩٦٧ عام احتلال إسرائيل بقية الأرض الفلسطينية جوهر العديد من مفاصل الخطاب الإعلامي السياسي ، سواءً بقصد أو بغير قصد، فهذا يُسقِط المسؤولية عن سيرة الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني إبان الانتداب البريطاني وما تبعه من إقامة كيان استعماري داخل ذلك الكيان الانتدابي الذي خُطط له منذ ١٩١٧ من جانب قوى الأستعمار ، هذا الظلم والتوحش الذي ما زال شعبنا يتعرض له حتى يومنا هذا، حيث باتت المجازر واعمال القتل والتدمير تتم بشكل يومي في ظل صمت دولي مُعيب ومنافق .
أن ما اتخذته القيادة الفلسطينية يوم أمس الاول، من قرارات تعتبر امراً طبيعيا في مواجهة الحالة الجارية، لكنها هامة في رسم رؤية المواجهة الحالية المطلوبة ، والتي باعتقادي يجب أن تستند إلى الأسس المذكورة في تصويب بعض المغالطات لتكون الرواية مكتملة وصحيحة .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 89)
شارك برأيك
روايتنا ورؤيتنا ومنهج المواجهة في ظل المتغيرات الجارية