بالنسبة لطبقة المُحللين المُحافظين الأميركيين، يلاحظ المراقب أنه قلّما كانت قضاياهم محوريةً في عالمهم السياسي ، بقدر دفاعهم المُفترض عن "حرية التعبير" و "التعديل الأول" في الدستور الأميركي.وقد بنوا على مدار العقد الماضي، حركةً سياسيةً قويةً تُعارض ما يُسمى بثقافة الإلغاء، التي زعموا أنها قيّدت الحوار المُباح وعاقبت المُفكرين الأحرار المُستعدين للتعبير عن آرائهم.
ولكن مع سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد لطرد الطالب، والناشط الفلسطيني، محمود خليل ، الذي يحمل بطاقة إقامة دائمة في الولايات المتحدة "الكرت الأخضر"، والمتزوج من امرأة أميركية المولد والمنشأ، الحامل في شهرها الثامن، من أميركا بناءً على تعبيره السياسي فقط، غيّر العديد من هؤلاء المُدافعين عن حرية التعبير موقفهم.ُ ويظهر اعتقال ومحاولة ترحيل محمود خليل النفاق الواضح للعديد من الأصوات المُحافظة فيما يتعلق بحرية التعبير في أمريكا. فالمحافظون الذين عارضوا سابقًا "ثقافة الإلغاء" بدعوى الدفاع عن حرية التعبير، يُسارعون الآن إلى دعم عنف الدولة ضد منتقدي إسرائيل من خلال اعتقال هؤلاء المُنتقدين وطردهم من المجتمع الأميركي.
وفي الثامن من آذار الجاري، وصل مسؤولون من وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلى منزل خليل واعتقلوه، وفصلوه عن زوجته، ونُقلوه إلى مركز احتجاز في لويزيانا، بعيدا 1000 ميل عن مكان اعتقاله، وهي ولاية قضائية صديقة للقضايا الحكومية ضد المهاجرين. ورغم أن القاضي جيسي فورمان (من المنطقة الجنوبية لولاية نيويورك) قد عرقل مؤقتًا رغبة ترامب في ترحيل محمود فورًا، إلا أن التهديد الموجه إليه لا يزال قائمًا، على الرغم من أن الحكومة الأميركية (التي اعتقلته تعسفيا) لم تقدم ضده أي تهم جنائية، ولم تُقدم أي أدلة تثبت مزاعم إدارة ترامب الدعائية بأنه "يشكل تهديدًا للأمن القومي" وأنه "يحرض على العنف"، على حد تعبير توم هومان، مسؤول الحدود في إدارة ترامب.
في الواقع، أقر كبار مسؤولي البيت الأبيض والحزب الجمهوري بشكل أساسي بأن خليل لم يرتكب أي جريمة. وبرر وزير الخارجية ماركو روبيو محاولته ترحيل خليل بالادعاء - دون دليل - بأنه يدعم حماس و"الأنشطة المعادية للسامية". وهذا يُظهر أنه حتى مع تحريف روبيو لسياسات خليل بشكل صارخ، فإنه في الواقع يحاول ترحيله بسبب سياساته المزعومة. وعندما سُئل عن الجريمة التي ارتكبها خليل، عاد رئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى نقاط الحديث الدعائية دون أي أدلة.
وتجدر الإشارة إلى ما قاله خليل بالفعل في مقابلة مع شبكة CNN عام 2024 ، صرّح محمود قائلا : "كطالب فلسطيني، أعتقد أن تحرير الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي مترابطان ويسيران جنبًا إلى جنب، ولا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر. حركتنا هي حركة من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة للجميع".
