فدوى خضر: ما يحدث تجاوز قدرة العقل على الاحتمال ويجب أن يكون هناك موقف موحّد من كافة الكنائس ومن الأوقاف الإسلامية
جوني منصور: قصف المعمداني يأتي ضمن الإجهاز النهائي على ما هو سامي القيمة في مسيرة حياة الإنسان
المطران عطا الله حنا: يعيّدوننا بالقصف ونحن نرد عليهم بتمسكنا برسالتنا الإنسانية والوطنية وانتمائنا العميق لأرضنا وشعبنا
وديع أبو نصار: نصلي من أجل أن تنتهي الحرب ويعم السلام وألا نضطر إلى طلب تصاريح من أجل الوصول إلى أماكننا المقدسة
حاتم عبد القادر: على المجتمع الدولي ومجلس الكنائس العالمي كسر جدار الصمت والتحرك الفوري لحماية الوجود المسيحي وحرية العبادة للمسيحيين والمسلمين
القس منذر اسحق: قصف المعمداني رسالة واضحة لجميع السكان فإما الرحيل أو الموت ضمن مخطط واضح للتطهير العرقي
ديمتري دلياني: سلطات الاحتلال تحاول أن تفرض واقعاً قسرياً يعزل الإنسان عن أرضه وكنيسته ومسجده وحقه الأصيل في العبادة
يوسف ضاهر: استهداف إسرائيل لهذه المقرات لا ينفصل عن الصمت العالمي تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين
تعمدت دولة الاحتلال اختيار اليوم الذي يحتفل فيه المسيحيون بأحد أعيادهم الدينية المهمة وهو "أحد الشعانين" وقامت بقصف المستشفى المعمداني في غزة الذي يتبع مطرانية القدس الأسقفية الإنجيلية في القدس، في سياق حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة منذ ثمانية عشر شهراً، وفي رسالة واضحة إلى كل المسيحيين في فلسطين ولكافة الكنائس وللعالم المسيحي بشكل عام، بأنها لا تقيم أي اعتبار لأحد في هذا العالم، وأنها ماضية في مخططاتها الرامية لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم مسلمين ومسيحيين، ما دامت تحظة بالدعم المفتوح من الغرب الاستعماري وفي مقدمته الولايات المتحدة.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المستشفى المعمداني للقصف منذ بدء الحرب، حيث كانت أولى أفظع المجازر التي ارتكبتها دولة الاحتلال في القطاع في المستشفى المعمداني نفسه، حيث استشهد قرابة خمسمئة مواطن وأصيب المئات بجروح، إلا أنها هذه المرة انطوت على رسائل سياسية ودموية متعمدة بأنها فوق القانون، وأنها لا تكترث بمناسبات دينية ولا بأماكن ذات حصانة دينية أو إنسانية، ولا بأي من أبناء الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه الذين يعيشون ذات الوجع والقهر ويواجهون نفس المخاطر والتهديدات بالترحيل والتهجير عن أرضهم.
وفي الضفة الأخرى من الوطن، وتحديدا في مدينة القدس حيث كنيسة القيامة، لم يتمكن المواطنون المسيحيون من الوصول إلى المدينة للمشاركة في الاحتفالات الدينية بـ" أحد الشعانين" بسبب القيود والحواجز والإجراءات المشددة التي فرضتها سلطات الاحتلال في المدينة ومحيطها.
ناشطون وسياسيون ورجال دين تحدثوا لـ"القدس" دوت كوم، اعتبروا أن قصف المستشفى المعمداني رسالة واضحة لجميع السكان، ووضعهم أمام خيارين إما الرحيل أو الموت ضمن مخطط واضح للتطهير العرقي، مؤكدين أن استهداف إسرائيل لهذه المقرات لا ينفصل عن الصمت العالمي تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.
وأكدوا ان ما يحدث تجاوز قدرة العقل على الاحتمال ويجب أن يكون هناك موقف موحّد من كافة الكنائس ومن الأوقاف الإسلامية، مطالبين المجتمع الدولي ومجلس الكنائس العالمي بكسر جدار الصمت والتحرك الفوري لحماية الوجود المسيحي وحرية العبادة للمسيحيين والمسلمين.
