كشف تسريبٌ لشبكة "سيجنال" عن أهداف الولايات المتحدة في اليمن، لكن هزيمة الحوثيين لن تكون سهلة بحسب صحيفة نيويورك تايمز التي تشير إلى أن كشف نشرٌ مفاجئٌ للمحادثةٍ الجماعيةٍ التى ضمّت مسؤولين من إدارة ترامب يناقشون فيها خطط الحرب الأمريكية، بشكلٍ صارخٍ وغير معتاد، بشأن ما تأمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحقيقه من خلال الغارات الجوية هذا الشهر ضد ميليشيا الحوثي في اليمن.
وقال بعض المشاركين في المحادثة إن الهجمات كانت تهدف إلى ردع الحوثيين عن مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر وإعادة فتح ممرات الشحن إلى قناة السويس.
وقال مايكل والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب الذي كان يشارك في المكالمة الجماعية (والذي سرب دون قصد الخطة للصحفي جيفري غولدبيرغ): "سواءً الآن أو بعد بضعة أسابيع، سيتعين على الولايات المتحدة إعادة فتح ممرات الشحن هذه".
لكن الآمال رفيعة المستوى التي عُبِّر عنها في محادثة سيجنال، والتي أصبحت علنيةً بعد إضافة رئيس تحرير مجلة ذا أتلانتيك إليها عن غير قصد، قد تصطدم بالواقع.
حيث يقول خبراء في شؤون الشرق الأوسط إن الحوثيين (المدعومين من إيران) لن يُهزموا بسهولة. لم تُربح سوى حروب قليلة بالقوة الجوية وحدها، ويقول بعض الخبراء العسكريين إن الأمر لن يختلف مع الحوثيين. كما أن شركات الشحن الكبرى لا ترغب في العودة إلى البحر الأحمر. وقد وجدت حلاً بديلاً، وإن كان غير مريح ومكلف، يسمح لها بتجنب تلك الممرات وتسليم البضائع في الوقت المحدد.
وتنسب الصحيفة إلى جيمس هولمز، رئيس مركز "جيه. سي. وايلي للإستراتيجية البحرية" في كلية الحرب البحرية في رود آيلاند، قوله بأنه حتى خلال الحرب الأميركية لإخراج العراق من الكويت عام 1991، عندما كانت القوة الجوية في ذروتها، كان الغزو البري ضروريًا - وقد تتطلب هزيمة الحوثيين احتلالًا بريا.
وقال هولمز: "يجب السيطرة على المناطق لتحقيق النصر. لا يمكن للطائرات احتلال الأراضي، مهما كانت قيمة قدرتها الداعمة للجيوش ومشاة البحرية".
يقول المحللون إن الحوثيين قد يستغلون الضربات العسكرية الأميركية لتعزيز موقعهم في اليمن وخارجها، حيث تكبد وكلاء إيرانيون آخرون، مثل حزب الله اللبناني، خسائر فادحة على يد إسرائيل. حيث قال فارع المسلمي، الباحث اليمني في معهد تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إن الضربات الأميركية الأخيرة "استجابة مباشرة لدعوات الحوثيين بشن حرب على الولايات المتحدة". وأضاف أن الجماعة "تريد جر الولايات المتحدة إلى تصعيد إقليمي أوسع".
وقد وصفت إدارة ترامب الحوثيين بأنهم تهديد لسلامة الأميركيين وحلفائهم واستقرار التجارة البحرية العالمية. بالإضافة إلى الضربات العسكرية، أعادت الإدارة تصنيف الحوثيين رسميًا على أنهم "منظمة إرهابية أجنبية". كما تعهد ترامب هذا الشهر بـ"القضاء التام" على الجماعة، وحذر إيران من التوقف "فورًا" عن تزويدها بالمعدات العسكرية وتقديم الدعم العام لها. تقول إدارة ترامب إن ضرباتها ستكون أكثر فعالية من تلك التي تنفذها إدارة بايدن. وقال مشارك آخر في الدردشة، عُرف بأنه وزير الدفاع بيت هيجسيث، إن "بايدن زعزع" الردع الأميركي.
تقول الصحيفة : "مع تكثيف القصف الجوي، والضربات الموجهة ضد قادة الحوثيين، والجهود الناجحة لقطع التمويل عن الميليشيا، قد تنجح الولايات المتحدة. لكن التاريخ ليس في صفها".
من عام 2015 إلى عام 2022، حارب الحوثيون تحالفًا بقيادة السعودية، شنّ حربًا لاستعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ومواجهة نفوذ إيران في المنطقة. وحتى لو نجحت الولايات المتحدة في الضغط على إيران للحد من دعمها للحوثيين، فقد أثبت المسلحون قدرتهم على التصرف باستقلالية، وفقًا للمحللين.
قال لوكا نيفولا، كبير المحللين في شؤون اليمن والخليج في منظمة "بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها"، وهي مجموعة لرصد الأزمات: "صمدت الجماعة في وجه سبع سنوات من الغارات الجوية التي تقودها السعودية وعام من الضربات الأمريكية في عهد إدارة بايدن، والتي لم تُسفر عن أي تأثير يُذكر".
