بحضورها الوارف، وعطائها الثريّ الدافئ الدافق، تَطوي "القدس" اليوم عددها الـ"20000" من عمرها المديد، وهي أكثر ما تكون توهّجاً بما تقدمه من مضمون جديد، وشكلٍ قشيب، وسقوفٍ عالية من الحرّية، باندغامها مع أذرعها الرقمية الرديفة، فجعلت منها قِبلة الباحثين عن الخبر اليقين، في زمن انتشار الأخبار الكاذبة، كانتشار الفطر بعد المطر على حوائط الإعلام الجديد، الذي يبحث أصحابه عن "الترند" على حساب الحقيقة.
ولإنها كانت، ولا زالت، علامة فارقة في المشهد الإعلامي، فقد سرت في الحقب الماضية مقولة، تعكس حجم حضور الجريدة في الوعي الجمعي: "من مات ولم ينشر نعيه في "القدس" كأنه لم يمت، ومن نجح، ولم تنشر له تهنئة في "القدس"، كأنه لم ينجح".
بمرسوم ملكي، ولدت "القدس" في السابع من آذار 1967، بدمج صحيفتي "الجهاد" و"الدفاع"، ولتصدر في مدينة القدس، بينما تم دمج صحيفتي "فلسطين" و"المنار" لتولد صحيفة "الدستور" في عمان، لكن "القدس" سرعان ما توقفت عن الصدور لأكثر من عام، عقب حرب 67، لتعاود الصدور من جديد في 19-11-1968.
كانت المنافسة محتدمة بين الصحف اليومية الصادرة في المدينة المقدسة، "القدس" و"الفجر" و"الشعب"، و"النهار"، وقد تشرفت برئاسة تحرير "الشعب" عقب إبعاد رئيس تحريرها الصديق أكرم هنية عام 1986. ومن طريف المنافسة أن محمود يعيش مالك صحيفة الشعب رحمه الله، كان صاحب حضور جميل، فكان يغضب إن نشر خبر في "القدس"، ولم ينشر في "الشعب"، وقد بادرني ذات صباح بالعتاب حول خبر نشرته "القدس"، ولم تنشره "الشعب"، وعندما نفيت سماعي بالخبر، أكد لي وجوده، وقد وضع يده عليه منشوراً في الصحيفة، عندها قلت له: أخي أبو علي أنت تضع إصبعك على خبر في صفحة "القدس قبل عشرين عاماً"، فضحكنا ومعنا كل من تواجد في صالة التحرير.
في الألفية العشرين للصحيفة القاطرة للمشهد الإعلامي، نستذكر الراحلين من محررين وعاملين قدموا مِداد أقلامهم، ونَسغ أرواحهم، لتواصل الصحيفة صدورها اليومي، وفي مقدمتهم صاحب ومؤسس الصحيفة المرحوم محمود أبو الزلف، الذي كان كريماً وجسوراً يدير المؤسسة كما لو أنها عائلة.
شارك برأيك
عشرون ألفاً !