أقلام وأراء

الخميس 02 يونيو 2022 7:57 صباحًا - بتوقيت القدس

لماذا فقد المؤتمر العام لحركة فتح أهميته، ومن المسؤول؟

بقلم: د ابراهيم ابراش


قبل سنوات وتحديدا قبل قيام السلطة الفلسطينية كان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني أو اللجنة 

التنفيذية أو المؤتمر العام لحركة فتح حدثاً يكتسي أهمية ومحل ترقُب ليس فقط على المستوى الفتحاوي أو الفلسطيني بل على المستوى العالمي أما اليوم فلم تعد هذه الاجتماعات تثير اهتمام أحد، هذا إن اجتمعت أصلا.

وبالنسبة لحركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير كان انعقاد المؤتمر العام حدثا وطنيا تحضره شخصيات وقيادات حزبية ورسمية من عديد الأحزاب والدول الصديقة، وكان ما ينتج عن المؤتمر من بيان أو برنامج سياسي أو توصيات وقرارات لا تنعكس على تنظيم فتح أو على منظمة التحرير فقط بل على مُجمل السياسة الفلسطينية وعلاقة فلسطين بالعالم الخارجي، فالبرنامج السياسي لفتح آنذاك كان بمثابة خارطة طريق وخطة عمل لحركة فتح ومنظمة التحرير وبه تسترشد الفصائل الفلسطينية الأخرى .

كانت اجتماعات اللجنة المركزية ومؤتمرات حركة فتح تنافساً حقيقياً بين قيادات سياسية كبيرة وذات تأثير وكل منها مدرسة نضالية. في المؤتمر العام يتم مناقشة جادة لمجمل القضايا الكبرى ومحاسبة القيادة حيث كان الراحل أبو عمار يتعرض لانتقادات حادة وجادة من الكوادر ومن قيادات أخرى لا تقل عنه ثورية وحضورا شعبيا وفي امتلاكها مؤهلات القيادة.

في المؤتمر العام كانت تتم مناقشة تقارير اللجنة المركزية وقراراتها وأعمالها ومحاسبتها، ومناقشة أعمال الأجهزة والمؤسسات الحركية، وإقرار النظام الداخلي والبرامج السياسية والوضع المالي، ومن حق المؤتمر حجب الثقة عن كل أو بعض أعضاء اللجنة المركزية بأغلبية ثلثي الحاضرين، وانتخاب العدد المطلوب للجنة المركزية للحركة بالاقتراع السري، وانتخاب العدد المطلوب للمجلس الثوري بالاقتراع السري.

بعد تجربة المؤتمرين الأخيرين، السادس في آب 2009 والسابع في تشرين الثاني 2016، لم يعد المؤتمر العام لفتح محل اهتمام لا فتحاوياً ولا وطنياً ولا عالمياً. غاب الاهتمام والأهمية بسبب: الخلافات الداخلية، ضعف التنظيم، إجراءات عقابية يمارسها المنتقدون من أعضاء اللجنة المركزية ضد المعارضين لهم، تفرُّد بعض أعضاء اللجنة المركزية بعملية اتخاذ القرار الفتحاوي والوطني، تهميش غالبية أعضاء اللجنة المركزية ، أيضاً بسبب ما شاب المؤتمرَين الأخيرين من لملمة للأعضاء حسب الولاءات الشخصية والعائلية واستبعاد كثير من الكفاءات، ولأن ما صدر عن المؤتمرين الأخيرين من قرارات وبرنامج سياسي بقيت حبراً على ورق كما هو حال قرارات المجلس المركزي للمنظمة، لأن القرار النهائي يتم اتخاذه بعيداً عن إرادة ورأي قواعد حركة فتح ومؤسساتها المنتخبة حتى وإن كان انتخاب هذه الأخيرة محل تلاعب.

منذ المؤتمر السابع لم يعد تنظيم حركة فتح يتوافق مع متطلبات حركة تحرر وطني أو حتى متطلبات سلطة تؤسِس لدولة بل تحوَّل لحزب سلطة ضعيفة لا تملك رؤية استراتيجية واضحة، لكل ذلك لم يعد أمر انعقاد المؤتمر في موعده أو تأجيله يثير اهتمام أحد لأن نتائج المؤتمر معروفة قبل انعقاده، وهذا ما يجرى مع المؤتمر الثامن الذي كان مقرراً له في آذار وتم تأجيله لشهر ايار لأسباب متعددة ثم تأجل مرة أخرى إلى أجل غير معلوم ولأسباب غير معلن عنها وإن كان كثيرون من قيادات فتح يعلمونها ولا يجرؤون عن الإفصاح عنها .

