عربي ودولي

الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:57 مساءً - بتوقيت القدس

فصل الساحات كشرط لوقف الحرب على الشمال.. محاولة لتحقيق إنجازات تُعوّض تقدّم الدبابات

خـاص بـ"القدس" و"القدس" دوت كوم

د. حسين الديك: استبعاد فصل الجبهات حالياً.. والهدف الجوهري لنتنياهو إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني

طلال عوكل: حزب الله لن يتراجع عن دعم غزة بسهولة ونتنياهو غير مستعد لاتفاق دون تحقيق اليد العليا بلبنان 

د. سعد نمر: تصريحات قادة حزب الله تؤكد مواصلة دعم المقاومة بغزة وتنفي أيّ نية لما يسمى "فصل الساحات"

ماجد هديب: الطرح جاء بعد الإخفاق الإسرائيلي منذ أكثر من شهر في تحقيق تقدم بري واضح بجنوب لبنان

سليمان بشارات: رغبة إسرائيلية- أمريكية بخلق ضغط لبناني ضد حزب الله لفرض مسار سياسي منفصل عن غزة


يتزايد الحديث في الأوساط السياسية عن احتمالية فصل الساحات وجبهات القتال بين قطاع غزة ولبنان كجزء من استراتيجية أمريكية وإسرائيلية، بدعم من فرنسا، في محاولة جديدة لفرض تسويات سياسية تحقق لإسرائيل أهدافها بعدما فشلت الحرب والأدوات العسكرية تحقيق إسرائيل كافة أهدافها على مدار أكثر من عام.


ويشير كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، إلى أنه رغم الضغوط الإسرائيلية الهائلة التي تشمل الهجمات على البنى التحتية والمناطق المدنية، تبدي المقاومة اللبنانية إصراراً على عدم فصل جبهة الإسناد لغزة.


ويلفت الكتاب والمحللون وأستاذة الجامعات إلى أنه الى جانب ما تريد إسرائيل تحقيقه من أهداف، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى لأن تمر فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الاسبوع المقبل دون أي توترات، في محاولةٍ لدعم مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس في الانتخابات.


ويحذر الكتاب والمحللون السياسيون وأساتذة الجامعات من أنه في حال الوصول إلى تهدئة في جنوب لبنان، فإن هناك مخاوف فلسطينية من أن تستغل إسرائيل هذا الاتفاق للاستفراد بقطاع غزة، ما يتيح لها حرية أكبر لفرض سياساتها العدائية في الضفة الغربية. 


 استراتيجية أمريكية- إسرائيلية- فرنسية


يشير الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي د.حسين الديك إلى أن الحديث عن احتمالية التوصل إلى اتفاق يتعلق بفصل الساحات بين جبهة جنوب لبنان وقطاع غزة يُعد مطلباً واستراتيجية أمريكية وإسرائيلية وفرنسية تسعى منذ فترة طويلة لإقرارها. 


ويلفت الديك إلى أن هذا التوجه اصطدم برفض حازم من المقاومة اللبنانية، التي أكدت مراراً مبدأ "وحدة الساحات" واعتبار جنوب لبنان عمقاً استراتيجياً داعماً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مع إصرارها على استمرار التعاون العسكري والتنسيق بين مختلف الأطراف المقاوِمة في غزة ولبنان.


ويأتي هذا الموقف، بحسب الديك، في ظل الضغط الكبير الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي عبر عمليته العسكرية البرية الواسعة، التي دخلت شهرها الأول عقب استهداف قيادة "حزب الله" وعدداً من المواقع الاستراتيجية في جنوب لبنان. 


ويوضح الديك أن الحملة الإسرائيلية لم تقتصر على الأهداف العسكرية، بل امتدت إلى استهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية في الضاحية الجنوبية ومنطقة البقاع وجنوب لبنان، ما أسفر عن تدمير كبير، الأمر الذي تسبب في اضطرابات سياسية داخل لبنان، وشكّل ضغطاً على داخلياً في لبنان.


