فلسطين

السّبت 22 أكتوبر 2022 11:46 صباحًا - بتوقيت القدس

صور|| متين ضبايا.. فضل الشهادة على الزواج

جنين - "القدس" دوت كوم - علي سمودي - تختلف أمنيات وأحلام الشباب في مخيم جنين عن أقرانهم في العالم، ففي ظل الاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المستمرة، وسقوط الشهداء والجرحى، وواقع وظروف الحياة الصعبة والقاسية، أصبح البعض لا يفكر بالزواج أو السفر أو العمل، ويحلم فقط بالالتحاق بالمقاومة والشهادة للحاق برفاق دربه الذين يتأثر بهم، كما الشهيد متين ضبايا الذي تأثر بأصدقائه جميل العموري وعبدالله الحصري، وداوود الزبيدي.


في لحظة اقتحام جديد من قبل قوات الاحتلال، اختار ضبايا (26 عامًا)، أن يجسد اللقب الذي حمله بين صفوف عناصر المقاومة، الذين لا يتوانون عن تسميته بـ "أسد كتيبة جنين"، فاستشهد وهو يمتشق سلاحه ويخوض اشتباكًا مع الوحدات الخاصة التي لا تتوقف عن التسلل إلى المخيم.


تفاصيل الاقتحام


في حوالي الساعة التاسعة صبيحة يوم الجمعة الماضي، تسللت وحدات المستعربين الإسرائيلية الخاصة إلى مشارف حي “عرين الأسود” في المخيم، واقتحموا عدة عمارات - كما يروي الشهود- تطل على الأزقة الضيقة والتي يتنقل بها المقاتلين خاصة في ساعات الصباح الباكر، وتمكن أفراد الوحدات من احتلال عدة منازل بعد احتجاز وترويع سكانها وتحويلها لنقاط رصد وكمائن لاصطياد المقاومين الذين ما زال يعترف الاحتلال بعجزه عن الوصول إليهم رغم هجماته وحملاته المتكررة على المخيم.



المقاوم "أبو وطن" المدرج اسمه بين قائمة المطلوبين للاحتلال روى لمراسل "القدس" دوت كوم، أن معلومة وصلت للمقاومة بأن وحدات خاصة تسللت لأطراف المخيم .. سارعنا بالتحرك في المكان المشتبه، وكان برفقة متين في مقدمة الصفوف، ووصلنا للموقع وبدأنا بالاستكشاف والبحث، وبالفعل استكشفنا نوافذ المنازل ولمحنا خيال اعتقدنا أنها امرأة على نافذة تقع على الطابق الثالث في الموقع، ودخلنا إلى الزقاق، لكن فجأة انهمر الرصاص علينا بغزارة من تلك النافذة، وتراجعنا بسرعة بعدما أصبت بعيار ناري، ونجونا من الموت بأعجوبة".


انطلقت صرخات متين "الجيش في المخيم"، وخلال ثوانٍ معدودة، هب عشرات المقاومين لمواجهة كمين المستعربين - كما يروي الشهود - ولم ينتظر "أسد كتيبة جنين" النجدة، وامتشق سلاحه وكرر هجماته مطلقًا رصاصه نحو الوحدات الخاصة بكثافة، لكنها باغتته بعدة رصاصاتٍ أصابته بشكلٍ مباشر.


استشهاد متين


يروي رفاق متين في المقاومة لمراسلنا أنه سقط أرضًا مضرجًا بالدماء و هو يحتضن بندقيته، بينما واصل فريق القناصة اطلاق النار باتجاهه وحوله لمنعهم من سحبه، مما أدى إلى انفجار الوضع في المخيم الذي تحولت شوارعه لساحات اشتباكات عنيفة مع الاحتلال الذي زج بعشرات الدوريات للمخيم لإخراج الوحدات الخاصة.



في تلك اللحظات، وبينما ما زال جثمان متين على الأرض، الاحتلال أطلق النار نحو مركبة وطواقم الاسعاف التابعة للهلال الأحمر فور وصولها لمدخل الحي، ويقول الشهود: "لم يكتفي الاحتلال بإصابة متين، بل حاولوا قتل طواقم الاسعاف التي كانت ترتدي زيها الرسمي، وشاهدنا الرصاص يطلق نحوهم بشكل مباشر، فأصيب ثلاثة منهم بشظايا الرصاص مما اضطرهم للتراجع ومغادرة الموقع".