الإغلاق المشدد يمنع المسيحيين من الوصول إلى كنائسهم
وقالت فدوى خضر عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني إن ما يحدث يوميًا في مجتمعنا الفلسطيني، من خلال تغوّل الاحتلال والهجمة الإسرائيلية الشرسة، يتجلى في عمليات الاغتيال والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها شعبنا، مشيرة إلى أن ذلك يحدث في وقت نعيش فيه أسبوع الآلام، الذي يحمل قدسية خاصة للمسيحيين.
وأوضحت أن الإجراءات المتبعة من قبل حكومة الاحتلال لا تمتّ بصلة لأي نوع من الإنسانية أو الحكمة، ولا تعكس أي شعور أو تقبّل للآخر، بل تمارس جميع أشكال العنف المخالفة للقانون الدولي وللشرعية الدولية، في تجاهل تام للقانون الدولي الإنساني، ومحكمة الجنايات الدولية، ولكافة المؤسسات الأممية، مشددة على أن إسرائيل أصبحت فوق القانون الدولي، وللأسف لا يوجد من يضع حدًا لهذا الحكم الهمجي ضد شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
وأضافت: إن المسيحيين يتجهون خلال أسبوع الآلام إلى كنيسة القيامة في القدس، وكنيسة بيت فاجي في جبل الزيتون، لإتمام شعائر أحد الشعانين، إلا أن الإغلاق المشدد حول مدينة القدس والمناطق الفلسطينية – بين القرى والمدن والمحافظات – يمنع حرية التنقل والعبادة، وهي حقوق كفلها القانون الدولي الإنساني.
وتابعت: الوضع القاتل الذي نعيشه يهدف إلى دفعنا لليأس ومغادرة هذه الأرض وبلدنا، وهو أمر مرفوض رغم كل ما نتعرض له من تضييق وانتهاكات، وشعبنا لا يزال يتمتع بإرادة صلبة تعزز وجودنا.
واستذكرت كيف كانت دورة أحد الشعانين في القدس مناسبة تجمع كل أبناء الشعب الفلسطيني، بمشاركة الفرق الكشفية الإسلامية والمسيحية في مشهد رائع للتكامل الإسلامي المسيحي والتآخي، إلا أن الاحتلال اليوم يعمل بسياسة "فرّق تسد"، ويستمر في ممارسة التمييز العنصري والإغلاق بحق المقدسيين والفلسطينيين.
قصف "المعمداني" في غزة في أحد الشعانين!
وفي سياق متصل، عبّرت خضرعن استنكارها الشديد لقصف مستشفى المعمداني في غزة صباح يوم أحد الشعانين، واعتبرته جريمة فاشية لا تمتّ لأي قيم إنسانية أو أخلاقية بصلة. وقالت: "المستشفى الأهلي، الذي تشرف عليه الكنيسة الأسقفية الإنجيلية في القدس، قُصف في وقت كان يجب أن يكون فيه الشعب الفلسطيني يحتفل بأحد الشعانين.
إسرائيل أعطت 20 دقيقة فقط لإخلاء مستشفى يضم مئات المرضى والمصابين! هذا مشهد لا يمكن تصوره، حتى في الحروب العالمية لم نشهد ما نشهده اليوم".
وتساءلت: "أين المجتمع الدولي؟ كيف يظل صامتًا أمام هذه الانتهاكات؟ كيف تُنتهك قدسية الكنائس كما تُنتهك المساجد، وتُمنع شعوبنا من حرية العبادة؟".
وأكدت أن ما يحدث تجاوز قدرة العقل على الاحتمال، ولم يعد يكفي رفع الصوت، بل يجب أن يكون هناك موقف موحّد من كافة الكنائس، ومن الأوقاف الإسلامية، ومن كل المساجد، فمعًا يجب أن نضع حدًا لهذا النزيف.
