د. محمد الطماوي: التصعيد في غزة كان دوماً أداة حكومات إسرائيل لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية لكنه لم يحقق نتائج مستدامة
محمد هواش: هذا التصعيد يأتي في إطار سعي حكومة نتنياهو لإرضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تطالب بالعودة إلى القتال
محمد جودة: سياسة التفاوض بالنار التي تتبعها حكومة نتنياهو تهدف إلى خلق واقع ميداني جديد يفرض شروطًا تفاوضية لصالحها
طلال عوكل: التصعيد الحالي جزء من استراتيجية نتنياهو لكسب الوقت لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى تغيير جذري في موازين التفاوض
ياسر مناع: إسرائيل تحاول التملّص من استحقاقات المرحلة الأولى من خلال الدفع نحو اتفاق جديد يتجاوز الالتزامات المفروضة عليها
التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، يأتي بعد مفاوضات متعثرة راوحت مكانها، دون الولوج إلى المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، في محاولة لفرض وقائع في الميدان لتنعكس على طاولة المفاوضات.
كتاب ومحللون سياسيون ومختصون تحدثوا لـ "القدس" دوت كوم، ( المقابلات أجريت قبل العودة لحرب الإبادة فجر الثلاثاء)، اعتبروا أن هذا التصعيد يأتي كجزء من استراتيجية لترتيب الأولويات الداخلية في إسرائيل، خاصة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ورئيسها بنيامين نتنياهو بشكل خاص، مما دفعه إلى استخدام التصعيد العسكري كوسيلة لتحويل الانتباه عن إخفاقاته الداخلية.
ويلفتون إلى أن التصعيد الإسرائيلي يهدف إلى الضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات في المفاوضات، ومحاولة من إسرائيل لفرض شروطها التفاوضية، رغم أن هذه الاستراتيجية لم تحقق نتائج مستدامة في الماضي.
غياب أفق سياسي حقيقي لحل شامل وعادل
يقول الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، د. محمد الطماوي، إن التصعيد الأخير في قطاع غزة يأتي كحلقة جديدة في سلسلة التوترات التي تشهدها المنطقة، معبّراً عن تعقيد المشهد السياسي والأمني نتيجة غياب أفق سياسي حقيقي لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
ويبين الطماوي أن تكرار المواجهات يؤكد أن الحلول العسكرية ليست بديلاً عن المسار السياسي المستند إلى قرارات الشرعية الدولية، مشدداً على أن استمرار السياسات الإسرائيلية الأحادية يزيد من حالة الاحتقان ويهدد الاستقرار الإقليمي برمته.
ويوضح الطماوي أن التصعيد الإسرائيلي ليس مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل يعكس أزمة أعمق داخل السياسة الإسرائيلية، خاصة في ظل الأوضاع الداخلية المعقدة التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويشير الطماوي إلى أن نتنياهو يواجه مأزقاً داخلياً غير مسبوق، حيث لم يعد بإمكانه الهروب من تداعيات أزماته إلا عبر تصعيد المواجهات العسكرية.
ويقول الطماوي: "منذ توليه الحكم، دأب نتنياهو على تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، مستخدماً التصعيد الأمني كوسيلة للهروب من إخفاقاته، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى القانوني، إذ لا تزال تلاحقه اتهامات بالفساد التي تهدد مستقبله السياسي.
نتنياهو يواجه اليوم غضباً شعبياً متزايداً
ويوضح الطماوي أن نتنياهو يواجه اليوم غضباً شعبياً متزايداً بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة، وهو ما دفعه إلى اللجوء للخيار العسكري في محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية حوله، رغم إدراكه أن ذلك لن يكون حلاً مستداماً.
على الصعيد الاقتصادي، يؤكد الطماوي أن إسرائيل تعيش واحدة من أسوأ أزماتها منذ عقود، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 1% في عام 2024، فيما ارتفع العجز المالي إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الإنفاق العسكري الهائل الذي تجاوز 35 مليار دولار.
ويلفت الطماوي إلى أن هذه النفقات الضخمة زادت من الأعباء على الاقتصاد الإسرائيلي، ما أدى إلى قفز نسبة الدين العام إلى 70% بعد أن كانت 61% في عام 2023، مما يعكس هشاشة الوضع المالي في ظل استمرار التصعيد العسكري.
ويشير الطماوي إلى أن إسرائيل فقدت قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تراجعت بنسبة 60% نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين المهاجرين، التي وصلت إلى 20% نتيجة الاضطرابات الأمنية المتواصلة.