ووفقاً لتحليل الديك، فإن التداعيات السياسية للهجوم الإسرائيلي أسفرت عن حراك سياسي داخلي لبناني مكثف، إذ بدأت حكومة بيروت بالتواصل مع الأطراف اللبنانية المختلفة، بما في ذلك قوى 8 آذار و14 آذار، والتي بعضها يتخذ موقفاً متشدداً ضد حزب الله والمقاومة. 


وبحسب الديك، فقد أدى هذا الحراك ربما إلى ظهور نوع من "المرونة" في موقف حزب الله فيما يخص التنسيق بين الساحات اللبنانية والفلسطينية، وإن كان الأمين العام الجديد لحزب الله، نعيم قاسم قد أكد علناً استمرارية "وحدة الساحات".


احتمال مستبعد في المرحلة الحالية


ومع ذلك، يرى الديك أن أي احتمال لفصل الجبهات بين غزة وجنوب لبنان يبقى مستبعداً في الفترة الحالية، نظراً لعدة عوامل مرتبطة بالمواقف الإسرائيلية واللبنانية. فالمؤشرات الإعلامية الصادرة من واشنطن، التي تحاول الترويج للتوصل إلى اتفاق ما، تندرج ضمن "أجواء التفاؤل" السياسي لأغراض انتخابية، تهدف واشنطن من خلالها إلى كسب دعم الجاليات العربية والإسلامية في ظل المنافسة الانتخابية الشديدة بين الديمقراطيين والجمهوريين، والتي تتقارب فيها استطلاعات الرأي بين المرشحين. 


ويشير الديك إلى أن إدارة بايدن تسعى إلى توظيف أي احتمالية للتوصل إلى اتفاق كجزء من استراتيجية دعم كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، وذلك في إطار كسب أصوات الجاليات المؤثرة في الولايات المتأرجحة، التي ستكون لها الكلمة الفصل في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة.


القراران 1701 و1559


وفي السياق ذاته، يُلقي الديك الضوء على قرارين دوليين أساسيين يسعى حلفاء الولايات المتحدة في لبنان إلى تطبيقهما: القرار 1701 الذي يهدف إلى وقف العمليات العدائية جنوب لبنان، والقرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح حزب الله والمقاومة اللبنانية. 


وبحسب الديك، فإن هناك تيارات سياسية لبنانية، كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب، بقيادة سمير جعجع وسامي الجميل، على سبيل المثال، تضغط بشدة لتفعيل القرارين، مشيراً إلى أن الحكومة اللبنانية نفسها تتجه نحو ترحيب بهذا التوجه بهدف تهدئة الأوضاع وتخفيف الضغوط الدولية عليها.


وبالنظر إلى الظروف الإقليمية، يرى الديك أن هذا التوجه الأمريكي لتفعيل الاتفاق في جنوب لبنان يتلاقى مع المصالح الانتخابية للديمقراطيين، لكنه لا يحظى بترحيب الحكومة الإسرائيلية الحالية، خاصة في ظل موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لا يرغب في منح الديمقراطيين أي إنجازات سياسية قد تدعم فرصهم الانتخابية. 


ويوضح الديك أن نتنياهو لا يسعى إلى أي اتفاقات هدنة مع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية قبل الانتخابات الأمريكية، لأنه يرى أن أي تنازل في هذا التوقيت قد يكون بمثابة "هدية مجانية" للديمقراطيين، ما قد يصب في صالح كامالا هاريس على حساب دونالد ترامب، الذي يدعمه نتنياهو بشكل غير معلن.


ويرى الديك أن فرضية توقيع اتفاق تهدئة في لبنان قد تحمل تداعيات خطيرة على الساحة الفلسطينية، حيث أنه في حال حدث ذلك، قد تستغل إسرائيل هذا الاتفاق للتركيز على غزة، ما يعني فتح المجال أمام الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ المزيد من السياسات العدائية بحق الشعب الفلسطيني دون أي ضغوط، مستفيدة من حيادية الساحة اللبنانية، في ظل ضمانات دولية لعدم تعرضها لعمليات عسكرية جديدة من قبل حزب الله وكذلك عدم شن إسرائيل حربا على لبنان. 


