أقلام وأراء
الأحد 25 ديسمبر 2022 10:36 صباحًا - بتوقيت القدس
المنتخب المغربي ومسألة "الهوية"
بقلم: الدكتور اياد البرغوثي*
أبدع الفريق المغربي في كرة القدم في كل مبارياته في الدوحة، وجذب اهتمام الملايين في العالم "العربي" وبالتأكيد خارجه ايضا. والدلالة على ذلك أنني شخصيا حفظت مواعيد مباريات المغرب وتابعتها وتفاعلت معها رغم أن علاقتي بالرياضة ليست بالشيء الذي يفتخر به. والى جانب أداء الفريق في الملعب كنت اراقب الجماهير المتحمسة للفريق المغربي، واستمع الى هتافاتها وشعاراتها، وكنت أشعر أن هتافات تلك الجماهير ليست فقط دعما وتعاطفا مع الفريق المغربي، بل هي تعبير عن حاجة تلك الجماهير نفسها، حاجتها للوحدة، وتوقها للنصر، ورغبتها في مجرد الهتاف الجماعي، وادراكها أن الانتصار لفلسطين... هو اختصار وتتويج لذلك كله.
إلى جانب ادائهم الرياضي المبهر، أظهر اللاعبون المغاربة تفوقا اخلاقيا بقيامهم ببعض اللفتات، جعلت الجماهير المؤيدة لهم تشعر أنها تهتف لفريق يستحق ذلك، فاصطحاب بعض اللاعبين لأمهاتهم وذلك الاحترام الذي اظهروه لهن كان في غاية الجمال، وكذلك كانت الصلاة في الملعب قبيل المباراة (والصلاة في هكذا موقف لها مدلولات ابعد من التدين)، مقارنة برفع آخرين لشعار المثلية (ورفع شعار المثلية في هكذا موقف له مدلولات ابعد من المثلية نفسها). لكن هذه الصورة الجميلة لأداء اللاعبين الرياضي والاخلاقي، ولتعاطف الجماهير بهتافاتها وشعاراتها وفرحها مع الفريق، اضافة الى ردود الأفعال الواسعة على ذلك عبر السوشيال ميديا، لم تخل من بعض السلبيات التي أخرجت تلك الشعارات من سياقها، خاصة تلك الشعارات التي لها علاقة بالهوية والتي تؤخذ من قبل البعض بحساسية في بعض الأحيان.
كشخص معني بالتقارب الثقافي والوجداني (على الأقل) بين شعوب المنطقة التي أحب أن اسميها "الشرق" يجب أن أقر أن شعوبنا سواء في المشرق أو المغرب، ورغم تعاطفها الوجداني مع بعضها البعض، إلا أنها تجهل الكثير عن بعضها، وتحمل عن بعضها تصورات وأفكار ليست بالضرورة مطابقة لواقع الأمر.
وعلي أن اقر ايضا أن المشرق يجهل الكثير عن التطور الثقافي في البلدان المغاربية، فالحركة الثقافية في تلك البلدان، والنخب الثقافية هناك (أحفاد ابن خلدون وابن رشد) قطعت شوطا كبيرا في تطورها قياسا بمثيلتها في الشرق. لفترات طويلة لم يكن التواصل قائما بالشكل الكافي بين المشرق والمغرب، وإذا كان لا بد من كلمة ايجابية تجاه منظمات المجتمع المدني فهي التي أحيت في السنوات الأخيرة ذلك التواصل، وإن كان لا بد من تفعيله بوتيرة أكبر، وفي مجالات أوسع.
في المسألة الهوياتية، علينا في هذه المنطقة إدراك أن تداخلا هوياتيا بين شعوب منطقتنا لم يتوقف عبر التاريخ. فالموقع الجغرافي لهذه المنطقة، جعل كل اعراق العالم تمر من هنا، وتترك بصماتها بشكل او بآخر. لا يمكن الحديث عن عنصر "نقي" في هذه المنطقة لا عربي ولا امازيغي أو كردي أو سرياني أو غيره، وفي نفس الوقت من حق كل شخص أن يشعر بهويته كما يريد، وكل مكون من مكونات المنطقة أن يمارس حقوقه الثقافية كاملة وكما يريد، شريطة أن تبقى الدولة دولة مواطنيها، وتبقى قضايا الأمة قضاياها.
في خمسينات وستينات القرن الماضي قاد الرئيس جمال عبد الناصر مشروع الأمة "العروبي"، حيث حاز على رضى معظم شعوب المنطقة بكل مكوناتها.. في تلك الفترة شعر الجميع "بعروبتهم". اسم جمال، تيمنا بجمال عبد الناصر، يحمله الآن عرب وامازيغ وكرد من بينهم اصدقاء اعزاء في المغرب. أي دراسة لسوسيولوجيا الأسماء في المنطقة ستظهر أنه عندما يتراجع المشروع تغيب الأسماء.
