فلسطين
الإثنين 27 يناير 2025 10:49 صباحًا - بتوقيت القدس
صفقة على وقع الإبادة والدماء النازفة، محللون يُقيّمون ويتساءلون عن الأكلاف العالية؟
رام الله - "القدس" دوت كوم
على وقع الدماء والدمار الذي طال قطاع غزة، تبرز "صفقة التبادل" الأخيرة بين المقاومة وإسرائيل كواحدة من أكثر الصفقات تعقيداً وإثارةً للجدل في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون، في أحاديث منفصلة مع "ے" دوت كوم، أن هذه الصفقة، التي جاءت في ظل حربٍ غير متكافئة أسفرت عن ارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، تطرح تساؤلاتٍ عميقة حول حسابات الربح والخسارة، ليس فقط على مستوى أعداد الأسرى المفرج عنهم، بل أيضاً على مستوى طبيعة الصراع وتداعياته المستقبلية، فبينما تُعد الصفقة إنجازاً غير مسبوق للمقاومة في كسر شروط الاحتلال، فإن الثمن البشري والمادي الذي دُفع يظل محط تساؤلاتٍ حول مدى عدالة المقارنة بين الصفقات السابقة والواقع الراهن.
ويشيرون إلى أن الصفقة الحالية تختلف جذرياً عن سابقاتها، حيث جرت هذه المرة تحت وطأة حرب إبادةٍ غير مسبوقة، وبينما نجحت المقاومة في تحقيق مكاسب تفاوضية، مثل الإفراج عن أسرى من فئاتٍ كانت إسرائيل ترفض التفاوض بشأنهم سابقاً، فإن التكلفة البشرية الهائلة تظل جرحاً غائراً في الذاكرة الفلسطينية، مشيرين إلى أن الصفقة تأتي كجزءٍ من اتفاق تم إبرامه، وليست منفصلة عنه.
عدد كبير من الشهداء والجرحى والدمار
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي د.عمر رحال أن التكلفة البشرية والمادية للحروب والصفقات التي شهدتها القضية الفلسطينية، سواء صفقة 2025 التي كلفت ما يقارب 50 ألف شهيد وآلاف الجرحى، مقارنةً بصفقات سابقة مثل صفقة الجليل في أيار عام 1985 التي أفرجت عن 1155 أسيراً بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وصفقة حركة فتح عام 1982 التي أفرجت عن 4700 أسير، هي أمور تحدث، لكنه للمرة الأولى تحدث صفقة على وقع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والدمار.
ويشدد رحال على أن المقاومة مشروعة في ظل الاحتلال، وأن المسؤولية عن الضحايا تقع على عاتق الاحتلال الإسرائيلي وليس المقاومة التي تدافع عن شعبها.
ويشير رحال إلى أن صفقات الإفراج عن الأسرى كانت دائماً جزءاً من النضال الفلسطيني، لكنها لم تكن مصحوبة بتكلفة بشرية مماثلة لما حدث في 2025.
ويوضح رحال أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هي حرب غير متكافئة، حيث تُصنف إسرائيل كواحدة من أقوى الجيوش في العالم، وتحتل المرتبة 18 عالمياً والأولى في الشرق الأوسط، وهي دولة نووية مدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، في المقابل، يعيش 2٫4 مليون فلسطيني في قطاع غزة على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، علماً أن الموطنين في قطاع غزة كانوا يعيشون على 40% من المساحة الإجمالية للقطاع مع كثافة سكانية تعد من الأعلى في العالم.
ويشير رحال إلى أن الأسلحة التي يستخدمها جيش الاحتلال في الحروب الإسرائيلية هي أسلحة فتاكة وذات قوة تدميرية كبيرة ومحرمة دولياً، مشيراً إلى أن الحروب التي جرت بين دول العالم شهدت مناطق آمنة وممرات إنسانية، لكن ما حدث في غزة كان استثنائياً حيث لا مناطق أمنة ولا محايدة، بل إنها الحرب الأكثر وحشية، وكشفت عن عقلية الانتقام ذات الأبعاد العنصرية، حيث استهدفت الأعيان المدنية بتعليمات مباشرة من المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي.
ويتطرق رحال إلى أحداث السابع من أكتوبر، مؤكداً أنها ليست مغامرة، بل جزء من الصراع التحرري الذي تشهده الشعوب تحت الاحتلال.
ويشير إلى أن الحركات التحررية في العالم كانت دائماً تواجه قوى استعمارية دموية وانتقامية، وأن ما حدث في غزة هو نتاج وحشية الاحتلال وليس المقاومة.