ويؤكد الديك أن هذا السيناريو سيمنح إسرائيل فرصة للاستفراد بغزة والتعامل معها بيدٍ حديدية، في ظل غياب الدعم من المقاومة اللبنانية.


اختلافات جوهرية في التعاطي الإسرائيلي مع الملفين اللبناني والفلسطيني


ويرى الديك أن هناك اختلافات جوهرية في التعاطي الإسرائيلي مع الملفين اللبناني والفلسطيني، فعلى عكس لبنان، يشكل قطاع غزة أحد أهداف اليمين الإسرائيلي لتكريس المشروع الاستيطاني، ويعتبر جزءاً من مشروع الاحتلال الممتد إلى الضفة الغربية، الذي يسعى إلى ضم الأراضي الفلسطينية بشكل كامل. 


وفي هذا الصدد، يشير الديك إلى أن الهدف الجوهري لنتنياهو واليمين الإسرائيلي ليس استهداف حزب الله في لبنان، بل القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني، والسيطرة على كل الأراضي الفلسطينية من خلال التوسع الاستيطاني وزيادة القمع، ما يترك الباب مفتوحاً أمام تصعيد دائم في غزة، رغم احتمالية تهدئة الأوضاع في جنوب لبنان.


ويخلص الديك إلى أن التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في الجبهة اللبنانية قد يكون محتملاً في المستقبل في ظل توافر ضمانات دولية، تتولاها الولايات المتحدة وفرنسا بمشاركة فاعلة من الحكومة اللبنانية والأطراف السياسية اللبنانية والعربية الصديقة، لكن يبقى التوصل إلى اتفاق كهذا مرهوناً بنتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، حيث ستلعب نتيجتها دوراً حاسماً في تحديد شكل السياسات الأمريكية المستقبلية تجاه الملف اللبناني.


ويعتقد الديك أن العوامل التي دفعت واشنطن للترويج إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق في لبنان تأتي بشكل رئيسي لأسباب انتخابية، إذ تسعى إدارة بايدن لتقديم هذا الإنجاز على أنه جزء من دعمها لأمن إسرائيل واستمالة الجاليات العربية والإسلامية، التي ستكون أصواتها حاسمة في عدة ولايات رئيسية. 


ويشير الديك إلى أن التصريحات الصادرة من الأوساط الأمريكية والإسرائيلية حول قرب انتهاء العمليات العسكرية تساهم في إشاعة أجواء إيجابية على الساحة اللبنانية، لكنها تبقى بعيدة عن الواقع الميداني، الذي قد يستمر في تصعيده حتى ما بعد الخامس من نوفمبر المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.



إسرائيل لم تحقق أي تقدم استراتيجي على الأرض


يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الحديث المتكرر عن قرب وقف إطلاق النار، والذي تصدره بشكل أساسي المصادر الأمريكية والإسرائيلية، يعكس رغبة هذه الجهات في فصل الساحات بين لبنان وقطاع غزة، إضافة إلى فرض شروط إسرائيلية، مشيراً إلى أن حزب الله، حتى اللحظة، لم يعلن موقفه النهائي بشأن هذا التوجه. 


ويعتقد عوكل أن حزب الله، الذي دفع خسائر كبيرة في الحرب الحالية، لن يتراجع عن موقفه الداعم لغزة بسهولة، معتبراً أن الأوضاع الميدانية في لبنان لا توحي بأن الحزب يتراجع أو يقبل الهزيمة، خاصة أن حزب الله يحقق خسائر مؤثرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، دون تقدم استراتيجي حقيقي لإسرائيل على الأرض. 


ويلفت إلى أن الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه تحديات كبيرة، لم يتمكن من إحراز مكاسب ذات قيمة ميدانية في لبنان، مما يدفعه لمحاولة إيجاد مخرج عبر التلميح بانتهاء عمليته العسكرية في لبنان.