ربما لهذا السبب سيطر عدد كبير من المتظاهرين اليهود على ردهة برج ترامب في مدينة نيويورك يوم الخميس الماضي (13/3/25) للمطالبة بالإفراج عن خليل. وقد جادلت إدارة ترامب بأنها تملك سلطة ترحيل خليل بموجب قانون الهجرة والتجنيس لعام 1952، الذي ينص على أن "أي أجنبي يعتقد وزير الخارجية أن وجوده أو أنشطته في الولايات المتحدة قد يكون لها عواقب وخيمة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يكون قابلاً للترحيل". لكن البيت الأبيض لم يوضح كيف أن بوقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة سيتسبب في "عواقب وخيمة على السياسة الخارجية"، إلا إذا اعتبر المرء أن المطالبة بإنهاء الدعم الأميركي لتلك الإبادة الجماعية "يضر " بالأمن القومي الأميركي. وبموجب التفسير الشامل لإدارة ترامب لهذه اللغة، يمكن ترحيل أي مقيم دائم قانوني في الولايات المتحدة ينتقد أي جانب من جوانب السياسة الخارجية لترامب - من رغبة ترامب في احتلال غرينلاند إلى تخليه عن أوكرانيا.
بحسب الخبراء ، يشكل هذا هجوما واضحا على التعديل الأول وحرية التعبير التي يحميها الدستور. وقد سارعت مجموعة واسعة من الأصوات المحافظة التي انتقدت "ثقافة الإلغاء" بشكل متكرر إلى الدفاع عن تصرفات إدارة ترامب القبيحة. وهناك عددا من الأمثلة: المعلق المحافظ تشارلي كيرك ، الذي جعل من مسألة معارضة ما يسمى ب"ثقافة الإلغاء" والدفاع عن حرية التعبير، جوهر خطابه السياسي والدعائي، استخدم النقطة ذاتها للدفاع عن ترحيل محمود، الذي وصفه (كيرك) بأنه "مروج لحماس" وادعى دون دليل أنه "وزع منشورات عن دعاية حماس" - وهي ادعاءات لا أساس لها من الصحة.و اتبع دينيش ديسوزا ، (وهو مهاجر هندي الأصل وجنس أميركيا)، المسار نفسه، حيث جادل ضد "ثقافة الإلغاء" من جهة بينما دعا إلى طرد خليل بناءً على خطابه المسيء المزعوم ضد "الحضارة الغربية"، وهو ادعاء يبدو أنه يستند في الواقع إلى منشور مزيف على إنستغرام.
للإنصاف ، كان هناك استثناءات لهذا النفاق. فقد صرحت آن كولتر، وهي الأكثر شهرة ، بأسلوبها المعتاد، في برنامج X، "لا يوجد تقريبًا أي شخص لا أريد ترحيله، ولكن ما لم يرتكبوا جريمة، ألا يُعد هذا انتهاكًا للتعديل الأول؟". وقد شككت كانديس أوين في عدم وجود تهم جنائية ضد خليل، ودحضت ادعاءات المحافظين بشأن ما قاله خليل.
يشار إلى أنه ، كما هو الحال مع العديد من تصرفات ترامب، فإن هجومه على حق محمود بحرية التعبير، ربما يكون ما فعله قد أدى إلى نتائج عكسية من خلال إثارة رد فعل دراماتيكي من المدافعين عن الحقوق المدنية وحرية الفلسطينيين. فقد تجددت الاحتجاجات في العديد من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأعلن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أنه انضم إلى الفريق القانوني لخليل. وأطلقت العديد من المنظمات حملات شعبية تدعو الجامعات إلى معارضة تصرفات ترامب وحماية حقوق الطلاب. كما اتخذ بعض الديمقراطيين المنتخبين موقفًا لدعم محمود خليل، على الرغم من أن الكثيرين ظلوا صامتين. وأعلن السيناتور كريس مورفي، (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، "اليوم هو محمود خليل. غدًا أنا أو أنت". ونشر الديمقراطيون في لجنة القضاء بمجلس الشيوخ "حرروا محمود خليل" على منصة X وشجبوا نفاق الجمهوريين بشأن حرية التعبير قائلين: "هم مؤيدون جدًا لـ"حرية التعبير" لدرجة أن الجمهوريين سيحتجزونك إذا كنت لا توافقهم الرأي. هذه ثقافة إلغاء حقيقية".
شارك برأيك
اليمين الأميركي يدافع بشدة عن حرية التعبير - إلا إذا كانت مُؤيدة لفلسطين