Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

السّبت 28 يناير 2023 10:41 صباحًا - بتوقيت القدس

لماذا تفشل الثورات الشعبية العربية ؟

بقلم: إبراهيم ابراش


ما نتحدث عنه هو ما اصطُلح على تسميتها بالثورات الشعبية لوصف الأعمال السلمية والعسكرية الموجهة ضد ما تعتبره الجماهير أنظمة دكتاتورية واستبدادية ورجعية الخ...، والتي لم تنج منها دولة عربية منذ ثورة 26 يوليو في مصر 1952 وانتهاء بما يجري في السودان مرورا بـ (ثورات الربيع العربي) التي مر عليها 12 سنة وما زالت تداعياتها متواصلة، وقبل الاستطراد نؤكد على أن استعمالنا لمصطلح الثورة على كل محاولات اسقاط الأنظمة السياسية أو تغييرها لا يعني أنها كانت ثورات شعبية بالمفهوم الدقيق للثورة بل كان أغلبها انقلابات عسكرية أو حروبا أهلية أو مؤامرات خارجية أو ثورات مضادة.
بالرغم من توالي الثورات والانقلابات والحركات التصحيحية والمظاهرات والاحتجاجات وإسقاط أنظمة سياسية وحلول أخرى، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لم تتغير كثيرا إلى الأفضل بل توجد مؤشرات ووقائع على حالة تدهور وتراجع على كافة المستويات – باستثناء دول الخليج العربي-. فكيف يمكن تفسير ذلك وهل أن الشعوب العربية بثقافتها ومنظومتها الاجتماعية وارثها التاريخي غير مؤهلة للقيام بثورات ناجحة وأن تحكم نفسها بنفسها؟ أم أن هناك قوى خارجية معنية باستمرار حالة التخلف العربي واستمرار الأنظمة الاستبدادية والشمولية؟ أو نفترض أن فكرة الثورة والانقلابات خاطئة من حيث المبدأ وأن نهج الإصلاح التدريجي هو المناسب أكثر للشعوب التي عانت طويلا من الاستعمار وتسودها حالة جهل وأمية؟
الكثير من الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم أُجهضت من الداخل ليس لقوة العدو أو لخطأ في مبدأ الثورة والمقاومة، أجهضها أشباه ثوار وأشباه مناضلين من ديماغوجيين وتجار كلام وشعارات، وبعض الثورات والانتفاضات كانت وبالا على شعوبها، حيث حل مستبدون وطغاة جُدد بزي ثوري أو جهادي محل الدكتاتوريين القدامى، وكان فساد أنظمة ثورية وإسلامية جهادية أكثر تدميرا من فساد أنظمة رجعية ويمينية.
كانت المنطقة العربية ساحة تجارب لكل الأيديولوجيات الأممية والقومية والإسلاموية والوطنية، وانساقت الجماهير العربية وراء الأحزاب والجماعات الأيديولوجية التي تطالب بالتغيير عن طريق الثورة عسى ولعل أن يكون على يدها الخلاص، وكان كل نظام جديد يأتي بعد الثورة/ الانقلاب يبدأ من نقطة الصفر متجاهلا ما حققه من سبقه واعدا بعهد جديد من الحرية والكرامة والازدهار والقضاء على الفقر والبطالة الخ، إلا أن الأمور تسير عكس الوعود ويكتشف الشعب أن كل الأيديولوجيات مجرد شعارات لتخدير الجماهير والتلاعب بعقولهم وأن هدف أصحاب هذه الأيديولوجيات هو الوصول للسلطة وليس مصلحة الوطن والشعب، وكان نتيجة كل هذه (الثورات) المزيد من البؤس وأنظمة سياسية مشوهة لا يمكن تصنيفها بأنها أنظمة ديمقراطية أو ليبرالية رأسمالية أو اشتراكية أو إسلامية أو ثورية.
وهكذا يستمر الدوران في حلقة مفرغة من (ثورة) إلى أخرى ومن انقلاب إلى آخر، ويتواصل التلاعب بالمصير العربي وبالقضية الفلسطينية، هذه الأخيرة كان يتم توظيفها من بعض القوى المتصارعة على السلطة لتبرير انقلاباتها.
هذه الحالة كانت منذ السنوات الأولى للاستقلال واستمرت من بعدها وخصوصا في ظل ما يسمى الربيع العربي حيث تم التخلص من بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا وعلي صالح في اليمن وقبل ذلك صدام في العراق، إلا أن الأمور زادت سوءا في هذه البلدان.
لسنا في وارد الدفاع عن الرؤساء الذين تم الإطاحة بهم ولكن من المفيد إعادة التذكير بما جرى في المنطقة العربية خلال العقد الماضي حتى نستخلص الدروس والعبر ولا يقع العرب في فوضى جديدة خصوصا أن المخططين والمنفذين لفوضى الربيع العربي ما زالوا فاعلين ويواصلون مؤامرتهم على الأمة العربية والقضية الفلسطينية.
التفكير بعقلانية وهدوء فيما جرى ويجري في الدول التي ضربتها فوضى (الربيع العربي) تجعلنا نكتشف كم كانت كبيرة وخطيرة المؤامرة على الأمة العربية، وكيف أن تحركات شبابية تجاوب معها غالبية الشعب تطالب بالحرية والديمقراطية وهي مطالب مشروعة ولا شك تحولت إلى حالة فوضى مُخطط لها مسبقاً من طرف أميركا وأدواتها المحلية والكيان الصهيوني الرابح الأكبر من هذا (الربيع) المزعوم، أما الشعوب العربية فقد خسرت كثيرا دون أي مكاسب.
