لم يعد هناك متسعٌ للخطابات الشعبوية المليئة بالشعارات الحماسية، والتي غالبًا ما تُلهب المشاعر دون أن تترجم إلى فعل ملموس على الأرض، ففي ظل ما يواجهه الشعب الفلسطيني من تحديات مصيرية، تكون الحاجة ماسة لخطاب موحد، ومرجعية واحدة، على أسس واضحة هدفها مواجهة الأخطار التي تتهدد القضية الفلسطينية .
إن ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من حرب إبادة مستمرة، وتوسع استيطاني، وتنكيل مستمر، يجعل من الضروري إعادة النظر في طبيعة الخطاب السياسي الموجه للداخل والخارج، بحيث يكون أكثر اتزانًا، وأقرب إلى ملامسة الواقع القاسي بعيدًا عن المبالغات أو الوهم، ولا يخضع للتجاذبات الفصائلية والحزبية، بل إلى المصلحة الوطنية العليا.
لطالما اعتمدت بعض الأحزاب والفصائل على خطاب شعبي يعج بالوعود الكبرى، والانتصارات الوهمية، لكن في ظل الظروف الراهنة، لم يعد لهذا النهج مكان في وجدان الفلسطينيين الذين يعيشون القهر والقتل والدمار بشكل يومي، فالشعارات وحدها لا تستطيع أن تواجه سياسات الاستيطان، ولا أن تحمي الأطفال من قذائف الاحتلال، كما أن دغدغة المشاعر باتت عبئًا ثقيلًا يزيد من حالة الإحباط العام، بدلًا من أن تقدم حلولًا حقيقية.
إن الصمت الدولي تجاه الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، إلى جانب الضعف الواضح في المواقف العربية والإقليمية، يزيد من صعوبة الموقف، وفي ظل هذا المشهد، يصبح الخطاب الواقعي ضرورة، بحيث يعكس حجم المؤامرة التاريخية التي تستهدف القضية الفلسطينية، بدلًا من الاستمرار في لعبة التزيين الزائف للواقع أو الاكتفاء بلغة الاستنكار والتنديد دون تحرك فعلي.
إن اللحظة الراهنة تتطلب وضوحًا في الرؤيا، ومصارحة حقيقية مع الشعب الفلسطيني، بحيث يتم تقديم الحقائق كما هي، بعيدًا عن الخداع أو التضليل، فلا بد أن يترافق القول مع الفعل، وأن يكون هناك خطاب سياسي موحد يستند إلى مرجعية وطنية جامعة تتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، بدلًا من حالة التشرذم والانقسام التي تضعف أي موقف فلسطيني على الساحة الدولية.
إن الفلسطينيين اليوم بحاجة إلى خطاب سياسي جامع وواحد، يقوم على الحقائق والوقائع، ويسعى إلى توحيد الصفوف بدلًا من تشتيتها، فالرهان على الشعبوية في ظل الظروف الراهنة يعني الإمعان في الفشل، وقد أصبح من الضروري أن يكون هناك خطاب يعكس الواقع دون تزييف، ويضع الحلول الممكنة لمواجهة التحديات، لا أن يكتفي بإثارة المشاعر ورفع سقف التوقعات بلا جدوى.
شارك برأيك
الخطابات الشعبوية بين القول والفعل