وشددت على أن استمرار الصمت والانقسام سيؤدي إلى مزيد من الاستضعاف، موضحة أن استهداف المستشفى الأهلي تكرر مرات عديدة، لكن قصفه صباح أحد الشعانين يحمل رسائل لا يمكن قبولها دينيًا ولا إنسانيًا ولا حضاريًا.
وختمت خضر حديثها لـ "القدس" بالقول: الشعار الذي قالوه سابقًا – الكبار يموتون والصغار ينسون – لم يعد ينطبق، بل أثبت التاريخ أننا لا ننسى، وأننا باقون رغم كل شيء. أوجّه التهنئة لأبناء شعبنا من كافة الطوائف المسيحية بمناسبة عيد الشعانين، ومع كل الألم والمعاناة، نتمنى الشفاء العاجل لجرحانا، والحرية لأسرانا، ولمّ شمل شعبنا في كل مكان وإقامة دولتنا وعاصمتها القدس ويجب إعلاء صوتنا في المحافل الدويلة والاستمرار في تجنيد مناصرين لنا حول العالم من أجل الضغط على دولها لوقف العدوان والاعتراف بإقامة دولتنا وعاصمتها القدس.
إسرائيل تمارس الإبادة دون رادع ومحاسبة دولية
من جانبه، قال المؤرخ والباحث في شؤون الشرق الاوسط جوني منصور إن إسرائيل تستمر في جرائمها تجاه الفلسطينيين في غزة من خلال إعدام كل مكونات الحياة بما فيها ما تبقى من خدمات صحية بقصفها المستشفى المعمداني.
وأضاف: بقصف هذا المستشفى ترسل إسرائيل رسائلها إلى العالم بأنّها ضد الحياة ومع الموت. ففعل الإبادة الجماعية دون أي رادع ومحاسبة دولية ولا عربية لهو أمر خطير للغاية لمستقبل فهم حضور القيم الإنسانية والأخلاقية في العالم. هو أصلاً حصل انهيار كلّـي واختفاء شبه تام لكل منظومة القيم الانسانية والاخلاقية والاجتماعية التي يتبجح بها العالم المستنير.
واكد منصور ان إسرائيل فازت بتأشيرتين لتصفية الحياة في قطاع غزة: الأولى من جو بايدن لما منحها ّحق الدفاع عن النفس. والثانية من ترامب الذي فتح باب ترحيل وتهجير الفلسطينيين من غزة لأنّه لم يعد فيها ما هو صالح للحياة. لم يعد فيها ما هو صالح للحياة بفعل آلة القتل الإسرائيلية المدعومة من الإدارة الأمريكية.
وأشار إلى أن عملية قصف المعمداني تأتي ضمن الإجهاز النهائي على ما هو سامي القيمة في مسيرة حياة الإنسان. لا دواء بعد لاءات الماء والكهرباء والطعام.
حرمان المسيحي الفلسطيني من إقامة شعائره الدينية
وذكر منصور ان نفس المنهجية تستعملها إسرائيل في فرض القيود وحرمان المسيحي الفلسطيني من حقّ إقامة شعائره الدينية وخصوصاً أن أحد الشعانين هو من أهم أعياد القدس، موضحاً أن منع المسيحيين من الوصول إلى القدس وإحياء هذه الاحتفالية هو متساو مع حرمان الفلسطيني من حقه في الحياة والحصول على العلاج والدواء والماء.
ويرى منصور أن سياسة الاحتلال الاقتلاعية تتم من خلال تنفيذ المزيد والمزيد من الحصار والتضييق والمراقبة والعقاب والتغطية على جرائم قطعان المستوطنين الذين يحرقون ويعتدون على كل ما هو فلسطيني.
وقال: لقد سقطت ادعاءات إسرائيل بأنّها دولة تحترم القانون الدولي بالحفاظ على حرية العبادة وحق الوصول إلى الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية. هذه الادعاءات سقطت نهائياً في مشاهد غير مسبوقة لتحديد أعمار المصلين المسلمين في الوصول إلى الاقصى المبارك، والآن في وصول المسيحيين إلى القدس وممارسة شعائرهم الدينية المتعلقة بأحد الشعانين.
