أقلام وأراء
السّبت 05 نوفمبر 2022 10:51 صباحًا - بتوقيت القدس
إسرائيل بعد الانتخابات ، وصلنا إلى حافة المنزلق الخطر
بقلم : جواد بولس
أكتب مقالي هذا بالتزامن مع نتائج الانتخابات الاسرائيلية الرسمية؛ فالصورة العامة التي كشفت عنها صناديق الاقتراع واضحة وهي تؤكّد على أننا سنواجه في الحقبة القريبة القادمة اكتمال تشكيل نمط حكم سياسي جديد مختلف عمّا واجهناه منذ اقامة إسرائيل وحتى أيام الحكومة السابقة.
أعرف أن الكثيرين من أبناء مجتمعي العربي سيعترضون على هذا التوصيف، لأنهم يساوون بين سياسات الحكومات الاسرائيلية السابقة، منذ عهد دافيد بن غوريون حتى عهد حكومة يئير لبيد، تجاه المواطنين العرب وما ستفعله حكومة نتنياهو سموطريتش بن غفير وحلفائهم من الاحزاب الصهيونية والمتدينة. لقد عاملت جميع حكومات اسرائيل المتعاقبة مواطني الدولة العرب بعنصرية ممنهجة سافرة وأحيانًا بقمع دموي قد أسقط، في بعض محطات المواجهة الساخنة، الضحايا العرب مثل ما حصل في مواجهات يوم الارض عام 1976 ومواجهات "أكتوبر"-تشرين اول عام 2000 وفي حالات اعتداء فردية كثيرة.
من الصعب طبعًا اقناع العديدين من شرائح المجتمع العربي بوجود فوارق خطيرة بين نظام الحكم العنصري الذي اقرت "ديمقراطية" قادته العرجاء، بعد فشلهم بتهجير ابائنا إبان النكبة، بضرورة معاملة المواطنين العرب بمساواة منقوصة، في حين كانوا يمارسون ضدنا سياساتهم العنصرية بشتى الأساليب والذرائع، وبين نظام "كامل الفاشية" سوف يتعاطى ويتصرف معنا حتمًا وفق مفاهيم تقضي بضرورة تلقيننا، نحن "المخربين" حسب قاموسهم، خلاصات قناعاتهم، "القومودينية"، ومفادها انهم "أصحاب هذا البيت وسادة هذه الأرض"، ولن يقبلوا معهم في هذه المساحة شريكًا ولا نزيلا.
لقد أخفق جميع قادة الاحزاب العربية ومؤسساتنا القيادية الأساسية، اللجنة العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب واللجنة القطرية للرؤساء، ومعهما معظم مؤسسات المجتمع المدني، بتذويت الفوارق بين الحالتين وبتعبئة المواطنين وبتنظيمهم استعدادًا لمواجهة لحظة الحسم، وذلك كما تجلّت مواقف الجميع ازاءها قبل وخلال المعركة الانتخابية.
لقد آثرت أن أكتب مجددًا عن مخاطر ما أفضت اليه نتائج الانتخابات، وأبتعد متعمّدًا، على الاقل في هذه المرحلة، عن معالجة تداعياتها وتحليل نتائجها المقلقة؛ فكثيرون سيشرعون باستلال اقلامهم واغراقنا بهذه التحاليل ولا حاجة لمزيد، ولقناعتي بعدم وجود جدوى من اي انتقاد لاصحاب المواقف ولكيف مارسوها قبل وفي يوم الانتخابات، ولأن ما يهمني اليوم هو كيف سنواجه ما ستفضي اليه هذه النتيجة في اليوم التالي لاقامة حكومة نتنياهو المتوقعة.
قد يراهن البعض على أن الحكومة القادمة، مهما كانت يمينية قومية متدينة ومتطرفة، لن تجرؤ على القيام بما لم تجرؤ عليه سابقاتها. لا أعرف من اين يجيء هؤلاء بهذه القناعة، خاصة بعد أن سمعنا وعود عشرات النواب، من معظم احزاب الإئتلاف المرتقب، لناخبيهم وتعهداتهم بتطبيق مواقفهم الفاشية تجاه الفلسطينيين بشكل عام وتجاهنا، نحن المواطنين العرب، على وجه التحديد؛ وسمعناهم أيضًا يجاهرون بمخططاتهم لاستكمال عناصر احكام سلطتهم على جميع مرافق الدولة وتمكينهم، كحكومة ووزراء، من تجسيد عقائدهم "القومودينية" لتأكيد فوقية الشعب اليهودي وتسيّده على أرض اسرائيل ومن يسكنها من "الاغيار"، من دون منازع وكما وعدهم ربّهم.