ويعتبر عوكل أن القبول بشروط الوسيط الأمريكي في الاتفاق المحتمل يعني ضمناً أن حزب الله سيتراجع عن موقفه لصالح إسرائيل، وهو أمر غير واقعي، كذلك يتطلب تحقيق هذا الاتفاق ضمانات أمريكية لإسرائيل تمكنها من التحرك عسكرياً ضد لبنان وحزب الله كلما ادعت أن حزب الله لا يلتزم بالاتفاق، بحسب المعايير الإسرائيلية.


وفي المقابل، يشير عوكل إلى أن حكومة نتنياهو لا تبدو مستعدة لقبول اتفاق دون تحقيق اليد العليا في لبنان، وهو ما سيعد بمثابة هزيمة سياسية لإسرائيل، ما يعكس مناورة إسرائيلية لتمديد مدة الحرب، على الأقل حتى ما بعد محاكمة نتنياهو في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث تتضح نوايا نتنياهو لتمديد فترة الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.


ومن زاوية التأثير الدولي، يشكك عوكل في استعداد نتنياهو لمنح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ورقة سياسية قوية قبل الانتخابات الأمريكية، بالنظر إلى دعمه المستمر للمرشح الجمهوري دونالد ترامب. 


ويرى عوكل أنه، في حال تم الاتفاق على فصل الجبهات ووقف إطلاق النار، فإن إسرائيل ستستفيد بشكل كبير، حيث ستواصل عملياتها العسكرية في غزة، ومن ثم ستتحرك لتصعيد الموقف في الضفة الغربية في إطار استراتيجيتها طويلة الأمد في المنطقة.


وفي ما يتعلق بالتصريحات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، يشير عوكل إلى أن المستويات العسكرية في إسرائيل بدأت تظهر قلقاً واضحاً من حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلا أن هذا القلق لم يصل بعد إلى حد يجبرها على السعي لوقف الحرب كما حدث في عام 2006.


مساعٍ يصعب تحقيقها


يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، د. سعد نمر،  أن مفهوم "فصل الساحات" بين لبنان وقطاع غزة يشكل مطلباً إسرائيلياً يهدف لاحتواء العمليات العسكرية على الجبهتين، وأن هذا التوجه يسعى لأن تجعل إسرائيل من الجبهة اللبنانية مساحةً هادئة، ما يسمح لها بالتركيز على غزة وحسم المعركة فيها، إلا أن تنفيذ ذلك على الأرض يبدو ضبابيا. 


ويشير نمر إلى أن تصريحات قادة حزب الله، خاصة للأمين العام للحزب نعيم قاسم، تؤكد التزام الحزب بالقضية الفلسطينية ودعمه للمقاومة في غزة، ما ينفي أي نية جدية لفصل الساحات.


ويوضح نمر أن بعض الأصوات داخل لبنان، مثل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قد تحدثت عن التزام لبنان بالتركيز على القضايا الداخلية، ملمحاً إلى تفضيل عدم الانخراط المباشر في مواجهة مع إسرائيل، ولكن هذا لا يعكس بالضرورة موقف حزب الله، الذي يعتبر أن القضية الفلسطينية تمثل محور المقاومة وأن التخلي عن غزة غير وارد بالنسبة له.


وعن الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان في هذه الفترة، يبيّن نمر أن جميع الأطراف، بما في ذلك المقاومة الفلسطينية في غزة، تهتم بهذا الموضوع، لكن إسرائيل، وفقًا لنمر، تسعى للاستفادة من وقف النار بفرض شروطها والسيطرة على المعركة، وعلى الرغم من ترحيب نعيم قاسم بوقف إطلاق النار في لبنان، فإن ذلك مشروط بتحقيق مصلحة المقاومة، كما هو الحال في غزة، حيث أكدت حماس أنها لن تقبل بوقف إطلاق النار إلا ضمن صفقة شاملة، بما يحقق أهداف المقاومة ويحمي الفلسطينيين في غزة.


استغلال الاغتيالات للترويج لـ"انتصارات"


ويعتقد نمر أن إسرائيل ترغب في استغلال عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات المقاومة في لبنان والشهيد يحيى السنوار في غزة وكذلك اغتيال اسماعيل هنية، لترويج انتصاراتها للجمهور الإسرائيلي والعالم، متجاهلةً حقيقة أن هذا الأسلوب قديم ولم ينجح في تحقيق تقدم استراتيجي على الأرض، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية معتادون على مثل هذه الاغتيالات منذ عام 1967، التي غالباً ما تعكس ضعفاً استراتيجياً إسرائيلياً في تحقيق أهداف بعيدة المدى، بل إنها تزيد المقاومة صلابة.


