أقلام وأراء

الخميس 12 سبتمبر 2024 12:43 مساءً - بتوقيت القدس

المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 5 سبتمبر 2024، عن تسليم مساعدات إنسانية كبيرة تعذر إيصالها إلى غزة عبر ميناء أسدود في إسرائيل، بما يقارب 17 ألف طن، وهو أكبر حجم مساعدات إنسانية يقدمها الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط.


 ومع ذلك، أكدت المنظمات الدولية أن هذه المساعدات لا تكفي لتلبية احتياجات غزة التي تعاني من حصار طويل الأمد. وفي 7 سبتمبر 2024، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بريلو، عن وصول 3114 طناً من المساعدات إلى حوالي 300 ألف شخص في السودان.


ما يلفت النظر في هذه الجهود الإنسانية الأمريكية هو توقيتها وسياقها السياسي، حيث تسعى الإدارة الأمريكية من خلال تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة والسودان، قبل انتخابات نوفمبر 2024، إلى تعزيز صورتها كمدافعة عن القيم الإنسانية، وصاحبة سياسة خارجية متوازنة. 


وبينما تحاول الإدارة الديمقراطية أن تُبرز هذا الجهد كدليل على قدرتها على تحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين، فإنه في الحقيقة يمثل محاولة لاحتواء الانتقادات الموجهة إليها من الداخل والخارج، دون تغيير فعلي في سياساتها تجاه الحرب في غزة، في سياق الأجندة الانتخابية.


على الجانب الآخر، تبرز تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة بشأن تقديم عرض نهائي لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، مع التهديد بأن رفض هذا العرض سيعني انتهاء المفاوضات تحت قيادة واشنطن، كدليل على النهج الأمريكي المستمر في التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، والتضليل بشأن دورها وقدراتها الفعلية، وتشجيع الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة جرائمه. حيث توحي هذه التصريحات بضغط غير مباشر على الفلسطينيين لقبول ما قد يكون عرضاً غير منصف، مع إبقاء الغطاء على الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في غزة.


مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، يبقى الفلسطينيون في مواجهة واقع صعب يتطلب وحدة وطنية واستراتيجية نضالية موحدة. حيث أن الوحدة الوطنية ليست ترفاً اختيارياً أو مجرد ضرورة، بل هي حتمية وركيزة أساسية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، خصوصاً في ظل الظروف الشديدة التعقيد التي يدركها كل فلسطيني، من الطفل إلى الكهل. وأي فصيل، مهما كان توجهه أو لونه، يتعمد تجاهل هذه الحقيقة ويعتمد على تحالفات هنا وهناك، مهما كان حجمها أو قوتها، أو يربط نفسه بأجندات خارجية، متناقضة مع المصلحة الوطنية، لن يضمن استمراريته وبقائه، وتاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة مليء بالدروس والعبر التي تؤكد هذه الحقيقة.


لا يمكن إغفال البعد السياسي الذي يوجه المساعدات الأمريكية، وأن إنهاء حرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة والقدس، لن يتحقق إلا من خلال تغيير جوهري في السياسات الأمريكية، وليس عبر تحركات مؤقتة تهدف فقط إلى تحسين صورة الإدارة الأمريكية قبيل الانتخابات. وهذا يتطلب استراتيجية ضغط فلسطينية-عربية-دولية موحدة على الولايات المتحدة، التي تدعم الإرهاب الإسرائيلي في المنطقة. 


من الواضح أن الولايات المتحدة تمارس دوراً مركزياً في دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، مستغلة نفوذها في الساحة الدولية لضمان استمرار هذا الدعم دون مساءلة. وعليه، فإن أي تغيير حقيقي في هذا النهج يستوجب بناء تحالفات دولية فعّالة وإطلاق حملات ضغط دبلوماسية وشعبية مؤثرة تستهدف المصالح الأمريكية، بما فيها الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يُظهر بوادر تحول تدريجي تجاه القضية الفلسطينية. 


إن الرهان على التغيير من الداخل الأمريكي يجب أن يكون جزءاً أساسياً من الاستراتيجية، كون التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث إلا من خلال القوة الشعبية. كما أن الاستمرار في تعزيز الوعي العالمي بممارسات الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان يلعب دوراً حاسماً في خلق بيئة ضاغطة على الولايات المتحدة لتغيير موقفها. فالإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتقارير الحقوقية الدولية، تعد أدوات قوية في كشف الحقيقة وتحفيز الرأي العام العالمي على تبني مواقف أكثر دعماً للفلسطينيين. ومن الضروري أيضاً توظيف التحولات في النظام العالمي، مع تصاعد قوة قوى إقليمية ودولية جديدة، لخلق توازن في القوى، ما يقلل من احتكار الولايات المتحدة للقرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.


في النهاية، لا بد من إدراك أن التغيير لن يكون سريعاً أو سهلاً، ولكنه يتطلب عملاً منسقاً ومستمراً بين كافة الأطياف الفلسطينية وكافة الأطراف المعنية لتحقيق ضغط فعلي ومستدام على الولايات المتحدة بغض النظر عن لون الإدارة الأمريكية القادمة، بما يساهم في إنهاء الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.


...................

تسعى الإدارة الأمريكية من خلال تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة والسودان، قبل انتخابات نوفمبر 2024، إلى تعزيز صورتها كمدافعة عن القيم الإنسانية، وصاحبة سياسة خارجية متوازنة.

دلالات

شارك برأيك

المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي

المزيد في أقلام وأراء

يُقتلون وهم يَلعبون!

المياه حق للجميع ….معاً وسوياً حتى نحصل على حقنا في المياه

في التأصيل للفلسطينية Palestinism

إياد البرغوثي

زيتون فلسطين يعانق أرز لبنان ‬

حديث القدس

فلسطين في مواجهة المستعمرة

إسرائيل تدق مسماراً قاتلاً فى نعش "الأونروا"

سامي مشعشع

طوفان الأقصى" وما أعقبه من تداعيات على المنطقة العربية

كريستين حنا نصر

النيكروبوليتيكس والأهداف الجيوسياسية.. أداة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية

مروان أميل طوباسي

المقاطع الوحشية المصورة لعمليات التعذيب بحق المعتقلين

سري القدوة

الصين والشرق الأوسط الجديد.. من طريق الحرير لطريق الحزام والأمان

دلال صائب عريقات ‏

الإصلاح الوطني وهندسة النظام السياسي

فهمي الزعارير

"ثورة الذكاء الاصطناعي تعيد الأمل: أول جهاز عصبي يتيح لانسلن مصاب " بالشلل" استعادة الحركة والإحساس"

في عصر الذكاء الاصطناعي: هل كلنا سواء؟

أُبيدت عائلات ومُحيت أجيال!

عدوان في كل مكان

حديث القدس

إسرائيل.. نهج "النحر الجماعي" مؤداه "الانتحار الذاتي"!

أسعد عبد الرحمن

شمال غزة.. جوع ومجازر وحصار

بهاء رحال

ما يجري في قطاع غزة جزء من خطة إبادة جماعية

سري القدوة

سبعُ نقاط في فهم الغُلوّ الصهيوني

بكر أبو بكر

هل اقترب وقف إطلاق النار؟

جواد العناني

أسعار العملات

الأحد 06 أكتوبر 2024 12:55 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.82

شراء 3.8

دينار / شيكل

بيع 5.39

شراء 5.37

يورو / شيكل

بيع 4.19

شراء 4.17

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%17

%83

(مجموع المصوتين 376)