طوفان حماس.. مقاربات مفصولة عن الواقع
الجمعة 28 يونيو 2024 5:52 صباحًا - بتوقيت القدس
بين ما أعلنته حماس يوم 7 أكتوبر 2023، وما تطالب به الآن بوقف إطلاق النار، في ظل حرب الإبادة التي استهدفت أهل غزة، تختلف المقاربات في تقييم الواقع والوقائع، انطلاقا مما آلت إليه الأمور في غزة وفي الضفة الغربية على ضوء المعطيات الملموسة، ومن ثم النتائج التي قررتها المقدمات التي نتجت عن رد الفعل الصهيوني على عملية طوفان الأقصى.
وربما فات البعض مقارنة أهداف طوفان الأقصى بأهداف اليوم التي تتمحور في طلب وقف إطلاق النار، في حين أن الشروع في عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس لتحرير المسجد الأقصى كانت البداية، التي يعيش أهل غزة والضفة حتى الآن تبعات رد فعل الكيان الصهيوني عليها.
لكن يبدو أن أهداف عملية طوفان الأقصى قد تناساها البعض عن عمد جراء صدمة حرب الإبادة على غزة؛ التي كانت محصلتها بعد 264 يوميا، أكثر من 116 ألفا بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، قلبت حياة الغزيين رأسا على عقب، وهم الذين ظنوا أن عملية الطوفان لن يكون مسرحها النهائي قطاع غزة، الذي دمر الكيان الصهيوني بنيته التحتية ومدنه وكل مرافقه. ليعود سكان القطاع إلى سكنى الخيام.
وللتذكير فإن أهداف الطوفان التي أعلنها قائد كتائب القسام محمد الضيف، وأكد عليها إسماعيل هنية رئيس حماس يوم 7أكتوبر، تقول بشكل واضح، إن حديث البدايات يختلف بشكل جذري عن حديث ما بعد حرب الإبادة التي استهدفت أهل غزة، هذه الاستدارة تشير إلى أن حماس فاجأتها نتائج عملية الطوفان لجهة خسائر العدو، ثم فاجأها توحش رد الفعل الذي استهدف قطاع غزة عندما بدأ حرب إبادة ضد المدنيين ـ باعتبارهم هدفا يجب تصفيته. وكان قائد القسام عندما أعلن "بدء عملية “طوفان الأقصى”، قد قال إنها تأتي في سياق الرد على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأٌقصى".
فالطوفان هو رد على تدنيس العدو “المسجد الأقصى وتجرأ على مسرى الرسول محمد، واعتدوا على المرابطات، وسبق وأن حذرناه من قبل”. ومن ثم كان سلوك العدو هو وراء قرار قيادة القسام" وضع حد لكل جرائم الاحتلال، “وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب”.
ومن الواضح من حديث قائد القسام أن الطوفان جاء كرد فعل على ممارسات العدو تجاه الأقصى، فيما قال إسماعيل هنية "نخوض في هذه اللحظات التاريخية ملحمة بطولية عنوانها الأقصى ومقدساتنا وأسرانا، “إذ إن سببها المركزي والأساس العدوان الصهيوني الإجرامي الذي تم على المسجد الأقصى المبارك"، وواضح أن ملحمة إسماعيل هنية كان عنوانها الأقصى، ثم تبييض السجون، كما أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم "كتائب القسام" الذي قال: "مستعدون لإنهاء ملف الأسرى وثمنه تبييض كامل السجون الإسرائيلية من كافة الأسرى الفلسطينيين".
وعلى ضوء ذلك فإن عملية طوفان الأقصى كان هدفها هو وضع حد لانتهاك الجماعات الصهيونية المتدينة اقتحام الأقصى وتدنيسه. وهو ما شدد علية رئيس حماس عندما قال: “إن سببها المركزي والأساس العدوان الصهيوني الإجرامي الذي تم على المسجد الأقصى المبارك، وبلغ ذروته خلال الأيام الماضية، حيث قام الآلاف من المستوطنين المجرمين الفاشيين بتدنيس مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا التحديد الواضح لهدف عملية الطوفان، يشير إلى أن عملية طوفان الأقصى لم تكن مشروع تحرير وكنس للاحتلال من فلسطين. وإنما هي مبادرة حمساوية للرد على انتهاكات الاحتلال للمسجد الأقصى وممارساته ضد الفلسطينيين، إذن جاء إعلان حماس ليقول إن سلوك الاحتلال المجافي هو سبب الطوفان، فيما تناست حماس أنه لو لم يكن هناك احتلال لما دُنس الأقصى أو مورس القمع والاضطهاد للفلسطينيين، وبلغة أوضح فإن التدنيس والاضطهاد هو نتيجة للسبب الأساس الذي هو الاحتلال.