لا يمكن الفصل بين المصير الذي آل إليه تنظيم حركة فتح ومؤتمراته ومؤسساته وما آل إليه حال منظمة التحرير ومؤسساتها ومؤتمرات المجلس الوطني واجتماعات المجلس المركزي، فهناك شخصيات نافذة لها حساباتها الخاصة تتحكم في السلطة والمنظمة وفي حركة فتح وتوجه الأمور بما لا ينسجم مع الإرادة الشعبية ومع استحقاقات مرحلة التحرر الوطني، هذا التيار النافذ لا يثق بقدرات وإمكانيات الشعب على إحداث تغييرات أو منجزات أكثر مما أنجزته الطبقة السياسية للسلطة، كما يبرر نهجه بأن موازين القوى مع إسرائيل لا تسمح بأكثر مما هو موجود ويجب انتظار متغيرات إقليمية ودولية تُجبر إسرائيل على تغيير نهجها وتطبيق الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، كما تبرر نهجها بالوضع في قطاع غزة وكيف أدى نهج الذين رفعوا شعار (المقاومة بديل عن نهج السلطة والتسوية السياسية) إلى الانقسام والحصار وانتشار الفقر والبطالة.

هذه الفئة النافذة المهيمِنة تصادر جمهور حركة فتح وتتفرد في قرارات مصيرية تمس مستقبل القضية الوطنية برمتها وتصادر حق أبناء فتح في اختيار وانتخاب قيادة الحركة المستقبلية، وذلك من خلال تحكُّمها في اختيار أعضاء المؤتمر العام في الحركة، فمن خلال ما لهذه الطبقة من سلطة ونفوذ فإنها تستطيع اختيار أعضاء المؤتمر العام من الموالين لها، وهؤلاء الموالون ينتخبون من بينهم المجلس الثوري واللجنة المركزية، وفي المحصلة فكأن اللجنة المركزية تنتخب نفسها.

إن ما يحز في القلب ويثير الاستغراب في نفس الوقت الغياب والصمت لكثير من كفاءات وقيادات فتحاوية لها تاريخها النضالي الطويل خلال الانتفاضتين وما قبلهما، فهل هو صمت اليأس والإحباط؟ أم صمت الخوف والحرص على الراتب ومستقبل الأبناء بعد أن عاينوا مجزرة الإحالة إلى التقاعد المبكر وخصوصاً للعسكريين وقطع الرواتب؟ أم الرضا والقبول بما يجري وأنه ليس في الإمكان أفضل مما هو كائن وأن المرحلة تتطلب هكذا قيادات وممارسات؟ أم الخوف من أن تؤدي أي انتقادات لحركة فتح إلى إضعافها ومنح فرصة للخصوم للطعن فيها؟.

أن تكون حركة فتح أفضل من غيرها من الأحزاب المتواجدة على الساحة الآن لكونها الأكثر تعبيراً عن الهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية ومؤسِسة المشروع الوطني التحرري، لا يعني أن حال تنظيم حركة فتح بخير وأن الحركة بتنظيمها وقيادتها الحالية على الطريق الصحيح، فالمقارنة يجب ألا تكون مع ما دونها من الأحزاب بل ما بين واقع تنظيم الحركة من جانب والأهداف التي انطلقت الحركة من أجلها والتضحيات التي قدمتها الحركة عبر تاريخها وما ينتظره الشعب منها من جانب آخر.

تصويب أوضاع الحركة والارتقاء بها لتصبح في مستوى مواجهة التحديات الوطنية وما ينتظره منها غالبية الشعب وليس أبناء الحركة فقط، هو رد الاعتبار للمؤتمر العام الذي فقد أهميته في الفترة الأخيرة بل أصبح أداة لإعادة إنتاج نفس الوجوه والسلوكيات .

بدون تصويب أوضاع المؤتمر العام لا يمكن إصلاح أو استنهاض حركة التحرر الوطني (فتح)، وبدون استنهاض وإصلاح حركة فتح لا يمكن استنهاض منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني لأن حركة فتح ليست مجرد حزب كبقية الأحزاب. 

شارك برأيك

لماذا فقد المؤتمر العام لحركة فتح أهميته، ومن المسؤول؟

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)