عندما تلتقي كل من: إسرائيل، تركيا، أميركا والغرب، بعض دول الخليج وعشرات جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة والقاعدة، على هدف دعم (الثورات) العربية وإسقاط الأنظمة القائمة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وحاولوا ذلك في الجزائر والمغرب ولكنهم فشلوا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ما هي مصلحة هذه الأطراف من إسقاط أو إضعاف هذه الدول والانظمة؟ هل لأنها دكتاتورية وتنتهك حقوق الإنسان الخ وتدخلهم كان دفاعا عن الشعب ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي؟
لا نقصد من هذه التساؤلات الدفاع عن أي نظام ثار الشعب ضده، فكل الأنظمة العربية كانت وما زالت غير ديمقراطية، والتحركات الشعبية الأولى كانت على حق كما أن قمع الأنظمة لها كان خطأ كبيراً، ولكن لا يُعقل أن تكون الجماعات الإسلاموية المتطرفة تحارب لأنها تؤمن بالديمقراطية وتريد إسقاط أنظمة غير ديمقراطية! ولا يمكن تصديق أن تركيا تدخلت في سوريا وليبيا حرصاً على مصلحة الشعب السوري والليبي ولأنها ضد الدكتاتورية، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أميركا تدخلت في سوريا وأرسلت قوات وبنت قواعد عسكرية من أجل عيون الشعب السوري ولأنها تريد نشر الديمقراطية، ونفس الأمر بالنسبة لتدخل الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه المتواصل على سوريا.
بالعودة للسؤال الرئيس حول فشل (الثورات) بشكل عام يمكن الحديث عن عدة أسباب:
1- كانت تجري عملية اختزال أزمات ومشاكل البلاد بشخص الرئيس/الملك، فتحدث انقلابات عسكرية لتغيير رأس النظام، الرئيس/الملك اعتقادا أن المشكلة تكمن في الرئيس وأنه بالتخلص منه ستتغير أحوال البلاد تلقائيا، بينما في حقيقة الأمر المشكلة تكمن في كل المنظومة الاجتماعية والسياسية من مؤسسات وثقافة سياسية وعلاقات اجتماعية وارتباطات خارجية بالإضافة إلى أسباب موضوعية تاريخية.
2- غياب ثقافة الديمقراطية عند الشعوب وعند غالبية قوى المعارضة السياسية، بل أحيانا كانت بعض الأنظمة أكثر اهتماما بالمسألة الديمقراطية من قوى المعارضة.
3- غياب رؤية واضحة للثورة والنضال الجمعي عند الشعوب وقوى المعارضة حيث كان يتم غالبا محاولة تقليد تجارب ثورية خارجية دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية.
4- تراجع القوى السياسية التقدمية والديمقراطية المنظمة وفي كثير من الحالات كانت قوى المعارضة تعادي بل وتحارب بعضها البعض أكثر من معاداتها للنظام السياسي.
5- غياب قيادات كاريزمية وازنة على المستوى الوطني تقود الثورة وتشكل قدوة للجماهير.
6- ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتشرذمها واختراقها أحيانا من قوى خارجية معادية.
7- قوة تدخل وتأثير قوى خارجية معنية باستمرار الشعوب العربية في حالة ضعف وتخلف، وفي هذا السياق نلاحظ تدخل دول الجوار والغرب وإسرائيل.
8- كانت الثورات/الانقلابات تنجح في عملية الهدم أو اسقاط الحكومات والانظمة القائمة ولكنها تفشل في بناء البديل الأفضل، فالهدم يحتاج فقط لجموع غاضبة وهائجة أو تحرك وحدات عسكرية ولكن البناء يحتاج لعقول وخبرات واستراتيجيات عمل وقيادات وطنية مستقلة بقرارها.
ولكن هل الثورات والانقلابات الطريق الوحيد لنهضة الأمة ومواجهة وتغيير الأنظمة القائمة؟
لا نقلل من أهمية التحركات الشعبية بغض النظر عن مسماها وحجمها ولكن ليست الثورات أو الانقلابات الطريق الوحيد للتغيير ومواجهة أنظمة فاسدة وشمولية، بل يمكن الزج بالجماهير في فعاليات ثقافية واجتماعية وعلمية تراكم إنجازات وإصلاحات متدرجة، ولو أخذنا التجربة الأوروبية لوجدنا أن غالبية المجتمعات الأوروبية – باستثناء الثورة الفرنسة- حققت نهضتها على كافة المستويات من خلال مراكمة إصلاحات وإنجازات بشكل متدرج وكان هناك مواكبة بين الثورة السياسية والثورة الصناعية والعلمية والثقافية، وما حققته هذه الدول يفوق بكثير ما حققته دول أوروبية أخرى نهجت نهج الثورة والانقلابات العسكرية كدول أوروبا الشرقية وإيطاليا والبرتغال واليونان، ونفس الأمر بالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وإندونيسيا.
[email protected]

دلالات

شارك برأيك

لماذا تفشل الثورات الشعبية العربية ؟

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 89)