وأشار منصور إلى أن هناك مخاوف آخذة بالزيادة من أن تنهج إسرائيل نفس أساليبها فيما يتعلق واحتفالات سبت النور في نهاية هذا الأسبوع تمهيداً للاحتفالات الدينية بالفصح المجيد.
وخلص المؤرخ منصور بالقول "إنّ سياسات حكومة نتنياهو وائتلافه اليميني الفاشي أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، وباعتقادنا أنّه بات من الضروري على ما تبقى من قيم إنسانية في العالم عدم إتاحة المجال للمجرم من الإفلات من المحاسبة والعقاب".
المسيحيون الفلسطينيون يستهدفون بشكل ممنهج
بدوره، أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا أن المسيحيين الفلسطينيين يستهدفون بشكل ممنهج، شأنهم في ذلك شأن جميع أبناء الشعب الفلسطيني، لا سيما في مدينة القدس، حيث تتزايد الاعتداءات والانتهاكات بحق الحضور المسيحي بشكل مقلق.
وقال: "نرى استهدافاً للحضور المسيحي ليس فقط في الأعياد والمناسبات الدينية، بل على مدار العام، من خلال التضييق على الأوقاف والعقارات المسيحية، إلى جانب تنامي مظاهر العنصرية، حيث يتعرض المسيحيون للإهانات والبصق من قبل بعض المستوطنين المتطرفين في كنائسهم وفي أزقة وشوارع القدس القديمة".
وتوقف المطران حنا عند حادثة قصف مستشفى المعمداني (الأهلي) في غزة، وهي مؤسسة صحية مسيحية عريقة تخدم أبناء الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 150 عامًا، واصفًا استهدافها عشية أحد الشعانين بأنه "رسالة إسرائيلية للمسيحيين بمناسبة الأعياد، لكنها رسالة قاسية ومؤلمة".
وأضاف: يعيدوننا بالقصف، ونحن كمسيحيين فلسطينيين نرد عليهم بالتأكيد على تمسكنا برسالتنا الإنسانية والوطنية، وانتمائنا العميق لأرضنا وشعبنا، ودفاعنا المستمر عن حقوقه.
واختتم رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس تصريحه لـ "القدس" بمطالبة المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف "حرب الإبادة" التي تستهدف الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكدًا أن "المطلب الأول والأساسي في هذه الأوقات العصيبة هو وقف هذه الحرب."
مطرانية القدس الأسقفية تندد بقصف المعمداني
وديع ابو نصار منسق منتدى مسيحيي الارض المقدسة، علّق على القصف الإسرائيلي الذي استهدف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، بالقول: إنه يضم صوته لصوت الكنيسة في إدانة هذا الاستهداف.
وأشار إلى أن الكنيسة، وتحديدًا مطرانية القدس الأسقفية الإنجيلية، الجهة المسؤولة مباشرة عن المستشفى، أصدرت أمس الاول بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه القصف الإسرائيلي، وذكرت أن هذه هي المرة الخامسة التي يُقصف فيها المستشفى من قِبل الجيش الإسرائيلي، مؤكدًا أن استهداف المستشفيات أمر مرفوض تمامًا وغير مقبول.
وحول قضية التصاريح ، قال أبو نصار: فهمت أن الجانب الإسرائيلي قال إنه تم إصدار نحو خمسة آلاف تصريح، بينما مصادر أخرى تحدثت عن ستة آلاف، لكن ما بدا واضحًا خلال مسيرة الشعانين أمس الأول في القدس أن عدد المشاركين من المسيحيين الفلسطينيين لم يتجاوز بضع مئات، ما يطرح علامات استفهام حول الأرقام المُعلنة.
عراقيل على الحواجز
وأوضح أن هناك تفسيرين محتملين لهذا التفاوت: "الأول هو أن التصاريح لم تُمنح لجميع أفراد العائلة، فربما مُنح تصريح للأب دون الزوجة أو الأبناء، ما دفع العائلات إلى عدم القدوم.
