أقلام وأراء
الأربعاء 14 ديسمبر 2022 10:10 صباحًا - بتوقيت القدس
إعلان عالمي لحقوق الإنسان أم إعلان غربي؟!
بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
بعد مآسٍ ومجازر إنسانيةٍ شابت القرن العشرين، دفعت فيها شعوب العالم عشرات الملايين من القتلى والجرحى والدمار في كل رقاع العالم وبخاصة أوروبا من خلال حربين عالميتين أكلت الأخضر واليابس، استفاق الضمير العالمي وبخاصة الغربي الإستعماري لفترة مؤقتة، حيث أوكل للأمم المتحدة وهي المولود الجديد، صياغة إعلان عالمي لحقوق الإنسان يمثل الحد الأدنى للبشر كافة، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو جنسهم أو اصلهم الوطني أو ثروتهم أو مولدهم أو رايهم السياسي أو اي اعتبار آخر، وهكذا كان، حيث صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 1948 ( الإعلان العالمي ).
وللأمانة العلمية، فإن هذا الإعلان العالمي على وجاهته وأهميته، استمد أفكاره وقيمه من مصدر واحد هو الفكر الغربي تحديدا، مثل الدستورين الفرنسي والأمريكي، وكتابات جون لوك البريطاني وجان جاك روسو الفرنسي. وتجاهل الفكر الإشتراكي والفكر الإسلامي وحق تقرير المصير.
ومن هنا كان المعترضون الرئيسيين على هذا الإعلان هي دول الإتحاد السوفيتي والسعودية وجنوب أفريقيا ولكل منها أسبابها في الإعتراض. ناهيك عن أن دول العالم آنذاك – وقت صدور الإعلان - كانت تقل عن خمسين دولة، بينما دول العالم اليوم يقارب أربعة أضعاف ذلك العدد.
رغم كل تلك النقائص في مقاربات الإعلان العالمي، تفاءل العالم بشتى توجهاته الفكرية والسياسية والفلسفية والدينية، بصدوره ، علّه يشكل حدا أدنى للكرامة الإنسانية وحقوقها ، وتوسم فيه تغييرا ومنهجا جديا، للوصول فعلا، وتحقيق الحد الأدنى لقيم الحقوق والحريات على صعيد عالمي وإنساني. ولم يدر بخلده أنه مجرد إعلان غربي أدبي، يخلو من الجزاء الدولي، ويبقي الباب مفتوحا على مصراعيه لممارسات غير إنسانية. وهذا ما اثبتته الأيام اللاحقة.
منذ صدور الإعلان العالمي، والدول الغربية تزعم أنها تتخذ منه شعارا ومنهجا، ووزارات خارجيتها تفرد تعليقات ومواقف وانتقادات خاصة، للدول التي بنظرها تخرق حقوق الإنسان وفق مفهومها وتفسيرها، بل تعلق مساعداتها - وهي الدول الغربية الغنية - وفق وضع حقوق الإنسان في هذه الدول الفقيرة الخارقة أو الدول ذوات الإتجاهات الفكرية المغايرة. وكانت تجد في حقوق الإنسان سببا مزعوما لتبرير ذلك الحظر أو المنع.
ولو ألقينا نظرة حتى لو سطحية، على ممارسات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من حقوق الإنسان التي تضمنها الإعلان العالمي لرأينا عجبا في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا من فيتنام وعراق وأفغانستان وفلسطين قطعا، وهي سلسلة طويلة من الخروقات لحقوق الإنسان كما رسمه الإعلان العالمي وليست الممارسات البريئة. وهذه العجالة لا تتسع لتعداد أو ضرب الأمثلة لهذه الخروقات التي اشارت إليها منظمات حقوق الإنسان العالمية.
وينعقد لساننا دهشة وعجبا إن طبقنا هذه الممارسات الأوروبية والأمريكية على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والإنسانية والسياسية والإقتصادية والثقافية كما أوردها الإعلان العالمي، والتي لا يجوز التنازل عنها، والتي تخرق يوميا من قبل المستعمر الإسرائيلي.
