Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 12 نوفمبر 2024 9:49 صباحًا - بتوقيت القدس

جرائم القتل والفوضى والانهيار مستمرة.. أين الخلل؟!

حتى هذه اللحظة ما زالت جرائم القتل، وقضايا الإنفلات والإحتراب العشائري والقبلي والفوضى وحالة الانهيار في مجتمعنا الفلسطيني، مستمرة ومتواصلة، ولم تفلح كل الجهود المبذولة لوقفها أو حتى لخفض مستوياتها، بل ما نشهده هو ارتفاع في وتائرها وتصاعدها بشكل كبير، وبما يجعل حماية السلم الأهلي والمجتمعي تتقدم على أي أولوية أخرى، بما فيها الانعتاق والتحرر من الاحتلال، فحماية وصيانة وحدة المجتمع ومنع تفككه وانهياره مجتمعياً ووطنياً يجب أن تكون هاجسنا جميعاً، من البيت إلى المدرسة والمؤسسة الجامعية، والبنى والهياكل الوطنية والمؤسسات الرسمية والمرجعيات الدينية ورجال الإصلاح، وخطباء المساجد ووعاظ الكناس، فالخطر تعدى الخطوط الحمراء، فمن الصعب على أي مجتمع أن ينال حريته واستقلاله، وأزماته الاجتماعية تتعمق ثم تنفجر على شكل احترابات عشائرية وقبلية واسعة وجرائم قتل، فتحرير الإنسان يتقدم على تحرير الأرض، فإنسان مخترق مجتمعياً ووطنياً، وانتماءاته العشائرية والقبلية والجهوية والطائفية متقدمة على انتمائه الوطني، لا يمكن أن يشكل رافعة أو معول بناء لبناء مجتمع يقوم على أساس المواطنة الكاملة لجميع مكوناته ومركباته المجتمعية.


نعم، علينا أن نقر كحركة وطنية وأحزاب سياسية ورجالات إصلاح، ومؤسسات مجتمع مدني وسلطة وغيرها من مرجعيات دينية ومؤسسات تربوية وغيرها، بأننا فشلنا فشلاً ذريعاً في حماية نسيجنا المجتمعي من التفكك والانهيار، فالأمور إذا ما استمرت على ما هي عليه، فنحن سائرون نحو كارثة كبيرة، والاحتلال وأجهزته الأمنية والشرطية وعيونه المزروعة في مجتمعنا، هي أهم سبب جوهري، لما يصيب مجتمعنا من تفكك وانهيار وتشظٍ وفرقة، فهو يغذي النعرات الطائفية والقبلية والعشائرية فيه، ويسعى لتفتيته وتفكيكه وتدميره وخرابه، ومشروعه الإقصائي والتطهيري قائم على استمرار خلافاتنا وتغذيتها وتضخيمها، لكي يجعلنا نستمر في "طحن" أنفسنا وفي احتراب داخلي دائم، وأن لا نلتفت إلى اعتداءاته على أرضنا وشعبنا ومقدساتنا وكل تجسيدات ومظاهر وجودنا كشعب، فهو يرى أن أي استقرار وأمن وأمان اجتماعي من شأنه أن يجعل كل الطاقات والجهود تتوجه إلى التصدي إلى مشاريعه ومخططاته وقوانينه العنصرية المستهدفة لنا كشعب فلسطيني، والتي نشهد في عهد حكومة اليمين والتطرف، بأنها تستهدف تصفية وجودنا وتفكيك قضيتنا، فمن قانون إخراج وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" عن القانون، كوكالة أميمة مقامة بقرار أممي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والشاهد على نكبة شعبنا وطرده وتهجيره من أرضه، مروراً بقرار تسوية وتسجيل الأراضي في مدينة القدس، من أجل اتاحة الفرصة لما يعرف بـ "سلطة أراضي إسرائيل" لوضع اليد عليها من قبل ما يعرف بحارس أملاك الغائبين، وقانون منع تواجد أية بعثة دولية في القسم الشرقي من مدينة القدس تقدم خدماتها للمجتمع المقدسي، وقانون السيطرة على العملية التعليمية في القدس، وشطب المنهاج الفلسطيني فيها "أسرلة العملية التعليمية"، قانون ابعاد أفراد  من أقارب وعائلات من يقوم بتنفيذ عملية ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، وقانون رفض إقامة دولة فلسطينية على جزء من أراضي فلسطين التاريخية، وعشرات القوانين "القراقوشية" الأخرى، والهادفة إلى تقليل عدد السكان العرب الفلسطينيين في المدينة إلى أدنى حد ممكن.