وحول موضوع الأسرى، يؤكد رحال أن الاحتلال يتحمل المسؤولية عن احتجاز الأسرى لفترات طويلة، مثل محمد الطوس الذي قضى 39 عاماً في الأسر، وكريم وماهر يونس اللذين قضيا 40 عاماً.
ويشير رحال إلى أن المقاومة لم تكن تتوقع أن تستمر الحرب لفترة طويلة أو أن تكون بهذه الوحشية، خاصة بوجود نقص وعدم الاستعداد لتأمين المدنيين في غزة، وهو أمر لا بد الانتباه له.
ويؤكد رحال أن الدروس المستفادة من هذه الحروب يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، داعياً إلى توحيد الجهود الفلسطينية وخلق شراكة سياسية شاملة لا تقصي أي طرف.
القرارات المصيرية يجب أن تُتخذ بشكل جماعي
ويشير رحال إلى أن القرارات المصيرية، سواء في الحرب أو السلام، يجب أن تُتخذ بشكل جماعي وليس من قبل طرف واحد، كما حدث في اتفاقية أوسلو التي ذهب فيها الفلسطينيون إلى السلام دون استعداد كاف، لذلك نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الوحدة الوطنية على أساس الشراكة السياسية الكاملة التي لا تقصي، وهذا يستدعي من منظمة التحرير الدعوة إلى عقد مؤتمر إنقاذ وطني يشارك به الكل الفلسطيني للخروج باستراتيجية وطنية موحدة، تحدد معالم مرحلة الخلاص الوطني، وعملية التحرر.
ويشدد رحال على أن المقاومة مشروعة، لكن النتائج الدموية التي تحدث هي نتيجة وحشية الاحتلال وليس المقاومة.
ويدعو رحال إلى إعادة تقييم الأدوات والآليات التي تقرب الفلسطينيين من تحقيق مشروعهم الوطني، مع ضرورة تجنب التفرد في اتخاذ القرارات المصيرية.
أي مقارنة بين الصفقة الحالية وسابقاتها "غير عادلة"
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش أن "صفقة تبادل الأسرى" الحالية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ليست مجرد عملية تبادل تقليدية، بل تشكل جزءاً من اتفاقٍ أوسع لوقف الحرب على غزة، جاء في ظروفٍ استثنائية من التصعيد العسكري غير المسبوق والانحياز الدولي لإسرائيل، وسط عجزٍ عالمي عن إدخال المساعدات الإنسانية.
ويوضح أبو غوش أن أي مقارنة بين الصفقة الحالية والاتفاقات السابقة "غير عادلة"، لأن هذه الصفقة جرت تحت وطأة "مذابح يومية" و"حرب إبادة" أسقطت خلالها إسرائيل أكثر من 90 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة.
ويشير أبو غوش إلى أن العالم وقف عاجزاً عن إدخال "شاحنة دواء أو أكفان أو غذاء"، بل فشل في نقل الجرحى، حيث أن الصفقة الحالية تعد نتاجاً لـ"معركة هائلة غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني والعالمي منذ الحرب العالمية الثانية"، مؤكداً أن الصفقة جزء من مجموعة مطالب تضمنها الاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
ويؤكد أبو غوش أن الاتفاق الحالي يتضمن عدة محاور رئيسية: وقف إطلاق الناروعبر "تهدئة مستدامة"، وعودة النازحين إلى منازلهم وبدء عمليات إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، بمن في ذلك فئاتٌ كانت إسرائيل ترفض التفاوض بشأنهم سابقاً، مثل أسرى القدس وأسرى 1948 ومن تسميهم "الملطخة أيديهم بدماء اليهود".
ويلفت إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تنجح فيها المقاومة في "كسر الشروط الإسرائيلية" المتعلقة بفئات الأسرى، ما يمثل سابقةً تاريخية في مسار التفاوض حيث وجد الاحتلال مفاوضا متمسكاً بالتفاصيل، مقارنةً باتفاقات سابقة وُقعت "دون قراءة التفاصيل"، وفق تعبيره.
ويؤكد أبو غوش أن الصفقة جاءت تتويجاً لصمود المقاومة التي "كبّدت الاحتلال خسائر فادحة حتى اللحظة الأخيرة"، مشيراً إلى أن إسرائيل سعت إلى تكريس واقعٍ جديد عبر "صفقة القرن" و"السلام الإبراهيمي"، الذي حوّل القضية الفلسطينية إلى "شأن إسرائيلي داخلي"، لكن عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي يصفها بـ"الدفاعية"، أعادت القضية إلى الواجهة العالمية كقضية مركزية في الشرق الأوسط.
