عندما نفكر في التعليم ، عادة ما تتبادر إلى الذهن البيروقراطية وهرمية العمل وصور تقليدية نمطية للمدارس والجامعات، وغالبًا ما نستحضر صورة السبورة والطلبة والمعلمين، صور لمؤسسات التعلم التقليدية مبنية على الهيمنة والسلطة والتي تحد من امكانية الابداع والتفكير والتحليل، حيث يتم التأكيد على الكلمات بدل الحقائق والأفكار، مع التركيز على المنطق بدلاً من العاطفة، في الواقع ، الاعتقاد السائد بين المعلمين على أن الطلبة يستفيدون من المزيد من طرائق التعليم التقليدية التي يتم تدريسها اكثر من المشاركة والحوار. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه من الأسهل على الطلاب فهم ما يتم تدريسه عندما يتم تنظيم المادة حتى يتمكنوا من حفظها وفهمها بكل خطوة بوضوح، ثم يتم تقييم الطلاب بناء على حفظهم للمواد، كما يوضح ذلك المفكر البرازيلي فريري (1968) في كتابه تعليم المقهورين :ان ما يميز التعليم التلقيني لهجته المتعالية وعدم قدرته على احداث تغير كما ان الطلبة ينحصر دورهم في الحفظ والتذكر واعادة الجمل التي سمعوها دون ان يتعمقوا بمضمونها واطلق عليه مصطلح "التعليم البنكي" وهو إيداع المعلم-الطرف الفاعل- ما لديه في ذهن الطالب فيتلقى المعلومات ويحتفظ بها لحين الحاجة إليها وقت الاختبار؛ وعلى هذا الأساس فإن من يتم استعبادهم من البشر هم الذين يفتقرون إلى الإبداع وغياب التحول والمعرفة، وفي المفهوم البنكي للتعليم تعتبر المعرفة هنا هبة يمنحها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ضليعين في المعرفة إلى من يعتبرونهم لا يعرفون شيئاً...
ويقدم فريري بديل للتعليم البنكي ويشدد على ضرورة التعليم بإنسانية و توعية التلاميذ بأنفسهم ومقدراتهم ونقلهم من المجال السلبي إلى المجال الفاعل بحيث يستطيع الفرد التعبير عن نفسه بحرية وبشجاعة، وقوة والتفكير بشكل ناقد، بدلا من الخضوع لتعليمات الاخرين وتقليل من قيمتهم وافكارهم، بل من خلال الحوار الدائم مع الاخر والتحليل النقدي ومن خلال التعليم التحرري نوفر مكان للحرية ولفهم الذات وللقدرات وهو نظام جديد اطلق عليه فريري "حل المشكلات" نظام قائم على الامل والحب والتواضع وهو نهج يضعه المعلم في التعامل مع طلابه ليمارسوا حقهم في الحصول على المعرفة فنجد عند باولو فريري ان التعليم بحب هو فكرة مركزية في عملية اكتساب المعرفة لذلك فان جوهر التطوير التربوي هو النجاح الذي ينطلق بالحب والامل لان ذلك ضروريا للحصول على التضامن والمشاركة لتغير الايديولوجيات والممارسات القمعية في التعليم العام
ان ما يميز التعليم البنكي عن تعليم بطريقة حل المشكلات :
- ان التعليم البنكي يقاوم الحوار اما تعليم حل المشاكل يعتبر الحوار امرا مهما .
- التعليم البنكي يعامل الطلاب على انهم ادوات مساعدة للتعليم ،اما التعليم الذي يعتمد عل حل المشكلات يجعلهم مفكرين فاعلين ..
- يعتمد التعليم حل المشكلات على الابداع ويحفز التفكير الواقعي والعمل الحقيقي وبالتالي فهو عمل اصيل يعتمد على صدق الكلمة ، التعليم البنكي هو تعليم يعتمد على الهيمنة يقوم المعلم بإيداع المعلومات في رؤوس الطلاب بكونه هو القائد صاحب المعرفة والعلم ليحافظ على انغماس الطلاب في ثقافة الصمت...
- التعليم البنكي هو تعليم تأتي مخرجاته في شكل قوالب منمطة ومكرّرة من البشر .. تساهم في تكريس الوضع القائم بكل مساوئه وهنّاته .. حتى لا يكاد المجتمع يتحرر من أسر تلك النماذج والصور الثابتة والمستنسخة الواحدة من الأخرى
اكد فريري على ان الحوار يساعد الطلبة على تطوير الوعي النقدي للتناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى يتمكنوا من اتخاذ اجراءات ضد من يضطهدهم ،ولا يمكن ان يحدث تعليم طرح المشاكل الا في علاقات تتسم بالمساوة والاحترام ..
في الختام لا يمكن التغيير في ظروف وحياة الطلبة دون تغيير اساليب وطرائق التعليم
فالتعليم بإنسانية عنصرا اساسيا في إرساء الديمقراطية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
شارك برأيك
أنسنة التعليم