المفارقة أنه في الوقت الذي كانت فيه حماس تعد بتحرير الأقصى ووضع حد لممارسات الكيان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس، كان جيش الاحتلال يدمر غزة ، فيما لجأت حماس للأنفاق وتركت أهل غزة يواجهون مصيرهم في مواجهة انتقام العدو بعد زلزال طوفان الأقصى، بأن شهد قطاع غزة عودة جيش الاحتلال إلى كل مناطق القطاع، ليعيش سكان غزة نكبة جديدة غير مسبوقة.
بشاعة ما جري من حرب إبادة طالت كل شيء في القطاع، حركت الضمير العالمي الذي صدمه التوحش الذي مارسه الكيان ضد أهل غزة، عندما استهدف كل مقومات الحياة في القطاع فجعلت غزة كومة من الركام، التي وصفتها مؤسسات أممية وحقوقية أنها حرب إبادة موصوفة، هذه الجريمة مكتملة الأركان جعلت القضية الفلسطينية تطفو على السطح في بعديها الإنساني والسياسي نتيجة حرب الإبادة على أهل غزة، وليس بسبب طوفان الأقصى إلا إذا اعتبرنا أن الطوفان كان سببا مباشرا لرد فعل العدو باستدراجه إلى غزة ليمارس تلك الوحشية غير المسبوقة.
ومع ذلك يبدو أنه فات من ينسب فضل عودة القضية الفلسطينية على أجندة شعوب ودول العالم لطوفان الأقصى، أن المقاربات المطروحة لاجتراح حل سياسي لا تتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية تحرير وعودة، وإنما في سياق إقامة كيان ناقص السيادة وضمن اشتراطات أمن الكيان الصهيوني، وهذا لن يكون مستغربا إذا ما عرفنا أن من يتولى دور العراب في هذا المسار هو الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت لاعبا مقررا في المسألة الفلسطينية بالاتفاق مع بعض الدول العربية بعد الطوفان، عبر هندسة مستقبل غزة بعد الحرب لضمان دمج الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة.
لكن مأساة أهل غزة هي في هؤلاء الذين يقلبون حقائق وضع غزة الكارثي بهذا الشكل الصادم، عندما يسمون الأشياء بغير أسمائها ويتاجرون بنكبتهاـ فيعتبرون الموت جوعا أو حرقا أو جراء هدم البيوت على رؤوس ساكنيها صمودا فتلك مسألة لها علاقة بالنزاهة في بعديها الفكري والسياسي سقط فيها أولئك الذين لا يقاربون واقع أهل غزة، كما هو، ويصرون على خلط المفاهيم ، فتصبح محرقة غزة صمودا، وكأن أهل غزة كان لديهم خيارات أخرى، فيما هم سجناء هذا المعتقل الكبير مقفل الأبواب، منذ انقلاب حماس وتصفية وجود السلطة الفلسطينية يونيو 2007.
وإنه لمؤسف أنه في ظل حرب الإبادة على غزة وما يجري في الضفة من حرب حقيقية واستباحة الأقصى وكل مدن الضفة ثم يأتي خالد مشعل رئيس حماس الخارج ليرسم مشهدا للضفة وغزة فيه تجني على الوقائع كون ما يقوله لا يعدو أن يكون صورة ذهنية لدية وجماعته فقط، عندما يقول: إن "طوفان الأقصى غير كل عناصر المشهد التي كانت في حالة سكون وموات، فالعدو قبل السابع من أكتوبر كان يعمل على تطبيق أجندته خاصة في الضفة الغربية والقدس، وتطبيق رؤيته الصهيونية، فضلًا عن خنق غزة وتحويلها لسجن كبير وموت بطيء"، ليكون السؤال إذن ما الذي جرى ويجري في غزة، أليست محرقة مستمرة وسجن كبير، جعلت من غزة مكانا لا يصلح للعيش حسب تقارير الأمم المتحدة، فيما الضفة، تواجه سياسية التقطيع والاستيلاء على الأراضي ضمن سياسية الضم التدريجي للضفة ومن استباحة للأقصى، ومع ذلك هناك من لا يريد أن يرى الحقائق كونه يعيش حالة وهم تجعل خطابه يتناقض حد النفي مع ما يجري في الضفة ويتعرض له المسجد الأقصى، لكن ربما يكون صحيحا قول خالد مشعل إن الطوفان قد غير عناصر المشهد، ولكنه للأسف تغيير باتجاه ما هو أسوأ.