وحول دوافع العملية، ينفي أبو غوش أن تكون نتاج "قرار هوس"، بل اعتبرها "انفجاراً طبيعياً" لـ 16 عاماً من الحصار، تشابك فيها منع السفر والعلاج والعمل مع استهداف متواصل لمسيرات العودة، ومنع إدخال 290 مادةً أساسية، بينها مواد البناء والأدوية، ما خلق "احتقاناً متراكماً" أدى إلى الانفجار.
ويحذّر أبو غوش من أن المرحلة المقبلة قد تكون "أخطر من الإبادة"، في إشارة إلى المخططات الصهيونية التي تُناقش علناً، مثل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول "ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر"، والتي وصفها بـ"المأساة الحقيقية" التي تهدد الوجود الفلسطيني برمته.
ويؤكد أبو غوش أن هذه المخططات ليست مرتبطةً بنتائج الحرب الحالية، بل هي امتداد لاستراتيجية صهيونية متطرفة تدعمها إدارة أمريكية منحازة بالكامل لليمين الإسرائيلي.
ويشدّد أبو غوش على أن الحل الوحيد لمواجهة هذه التحديات يكمن في "توحيد الصف الفلسطيني"، مشيراً إلى أن الانقسام الداخلي يُضعف الموقف الفلسطيني، الذي سيؤدي إلى تعزيز التضامن العربي والدولي.
ويعتقد أبو غوش أن الحرب "لم تنتهِ بعد"، إذ لا تزال إسرائيل تحاول خرق بنود الاتفاق، بينما يستعد الفلسطينيون لمواجهة مرحلةٍ مصيرية تحتمل كل الاحتمالات، من تصفية القضية عبر القوة العسكرية، وهو ما يتطلب موقفاً فلسطينياً موحداً.
الطرف الضعيف يجب أن يعمل على استغلال نقاط قوته
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي داود كُتّاب، أن عملية "أحمد جبريل" عام 1985 شهدت الإفراج عن 1155 أسير، وسبقتها صفقة حركة "فتح" التي تم فيها الإفراج عن 4700 أسير، فيما تُظهر عملية 2025 تكلفة بشرية ومادية هائلة، ما يطرح تساؤلات حول حسابات الربح والخسارة في مثل هذه العمليات.
ويعتقد كُتّاب أن المشكلة الرئيسية في عملية "طوفان الأقصى" تكمن في غياب السيطرة لدى المقاومة عند دخول المستوطنات الإسرائيلية، وأسر المدنيين، خاصة النساء والأطفال.
ويوضح كُتّاب أنه لو كانت العملية مقتصرة على استهداف الجيش والرجال، لكان الوضع أقل صعوبة، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة أن إسرائيل ستكون أقل شراسة في انتقامها.
ويعتقد كُتَّاب أن العالم لن يسمح لها بالتصرف بنفس الدرجة من القوة التي سمح بها في عمليات سابقة، مشيراً إلى أن التركيز الإعلامي العالمي اليوم ينصب على النساء والأطفال من الأسرى الإسرائيليين، ما يزيد من الضغط الدولي على الطرف الفلسطيني.
ويؤكد كُتَّاب أن العبرة الأهم تكمن بإمكانية مطالبة العالم والطرف الإسرائيلي بتطبيق القانون الدولي بشكل دقيق، في حين تقوم المقاومة نفسها بخرقه.
ويشير كُتَّاب إلى أن الطرف الفلسطيني، بوصفه الطرف الأضعف، عليه الالتزام بمعايير أخلاقية وقانونية أعلى، نظراً لقدرة الطرف القوي على توظيف الإعلام والسياسيين لصالحه.
ويشدد على أن الطرف الضعيف يجب أن يعمل على استغلال نقاط قوته، وهي شرعية مقاومة الاحتلال، مع الابتعاد عن استهداف المدنيين أو ارتكاب أي خروقات قد تُضعف موقفه الأخلاقي والقانوني أمام المجتمع الدولي.
تغيّر جذري في الظروف المحيطة بصفقات التبادل
يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الظروف المحيطة بصفقات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين قد تغيرت بشكل جذري منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ما يجعل المقارنة بين صفقات مثل "وفاء الأحرار" أو "طوفان الأقصى" والوضع الراهن أمراً صعباً.
ويشير عوكل إلى أن صفقة الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط كانت مختلفة تماماً عن الوضع الحالي، حيث أن تلك الصفقات لم تكن محصلة حروب واسعة النطاق كما هو الحال اليوم.
ويوضح عوكل أن حسابات الربح والخسارة في الحرب الحالية لا تقتصر على أعداد الأسرى المفرج عنهم، بل تشمل أيضاً طبيعة الحرب وتداعياتها على المشروع الوطني الفلسطيني.
