أقلام وأراء
الإثنين 07 نوفمبر 2022 10:20 صباحًا - بتوقيت القدس
مبدأ الفصل بين السلطات في ذمة الله!
بقلم:المحامي إبراهيم شعبان
في ظل إصدار الرئيس الفلسطيني حوالي أربع مائة قرار بقانون ليومنا هذا، وفقا للمادة 43 من القانون الأساس الفلسطيني، كان آخرها القرار بقانون لإنشاء مجلس أعلى للهيئات والجهات القضائية قبل حوالي أسبوعين، وسبقه قرار بقانون رقم 7 لعام 2019 تحت عنوان " المجلس التنسيقي الأعلى لقطاع العدالة، يمكن أن نعلن للجمهور الفلسطيني موت " مبدأ الفصل ما بين السلطات "، بل موت " القانون الأساس الفلسطيني لسنة 2003 " برمته.
بعد أقل من عشرين عاما على إصدار القانون الأساس الفلسطيني، هوت أعمدته الرئيسة التي أقامها وتمناها كل فلسطيني عاشق للحرية وسيادة القانون. فالشعب لم يعد مصدرا للسلطات يمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات ( المادة الثانية من القانون الأساس ). ولم تعد فلسطين نظاما ديموقراطيا نيابيا يعتمد على الحزبية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخابا مباشرا من قبل الشعب وتكون الحكومة مسئولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي وفقا للمادة الخامسة من القانون الأساس . وأضحى سيادة القانون وعلى رأسه القانون الأساس بعد تغييب السلطة التشريعية أثرا بعد عين بعد أن تم التوسع في إصدار القرارات بقانون بشكل غير مقبول وتناول أمورا لا تشكل ضرورة لا تحتمل التأخير. أولم يقسم الرئيس على احترام النظام الدستوري الفلسطيني والقانون عملا بموجب المادة 35 من القانون الأساس الفلسطيني. ودون أدنى شك احترام مبدأ الفصل بين السلطات جزء لا يتجزأ من النظام الدستوري الفلسطيني. وقطعا الرئيس لا يملك صلاحية تعديل القانون الأساس أو تعطيله أو إلغاءه أو حلّه.
ولو قام جون المفكران الإنجليزي جون لوك أو الفرنسي شارل مونتيسكيو من قبريهما وشاهدا ما يحدث في الدولة الفلسطينية، لأعاد الأول كتابة في الحكومة المدنية قبل ثلاثة قرون ونصف، ولعدّل الثاني كتابه الشهير " روح القوانين " الذي كتبه في عام 1748، حيث أرسيا مبدأ الفصل بين السلطات كضمان للدولة القانونية عبر سيادة القانون.
رب قائل أن هذا المبدأ ما هو إلا ثرثرة سياسية أو فلسفية أو كليهما معا، ولا حاجة له، ويمكن ترتيب أمور وشئون الدولة بدونه. هذا القول غير صحيح البتة وفاقد للحجة ويؤدي إلى الفوضى والتحكم والطغيان. فكل دولة بها سلطات ثلاث وهذا عمادها، واحدة تسن التشريعات وتراقب عمل الحكومة وتسمى بالسلطة التشريعية. وثانية تتولى الفصل في المنازعات والخصومات سواء بين الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الإعتباريين كالشركات والجمعيات، وأخطرها المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها وتسمى بالسلطة القضائية، وثالثة تقوم بإشباع حاجات المواطنين من أمن وصحة وتعليم وتموين وما إلى ذلك وتسمى بالسلطة التنفيذية. وترد نصوص دستورية لضمان ورفعة هذا المفهوم. بمعنى آخر تضمن هذه الأعمال والمفاهيم نصوصا دستورية هي الأسمى والأعلى ولا يستطيع أي نص قانوني آخر مخالفتها وإلا اتسمت بالبطلان الشكلي والموضوعي معا. ولو سمح بتجاوزها من أي كان لفقدت قيمتها، وانتفت رفعتها وسموها، ولعاد بقدرة قانون عادي أن يعدل هذا النص الدستوري، وبالتالي يغدو النص الدستوري عقيما، وفقد التدرج النصوص القانوني قيمته وأهميته.