ويرى الطماوي أن الفشل الاقتصادي ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجهه نتنياهو، إذ يشهد المجتمع الإسرائيلي انقسامات داخلية غير مسبوقة، تجلّت في المظاهرات الضخمة التي خرجت ضده وضد محاولاته إضعاف القضاء، وأدت هذه الأزمات السياسية المتكررة إلى انتقادات علنية من مسؤولين عسكريين واقتصاديين بارزين، ما زاد من عزلة نتنياهو داخلياً.
التصعيد لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية
ويوضح الطماوي أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتمد على تحالفات هشة من أقصى اليمين الديني والقوى القومية المتطرفة، التي تدفع باتجاه مزيد من التصعيد، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار إسرائيل نفسها.
ويؤكد الطماوي أن التصعيد في غزة كان دوماً أداة للحكومات الإسرائيلية لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية، لكن هذه الاستراتيجيات لم تحقق نتائج مستدامة، مشيراً إلى العمليات العسكرية السابقة مثل "الرصاص المصبوب" عامي 2008-2009 وصولاً إلى "حارس الأسوار" عام 2021، والتي لم تغير من الواقع على الأرض.
ويعتقد الطماوي أن نتنياهو يحاول اليوم إعادة إنتاج هذه السياسة، لكنه يواجه واقعاً مختلفاً، إذ لم يعد التصعيد مجرد ضربة عسكرية، بل بات جزءاً من أزمة ممتدة تهدد إسرائيل من الداخل، مع تآكل قدرتها الاقتصادية والسياسية وتزايد عزلتها الدولية.
ويضيف: في ظل هذا المشهد تبقى المفاوضات الخيار الحتمي، إلا أن إسرائيل تحاول فرض شروطها عبر التصعيد العسكري، متناسية أن القوة لم تكن يوماً ضماناً لتحقيق مكاسب استراتيجية دائمة.
ويلفت الطماوي إلى أن القاهرة، بخبرتها التاريخية في إدارة الأزمات الإقليمية، تدرك أن الحل يكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات بحلول عادلة، وليس عبر تصعيد غير محسوب العواقب، فاستمرار المواجهات لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع الإسرائيلي، في وقت لم تعد فيه إسرائيل أو غزة قادرتين على تحمل أعباء صراعات طويلة الأمد.
التهديد العسكري كورقة ضغط دائمة على الفلسطينيين
من جانبه، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن إسرائيل تتبع نهج التصعيد المتدرج في قطاع غزة، مستغلة التهديد العسكري كورقة ضغط دائمة على الفلسطينيين، وعلى الوسطاء الدوليين، وكذلك على الرأي العام الإسرائيلي، لا سيما التيارات اليمينية في الحكومة.
ويوضح هواش أن هذا التصعيد يأتي في إطار سعي حكومة بنيامين نتنياهو لإرضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تطالب بالعودة إلى القتال، حيث تسعى الحكومة إلى طمأنتهم بأن العمليات العسكرية مستمرة ضد الفلسطينيين، من خلال تشديد الحصار وقطع الكهرباء والمياه، إضافة إلى الغارات الجوية التي تطال مختلف مناطق القطاع.
ويشير هواش إلى أن هذه السياسة تستهدف بشكل خاص وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، لإعادته إلى الائتلاف الحكومي، وضمان تمرير الموازنة العامة قبل نهاية الشهر الجاري.
ويبيّن هواش أن اليمين الإسرائيلي يسعى إلى توسيع نطاق الحرب على غزة وفرض سياسة التهجير القسري، وهي رؤية مرفوضة أميركياً على الأقل من الناحية الرسمية، حيث تعارض الولايات المتحدة علناً مثل هذه المخططات.
إسرائيل تحمل "حماس" مسؤولية تعثر المفاوضات
وفيما يتعلق بالمفاوضات الأخيرة، يوضح هواش أن إسرائيل تحمل حركة "حماس" مسؤولية تعثر الجولة الأخيرة من المحادثات، رغم أن الحركة أبدت استعدادها للعودة إلى المفاوضات.
غير أن تل أبيب، بحسب هواش، تعتبر أن استمرار التفاوض لا يتعارض مع مواصلة الضربات العسكرية المتفرقة في غزة، حيث تستهدف الغارات مختلف المناطق، بما في ذلك خان يونس، رفح، غزة، وشمال القطاع.