ويتطرق نمر إلى مسألة الضمانات المتعلقة بوقف إطلاق النار، موضحاً أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق، فإن الالتزام من قبل إسرائيل يبقى موضع شك. 


ويشير نمر إلى أن إسرائيل خرقت اتفاقيات سابقة بشكل متكرر، حيث رصد نحو 39 ألف خرق إسرائيلي في لبنان منذ اتفاق عام 2006، كما أن إسرائيل تراجعت عن اتفاقيات تهدئة سابقة مع غزة واعتقلت فلسطينيين أفرج عنهم ضمن صفقة شاليط وكذلك في صفقة تبادل التهدئة بداية الحرب.


ويرى نمر أن المحاولات الإسرائيلية الحالية لفرض شروط على لبنان تأتي لضمان عدم وجود حزب الله على الحدود، بما يعكس فشلاً استراتيجياً إسرائيلياً في احتواء قوة الحزب، كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز هذه الضمانات لإسرائيل، عبر توفير "حق" لإسرائيل باستخدام القوة مجددًا إذا خرق حزب الله الاتفاق، دون أن تتم مناقشة احتمال الخروقات الإسرائيلية.


إسرائيل في مأزق كبير


ويوضح نمر أن إسرائيل في مأزق كبير على الجبهات كافة، وأن إخفاقها في تحقيق مكاسب على الأرض يشكل دليلًا على فشل خططها، إذ تواجه مقاومة شرسة في الجنوب اللبناني لم تمكنها من التقدم، وتهدف الآن لفرض شروط عبر وقف إطلاق النار، رغم عجزها عن تحقيق مكاسب ميدانية فعلية، ما دفعها للتركيز على القصف الجوي والهجمات عبر الطيران، وهي نقاط قوتها التقليدية التي لم تساعدها في تحقيق نتائج على الأرض في محاولة قواتها التقدم بريا.


ويشير نمر إلى أن إسرائيل حاولت الترويج لاغتيالات قادة مثل حسن نصر الله ويحيى السنوار وقيادات أخرى في لبنان باعتبارها "انتصارات"، ولكن المقاومة لا تزال تسيطر على الوضع ميدانياً، ما يُفقد هذه الادعاءات الإسرائيلية قيمتها الواقعية. 


ويؤكد نمر أن المقاومة في غزة، على الرغم من الدمار الذي ألحقه القصف الجوي الإسرائيلي بالبنية التحتية، وعمليات الإبادة بقتل المدنيين، تستمر في توجيه خسائر كبيرة لإسرائيل، سواء من خلال العمليات الهجومية من الأنفاق أو الاشتباكات المباشرة التي كبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية.


ويستشهد نمر على سبيل المثال أن منطقة جباليا شهدت محاولات متعددة من الجيش الإسرائيلي لاختراقها، ورغم تصريحاته المتكررة بالقضاء على المقاومة هناك، فإن المقاتلين تمكنوا من إعادة تشكيل قواتهم والعودة إلى القتال بشراسة، ما يعكس فشلاً ذريعاً لإسرائيل في تحقيق أهدافها، ويضعها في موقف صعب داخل غزة، حيث تستنزف بشكل يومي، ولا تملك سوى أسلوب القصف الجوي الذي لم يسهم في حسم المعركة لصالحها.


وبحسب نمر، فإن إسرائيل تدرك أن إعلانها تحقيق النصر في هذه الحرب يتطلب تقديم تنازلات من جانب حماس أو حزب الله، وهو ما يبدو مستبعداً في ظل المعنويات المرتفعة لدى قادة المقاومة وتصميمهم على مواصلة الكفاح.