ولكن رغم كل هذه العنصرية والوحشية والتطرف، فهذا يجب أن لا يجعلنا دائمأ نعلق كل أمراضنا ومشاكلنا وخلافاتنا وما يحدث لنا من تدمير ذاتي على أنها من صنع الاحتلال، فهناك جزء كبير مما يحدث في مجتمعاتنا من جرائم واحتراب عشائري وقبلي من صنع أيدينا، ووليد بيئتنا وثقافتنا ووجودها مرتبط بسياقاتنا الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والثقافية التي عشناها ونعيشها. أي أنها ليست من صنع السماء أو دخيلة علينا.. بل هي من صنعنا نحن.


نحن ندرك أنه في مراحل الهزيمة والردة، واستدخال وعيها وثقافتها، واستلاب الأمة والجماهير لحريتها واستقلالها وحقوقها، وسيطرة الفكر الإقصائي والتكفيري وتشويه الوعي والثقافة القائمة على الغيبيات والحجر على العقول من خلال السيطرة على المشهد العام ثقافياً وإعلامياً وعبر أنظمة وسلطات، لم تمارس سوى القمع والتنكيل والقهر والعقاب والاستبداد، وكذلك إفقار الجماهير وتجويعها ومحاربتها في لقمة عيشها، وعدم نجاحها في بناء مجتمعات المواطنة الكاملة لدولها بكل مكوناتها ومركباتها، تدفع تجاه تنامي وتجذر وتّسيد مثل هذه الظواهر في المجتمع، والتي تنفجر بسبب الاحتلال والقهر والضغط الداخلي على شكل مشاكل اجتماعية و"طوش" تتحول إلى احتراب عشائري وقبلي واسعين، تذكرنا بحروب "داحس والغبراء" و"البسوس" و"الأوس والخزرج" في تاريخنا، والتي كانت أسبابها تافهة، وما نشهده الآن هو امتداد وتكرار لما حدث بأشكال أخرى، فكل "الطوش" والمشاكل الاجتماعية وقضايا الاحتراب القبلي والعشائري قامت وتقوم لأسباب ليس لها أي مضمون جوهري، أو ذو شأن يستحق مثل هذه الحروب والمعارك العشائرية والقبلية، والتي في حالة اندلاعها نكتشف بأن الرابط العشائري والقبلي يتقدم على أي رابط أو وازع وطني، دم، ديني، قيمي وأخلاقي، ونظهر بأننا شعوب بوهيمية بدائية تتقاتل وتتصارع بين بعضها البعض بوحشية، وبأننا نحقد على ذاتنا وأبناء جلدتنا أكثر من حقدنا على من يحتل ويغتصب أرضنا ومقدساتنا، وكأننا هنا نفرغ ونعبر عن عقدة النقص وعدم القدرة على مقارعة عدونا بالاحتراب والاقتتال الداخلي بمظاهره القبلية والعشائرية والجهوية.


علينا أن نعترف بأن هناك حالة من التخلف تسود مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا الفلسطيني، فأغلب هذه المجتمعات، هي مجتمعات قبلية استهلاكية، يسودها تشوه بنيوي عميق، لم تتطور فيها القوى الإنتاجية بشكل طبيعي، بل هي نتاج اقتصاد ريعي استهلاكي، لم تخلق قاعدة اقتصادية مادية صناعية أو زراعية مدنية، ولذلك بقيت العلاقات الاجتماعية متخلفة، على مستوى الفكر والوعي والممارسة. ومما زاد الطين بِلة في السنوات الأخيرة، تسييد القراءات المتطرفة للدين، التي لا تكفر اتباع الديانات الأخرى، بل اتباع الديانة نفسها من المذاهب المختلفة، وتراجع الفكر التنويري الحداثي المؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية واحترام الآخر والمواطنة الكاملة، بحيث بات المواطن يشعر باغتراب في وطنه وخطر جدي على حقوقه وحريته وكرامته الشخصية، ما ولد عنده قهراً داخلياً، يدفعه بإتجاه التقوقع على ذاته أو الهجرة ومغادرة المجتمع، أو اللجوء "للمافيات" العشائرية والقبلية لحمايته.

 

المراحل الطويلة والحقب التاريخية التي تعرضت فيها مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة للاستعمار وما رافق ذلك من وعي وثقافة مشوهتين، والقراءات المتطرفة للدين وتوظيفه واستخدامه من قبل أنظمة وحكومات وأحزاب لخدمة أهدافها ومصالحها وحكمها وسيطرتها، واستبدادها وسيطرتها المطلقة على الدولة والثروات وعدم العدالة في توزيعها، واعتبار تلك الدول بمثابة ممالك واقطاعيات خاصة بها، ومحاصرة وقمع أي فكر تنويري يطالب بالتغيير واوسع مشاركة في القرار والحكم والعدالة في توزيع الثروات، وانتشار مظاهر الجهل والتخلف والدروشة والغيبيات، كلها عوامل ساهمت في احتجاز تطور مجتمعاتنا العربية عامة ومجتمعنا الفلسطيني خاصة.