ويؤكد هواش أن الهدف من هذا النهج هو إيصال رسالة إلى الفلسطينيين بأن الجيش الإسرائيلي جاهز لاستئناف القتال في أي لحظة، وأن على "حماس" تقديم تنازلات تتماشى مع المطالب الإسرائيلية، وكذلك الداخل الاسرائيلي وأن من يريد الحرب نحن نقوم بها ومن يريد المفاوضات نحن نقوم بها.
لكن هواش يوضح أن مطالب تل أبيب تجاوزت بكثير مسألة تبادل الأسرى والمحتجزين، إذ تشمل شروطاً أخرى لا يمكن للحركة أو للفلسطينيين القبول بها، أبرزها نزع السلاح والسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وهو ما يُفسَّر على أنه محاولة لإخلاء قطاع غزة من سكانه.
ويشدد هواش على أن هذه الرؤية الإسرائيلية ليست مقبولة فلسطينياً، ولا على المستوى العربي أو الدولي، إذ لم تعد فكرة التهجير القسري مطروحة للنقاش حتى في الأوساط الدولية، ورغم استمرار المناورات الإسرائيلية لتحقيق مكاسب تفاوضية، فإنها لا تزال تواجه ضغوطاً هائلة من الداخل والخارج.
وحول تأثير التصعيد على المفاوضات، يوضح هواش أن الضربات الإسرائيلية المتكررة ليست كفيلة وحدها بإفشال المفاوضات، لكنها تؤثر على الأجواء المحيطة بها، سواء من حيث الضغط على الوسطاء الدوليين، أو من ناحية التأثير على معنويات المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت القصف المستمر.
"حماس" لا تزال متمسكة بمطالبها الأساسية
ويشير هواش إلى أن هذه الضغوط الإسرائيلية لن تغير موقف "حماس"، التي لا تزال متمسكة بمطالبها الأساسية، وترفض الاستجابة للمطالب الإسرائيلية التي تراها غير واقعية أو مستحيلة التنفيذ.
ويلفت هواش إلى أن استمرار القصف وقطع المياه والكهرباء قد يكون له تأثير مزدوج، فقد يدفع ببعض الأطراف إلى الضغط على "حماس"، لكنه في الوقت نفسه يجعل الوسطاء يمارسون ضغوطاً على إسرائيل، باعتبار أن هذه الممارسات تعقّد المفاوضات وتُضعف فرص التوصل إلى اتفاق.
على الصعيد الداخلي، يؤكد هواش وجود انقسامات داخل إسرائيل نفسها، حيث أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن نحو 70% من الإسرائيليين يؤيدون التوصل إلى صفقة تبادل أسرى فورية، أو على الأقل العودة إلى المرحلة الأولى من عملية التبادل، بينما لا يؤيد سوى 12% فقط من الإسرائيليين العودة إلى القتال، ما يعكس تراجعاً في التأييد الشعبي للحرب.
ويوضح هواش أن الجيش الإسرائيلي نفسه غير مستعد حالياً للعودة إلى القتال الموسّع كما كان في العام الماضي، إذ تشير تقديرات عسكرية إلى أن الجيش يفضل تنفيذ عمليات محدودة، تشمل غارات جوية وهجمات متفرقة، بدلاً من شن هجوم بري واسع.
ويشير هواش إلى أن ترامب تراجع عن التهجير القسري للفلسطينيين، بعد أن كان في وقت سابق أكثر انفتاحاً على المقترحات الإسرائيلية بهذا الشأن.
ويلفت هواش إلى أن الإدارة الأميركية باتت الآن تميل أكثر إلى تبني المبادرة العربية-الإسلامية، التي تم الاتفاق عليها بين الفلسطينيين والدول العربية وجرى تقديمها للقمة العربية والإسلامية الأخيرة.
ويوضح هواش أن الولايات المتحدة لديها مصالح إقليمية تتجاوز العلاقة مع إسرائيل، وتسعى لإنهاء الحرب في غزة لتحقيق استقرار أكبر في المنطقة، لذلك، فإن المفاوضات الجارية تدار بشكل رئيسي من قبل واشنطن، التي تسعى للوصول إلى وقف إطلاق نار مشروط بتحقيق المطالب الإسرائيلية المتعلقة بالمحتجزين، على أن يُفتح النقاش لاحقاً حول القضايا السياسية والاستراتيجية الكبرى.
