ابن بطوطة، الرحالة المغربي الشهير، يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في تاريخ أدب الرحلات. انطلق من مدينة طنجة في رحلة استغرقت ربع قرن، جاب خلالها العديد من البلدان، بما في ذلك الهند وماليزيا والفلبين. ومع ذلك، تظل زيارته إلى الصين موضوعًا مثيرًا للجدل، حيث أثارت رواياته حول هذه الرحلة الكثير من الشكوك والنقاشات بين الباحثين والمستشرقين.

جدل رحلة الصين

يعتبر الباحث المغربي عبد الله العلوي أن سوء الترجمة كان له دور كبير في تشكيك المؤرخين الغربيين في روايات ابن بطوطة. فقد أساء المؤرخ الفرنسي هنري بول فهم بعض الأوصاف، مما أدى إلى اعتقاده بأن ابن بطوطة كان يتحدث عن الصين عندما كان يقصد مناطق أخرى. كما أن بعض المغاربة انتقدوا رواياته التي تصف ثراء الصين، معتبرين أن بعض القصص الخارقة التي ذكرها، مثل حكاية المشعوذ، كانت مبالغًا فيها.

الأكاديمي ناصر بوشيبة أشار إلى أن ابن بطوطة كان يحمل رؤية صوفية، مما أثر على روايته لبعض الأحداث. ومع ذلك، فإن انتقاص مستشرقين من ابن بطوطة غير مقبول، حيث يأتي في سياق تاريخي من التنافس بين الشمال والجنوب.

تاريخ المغرب والصين

يستعرض الباحث بوشيبة أدلة من المصادر الصينية تدعم رواية ابن بطوطة، مثل ذكر الشيخ برهان الدين الكازروني في الوثائق الصينية القديمة. كما تتطابق وصفه للهدايا المتبادلة بين سلطان الهند وإمبراطور الصين مع ما ذكره المؤرخون الصينيون.

رئيس معهد طريق الحرير للدراسات وارف قميحة أشار إلى أن الشكوك حول رحلة ابن بطوطة إلى الصين تعود إلى وصفه لبعض العادات الصينية، مما دفع بعض المؤرخين للاعتقاد بأنه نقلها من مصادر أخرى. ومع ذلك، فإن دور التجار العرب في نقل المعرفة والثقافة بين الحضارتين أثار اهتمام الباحثين.

آثار ابن بطوطة في الصين

ابن بطوطة زار عدة مدن صينية، مثل تشيوانتشو، حيث وجد آثارًا إسلامية، بما في ذلك مسجد قديم. كما تحدث عن قصر الإمبراطور المنغولي، الذي يُحتمل أن يكون موقع "المدينة المحرمة" لاحقًا. وذكر أيضًا مقابر صحابة النبي محمد ﷺ في جنوب الصين، مثل مقبرة سعد بن أبي وقاص.

تأثير ابن بطوطة على الفهم الثقافي

ابن بطوطة كان يميز بين ما شهده وما سمعه، مما أضفى مصداقية على رواياته. ومع ذلك، فإن عدم إتقانه للغة الصينية جعله يعتمد على ترجمة التجار المسلمين، مما قد يكون سببًا لبعض الأخطاء في نقل التفاصيل. كما أن خلفيته الإيمانية كانت تمنعه من مخالفة الصدق.

الاحتفاء بابن بطوطة في الصين

الصينيون يحتفون بابن بطوطة كرمز للتعددية الثقافية، حيث يُعتبر جزءًا من تاريخهم كملتقى للحضارات. اليوم، تُروج الصين لتراثها من خلال تسليط الضوء على ابن بطوطة، وتسمية الشوارع والفنادق باسمه في مدن مثل تشيوانتشو.

تظل رحلة ابن بطوطة إلى الصين موضوعًا غنيًا للنقاش والبحث. كتابه "رحلة ابن بطوطة" يُعتبر وثيقة تاريخية ثمينة توثق العلاقات العريقة بين العرب والصين في القرن الرابع عشر، وتساهم في تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافتين. إن تأثيره على الفهم الثقافي والتجاري بين الحضارتين لا يزال قائمًا حتى اليوم، مما يعكس أهمية التراث الثقافي المشترك. عن الجزيرة