وحتى لا تطغى سلطة على أخرى قام مبدأ الفصل بين السلطات المرن وليس الجامد بينها. بمعنى أن يكون هناك تعاون بين هذه السلطات مجتمعة لأنها توجد في دولة واحدة، ولأن الفصل الجامد الكلي، غير عملي وغير مطبق في دول العالم. ولو أجزنا المزج الجزئي أو الكامل بين السلطات، سيختلط الحابل بالنابل وتصبح الفوضى والإستبداد شعار المرحلة. بكلام آخر لو أجيز للسلطة التنفيذية أن تشرع فهي ستشرع وفق مقاسها ومصالحها، وبخاصة أننا نرى تعاظما في دور السلطة التنفيذية في اية دولة، فهي تملك قوات الأمن باذرعه المختلفة من شرطة وجيش ومخابرات وموظفين وأموال، اما السلطتين الأخريين فتفتقدان هذه المزايا المادية والعسكرية، وستشعر بالضعف إزاء السلطة التنفيذية ولا تجد قوة تحميها، سوى النصوص الدستورية المتمثلة في القانون الأساس عندنا أو في الدستور في الخارج، وأحكام المحاكم المستقلة الموضوعية المحايدة على اختلاف مسمياتها.
لذا يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات من زمن بعيد تاريخيا، وليس وليد اللحظة أو العصر أو حتى القانون الأساسي، ركيزة أساسية في القانون الدستوري لضمان الحقوق الفردية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية على حد سواء وقيام الدولة القانونية وسيادة القانون جزء منها. وأي اهتزاز في هذا المبدأ أو اي اختلال في وجوده أو فهمه سيؤدي لا محالة إلى ضياع الحقوق الفردية وسلب الحريات العامة.
أما القرار بقانون بشأن المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية لسنة 2022 الحديث، ففيه ثقوب كثيرة من عنوانه حتى آخر سطر به، إذا تمت قراءته في ضوء المبادىء الدستورية العامة المستقرة عالميا، وفي ضوء مواثيق حقوق الإنسان التي انضمت إليها فلسطين، وفي ضوء القانون الأساس الفلسطيني لعام 2003، وفي ضوء قانون السلطة القضائية، وحتى في ضوء القرار بقانون رقم 7 لسنة 2019 بشأن تشكيل المجلس التنسيقي الأعلى لقطاع العدالة. وقطعا ليست هذه المقالة لبيان هذه العيوب التشريعية والتناقضات والتنازعات والصلاحيات والتشكيلات والإشكاليات والآثار التي يرتبها هذا القرارا بقانون المتفرد في مضمونه ونصوصه شكلا وموضوعا، ومدى تعارضه مع كثير من النصوص الدستورية والهيئات القضائية واختصاصاتها. نقاط كثيرة تحتاج إلى ندوة أو يوم دراسي. ويبقى السؤال الجوهري هل هذا القرار بقانون ما هو إلا توطئة وتمهيد لتعطيل القانون الأساس الفلسطيني لعام 2003.
يبدو أن كل هذه المشاكل التشريعية وبخاصة ما يسمى القرارات بقانون التي فاضت عن أربع مائة قرار بقانون، التي تعاني منها الدولة الفلسطينية مصدرها غياب السلطة التشريعية الفلسطينية أي غياب المجلس التشريعي الفلسطيني. وكان الله في عون أي مجلس تشريعي قادم ليقرر مصير كل هذه القرارات بقانون التي تصدرت الموقف التشريعي الفلسطيني، بل فاقت جميع التشريعات التي أصدرها المجلس التشريعي الفلسطيني ذاته طيلة حياته.
ببساطة يشكل قرار إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية خرقا دستوريا واضحا وفاضحا، ومخالفة للقانون الأساس الفلسطيني لعام 2003، وتناقضا مع مبدأ الفصل بين السلطات، ولصلاحيات الرئيس كما أوضحها القانون الأساس، ومخالفة للتشريع الفلسطيني في كل مسمياته، وخالقا لتنازعات لا أول لها ولا آخر، ودعاوٍ تمتلىء بها قاعات المحاكم، وإثقال على السلطة القضائية، لكن الروح تواقة والجسد ضعيف ولولا الأمل لانفطر الفؤاد!!!
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
مستعمرون بينهم بن غفير يقتحمون الحرم الإبراهيمي
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 85)
شارك برأيك
مبدأ الفصل بين السلطات في ذمة الله!