نتنياهو منزعج من مفاوضات بوهلر-حماس
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن التصعيد الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، خاصة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، أصبح جزءًا من السياسة اليومية التي تنتهجها إسرائيل بهدف الضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات في المفاوضات، سواء فيما يتعلق بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق أو بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
ويوضح جودة أن تزايد حدة القصف الإسرائيلي خلال الأسبوع الأخير، والذي أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء الفلسطينيين، يأتي في سياق محاولات إسرائيلية لعرقلة جهود الوساطة الدولية، خصوصًا تلك التي قادتها الولايات المتحدة.
ويشير جودة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى انزعاجه الشديد من هذه المفاوضات، والتي أجراها آدم بوهلر، المسؤول عن ملف الأسرى في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع قيادات من حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة.
ويلفت جودة إلى أن هذه الخطوة دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى تحشيد اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، والاستعانة بأعضاء في الحزب الجمهوري للضغط على إدارة ترامب لإيقاف هذه المفاوضات، مما أدى لاحقًا إلى إزاحة آدم بولر من منصبه.
ويشدد جودة على أن إسرائيل بدأت في التملص من تنفيذ الاتفاق منذ لحظة دخوله حيز التنفيذ، لكنها كثفت عملياتها العسكرية في الآونة الأخيرة، حيث نفذت عمليات قصف مكثفة، ووسّعت من عمليات القتل الممنهج للمدنيين، كما أغلقت جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنعت دخول أي مساعدات إنسانية أو بضائع إلى السكان المحاصرين.
سياسة التفاوض بالنار
ويوضح جودة أن إسرائيل لم تكتفِ بذلك، بل أصدرت وزارة الحرب الإسرائيلية قرارًا بقطع التيار الكهربائي عن غزة كجزء من سياسة الخنق الاقتصادي والضغط العسكري لإجبار حماس على تقديم تنازلات فيما يخص تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
ويشير جودة إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيدًا إسرائيليًا متزايدًا قد يصل إلى حد الانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل، إذ يسعى نتنياهو إلى إجبار حماس على العودة إلى طاولة المفاوضات تحت وطأة الضغوط العسكرية، بهدف تحقيق مكاسب تفاوضية تصب في صالح إسرائيل.
ويؤكد جودة أن تعثر المفاوضات الراهنة بين حماس وإسرائيل أدى إلى اعتماد الأخيرة على التصعيد كوسيلة ضغط رئيسية، موضحًا أن سياسة التفاوض بالنار التي تتبعها حكومة نتنياهو تهدف إلى خلق واقع ميداني جديد يفرض شروطًا تفاوضية لصالح إسرائيل.
ويوضح جودة أن إسرائيل لجأت إلى التصعيد العسكري بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، بهدف الضغط على حماس لتقديم تنازلات، وكذلك التأثير على الوسطاء الدوليين ودفعهم إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الحركة لقبول التسويات التي تطرحها إسرائيل.
التصعيد يعكس أزمة داخلية حادة تعيشها حكومة نتنياهو
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إن التصعيد الإسرائيلي المتزايد في قطاع غزة، يعكس أزمة داخلية حادة تعيشها حكومة بنيامين نتنياهو، التي بدأت تدرك أنها وقعت في "فخ" نصبته لها حركة حماس، مما جعلها تواجه مؤشرات فشل وهزيمة سياسية وعسكرية.
ويوضح عوكل أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب بشكل نهائي، ولذلك يعتمد سياسة المماطلة وخلق العقبات أمام المفاوضات، بهدف إعادتها إلى نقطة الصفر وإطالة أمدها لأطول فترة ممكنة، في محاولة للهروب من الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بما بعد الحرب وكيفية التعامل مع غزة في المستقبل.
ويشير عوكل إلى أن نتنياهو يحاول المناورة بين الضغوط التي تمارسها عليه الإدارة الأمريكية، المطالِبة بوقف القتال، وبين الضغوط الداخلية التي يواجهها في إسرائيل، ومن هذا المنطلق، يلجأ إلى استفزاز حركة حماس، أملاً في أن تقدم له ذريعة تتيح له استئناف الحرب من جديد تحت غطاء الضغط العسكري على مسار المفاوضات.
حماس لن تتنازل عن شروطها الجوهرية
ورغم هذه المحاولات، يؤكد عوكل أن الضغوط العسكرية لم تحقق أهدافها حتى الآن، إذ رفضت حماس التراجع عن شروطها الأساسية في المفاوضات، ولم تنجح إسرائيل في فرض شروط جديدة عليها.
ويرى عوكل أن حماس قد تبدي مرونة تكتيكية في بعض الجوانب التفاوضية، لكنها لن تتنازل عن شروطها الجوهرية، التي تعتبرها أساسًا لأي اتفاق مستقبلي.