وقت كانت العروبة مشروع النهوض بالأمة لم تكن انتماء ضيقا لعرق ما، بل مظلة هوياتية لجميع مكونات الأمة، أخذت البلدان المغاربية اسم المغرب العربي بدون اشكالات، وهكذا جرى للعديد من البلدان العربية الأخرى. لكن تعثر المشروع العروبي الناصري بعد عدوان 1967، اضافة الى خطايا ارتكبتها أنظمة تبنت القومية العربية في بعض البلدان، اضافة الى تأثيرات أخرى ليس هنا مجال ذكرها، دفعت بنخب لمكونات أصيلة في المنطقة الى تبني مطالبها "الخاصة"، أحيانا بحق، وفي احيان أخرى من باب أن لكل مكون الحق في أن يرى نفسه كما يريد، وأحيانا أخرى يذهب بعض هذه النخب، ومن كل المكونات، بمن فيهم العرب، الى رؤية أنفسهم عنصرا نقيا متفوقا لوثه المكون الآخر وأعاق تقدمه. هذا ما أدى إلى تعقيدات ومضاعفات ذهبت بالبعض لأن يتعامل مع الهويات لا على قاعدة التكامل والتكاتف والانسجام والنهوض الجماعي، بل كشكل من اشكال العنصرية التي تذهب بالجميع الى التعصب وربما العنف، وتشكل خطرا واضحا على السلم الاهلي ووحدة الشعوب.
ادراكا لهذه الحساسيات المستحدثة، المحقة منها وغير المحقة، لدى نخب لمكونات أصيلة في المنطقة كان عنوان كتابي الأخير "تحرير الشرق.. نحو إمبراطورية شرقية ثقافية ". في هذا الكتاب استعنت بالجيواستراتيجيا الجامعة على الايديولوجيا "المفرقة". هذا الكتاب يدرك حساسية الهويات، ويدرك موضوعيتها في الكثير من الأحيان، ويدعو الى إيجاد المظلة الجامعة للجميع في ظل الحرية المتاحة للجميع ايضا ضمن الجغرافيا التي نتحدث عنها.
في إحدى زياراتي للمغرب، كان سائق التاكسي بين المطار ومدينة الدار البيضاء يحدثني حول النهضة العمرانية التي تجري في المغرب وكذلك الاهتمام بالطبيعة، وأكد لي أنهم كأمازيغ يهتمون بالطبيعة الى أبعد الحدود، وعندما اقتربت منه سيارة مسرعة علق بقوله "نحن العرب لا نحترم قوانين السياقة"؟؟.. الى هذا الحد تصل الأمور في فترات التخلخل الهوياتي.
لا ألوم الدولة كثيرا لما وصل اليه فهم البعض للبعض الآخر في بلداننا، فالدولة تسعى عادة لإيجاد التوازنات من أجل ضمان عملية هادئة للحكم. لكنني بالتأكيد ألوم بعض المثقفين الذين يأخذون منحى الانحياز المرضي لمكون على آخر، ويؤثرون على العامة بهذا الاتجاه.
في نفس الوقت يوجد المثقف المسؤول والواعي لأهمية تقارب مكونات المنطقة وشعوبها. استمعت على سبيل المثال الى محاضرة للمرحوم محمد عابد الجابري القاها في مؤتمر في صنعاء، قال أنه ولد في قرية امازيغية في المغرب، ودرس في المدرسة العربية وعاش في المدينة في ثقافة عربية، وعندما زار اليمن أول مرة وذهب الى حضرموت رأى اطفالا يمنيين يلعبون في الطريق ويتحدثون بلغة قريبة الى لغة قريته الامازيغية... قال انا مغربي امازيغي عربي يمني مسلم.. .
مثل هذا من يجب أن يكون قدوة للنخب الثقافية في بلادنا... المحترم للحرية، والمدرك لأهمية تقاربنا ووعينا بمصيرنا المشترك، والواعي لما يريده "آخرون" لمنطقتنا وشعوبنا. بمثل هؤلاء لن تبقى نقطة "جوج بغال" (بغلين) وهي نقطة الحدود بين المغرب والجزائر ولا مثيلاتها في كل بلداننا.
* أكاديمي فلسطيني مقيم في رام الله
"عن الأخبار اللبنانية "
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
المنتخب المغربي ومسألة "الهوية"