ثم يأتي إسماعيل هنية ليقول إن "عملية طوفان الأقصى حققت نتائج استراتيجية، بإعادة القضية الفلسطينية لمكانتها، واحتلالها مجددا الأجندات الإقليمية والدولية، لكن هذا الاستخلاص معطوب، كون من وضع فلسطين في مركز اهتمام العالم هو جرائم العدو الصهيوني في عزة، فيما الولايات المتحدة عدو الشعب الفلسطيني هي التي ستتولى ما يسمى بمشروع حل الدولتين، بما يعنيه ذلك من أنه تغيير نحو الأسوأ، وتبلغ المغالطات ذروتها عندما ينسب هنية للطوفان ما سماه "إعادة توحيد الأمة على فلسطين وقضيتها بشكل جامع، في وقت يعاني الاحتلال من تصدعات داخلية ستستمر حتى زواله. هذا الاستخلاص يدل على انفصال أصحابه عن الواقع، لأنه ما من دولة مطبعة مع الكيان قررت الانتصار لغزة بقطع علاقاتها معه، بل إن هناك استعداد للتطبيع من قبل المملكة السعودية , فيما قررت أندونيسيا أكبر دولة إسلامية تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني أثناء الحرب على غزة، ليكون السؤال هو: أين هذا التوحيد للأمة الإسلامية؟ وهل كان للمحرقة أن تستمر لو كانت هناك إرادة عربية أو إسلامية الانتصار لغزة وأهلها وللضفة وقدسها وأقصاها؟ ثم هل يصدق هنية ما يقوله؟ إذا كان كذلك، أليس الأولى أن تتوحد حماس وفتح على فلسطين قبل ذلك؟
إن مثل الخطاب غير الصادق هو بمثابة لي لعنق الوقائع نتيجة قراءة إرادوية هي نقيض للواقع، وهذا يعكس حالة التشوه الفكري والسياسي في الحالة الفلسطينية لا تبعث على الاطمئنان، ليكون السؤال كيف يمكن لأصحاب مثل هذه الذهنية أن يتحكموا في مصير شعب؟
إن أجندة أهداف حماس من الطوفان بدلا من تحرير الأقصى وكف يد الاحتلال في الضفة وتبييض السجون، بات هو وقف حربه على غزة, وسحب قواته من القطاع بعد سيطرته عليه وعودة النازحين، الذين هجروا ودمرت منازلهم، ثم الإغاثة وإعادة الإعمار، وتبادل أسرى حقيقي عوض تبييض السجون.
ويبقى دم ضحايا غزة ومصابيها لعنة تطارد من كان السبب، في ظل تهافت منطق حماس التي تقول إن دم الضحايا هو ثمن التحرير، وهو تحرير وهمي يسكن مخيلة من يقول به، في حين أن وضع غزة سيكون أسوأ مما كان عليه قبل 7 أكتوبر، فيما الضفة تعيش حالة حرب حقيقية جراء تغول جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه .. وفي ظني ستبقى دونكوشتية البعض تصور له أنه حقق انتصارات فيما الواقع يقول كلا.. مع أن الكيان يعيش مأزقا وجوديا ارتباطا بأزمته البنيوية التي ترافقه منذ زرعه في فلسطين، وليس بسبب طوفان حماس.
إقرأ المزيد لـ سليم يونس ...
الأكثر تعليقاً
محدث:: إحراق منزلين و3 مركبات ومحلاً تجارياً وهدم منشأتين في نابلس
استشهاد مسن بعد اعتداء قوات الاحتلال عليه جنوب نابلس
ترمب يهدد "حماس" في حال لم تطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين
اختتام فعالية تحكيم المرحلة الثالثة من مسابقة "ماراثون القراءة الفلسطيني الأول" في الخليل
مصطفى: يجب تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بوقف العدوان وتأمين المساعدات
هل أتاك حديث الجنود؟
يرجى الانتباه.. "الإعصار" يقترب!
الأكثر قراءة
وزير الخارجية الإسرائيلي: مؤشرات على تقدم صفقة الأسرى ومرونة من حماس
حماس تعلن مقتل 33 أسيرا إسرائيليا وتوجه رسالة لنتنياهو
قصف مكثف للاحتلال على غزة وخان يونس يوقع 7 شهداء وعدد من الجرحى
بدء اجتماع حماس ومسؤولين مصريين في القاهرة
الاحتلال الإسرائيلي يغتال 4 شبان قرب جنين
المرسوم الرئاسي.. حاجة دستورية أم مناكفة سياسية؟
هجوم هيئة تحرير الشام على حلب نسقته إدارة بايدن مع إسرائيل وتركيا
أسعار العملات
الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.13
شراء 5.11
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 177)