وحتى لا نقع في التنظير والبعد عن الواقع العملي، سنفحص واحدا فقط من حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يشكل ركيزته الأساسية وركنه المحوري، ألا وهو الحق في الحياة ، وقد بنى عليه الإعلان العالمي كل نصوصه المتتالية، وفق مفهوم بسيط، ودونما تعقيدات قانونية وشرح مطول. ولنا أن نتخيل الجزاء المالي و/ أو الثقافي و/ أو السياسي و/ أو التقني و/ أو الإرتحالي و/ أو الإقتصادي و/ أو العلمي التي فرضته دولة غربية أو أمريكا على خرق إسرائيلي فاضح وواضح لحق فلسطيني واحد من الإعلان العالمي، ذلك أن حقا من دون جزاء خاوٍ وبدون قيمة سوى الثرثرة والإنشاء.
فالإعلان العالمي نص في مادته الثالثة على أن " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه ". وقد أيد وأكد هذا الحق الأساسي ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في مادته السادسة.
وهو حق ملازم لكل إنسان بغض النظر عن أي سبب أو اعتبار، منذ ولادته حتى وفاته فهذا الحق نعمة إلهية، وليس حقا مكتسبا من أحد أو نظام، ولا يجوز سلبه من الإنسان أيا كان، إلا عبر قرار قضائي وإجراءات قضائية وفي حالات إستثنائية كالإعدام. ومن هنا كان عدم جواز إعدام المرأة الحامل والأطفال . ويجب أن نعلم أن الحق في الحياة يمتد إلى السلامة الجسدية بكامل أعضائها.
فكيف فهمت وطبقت السلطة الإسرائيلية عسكرية كانت أو مدنية الحق في الحياة للفلسطينيين. وسنترك جانبا المقولة الإسرائيلية الشهيرة " الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت ". فكم طفلا وسيدة وصحفية وطاعنا في السن ووليدا فلسطينيا قتل الجيش الإسرائيلي خلال العام الماضي، ولو كان يطبق احترام الحق في الحياة لما قتلهم جميعا.
وكم من شخص صفاهم جسديا وقتلهم الجيش الإسرائيلي بطرق ووسائل مختلفة ولم يشفع لهم أفراد عائلاتهم الأبرياء الذين تواجدوا معهم في ذات المكان. كم شخصا فلسطينيا نزف حتى الموت، ولم يسمح بتقديم الإسعافات الأولية له.
كم من رضيع قضى نحبه بفعل قنابل الغاز التي قذفها الجنود الإسرائيليون على المساكن الفلسطينية والأحياء المكتظة الشعبية. كم فلسطينيا فقد عينا أو أكثر أو تسببت له بعاهة جسدية نتيجة للرصاص المعدني أو المطاطي الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي.
هل امتنع رجال الأمن الإسرائيلي عن ارتكاب جريمة التعذيب بحق الفلسطينيين الموقوفين وهل لاحقت ما تسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية هؤلاء الجنود المعذبين وهل حاكمتهم أو ألزمتهم بدفع التويضات وهو أضعف الإيمان. هل التزمت قوات الأمن الإسرائيلية الزاعمة بطهارة سلاحها، بقواعد إطلاق النار ألتي قررتها الأمم المتحدة في عام 1997، حيث لا يجوز استخدام القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وللأغراض المشروعة وبشكل تدريجي وحينما تكون الوسائل الأخرى غير كافية، وأن لا تستعمل الأسلحة النارية إلا للدفاع عن النفس أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة.
هذا حق واحد من حوالي ثلاثين حقا تضمنها الإعلان العالمي، تم خرقه بشكل منهجي وباستمرار من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ويشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب معا ويشكل خرقا فاضحا للإعلان العالمي واتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة وميثاق المحكمة الجنائية الدولية . فماذا كان جزاء هذه الخروق الإسرائلية للحق الفلسطيني في الحياة من قبل الدول الغربية وأمريكا بل الأمم المتحدة بجميع دولها.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة قانونية هامة ذات قوة أدبية خلبت عقول وعواطف البشر، لكنها لا تكفل حقوق الإنسان لأي فرد بشكل فعلي حقيقي، فهي تلون سياسيا وتخرق باستمرار، وتكيف وفق مفهوم غربي، وللأسف هي بدون مخالب أو جزاء تنفيذي في زمن اشتدت فيه الهجمة على حقوق الإنسان ولو كانت عكس ذلك لخفت معاناة الشعب الفلسطيني.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 88)
شارك برأيك
إعلان عالمي لحقوق الإنسان أم إعلان غربي؟!