وأضاف: أما التفسير الثاني، فهو وجود عراقيل على الحواجز، حيث أبلغتني بعض المصادر من بيت لحم عن وقوع مضايقات وإهانات خلال المرور".
وتابع أبو نصار: في جميع الأحوال، نتمنى أن يُسمح للمواطنين بدخول القدس خلال الأعياد دون الحاجة إلى تصاريح، ومن المهم أن تُمنح الناس الفرصة لممارسة شعائرهم الدينية بحرية، دون قيود أو إهانات، وأن يُسمح للعائلات كلها بالدخول، لا أن يُختار البعض ويُمنع الآخرون، ثم يُقال إن هناك تصاريح قد أُعطيت.
وختم ابو نصار حديثه لـ "القدس" بالقول: نصلي من أجل أن تنتهي الحرب ويعم السلام، وألا نضطر في المستقبل إلى طلب تصاريح من أجل الوصول إلى أماكننا المقدسة.
رسالة إسرائيلية واضحة للعالم المسيحي
من جهته، أدان أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس والاقصى حاتم عبد القادر الاعتداءات المتواصلة التي يتعرض لها الوجود الفلسطيني المسيحي والتي تجددت الأحد في منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لآلاف المواطنين الفلسطينيين المسيحيين من الوصول إلى مدينة القدس للمشاركة في احتفالات أحد الشعانين.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تضاف الى الجريمة البشعة التي اقترفها جيش الاحتلال بقصف المستشفى المعمداني في قطاع غزة والذي أوقع عشرات الشهداء والجرحى معظمهم من النساء والأطفال والمسنين.
واكد عبد القادر أن استهداف المقدسات المسيحية ومنع الحريات الدينية وقصف المؤسسات الإنسانية ذات الطابع الديني يكشف الوجه الحقيقي للاحتلال ويفضح زيف ادعاءاته بحماية الحريات الدينية واحترام المقدسات.
ويرى عبد القادر أن هذه الانتهاكات تحمل رسالة واضحة للمجتمع الدولي وبالأخص للعالم المسيحي مفادها أن الاحتلال لا يحترم أية حرمة دينية او انسانية، ولا يتوانى عن تحويل دور العبادة والمستشفيات إلى أهداف عسكرية في تحد سافر لكل القيم والأعراف الدولية.
ودعا أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية المجتمع الدولي ومجلس الكنائس العالمي إلى كسر جدار الصمت والتحرك الفوري لحماية الوجود المسيحي وحرية العبادة للمسيحيين والمسلمين في الأراضي المقدسة ، ووقف جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وفتح تحقيق دولي في جريمة قصف المستشفى المعمداني باعتبارها جريمة حرب.
انتهاك صارخ للحريات الدينية
بدوره، ندد القس الدكتور منذر اسحق راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور بمنع المسيحيين الفلسطينيين من الوصول إلى مدينة القدس للاحتفال بأحد الشعانين، معتبرًا أن هذا الإجراء انتهاك صارخ للحريات الدينية، وتكريس لفصل القدس عن بيت لحم، بما يحمله ذلك من أبعاد دينية ووطنية عميقة.
وقال القس اسحق : "نحن الآن نعيش مأساة وكارثة حقيقية على جميع المستويات، فمدينة القدس مفصولة تمامًا عن بيت لحم لأول مرة في التاريخ البشري. القدس وبيت لحم لهما أهمية روحية ومعنوية كبيرة لنا كمسيحيين فلسطينيين، وحرماننا من الوصول إليها يُسبب ألمًا بالغًا، وهذا ليس أول عيد نحرم فيه من الصلاة في القدس".
وأكد القس اسحق على صمود المسيحيين في وجه هذه السياسات، مشيرًا إلى أن "الصلوات في أحد الشعانين أقيمت في جميع المدن الفلسطينية، بما فيها غزة، في رسالة واضحة على تمسكنا بأرضنا، وإيماننا بالله، وبمبادئ الحق والعدل والسلام".