استراتيجية "الشرق الأوسط الجديد"


يعتقد الكاتب والباحث السياسي ماجد هديب أن محاولات فصل الساحات بين لبنان وقطاع غزة، تأتي ضمن إطار سياسي وميداني يهدف إلى تحقيق استراتيجية شرق أوسط جديد، وتُعبر عن ترتيبات أعمق تشمل خارطة طريق إقليمية ودولية تهدف إلى إضعاف قوى المقاومة. 


ويشير هديب إلى أن مشاركة حزب الله ليست وحدة ساحات بمفهومها الفعلي بل اشغال لقوات الاحتلال عن حربها على غزة.


ويرى هديب أن خارطة الطريق التي تم تسريبها تسعى إلى القضاء على سلاح حزب الله وحركة حماس، باعتبارهما عناصر مقاومة مركزية تهدد بقاء إسرائيل، وتعتبر عقبة أمام تحقيق رؤية هذا "الشرق الأوسط الجديد". 


ويشير هديب إلى أن ثمة محاولات سابقة استهدفت هذا الهدف، من خلال محاولات إحداث صدام بين الشعب اللبناني وحزب الله، عبر تأجيج الغضب الشعبي وإسقاط حكومة الحريري في ذلك الوقت، مما كان سيشكل طريقاً للصدام مع الحزب وإعادة رسم خريطة القوى في لبنان.


ويلفت هديب إلى أن اتفاق الطائف، الذي أتاح لحزب الله نفوذاً سياسياً وعسكرياً في الساحة اللبنانية، لا يزال يشكل أساساً قوياً لسلاح الحزب وموقعه، وكان الهدف إعادة بعثرة هذا الاتفاق واختلال توازناته من جديد. 


ويرى هديب أن فشل المحاولات السابقة لإضعاف حزب الله دفع إلى إعادة النظر في استراتيجيات جديدة تهدف إلى تحجيم نفوذه، ليس فقط في لبنان بل في المنطقة ككل، عبر تفعيل مسارات تؤدي إلى تغييرات سياسية في لبنان بموجب اتفاق سياسي جديد، ينسجم مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد".


وفيما يخص الحديث عن اتفاق في لبنان، يرى هديب أن هذا الطرح جاء بعد فشل المحاولات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من شهر لتحقيق تقدم ميداني بري واضح في جنوب لبنان، حيث لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة على أي قرية لبنانية، ما يكشف عن تخوفه من المفاجآت التي يعدها حزب الله. 


ويشير هديب إلى أن إسرائيل دفعت بخمس فرق عسكرية ولواء كامل إلى الساحة اللبنانية، وبالرغم من القوة الجوية الهائلة التي استخدمتها وتدمير البنية التحتية، واغتيالات واسعة استهدفت قيادات بارزة من الصفوف الأول والثاني والثالث، لم تتمكن من تحقيق اختراق حقيقي على الأرض، وهو ما يعزز قلقها من الاشتباك المباشر مع قوات حزب الله.


وبحسب هديب، فإن هذا التخوف يعود إلى العقيدة القتالية الصارمة لحزب الله، وقدرته على إعادة تنظيم صفوفه سريعاً، ما أذهل إسرائيل التي كانت تعتقد أن اغتيالاتها الواسعة ستضعف الحزب، غير أن الأخير برهن على استعداده للمواجهة وقدرته على تفعيل خططه العسكرية التي كانت قد وضعت في عهد الشهيد حسن نصر الله، لتكون موجهة نحو مواجهات قادمة.


تباين واضح بين ساحتي لبنان وغزة


وعند الحديث عن الساحة اللبنانية، يرى هديب أن هناك تبايناً واضحاً بين ساحة لبنان وساحة غزة، وكذلك الساحتين اليمنية والعراقية، فبينما تنظر الأطراف اللبنانية إلى حزب الله من زاوية طائفية وسياسية، وتعتبره قوة غير ضرورية نظراً لعدم وجود أراض لبنانية محتلة من قبل إسرائيل، تختلف هذه النظرة في غزة التي تعتبر ساحة مقاومة مباشرة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونتيجة لهذه النظرة، يُنظر إلى سلاح حزب الله كعائق أمام استقرار لبنان، ويجري الدفع نحو تحجيم نفوذه كخطوة لتحقيق استقرار سياسي شامل وإعادة بناء الدولة اللبنانية بما يتفق مع الخطط الإقليمية للشرق الأوسط الجديد كما تعتقد بعض القوى اللبنانية ودول الاقليم.