ويؤكد عوكل أن الحديث عن الربح والخسارة والنصر والهزيمة يجب أن يرتبط بفهم طبيعة المرحلة الحالية ومسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير عوكل إلى أن تحقيق الحرية في مواجهة استعمار من هذا النوع يتطلب دفع ثمن باهظ، سواء على المستوى المادي أو المعنوي.
ويدعو عوكل إلى التمعن في الخسائر المادية والمعنوية التي يتكبدها الطرف الإسرائيلي، مؤكداً أن حجم الكارثة التي حلت بقطاع غزة يجب أن يُفهم في إطار التحولات الكبرى في الصراع بين "الحق والباطل".
ويشير عوكل إلى أن الاستنتاجات والأحكام في هذه الحالة لا تخضع لعلوم الرياضيات، بل لعلاقة الأرقام بالتحولات الاستراتيجية في الصراع.
تراجع الصورة الدولية لإسرائيل وتصدّع بنيتها الداخلية
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سامر عنبتاوي أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر، كانت "معدة مسبقاً" في إطار استراتيجية الاحتلال الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير والهيمنة على الضفة الغربية والقدس.
ويشير عنبتاوي إلى أن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، بالرغم من ثمنها الدموي الباهظ، تمثل إنجازاً غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية في كسر أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، إضافة إلى أنها كشفت تراجع الصورة الدولية لإسرائيل وتصدّع بنيتها الداخلية.
ويوضح عنبتاوي أن العدوان الإسرائيلي على غزة لم يكن رداً عشوائياً على أحداث السابع من أكتوبر، بل جاء تتويجاً لسياسة ممنهجة بدأت بحصار استمر 16 عاماً، هدف إلى التمهيد لضربه عسكرياً، وخلق واقع إنساني كارثي يدفع نحو التهجير القسري، وذلك في سياق المشروع الصهيوني القائم على التوسع وفرض الهيمنة الكاملة على الأرض الفلسطينية.
ويقول عنبتاوي: "إن الحصار لم يكن عقاباً لحماس، بل أداة لتحطيم إرادة الغزيين، وتجفيف مصادر صمودهم، تمهيداً لضربة عسكرية شاملة تزامنت مع تصعيد الاستيطان في الضفة والقدس".
ويقر عنبتاوي أن "الثمن كان فادحاً" بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع وقوع آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتدمير غير مسبوق للبنية التحتية والمباني، ثم تمخضت صفقة التبادل التي ادت لإطلاق سراح المعتقلين من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، لكنها تمثل سابقة في تاريخ الصراع من حيث العدد ونوعية الأسرى.
ويقول: "لم تشهد الساحة الفلسطينية صفقة بهذا الحجم منذ عقود، خاصة مع إصرار الاحتلال سابقاً على استثناء أسرى المؤبدات".
ويشير عنبتاوي إلى أن هذه الصفقة تختلف عن سابقاتها، مثل صفقة "أحمد جبريل" (1985)، التي تمت في سياق حرب لبنان، بينما نجحت المقاومة في غزة عبر اقتحام المستوطنات واختراق منظومة الاحتلال الأمنية.
ويلفت عنبتاوي إلى أن الحرب على غزة لم تنفصل عن المشهد الأوسع في الضفة الغربية، حيث تسارع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية في تنفيذ مخططات التهويد والضم الفعلي، عبر تكثيف الاستيطان، وعمليات الاغتيال اليومية، وتقييد حركة الفلسطينيين حول المسجد الأقصى، مؤكداً أن هذه الإجراءات، إلى جانب التنكيل الممنهج بحق الأسرى في سجون الاحتلال، مثلت شرارة دفعَت نحو انفجار السابع من أكتوبر كردّ على سياسة "الإبادة البطيئة".
ويؤكد عنبتاوي أن الاحتلال، بالرغم من قوته العسكرية الهائلة، دفع ثمناً باهظاً على مستويات عدة، حيث انكشفت هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية مع اختراق خطوط "غلاف غزة"، وفشل الآلة العسكرية في تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على المقاومة، كما تصاعدت العزلة الدولية للاحتلال مع ملاحقة قضائية في المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الدولية، وتنامي حركات المقاطعة العالمية، وتفاقمت الأزمات السياسية والاجتماعية في دولة الاحتلال، وتراجع الثقة بقدرة الجيش على حماية المستوطنات.
ويشير عنبتاوي إلى أن استمرار الصمود الشعبي في غزة رغم الدمار، والقدرة على تحقيق مكاسب سياسية وإبرام صفقة التبادل، يؤكدان أن المقاومة استطاعت تحويل المعادلة رغم اختلال موازين القوة.