وفي سياق متصل، عقب القس إسحق على قصف الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى المعمداني (الأهلي) في مدينة غزة، واصفًا ما حدث بأنه "رسالة واضحة لجميع سكان القطاع: إما الرحيل أو الموت، ضمن مخطط واضح للتطهير العرقي الذي تواصل إسرائيل تنفيذه".
وأضاف: "هذه رسالة خطيرة مفادها أنه لا مكان آمن في غزة، ولا كنيسة أو مستشفى تابع للكنيسة سيكون بمنأى عن القصف. أعتقد أن الهدف النهائي هو التهجير القسري".
سياسة إسرائيلية لطمس المكوّن الروحي الأصيل للقدس
بدوره، أكد ديمتري دلياني، رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، أن إغلاق الطرق، ونشر الحواجز، ومنع المصلين من الوصول إلى كنائسهم في يوم من أقدس أيام التقويم المسيحي، ليس سوى أحد أوجه سياسة مُمنهجة تُمارسها سلطات الاحتلال لطمس المكوّن الروحي الأصيل للقدس، وتفريغ المدينة من عمقها الحضاري المتجذر في تنوعها الإيماني.
وأضاف دلياني: "المسألة لا تتعلّق بمجرد تدبير أمني، بل هي معركة وجود تخوضها سلطات الاحتلال ضد التاريخ الفلسطيني في القدس، حيث تحاول أن تفرض واقعاً قسرياً يعزل الإنسان عن أرضه وكنيسته ومسجده وحقه الأصيل في العبادة.
وتابع دلياني: إن هذه السياسة الاحتلالية التي تحاصر الكنائس وتمنع الصلاة، تهدف إلى إعادة تعريف الحضور الفلسطيني كاستثناء، خاضع للمراقبة والتقييد، في حين أنه في الحقيقة هو حضور أصيل، ثابت، وأساس هوية المدينة المقدسةً ومشهدها الديني والثقافي.
وختم دلياني مؤكداً أن الإصرار الفلسطيني على التوجّه إلى الكنائس رغم المنع، وحمل أغصان الشعانين رغم القمع، هو تعبير عن التمسك بالحق لا كشعار، بل كممارسة يومية، وعن الإيمان لا فقط كمعتقد، بل ايضاً كفعل بقاء وصمود. فالقدس، برغم كل محاولات الاحتلال لعزلها عن أهلها، ستبقى مدينة الصلاة التي لا تتوقف، والهوية التي لا تُختزل، والنور الذي لا يُطفأ.
المرحلة الأخيرة لخطة التطهير العرقي
ويرى يوسف ضاهر الناشط المختص في الشأن الكنسي أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى المعمداني وحي الزيتون، حيث تتمركز الكنائس والمؤسسات المسيحية في غزة، يُعد جزءًا من المرحلة الأخيرة لخطة التطهير العرقي الرامية إلى إفراغ القطاع من سكانه.
وأوضح ضاهر أن "المؤسسات المسيحية في غزة تكاد تكون آخر المعاقل التي يتمسّك بها السكان، ممن يرفضون مغادرة مدينتهم رغم القصف والدمار".
وأشار إلى أن هذه المؤسسات باتت تشكل رمزية قوية للصمود والإصرار على البقاء.
وأضاف: إن استهداف إسرائيل لهذه المقرات لا ينفصل عن الصمت العالمي تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، حيث لا توجد أي محاسبة دولية أو مساءلة حقيقية، مما يدفع الاحتلال لمواصلة جرائمه دون رادع.
واعتبر ظاهر أن الرسالة الإسرائيلية واضحة وصادمة: لا مكان آمن، حتى داخل الكنائس، والرحيل هو الخيار الوحيد أمام السكان، تمهيدًا لإعادة احتلال غزة بعد تفريغها بالكامل.
شارك برأيك
قصف المعمداني/// رسالة بالدم لكل من يهمه الأمر