أقلام وأراء
الخميس 25 يناير 2024 10:05 صباحًا - بتوقيت القدس
الوجود المسيحي المشرقي حلقة موصولة منذ القرون الأولى للميلاد
ترأس المطران خريستوفوس عطالله في مدينة البتراء الوردية قداساً إلهياً أقيم يوم الإثنين 22/1/2024 بعد انقطاع دام ألف وخمسمائة عام وذلك في أكبر كنائس البتراء الأثرية وهي كنيسة بترا الرومية التي بنيت في العام ٤٥٠ ميلادية، رابطاً بكلمته ذلك التاريخ القديم بالعصر الحديث، ومشيرا إلى الإرتباط العضوي غير المنقطع بين كنيسة القرن الحادي والعشرين وكنيسة القرن الأول الميلادي والتي تأسست يوم عيد العنصرة في القدس، وهذا مهم في إعادة كتابة التاريخ المشرقي بشكل موضوعي حيث غُيّب التاريخ المسيحي مدة سبعة قرون وكأن المسيحي المشرقي ابن هذه البلاد (قرامي البلاد) قد أصبح غريباً أو متغرّبا عن بلاد آبائه وأجداده أبناء هذه البلاد المقدسة.
أهمية استعراض هذا التاريخ في هذا الوقت بالذات هام للغاية للدلالة على أنَّ المسيحية هي مشرقية المنشأ بإمتياز، فمِن بلادنا المقدسة نشأت المسيحية، إذ تمّت البشارة في الناصرة، وميلاد المسيح في بيت لحم، ودرب الآلام والجلجثة والقيامة في القدس، والمعمودية في نهر الأردن حيث ابتدأ السيد المسيح رسالته بنشر إنجيل المحبة والسلام. فالمسيحية لم تكن أبداً بضاعة مستوردة بل مشرقية المنشأ، ومن بلادنا المقدسة انتشرت للعالم أجمع بقيمها الدينية والروحية والأخلاقية وأصالة تعاليمها المرتكزة على تعاليم السيد المسيح والرسل الأطهار.
ومنذ العام ٣٣ جلس على كرسي أبرشية القدس القديس يعقوب، وكان قد ألقي به من أعلى الهيكل ليَلقى حتفه في خطوة لمحاربة المسيحية في مهدها. وهكذا تغمسّت الكنيسة بالدم منذ نشأتها بسبب الإضطهاد الذي تعرّض له أسلافُنا المسيحيين الأوائل من قبل السلطات الرومانية واليهودية، فشكلّت دماءهم بذار الكنيسة الحيّة التي حملت رسالتها بكل أمانة وإخلاص في سبيل معلمها وسيدها يسوع المسيح وإلى العالم أجمع، فالمسيح بعد صعوده إلى السماء أرسل لهم الروح القدس ليقوّيهم ويثبتهم ويحوِّل خوفَهم وضعفَهم إلى قوةٍ وشهادةٍ حتى الموت في سبيل حمل رسالة المسيح، تماما كما كتب القديس بولس،"الذي لأجله خسرت كل الأِشياء وحسبتها نفاية".
فالكنيسة المسيحية تعرّضت منذ نشأتها لإضطهادات قاسية وإرهاصات بشعة دامت ثلاثة قرون ذهب ضحيتها مئات الألوف من المسيحيين الأوائل المؤمنين والمخلصين لتعاليم السيد المسيح والكنيسة، حيث وفي محاولة لطمس معاليم المسيحية أمر الإمبراطور الروماني الوثني أندريانوس في العام ١٣٤ ميلادية ببناء المعابد فوق كل الأماكن المرتبطة بحياة السيد المسيح، مثل تل الجلجلة، القبر الخلاصي، مغارة الميلاد وغيرها الكثير من الأماكن في محاولة بائسة لمحق المسيحية وكل ما تعلّق بها.