ويقول عنبتاوي: "إن صمود غزة كسر جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية، وفتح الباب لمرحلة جديدة من الصراع".
التحذير من منطق "المقايضة" بين الخنوع والبقاء
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أن "ثمن الحرية" في مواجهة المشاريع الاستعمارية هي فكرة متأصلة في تاريخ الشعوب التي ضحت بالدماء من أجل استقلالها وحريتها، حيث إن الشعوب التي نالت حريتها لم تُقدِم على حسابٍ رياضي لعدد الضحايا مقابل التحرر.
ويقول الصباح: "لو فكرت شعوب الأرض بحساب الدماء على مذبح الحرية، لما تحرر شعبٌ واحدٌ حتى اليوم".
ويشير الصباح إلى نماذج مثل الجزائر التي قدمت مليوناً ونصف المليون شهيد، وبنغلاديش التي قدمت مليونين ونصف المليون شهيد، وروسيا التي قدمت 7 ملايين في ثوراتها وحروبها، مشيراً إلى أن "المعتدي وحده مَن يُفكر في كلفة الهيمنة، أما المُعتدى عليه فيرفض الخنوع حتى لو كان الثمن باهظاً".
ويحذّر الصباح من منطق "المقايضة" بين الخنوع والبقاء، قائلاً: "بعض الشعوب دفعَت ثمناً لخنوعها يفوق ما قد تدفعه من أجل حريتها، لكن العبرة تكمن في اختيار الكرامة على الذل".
وفي ما يتعلق بالواقع الفلسطيني، يشدد الصباح على أن "أول شروط النصر هو ترتيب البيت الداخلي"، مؤكداً أن الانقسامات الفلسطينية تُضعف الموقف في مواجهة الاحتلال.
ويقول الصباح: "الجبهة الداخلية يجب أن تكون موحدة وقوية وتحمل رؤيةً واحدة، لكننا ما زلنا نعيش صراعاتٍ داخليةً حتى في خضم الحرب، وهو ما يُكبِّد قضيتنا خسائرَ أكبر".
ويعتقد الصباح أن "التناقضات الداخلية تُفاقم معاناة الشعب"، داعياً إلى وقف الاستقطابات وبناء استراتيجية تحرر تعتمد على توافق وطني.
وفي مقارنة "صفقة 2025" التي تجري الآن بشأن وقف الحرب على قطاع غزة وتبادل الأسرى، وبين الصفقات السابقة، يقول الصباح: "الفرق جوهري وليس فقط قضية تحرير اسرى؛ فالتحدي اليوم يمسّ أراضي 1948، التي تُعد خطاً أحمر بالنسبة لإسرائيل".
ويوضح الصباح أن "الهجوم في السابع من أكتوبر اخترق هذا الخط، ما هزّ صورة المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تُقدس قدسية أراضي 48"، مشيراً إلى أن ذلك سبباً رئيسياً في الحملة الانتقامية غير المسبوقة على غزة.
ويلفت الصباح إلى أن إسرائيل لم تنتقم فقط لعدد القتلى أو الأسرى، بل لأن العملية "جرّدتها من وهم المناعة"، وزعزعت ثقة شعبها بمؤسساته العسكرية.
ويدعو الصباح الفلسطينيين إلى "استخلاص الدروس"، مؤكداً أن "النصر يبدأ بإيمان الشعب بحقه في الحرية، وقدرته على دفع الثمن"، لكنه يؤكد أن "هذا الإيمان يجب أن يقترن بوحدةٍ داخليةٍ تُحاصر الاحتلال بدلاً من أن تُحاصر نفسها".
دلالات
فلسطيني قبل يوم واحد
ماذا تسمين هذه المشاهد يا من تدعون الانسانية والحضارة وتتهمون غيركم بالإرهاب والوحشية
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
بين يدَي الذكرى العطرة
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
نتنياهو: حماس هم النازيون الجدد ونحن ملتزمون بهزيمتهم نهائيا
مسيرة للاحتلال تقصف مخيم بلاطة خلال تشييع جثمان الشهيد حشاش
إعلام إسرائيلي: نتنياهو يغادر السبت إلى واشنطن
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوافقون على تفعيل مهمة المراقبة في معبر رفح
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
"أنا بخير في غزة".. سرايا القدس تبث مقطعًا مسجلًا للمحتجزة أربيل يهود
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 513)
شارك برأيك
صفقة على وقع الإبادة والدماء النازفة، محللون يُقيّمون ويتساءلون عن الأكلاف العالية؟