وفيما يتعلق بتثبيت الاتفاق المقترح، يؤكد هديب أن السؤال الأساسي يكمن في مدى استعداد حزب الله لقبول الشروط الأمريكية، والتي تتضمن مطالب تعتبر بمثابة "استسلام" للحزب أمام إسرائيل، بما في ذلك تخلي الحزب عن سلاحه ووقف عملياته العسكرية. وبرأي هديب، فإن هذه الشروط تحمل طابعاً مستفزاً للشعوب العربية والمتطلعين إلى الحرية، ما يجعل احتمال موافقة حزب الله عليها ضعيفاً.


أما فيما يتعلق بتأثير أي اتفاق محتمل على قطاع غزة، يرى هديب أن تأثيره سيكون محدوداً؛ إذ إن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة حققت أهدافها المعلنة والسرية، بما في ذلك دفع الفلسطينيين للتفكير في الهجرة عبر سياسات الضغط وإعادة الفلسطينيين عقود إلى الوراء، بهدف إضعاف مقاومته ودفعه نحو التخلي عن حقوقه.


وحدة وطنية وحكومة توافق


ويلفت هديب إلى أن الحاجة الملحة تكمن في وقف إطلاق النار وتفعيل مفاوضات لتبادل الأسرى، فيما يرى هديب أن المرحلة المقبلة تتطلب تشكيل حكومة توافقية فلسطينية تجمع الأطراف المختلفة، بما ينسجم مع رؤى إقليمية ودولية، ويمثل خطوة نحو ترتيب الأولويات وإعادة تنظيم الأوراق الفلسطينية وفقاً لأولويات وطنية واضحة. 


ويؤكد هديب أن الشعب الفلسطيني الذي عاش في غزة على مدى 17 عاما في حالة من التيه والضياع بفعل الانقسام والحصار، يحتاج اليوم إلى وحدة حقيقية بين كافه فصائل العمل الوطني والإسلامي، والاتفاق على استراتيجية ثابتة وبرامج واضحة، مع تحقيق قيادة وطنية تعمل على تحقيق تلك الاستراتيجيات والبرامج، من أجل مواجهة التحديات المقبلة.


إدارة بايدن تسعى لإظهار نفسها بمظهر الداعية للاستقرار


يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن التحركات الأمريكية المكثفة حالياً لتحقيق مسار سياسي أو دبلوماسي، أو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، تأتي كنتيجة مباشرة لحاجة الولايات المتحدة للتهدئة في المنطقة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 


ويرى بشارات أن إدارة بايدن تسعى إلى إظهار نفسها بمظهر القوة الداعية للاستقرار، خاصة في هذه الفترة الانتخابية الحساسة، وذلك لتقديم الحزب الديمقراطي في صورة قوية يمكن أن تنهي الصراعات، الأمر الذي قد يعزز فرص كامالا هاريس، المرشحة المتوقعة للحزب الديمقراطي في الانتخابات، إذا فازت بها. 


ويعتقد بشارات أن هذا التوجه يعكس مخاوف داخلية أمريكية متزايدة من امتداد الحرب في المنطقة وتأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى انعكاساتها على استقرار الولايات المتحدة، مما يجعل تخفيف التوترات ضرورة انتخابية مرحلية.


ويشير بشارات إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتقاطعان في المصالح والأهداف، حيث تتلاعبان بالمسارات والمواقف لتثبيت استراتيجية فصل الساحات، بحيث يتم تفريق المسار بين ما يحدث في قطاع غزة وما يجري على الحدود الشمالية مع لبنان. 


ويرى بشارات أن إسرائيل حاولت تحقيق هذا الفصل بالقوة العسكرية عبر الضغط المتواصل، لكنها تتجه الآن إلى المسار السياسي والدبلوماسي لتحقيق أهدافها ذاتها، في محاولة لإبراز ما أنجزته عسكريًا كقاعدة يمكن البناء عليها في الحلول السياسية. 