وسط ذلك خيمت أجواء السخط والغضب في مخيم جنين، فانطلقت النداءات تطالب بالتحرك لإخراج وانقاذ متين، الذي لم يتأكد أحد بعد من استشهاده في تلك اللحظة، ولمنع تقدم قوات الاحتلال إليه لاعتقاله أو مصادرة جثمانه إذا استشهد، انتشر المقاومون في الأزقة يستهدفون قوات الاحتلال ويشتبكون معها بالرصاص وعشرات آخرون يقذفون كل ما وقعت عليه أيديهم نحوهم، وهم يتسابقون لإنقاذ متين واخراجه وسط رصاص الاحتلال الذي لم يتوقف.



في غمرة هذه الأحداث، خاطر الدكتور مجيد ارشيد، أخصائي التخدير في مستشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي بحياته، و فور سماعه بنبأ اصابة المشتبك متين وعدم قدرة طواقم الاسعاف على الوصول إليه بسبب تعرضها لاطلاق النار من الاحتلال، سارع للوصول إلى الموقع، وتمكن كما يقول برعاية رب العالمين من اخراجه ونقله إلى سيارة الاسعاف، مضيفًا: "كانت لحظات صعبة، لكن لم أشعر بالخوف أو الخطر، وحملته تلبية لواجبي ودوري الإنساني والوطني، فلا يمكن تركه للاحتلال".


رحلة وداع


وصل المشتبك متين إلى مستشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي، شهيدًا، فرصاص الاحتلال توزع في أنحاء جسده و لفظ أنفاسه الأخيرة في موقع الاشتباك، لكن رحيله أثار الغضب والسخط في أوساط رفاقه خاصة "كتيبة جنين" الذين حملوه على الأكتاف، وانطلقوا في شوارع جنين والمخيم، وهم يرددون الهتافات التي تؤكد على حمل بندقيته ومواصلة مسيرته، حتى وصلوا لمنزل عائلته في حيه "جورة الذهب"، الشاهد على بطولات المقاومة خلال معركة نيسان 2002، حيث شكل حاضنة وقلعة للمعارك التي خاضها المقاومون قبل 20 عامًا، فاستقبلته والدته وقريباته بالأهازيج والدموع، في منظر أثار المشاعر والألم والغضب.



أمام منزلها، احتضنت والدة متين جثمانه، وألقت بنفسها فوقه وهي تمسح على وجهه وتقبله، و تقول: "ريتها مبروكة عليك الشهادة يما، تمنيتها ونلتها".


وقالت من أمام منزلها لجموع الصحفيين الذين توافدوا للمكان: "قلت له عدة مرات بدي أفرح فيك وأزوجك، ولكنه كان يرفض و يقول لي: لا أريد الموت العادي لأنه أمر مخجل، أمنيتي الشهادة مقبلاً غير مدبر؛ والحمد لله ربي حقق أمنيته ونالها”.


وبصبرٍ ممزوج بالألم، قالت أم متين: "من يوم استشهاد صديقه جميل العموري، وهو حامل سلاحه ويقاتل، وكل ما كنت أقول له ارتاح يرد علي: أريد الشهادة واللحاق بأصدقائي".



وبينما كانت الجماهير الغاضبة ورفاقه في المقاومة يزفون متين لمثواه الأخير، أُعلن عن استشهاد الطبيب المشتبك الدكتور عبد الله أبو التين خلال تصديه ومقاومته للاحتلال على أبواب مخيم جنين، وهو في طريقه لنجدة متين، بعدما سمع بخبر اصابته، فازدادت مشاعر الغضب وتعالت هتافات المقاومين تتوعد بالتمسك ببندقية متين و أبو التين.


تأثر الشاب إسلام ضبايا كثيرًا باستشهاد شقيقه متين، وقال لمراسلنا: "لا توجد كلمات تصفه ليس لأنه شقيقي، بل لما تمتع به من خصال وصفات، فهو بطل وشجاع ومقاتل، جمعته علاقة أخوة ورجولة مع العديد من أصدقائه الشهداء، ودومًا كان يتمنى اللحاق بهم .. ومنذ فترة أصبح مطلوبًا، و يقضى أوقاته مع المقاتلين في حراسة المخيم والدفاع عنه والتصدي للاحتلال، ولم يفكر سوى بالشهادة".


خلال تكريم أسر الشهداء، سلمت عائلة متين سلاحه الذي قاتل فيه حتى استشهد، وأهدته لمقاوم آخر من "كتيبة جنين"، ليكمل مشواره، و قالت والدته: "دومًا سأبقى فخورة به".

دلالات

شارك برأيك

صور|| متين ضبايا.. فضل الشهادة على الزواج

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الأربعاء 23 أكتوبر 2024 8:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.78

شراء 3.77

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.33

شراء 5.3

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 490)