التضليل الذي يمارسه الإعلام الغربي، وبشكل خاص الإعلام الأمريكي ضد الإسلام، والأكاذيب التي تروّجها مؤسسات ثقافية وأكاديمية كبرى، وتصب في «شيطنة» الثقافة الإسلامية، والجهل المخزي عند المجتمعات الغربية بمن فيها الكثير من نخبه ورموزه الثقافية والفكرية تجاه روح الإسلام ومعناه الإنساني والحضاري.. كل هذه المحاور وغيرها الكثير من الصور النمطية التي كرّسها المستشرقون حول الإسلام.. هي المنطلقات الأساسية التي بنى عليها إدوارد سعيد كتابه «تغطية الإسلام» الصادر قبل نحو سبعة عشر عاماً «1981»، ونقله إلى العربية في عام 2006 المترجم المصري محمد عناني.
قبل «تغطية الإسلام» كان كتابه «الاستشراق» الصادر في عام 1978 بالإنجليزية في أمريكا قد صنع دوائر جدلية متوالية في مؤسسات الفكر وحتى الأدب والنقد في الغرب؛ لا بل، حتى اليوم، يستعاد هذا الكتاب النقدي حتى الآن والذي يضع الغرب، أيضاً في خانة الجهل المطبق بالعرب والثقافتين العربية والإسلامية.
كشف مقولات الغرب وتفكيك مصطلحاته ومفاهيمه المعادية للعرب وللثقافة الإسلامية بالنسبة لإدوارد سعيد هو مشروع ثقافي، فكري، نقدي، وليس مجرد دفاع عن الإسلام كما يجري عادة اختزال مشروع البروفيسور سعيد على هذا النحو الذي يبدو عاطفياً عند البعض ممّن يتحمّس للنقدية الفكرية التي يحملها هذا المقدسي الحرّ تجاه الظواهر السلبية في الثقافة الغربية.
يرى إدوارد سعيد أن «تغطية الإسلام» هو امتداد، في بعض عناوينه لِ«الاستشراق». ولكن حقيقة مرجعيات الكتابين مختلفة، و«الاستشراق» نقطة بدايته جملة مفاهيم أوروبية أو غربية خاطئة أصبحت بمثابة بدهيات أو حقائق مناهضة للثقافة العربية، في حين نقطة بداية «تغطية الإسلام» تبدو سياسية في حادثة اختطاف الإيرانيين لرهائن أمريكيين في طهران في نوفمبر، 1979، لكن جوهر الكتاب – وروحه هي روح ثقافية، نقدية، تنسجم مع طبيعة الجدلية والنقدية أيضاً عند إدوارد سعيد.
هذان الكتابان: «تغطية الإسلام» و«الاستشراق» ومجمل عناوين إدوارد سعيد وشخصيته، وتربيته، وخيوطه الحنينية تجاه مسقط رأسه القدس، ومكان شبابه الأول في القاهرة، معروف جيداً للقارئ وبخاصة في كتابه «خارج المكان» غير أنني أردت التأكيد هنا أن مشروع إدوارد سعيد هو فكري نقدي ثقافي، وليس مجرد دفاع عن الإسلام.
إدوارد عربي مسيحي مقدسي، وما بقي منه أمريكياً لا يمنعه من أن يكون معمّداً بنور الإسلام.
بالاتفاق مع "الخليج"