واستمَّر الحالُ كذلكَ حتى سنة ٣١٢ ميلادية حيث وبإلحاحٍ من القديسة الإمبراطورة هيلانة وافق ابنها الإمبراطور قسطنطين أن يكُّفَ عن اضطهاد المسيحية وأتباعَها، وأن يسمح بحرية الديانات، فوافق على ذلك واعتنق هو نفسه المسيحية واعتمد بسبب والدته القديسه هيلانة، فكان ذلك نقطة تحول في تاريخ الإمبراطورية الرومانية والتي تحولت إلى ما أصبح يعرف بالإمبراطورية الرومية (الروم الأرثوذكس)، ومنذ ذلك التاريخ بدأ إزدهار بناء الكنائس داخل الأمبراطورية الرومية وتوسّعت المسيحية وانتشرت شرقا وغربا.
وفي ذلك الوقت كانت كنيسة القدس أبرشية صغيرة تابعة لمتربوليتية قيصرية فلسطين، وفي العام ٤٣١ قام أسقف المدينة المقدسة يوفيناريوس بتقديم طلب إلى المجمع المسكوني الثالث لتصبح أبرشية القدس بطريركية مع توَسُّعِ تخومها، فرُفض طلبه، ولكن في المجمع المسكوني الرابع (في خلقدون) سنة ٤٥١ ميلادية تمت الموافقة على طلبه، فتحولت أبرشية القدس إبتداء من العام ٤٥١ ميلادية إلى عصرنا الحاضر إلى البطريركية المقدسية. وكانت فلسطين آنذاك تعرف: بفلسطين الأولى وعاصمتها قيصرية فلسطين، وفلسطين الثانية وعاصمتها بيسان، وأما فلسطين الثالثة فكانت عاصمتها البتراء وكانت ميتروبوليتيه ويتبع لها سبع أبرشيات، ولكنها كانت تابعة إداريا للقدس.
وارتبطت البتراء بحياة القديس بولس الرسول حيث عاش هناك وكرز وبشّر، وكذلك الكثير من المسيحيين القديسين عاشوا في تخومها وفي مغرها وكهوفها، وأثروا بحياتهم بناءَ الحضارةِ الرومية الجديدة والتي سُمِّيت لاحقاٌ بالبيزنطية. ففي كل بقعة في بلادنا المقدسة هناك آثارات كنائس وأديرة، فمثلا في البتراء وحدها ما تمّ اكتشافه لتاريخ اليوم هو عشرة كنائس.
ولكنَّ نكسة أخرى حلّت بالمسيحية المشرقية وبالتحديد بالكنيسة الرومية إذ تعرّضت البلاد للدمار من قبل الفرس سنة ٦١٤ ميلادية، فتَّمَ التنكيل بالمسيحيين، وبوشاية من اليهود تم قتل الآلاف المؤلفة من الرهبان والنساك الذين جماجمهم ما زالت موجودة في دير مار سابا بفلسطين.
ولكن ومع مجيء الإسلام أصَّرَ بطريرك المدينة المقدسة صفرونيوس على استقباله شخصيا الخليفةَ الفاروق عمر بن الخطاب في العام ٦٣٨ ميلادية، ليسلِّمَه مفاتيح المدينة المقدسة، وهناك في دير الكنيسة على جبل الزيتون تم صك العُهدة العمرية، وبدأت مرحلة جديدة في بناء حضارة مشرقية عربية مشتركة منذ الف وأربعمائة سنة وإلى يومنا هذا، حيث حبانا الله قيادة هاشمية مباركة وتحت ظل جلالة مليكنا عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم برعايته ووصايته الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس
وسيبقى هذا التاريخ العريق على امتداد ألفي عام، وهذه الحِجارة الأثرية التي تحمل إرثاً وتاريخا وحضارة، يتكلم وينطقُ بما طوته صفحات كثيرة. ومن الأهمية بمكان أن لا يُغفل عنه أو أنْ يتِّمَ طمسُه لأنه إرثٌ مشرقي تاريخي وحضاري وإنساني وروحي تنبضُ به حجارة بلادنا المقدسة حتى يومنا هذا.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
هآرتس: نتنياهو أحبط 3 مرات التوصل لصفقة "الرهائن"
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
الوجود المسيحي المشرقي حلقة موصولة منذ القرون الأولى للميلاد