سيكون "قانون القومية" مجرد متكأ لما يخططون له، فمنه سينطلقون للاستيلاء الكامل على المحكمة العليا الاسرائيلية، وذلك من خلال تغيير قانون انتخاب قضاتها وتفويض الحكومة بتعيينهم، أو على الاقل، بضمان أكثرية حكومية في لجنة التعيينات؛ كما وسيبادرون مباشرة إلى سن قانون يخول الكنيست سلطة الغاء قرارات المحكمة العليا، عندما تتدخل هذه المحكمة وتلغي قانونًا لا يتماشى مع مباديء الديموقراطية والمساواة وغيرها. هكذا صرّح قبل يومين، عضو الكنيست عن "الليكود" ميكي زوهر، عندما سئل عن نشاطه الاول في الحكومة المقبلة، وأضاف أنهم سيشرّعون في اليوم الأول قانونًا "يحظر على العرب في إسرائيل رفع العلم الفلسطيني وسحب جنسية كل مواطن يرفعه". لن يكفي مقال لجرد قائمة ما ينوون تنفيذه بعد استلام الحكومة؛ فالنائبة ميري ريغف مثلًا ستبدأ بتنظيف الوزارات من طبقة الموظفين المهنيين، التكنوقراط، لان هؤلاء الموظفين يعرقلون تنفيذ قرارت الحكومة في أحيان كثيرة ويتوجب التخلص منهم. بينما اعلن سموطريتش انه اذا اصبح وزيرًا للجيش فسيدفع بوحداته النظامية الى شوارع المدن المختلطة لتضمن تلك القوات احقاق النظام والأمن هناك. وفي المقابل صرح زميله في القائمة ايتمار بن غفير الذي يطالب بحقيبة الامن الداخلي على انه سيبدأ مباشرة بتغيير تعليمات اطلاق النار "فلن تلقى،بعد اليوم، الحجارة والصخور على عناصر الشرطة دون ان نأذن لهم باطلاق النار. سنمنح حصانة شخصية لكل شرطي، وفي كل حدث وحادث يحصل على خلفية قومية ستمنح الجنود وللشرطة حرية العمل" . لن أسهب حول كيف يفكر هؤلاء تجاه العرب/المخربين وممثليهم في الكنيست ففكرة تهجيرنا / الترانسفير لم تعد مجرد هواجس صهيونية كما كانت في السنوات الخوالي بل اصبحت خطة ناجزة تنتظر فرصة مؤاتية لتنفيذها في ظل الحكومة القادمة.
من الواضح أن عناصر النظام القادم تعمل على تطوير منظومة أدوات متكاملة لادارة الحكم ولتثبيته وفقًا لمفاهيمها ولأهدافها، ولملاحقة جميع "اعداء الدولة والنظام" ومعاقبتهم، بدءًا من عامة الناس ومرورًا بطلاب الجامعات والموظفين، وحتى الأطباء والمحامين والمحاضرين في الجامعات. فهناك من سيراقب سلوك الجميع اليومي ونشاطاتهم المرئية والفيسبوكية وغيرها؛ وما مارسته حكومات نتنياهو سابقًا سيظهر كتدريبات تمهيدية على ملاحقات عرقية ستطال جميع شرائح مجتمعنا بدون تمييز وحساب.
نقلت مواقع الاخبار قبل أيام معدودة عن رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست النائب عن حزب "يش عتيد"، بن براك تصريحًا مفاده إنه على قناعة "ان عودة رئيس المعارضة (يقصد نتنياهو) للسلطة مع حزب "الصهيونية المتدينة" ستكون بداية النهاية فهذا تحالف خطير" ؛ وبعد تأكيده على وجود الاختلاف والفارق بين الحالتين أضاف مؤكدًا على أن "هتلر اعتلى سدة الحكم بصورة ديمقراطية ، فبناء الديمقراطية يتم خلال سنوات ولكن من السهل هدمها". ورغم تأكيده على وجود اختلاف فقد اثارت اقواله عاصفة داخل اسرائيل على جميع الصعد. ألنا في هذا التصريح عبرة؟
يؤسفني أن الصراعات والملاسنات بين قادة ونشطاء داخل الاحزاب العربية ما زالت مستعرة؛ وذلك بدل أن يقوموا بمراجعة تبعات الهزيمة التي تحققت، وهي هزيمة حتى لو اعتبرها البعض نصرًا، واعلامنا ماذا سيفعل كل "تيار" منهم في مواجهة خطر الفاشية الداهمة. فأنا لا اعتقد ،كما كتبت في الماضي، أنهم يملكون رؤية واضحة من الممكن تحويلها الى خطة عمل مؤثرة وناجعة وتتعدى شعاراتهم الهوياتية الحزبية وحسب.
أعرف أن زرع الأمل في نفوس الناس هو المقدمة الأولى لصمودهم ولثباتهم وأنا طبعًا أوافق على ذلك؛ بيد ان الأمل مهما دثّرناه بالعواطف الصادقة، لن يكفي لصد قطعان الفاشيين الذين تتأهب كتائبهم لاختلاق الذريعة والانقضاض على مواقعنا. قد تكون المدن المختلطة، كما صرّحوا، هي اول المعاقل المهاجمة في المستقبل القريب، واذا حصل ذلك سيتصدى لهم اهل المدن وسيدافعون عن "البيت والعرض" ببسالة طبعًا. ولكن لن يضير القادة اذا تذكروا اليوم ما قاله "لاعب النرد" وفكّروا بالجنود الذين سيدفعون أرواحهم أثمانًا من دون ان يعرفوا من المهزوم ومن انتصر .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ماذا يقول القانون الدولي عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
أ.د. أبو كشك يشارك في المؤتمر العالمي للغة الصينية في بكين ويوقع اتفاقية تعاون مع جامعة جيان شي
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 85)
شارك برأيك
إسرائيل بعد الانتخابات ، وصلنا إلى حافة المنزلق الخطر