أخفقت القوى والأحزاب والحكومات الوطنية والتقدمية والعلمانية في مرحلة المد الوطني والقومي في بناء مجتمعات ديمقراطية تعددية، وتحديث وتصنيع الدول، ولنشهد في مرحلة الانهيار والهزيمة حالة من الارتداد إلى العشائرية والقبلية والقطرية والجهوية.


حالة الارتداد تلك عمقت من الأزمات المجتمعية، ترافق ذلك مع أزمة شمولية أصابت الموالاة والمعارضة وحتى الجماهير الشعبية، والتي أصبحت تنشد الخلاص من خلال الغيبيات والإنغماس في التطرف والجهل.

ولذلك نرى أن ممكنات الخروج من أزماتنا العميقة ممكنة وقائمة، شريطة أن يكون هناك إقرار بوجود هذه الأزمات، وبالمقابل توفر قوى وأحزاب ومؤسسات مؤمنة وقادرة على حمل لواء التغيير، ومستعدة لدفع الثمن والتضحية في سبيل ذلك، غير مكتفية بنقد الواقع وتشخيصه من باب رفع العتب، بل تسعي بشكل تراكمي للتغيير في أفكاره وقناعاته، هذا التغيير يجب أن يكون وفق استراتيجيات واضحة توضع لها الخطط والبرامج والآليات تستهدف فيها الجماهير والعائلات من البيت إلى المؤسسة التعليمية، فالمؤسسات الدينية، من حيث نوعية التعليم والمنهاج وما يبث من خطب وتراتيل دينية، وما يجري التثقيف به من خلال ورش عمل لهذه الغايات متخصصة، وكذلك خلق مؤسسات وفضاءات إعلامية وثقافية تركز وتشدد على وحدة المجتمع والإنتماء له، وتبين مخاطر العشائرية والقبلية على النسيج الوطني والمجتمعي، وأيضاً تعمل على محاربة واجتثاث الفكر الانغلاقي والإقصائي والتكفيري،القائم على تخوين وتكفير ومطاردة الشركاء في الوطن، بادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وبأنهم وكلاء الله على الأرض.


اذا لم نعترف بوجود خلل بنيوي وأزمات عميقة لدينا، نتاج فكر تكفيري ووعي مشوه وثقافة مستدخلة وقراءة متطرفة للدين، فإن أزماتنا ستستمر في التعمق، وسنستمر في "طحن" أنفسنا وتدمير ذاتنا، وسنشهد المزيد من التفكك والاحتراب العشائري والقبلي على غرار "داحس والغبراء" و"البسوس" و"الفجار" وغيرهم.

دلالات

شارك برأيك

جرائم القتل والفوضى والانهيار مستمرة.. أين الخلل؟!

المزيد في أقلام وأراء

مستقبل السلام في الشرق العربي أرض السلام والأنبياء

كريستين حنا نصر

"الدولة" التي تعبث بالعالم

د. إياد البرغوثي

حرب التجويع متواصلة في غزة

حديث القدس

المجاعة المجاعة!

ابراهيم ملحم

قمة الرياض.. الإرادة السياسية واستقلالية آليات التنفيذ هما الأهم

مروان إميل طوباسي

آليات للانتقال من حالة الهشاشة إلى حالة المناعة النفسيّة

د. غسان عبد الله / القدس

نتائج القمة المشتركة

حمادة فراعنة

عامٌ من طوفان المجازر ولا تزال حرب الإبادة مستعرة

د. رياض العيلة

غزة والإبادة.. الضفة والسيادة

حديث القدس

القمة العربية والإسلامية في الرياض

بهاء رحال

حرب الانبعاث الإسرائيلية

حمادة فراعنة

عودة ترامب والمصير الفلسطيني

جمال زقوت

فرصة قد لا تسنح في خمسين سنة

حمدي فراج

ترامب والقضية الفلسطينية وإمكانية تحويل الأزمة إلى فرصة‎

هاني المصري

المؤامرة الإسرائيلية على الدور القطري مرفوضة

حديث القدس

ياسر عرفات الهوية الوطنية والضمير الحيّ

بهاء رحال

إلى الشهيد علي علقم.. شهيد الأبعاد والغربة

أختك أمل علقم

خيارات العالم العربي أمام ترامب

أحمد رفيق عوض

رفض الاحتلال والاستعمار والصهيونية

حمادة فراعنة

تداعيات فوز ترامب على السياسات الخارجية للشرق العربي

كريستين حنا نصر

أسعار العملات

الأربعاء 13 نوفمبر 2024 9:48 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.75

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.98

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.29

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%63

%38

(مجموع المصوتين 8)