ويلفت عوكل إلى أن محاولات إسرائيل إخضاع حماس من خلال الضغوط العسكرية لن تحقق نجاحًا كبيرًا، خاصة مع استمرار الحركة في التمسك بمطالبها رغم التصعيد الإسرائيلي.
ويؤكد عوكل أن استمرار التصعيد الحالي ما هو إلا جزء من استراتيجية نتنياهو لكسب الوقت، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى تغيير جذري في موازين التفاوض، خاصة في ظل صمود الموقف الفلسطيني ورفض تقديم تنازلات جوهرية لصالح إسرائيل.
إرساء معادلة ميدانية جديدة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي والمختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع أن إسرائيل تتبع سياسة التصعيد البطيء والمدروس في قطاع غزة، وهي استراتيجية تحمل أبعادًا تتجاوز الظرفي والمؤقت، وتهدف إلى إرساء معادلة ميدانية جديدة.
ويوضح مناع أن هذه السياسة تشبه النهج الإسرائيلي المتبع في كل من جنوب لبنان والضفة الغربية، حيث تسعى تل أبيب إلى ترسيخ مفهوم "حرية العمل العسكري" في غزة، بما يمنحها هامشًا واسعًا لتنفيذ عمليات عسكرية متكررة دون التزام بتهدئة دائمة.
ويلفت مناع إلى أن هذه الاستراتيجية تمثل تحولًا في طريقة إدارة الصراع، بحيث لا يكون التصعيد مجرد رد فعل آني، بل أداة لضبط قواعد اللعبة وفقًا للمصالح الإسرائيلية.
ويشير مناع إلى أن التصعيد الإسرائيلي الحالي يخدم أهدافًا تكتيكية مباشرة، من بينها ممارسة الضغط على الفصائل الفلسطينية لدفعها إلى القبول بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاقات القائمة، ومنع الانتقال إلى مراحل تفاوضية متقدمة.
تصعيد لمنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية
ويوضح مناع أن إسرائيل تستخدم التصعيد أيضًا كأداة لمنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، بهدف تعزيز أوراق الضغط السياسي والإنساني في آنٍ واحد، ما يجعل الأوضاع المعيشية في غزة ورقة مساومة بيد الحكومة الإسرائيلية.
ويشير مناع إلى أن المفاوضات ما تزال قائمة حتى اللحظة، إلا أن الخلاف الأساسي يتمحور حول الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تتضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة ووقفًا شاملًا لإطلاق النار.
ويلفت مناع إلى أنه في المقابل، تحاول إسرائيل التملّص من استحقاقات هذه المرحلة من خلال الدفع نحو اتفاق جديد يتجاوز الالتزامات المفروضة عليها، وهو ما يجعل التصعيد الإسرائيلي رسالة تهديد مفادها بأن فشل المفاوضات قد يؤدي إلى عودة الخيار العسكري مجددًا، أي ما يُعرف بـ"التفاوض بالنار".
ويقول مناع: "إن أي تصعيد إسرائيلي - إن وقع - لن يأخذ شكل مواجهة واسعة النطاق كما كان الحال في الأشهر الأولى من الحرب، بل سيقتصر على عمليات عسكرية محدودة تهدف إلى تحقيق مكاسب تفاوضية دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
الولايات المتحدة لا ترغب في تصعيد عسكري شامل
ويوضح مناع أن السبب في ذلك يعود إلى أن الولايات المتحدة لا ترغب في تصعيد عسكري شامل في غزة، لأنه يتعارض مع مشاريعها الإقليمية، وعلى رأسها جهود التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، وهو ما يفرض على تل أبيب قيودًا في إدارتها للموقف العسكري.
ويؤكد مناع أن إسرائيل لا تسعى إلى إشعال حرب واسعة في المرحلة الراهنة، بل تعتمد على عمليات عسكرية متفرقة لفرض معادلة جديدة في غزة، تجعلها قادرة على التدخل الميداني متى أرادت، مع إبقاء الضغوط مستمرة على المقاومة الفلسطينية لمنع تحقيق مكاسب تفاوضية كبيرة، في المقابل، تدرك الفصائل الفلسطينية هذه التكتيكات، ولذلك لا تزال متمسكة بمطالبها الأساسية في أي اتفاق مستقبلي، رغم محاولات إسرائيل فرض قواعد اشتباك جديدة.
شارك برأيك
حرب الإبادة المتدحرجة