ويشير بشارات إلى أن تل أبيب وواشنطن ترغبان في خلق ضغط داخلي لبناني ضد حزب الله، بحيث تؤدي هذه الضغوط إلى فرض مسار سياسي منفصل للجبهة اللبنانية عن مسار غزة. 


ويعتقد بشارات أن الهدف من هذه الضغوط هو التأثير على مواقف حزب الله والحد من استمراريته في المواجهة، وإضعاف موقفه بالضغط على بيئته الداخلية لفرض حل سياسي بعيدًا عن مسار المقاومة الفلسطينية.


ويوضح بشارات أن هذا التوجه يأتي بالتوازي مع سعي نتنياهو لتوحيد الصف الإسرائيلي داخلياً، حيث يهدف إلى إبراز أهداف ومكاسب في ظل الضغوط المتزايدة والانتقادات الداخلية ضد جدوى الحرب وتكاليفها. 


ووفقًا لبشارات، فإن إسرائيل تواجه تكاليف باهظة على مستوى الخسائر البشرية بين جنودها، إضافة إلى عدم استقرار الجبهة الداخلية بفعل الهجمات الصاروخية المتواصلة والطائرات المسيّرة، مما يخلق حالة من الذعر والخوف لدى الإسرائيليين، وهو ما دفع نتنياهو لتسويق الحرب كضرورة للحفاظ على الأمن الداخلي.


ويبين بشارات أن هناك حاجة أمريكية وإسرائيلية ملحّة في هذا التوقيت لتحقيق توازن بين الحراك العسكري والمكاسب السياسية، خاصة بعد تصعيد الوضع مع لبنان وتصاعد التهديدات، ويعتقد أن الولايات المتحدة تضع أهدافها في تحقيق مسار دبلوماسي يسهم في تهدئة الأوضاع مع الحفاظ على المكتسبات الإسرائيلية. 


إسرائيل تسعى لـ"قوننة" تدخلها في الشأن اللبناني

ويرى بشارات أن إسرائيل تسعى لاستغلال الوضع الراهن في لبنان وقطاع غزة لتحقيق اتفاقات تقونن من خلالها تدخلها في الشأن اللبناني الداخلي، وهو ما يشمل فرض رقابة على حزب الله والتدخل في تزويده بالسلاح، عبر ضغوط قد تصل إلى إحداث ترتيبات أمنية جديدة بمشاركة ضباط أمريكيين لمراقبة الأوضاع هناك.


ويشير بشارات إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان على تشكيل حالة حصار على الداخل اللبناني بما يتجاوز الالتزام ببنود قرار مجلس الأمن رقم 1701، حيث يتخطى ذلك الأهداف السياسية إلى محاولة فرض وقائع جديدة على الأرض تعزز من نفوذ إسرائيل وتحافظ على أهدافها الأمنية، دون النظر إلى احتياجات لبنان. 


ويلفت بشارات إلى أن الطروحات المقدمة من قبل أمريكا، وإن بدت كمساعٍ للسلام، فهي تذكر بما طرح سابقاً على المقاومة الفلسطينية في غزة، والذي كان يهدف إلى منح إسرائيل غطاءً شرعيًا لاستمرار الحرب، وإن لم تؤدِ إلى أهداف ملموسة.


ويرى بشارات أن الطروحات الأمريكية الإسرائيلية الحالية تحاول استغلال المرحلة الحرجة في لبنان وغزة لفرض اتفاقيات تعزز الهيمنة الإسرائيلية دون الالتفات إلى الاحتياجات الحقيقية للشعبين اللبناني والفلسطيني، مؤكداً أن المقاومة لا تزال صامدة بالرغم من الخسائر، وأن الجيش الإسرائيلي ما زال يواجه تحديات وخسائر كبيرة بشرياً ومادياً على جبهات القتال.

دلالات

شارك برأيك

فصل الساحات كشرط لوقف الحرب على الشمال.. محاولة لتحقيق إنجازات تُعوّض تقدّم الدبابات

المزيد في عربي ودولي

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)