يشار إلى أن جيمس هيويت، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، قال في بيان يوم الأربعاء: "بينما لا تزال هذه العملية مستمرة، فقد تلقينا مؤشرات إيجابية كبيرة من جهودنا، بما في ذلك القضاء على قيادة الحوثيين الرئيسية، وشن ضربات على أكثر من 100 هدف حوثي، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والمقرات الرئيسية ومراكز القيادة والسيطرة ومنشآت تصنيع وتخزين الأسلحة". ويهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر منذ أواخر عام 2023، مستهدفين السفن التي تعتقد الجماعة أنها مرتبطة بإسرائيل، تضامناً مع حماس في غزة. وساد هدوء نسبي بعد وقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وحماس في يناير. لكن الحوثيين أصدروا تحذيراً في 12 آذار ، قائلين إنهم سيستأنفون هجماتهم على السفن الإسرائيلية رداً على إغلاق إسرائيل لمعابر غزة وحصارها للمساعدات الإنسانية.
تاريخياً، سعت القوى العظمى إلى حماية الشحن لأن أي انقطاع في تدفقات التجارة العالمية يمكن أن يؤدي إلى نقص في الإمدادات وارتفاع التضخم، مما يتسبب في دمار اقتصادي. وركزت معظم المحادثات الجماعية بين مسؤولي إدارة ترامب على فتح ممرات الشحن. وقال (وزير الدفاع الأميركي) هيجسيث: "إن استعادة حرية الملاحة مصلحة وطنية أساسية". لكن على الرغم من أن الجيش الأميركي يشن ضربات يومية ضد أهداف حوثية، إلا أن البنتاغون لم يقدم تفاصيل عن الهجمات منذ 17 آذار، عندما قال إنه تم ضرب أكثر من 30 هدفًا حوثيًا في اليوم الأول. ويقول مسؤولون يمنيون إن الضربات أصابت أيضًا مناطق سكنية ومبانٍ في صنعاء، العاصمة، مما تسبب في عدد غير معروف من الضحايا المدنيين.
وقد نجح الحوثيون إلى حد كبير في إبعاد السفن الغربية عن البحر الأحمر. فمنذ أن بدئوا استهداف السفن في عام 2023، نفذوا حوالي 130 هجومًا على سفن تجارية، وفقًا لبيانات من مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة، وهي مجموعة مراقبة الأزمات.
وقد دفع ذلك سفن الشحن المتجهة من آسيا إلى أوروبا إلى التوقف عن السفر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، والتوجه بدلاً من ذلك حول الطرف الجنوبي لأفريقيا - وهي رحلة تبلغ حوالي 3500 ميل بحري وتستغرق 10 أيام أطول. وارتفعت تكلفة الشحن بشكل كبير مع سعي الشركات لإعادة تنظيم مساراتها وإضافة المزيد من السفن. لكن في غضون أشهر، تكيفوا مع الرحلات الأطول، وانخفضت أسعار الشحن هذا العام.
ويقول مسؤولو الشحن إنهم لن يعودوا إلى البحر الأحمر حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط يشمل الحوثيين أو هزيمة الميليشيات.
وتنسب الصحيفة إلى فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك، وهي شركة شحن مقرها الدنمارك، في شباط الماضي قوله: "إما تدهور كامل لقدراتهم أو التوصل إلى اتفاق ما". ويوم الأربعاء، قال متحدث باسم ميرسك في بيان: "لا تزال أولويتنا هي سلامة بحارتنا وسفننا وشحنات عملائنا".
وفي الدردشة الجماعية (على تطبيق سيغنال)، دار جدل حول ما إذا كانت إعادة فتح ممرات الشحن في البحر الأحمر تُعد مصلحة وطنية حاسمة. وزعم أحد المشاركين، الذي عُرف بأنه نائب الرئيس جيه دي فانس، أن الممرات أكثر أهمية لأوروبا من الولايات المتحدة، حيث لا تعتمد الولايات المتحدة على قناة السويس لأن تجارتها البحرية مع آسيا تمر عبر المحيط الهادئ، ومع أوروبا، تمر عبر المحيط الأطلسي. لكن محللي الشحن قالوا إن قناة السويس لا تزال ممرًا مائيًا حيويًا للولايات المتحدة.
وبحسب ما نشر، انتقد بعض المشاركين في الدردشة أوروبا لعدم بذلها جهودًا عسكرية كافية لإعادة فتح البحر الأحمر للشحن. وقال نائب الرئيس فانس: "أكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى". لكن الاتحاد الأوروبي نشر قوة بحرية صغيرة في البحر الأحمر منذ أوائل العام الماضي للدفاع ضد الهجمات، ومُددت المهمة حتى شباط المقبل.
يشار إلى جينيفر كافانا، مديرة التحليل العسكري في معهد أولويات الدفاع، وهو معهد أبحاث يُفضّل ضبط النفس في السياسة الخارجية، قالت أن أوروبا استفادت بالفعل من القوة العسكرية الأميركية. لكنها أضافت أن الأوروبيين قرروا أنهم قادرون على تحمل تكاليف الشحن الإضافية، وأن بذل جهد عسكري كبير ضد الحوثيين ربما لا يستحق العناء.
شارك برأيك
تسريب خطط الحرب يكشف أهداف واشنطن في اليمن، لكن هزيمة الحوثيين لن تكون سهلة