بقلم: المحامي أحمد العبيدي
بدايةً أنحني إجلالاً وإكباراً لكل الشهداء من أبناء شعبنا، وأسراه وجرحاه ومبعديه الذين قدّموا الغالي والنفيس من أجل فلسطين عبر مسيرتنا النضالية الطويلة، والتي لم تبدأ منذ قيام ما يسمى بدولة إسرائيل على أرضنا وإنما بدأت هذه المسيرة منذ أن وطأة قدما الصهيوني البريطاني اللمبي أرض فلسطين، هذه المعركة التي تم خوضها مع بريطانيا سابقاً وحالياً مع الاحتلال الإسرائيلي هي معركة على كل المستويات، المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي والأكاديمي والاقتصادي، إن الشعب الناجح والمقاومة الناجحة هما اللذان يخوضان المعركة مع المحتل على كل هذه المستويات وبنفس المستوى، فلا نخوض المعركة من جانب على حساب جانب أو جوانب أخرى، واحد أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها هما الجانبان الملموسان والمحسوسان، الجانب الأكاديمي والجانب الاقتصادي.

الجانب الأكاديمي: عبر استمرار دوام المدارس والجامعات تحت أي ظرف أو مسمّى، باستثناء حالات طارئة جداً كوباء كورونا، أو في حالة اجتياح إسرائيلي كامل للأراضي الفلسطينية.

الجانب الاقتصادي: الإبقاء على دوران عجلة الاقتصاد عبر استمرار الحركة التجارية، وباختصار وبلغة أخرى يجب تأمين حليب للأطفال حتى يستطيع المواطن التفكير في المقاومة.

مع الأسف أنه في الآونة الأخيرة ومع سقوط الشهداء أخذت القوى الوطنية والإسلامية وعلى رأسها حركة فتح كبرى فصائل العمل الوطني، الإعلان عن الإضراب الشامل في المحافظة التي يسقط منها شهيد، وفي حال لم يكن هناك إضراب شامل تعلن نقابة المحامين عن تعليق العمل أمام محكمة المحافظة التي يسقط فيها شهيد، وهذا خطأ من فصائل العمل الوطني ومن نقابة المحامين للأسباب الآتية:

1- الهدف من الإضراب وتعليق العمل أمام المحاكم هو التغيير والتأثير ولفت انتباه الرأي العام وصناع القرار، لهدف ما نحاول تحقيقه من خلال الإضراب وتعليق العمل أمام المحاكم.

2- الإضراب الشامل يشلّ الحياة تماماً مما يؤدي إلى تعطل الحركة التجارية نتيجة إغلاق المحلات التجارية، مما يؤدي إلى خسارة كبيرة تؤثر على اقتصاد الوطن (المفقود أصلاً) ولو بشكل نسبي وعلى المدى البعيد، إضافة إلى إثقال كاهل المواطنين والتجار المثقلين أصلا بهموم الحياة، ومنها الناحية الاقتصادية، إضافة إلى تعطل الحياة الأكاديمية في الجامعات والمدارس مما يؤثر سلباً على طلبتنا الأمر الذي نحن في غنى عنه.

3- الإضراب الشامل وتعليق العمل أمام المحاكم يحدث فقط عندما يكون هناك عمل نادر أو حالة استثنائية وإن كانت في سياق المعركة مع الاحتلال.

ولا أقصد هنا لا سمح الله اللامبالاة بالشهداء، بل أنا من دعاة الانحناء أمام أضرحتهم، وإنما لأنه في معظم الأيام يسقط شهداء وهذه معركة مفتوحة وطويلة ولا يقتصر الأمر على بيت بعينه أو عائلة أو قرية أو مخيم أو محافظة، بل لا أبالغ إن قلت إنه لا يوجد عائلة فلسطينية ولا أقصد هنا القرية أو المخيم بل أقصد العائلة كأسرة، أقول لا يوجد عائلة تخلو من شهيد أو أسير أو جريح أو مبعد بل أنه هناك عائلات بعض أفرادها شهداء والبعض الآخر أسرى مؤبدات كعائلة عبيات في بيت لحم، وعائلة أبو حميد في رام الله، وبالتالي فحالة التضامن المرجوة من الإضراب الشامل موجودة كتحصيل حاصل، فالكل ينظر إلى الكل والكل يواسي الكل.

إحدى المظاهر الخاطئة من قبل نقابة المحامين هو تعليق العمل أمام المحاكم الفلسطينية تضامناً مع المبعد المقدسي المحامي صلاح الحموري، وهنا أود أن أسأل الزملاء أعضاء مجلس نقابة المحامين، ما هي النتائج و/أو الفائدة المرجوة و/أو التأثير من خلال إغلاق المحاكم؟

من يستطيع إلزام دولة الاحتلال بإعادة المحامي الحموري إلى فلسطين؟ وهل كان بإمكاننا أو بإمكان أيّ كان أن يمنع دولة الاحتلال من إبعاده؟ وهل بإغلاق المحاكم نستطيع أن نؤثر على دولة الاحتلال مستقبلاً؟

ولهذا فإنني أقترح على فصائل العمل الوطني وفي المقدمة حركة فتح صاحبة القرار الأول والأخير في المحافظات الشمالية، تحديد ساعة أو ساعتين لإغلاق المحلات التجارية في المخيم أو القرية أو البلدة التي يسقط بها شهيد دون أن يشمل كل المحافظة، وذلك ليشارك الجميع في جنازة الشهيد، ومدة ساعة أو ساعتين تكفي لتعبّر الجماهير عن تعاطفها وتضمانها مع أهل الشهيد، أما بالنسبة للمدارس، فأقترح أن يكون الدوام كالمعتاد عندما يسقط شهيد، على أن يتم تحديد حصة لتعريف طلبة المدارس عن ماهية الصراع مع الاحتلال، وأن تكون حصة تثقيفية عن هذا الصراع، أو أن يتم نقل طلاب المدارس في حافلات إلى بيت العزاء لتقديم واجب العزاء بالشهيد وبالتالي يكون ذلك درساً وطنياً عملياً للطلاب وليس نظرياً.

أما بالنسبة إلى نقابة المحامين فأرجو منهم عدم تعليق العمل أمام المحاكم إلا إذا كانت هناك مشكلة داخل الجهاز القضائي أو مع السلطة الوطنية مثل: الاحتجاج على القرارات بقوانين أو الاحتجاج على رفع رسوم الدعاوى أمام المحاكم.