أقلام وأراء
الأحد 23 فبراير 2025 9:21 صباحًا - بتوقيت القدس
جدل النصر والهزيمة

ما أن تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في 15 يناير2025 ، حتى اشتعلت صفحات الفلسطينيين في مواقع التواصل الاجتماعي بجدل النصر والهزيمة، بين من يعتقد بأن حماس قد انتصرت على إسرائيل بصمودها وإفشالها لخططها بعدم تمكينها من تحقيق أهدافها، ومن يرى بأن حماس هُزمت، ومعيار هزيمتها هو الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وحالة الدمار الهائلة التي ألحقها قصف جيش الاحتلال بالمنازل والمنشآت التعليمية والصحية والبنية التحتية في قطاع غزة، ما جعل منه منطقة لا تصلح للعيش.
وخلال الحروب بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة منذ 2008 حتى 2025، كان السؤال الحاضر دائماً في أوساط الفلسطينيين "هل حققت حماس الانتصار أم لا ؟". صحيح أن حماس حققت في الحروب السابقة مع إسرائيل بعض الإنجازات المطلبية، لكن الأمر في حرب "الإنتقام الإسرائيلية" الأخيرة مختلف، حيث حولت إسرائيل القطاع إلى أكوام من الركام، وقتلت وجرحت عشرات آلاف المدنيين على نحو لم يحدث في كافة الحروب العربية الإسرائيلية منذ 1948، وهو ما دفع بحماس لمحاولة تجاوز ذلك، بأن خرج مقاتلوها من الأنفاق إلى الشوارع في استعراضات عسكرية بعد إعلان وقف إطلاق النار، ونظمت عروضاً خلال عمليات تسليم الرهائن الإسرائيليين للصليب الأحمر، حملت وتحمل رسالة تؤكد على جودها، وعدم القدرة على تجاوزها في أية ترتيبات لما بعد انتهاء الحرب. لكن الحقيقة أن حماس لم تحقق نصراً حاسماً، ولم تلحق بها هزيمة مطلقة، بل حافظت على بقائها.. ولكنه بقاء باهظ الثمن.
وخلال عمليات تبادل الأسرى في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مررت حماس بشكل لافت رسائل كثيرة موجهة للفلسطينيين والإسرائيليين وللعالم بشكل عام، مفادها بأن إسرائيل لم تتمكن من القضاء عليها، وأنها قادرة على ترميم قدراتها العسكرية، وربما الأهم بأنها لا تزال تحكم غزة. ففي كل يوم سبت لعمليات تبادل الأسرى، بثت حماس مشاهد للرهائن الإسرائيليين وهم يلوحون بأيديهم، على منصات نصبت في مواقع مختلفة من قطاع غزة، ووقف إلى جانبهم مقاتلو حماس يرتدي بعضهم بزات عسكرية إسرائيلية، وآخرون يحملون أسلحة إسرائيلية غنموها في هجوم 7 أكتوبر، بالإضافة إلى ما حملته اليافطات المعلقة في مواقع التبادل من عبارات تؤكد على نصرها.
وكانت مشاهد مئات آلاف النازحين العائدين من جنوب القطاع إلى شماله، تحمل أيضاً رسائل مفادها، بأن جيش الإحتلال فشل بعد أكثر 100 يوم من العمليات العسكرية التدميرية، في إجبار الفلسطينيين على إخلاء شمال القطاع، لتنفيذ خطة الجنرالات لخلق منطقة عازلة بين القطاع وإسرائيل، وإنهم يعودون إلى مناطقهم رغم علمهم بأن منازلهم ومزارعهم ومدارسهم ومساجدهم ومنشآتهم العامة قد دمرت بالكامل. كما أن مشاهد الأعداد الكبيرة من الأسرى الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية، وهم يلوحون بإشارة النصر، ومهرجانات استقبالهم في رام الله ومدن أخرى في الضفة الغربية، خدمت صورة نصر حماس.
وكما يدور جدل حول النصر والهزيمة بين الفلسطينيين، تشهد الساحة الإسرائيلية جدلاً مشابهاً، فالحكومة الإسرائيلية ببياناتها وتصريحات مسؤولين فيها، أفادت وتفيد بأنها حققت النصر على حماس بتمكنها من القضاء على قدراتها العسكرية، وتصفية الصف الأول من قادتها العسكريين والسياسيين، وشل قدراتها على مواصلة الحكم في قطاع غزة، ومنع تهريبها للأسلحة من خلال السيطرة على محور صلاح الدين (فيلاديلفيا) وعلى معبر رفح مع مصر، بالإضافة إلى أنها عملت وتعمل على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. إلا أن محللين إسرائيليين ووسائل إعلام إسرائيلية يرون عكس ذلك، فصحيفة هآرتس مثلاً قالت "إن مشهد عودة مئات آلاف االغزيين إلى مناطقهم في شمال القطاع، ومشاهد عمليات تبادل الأسرى التي تنظمها حماس، هي تحطيم لأوهام النصر الكامل التي سوقها بنيامين نتنياهو"، أو بكلمات عاموس هرئيل المحلل العسكري الأبرز في مقالة له بالصحيفة ذاتها "مع عودة السكان الفلسطينيين إلى شمال غزة وارتفاع التحديات العسكرية والسياسية، يبدو أن نصر نتنياهو لا يعدو عن كونه مجرد وهم، بينما تقترب المنطقة من مرحلة جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى".
ولأن الحرب شكل عنيف من أشكال السياسة، فإن مسألة النصر أو الهزيمة تتعلق بما يتم تحقيقه من أهداف خلالها، ففرض الشروط مثلا يعتبر نصراً، والفشل في ذلك يُعد هزيمة، خاصة إذا انطوى الفشل على مخاطر استراتيجية ووجودية بحق الطرف الذي يشن الحرب. وهذا ما حدث لإسرائيل، لفشل حكومتها في تحقيق ما اعلنته من أهداف "عسكرية"، ولرفض بنيامين نتنياهو تحديد استراتيجية واضحة قابلة للتحقيق لما بعد الحرب، للتوصل لانتصار لم تحققه إسرائيل، ولكنه يسعى لتحقيقه لـ "ضمان بقائه" في الحكم!! .. لكن إذا كن معيار النصر لدى إسرائيل هو الولوغ بدم المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، وتدمير مقومات حياتهم المادية والمعنوية، فإنها انتصرت بالفعل .
ولأن الكثير من الحروب في العالم لم يتحقق فيها النصر الحاسم، جرى استبداله بمصطلح "النصر النسبي أو الجزئي"، الذي يدعيه الطرفان المتحاربان، لاقناع الرأي العام المحلي والخارجي بأن تحقيق بعض الأهداف هو نصر في حد ذاته، على الرغم من الكلفة المادية والبشرية والمعنوية المدفوعة مقابل تلك الأهداف الجزئية المتحققة. ولكن عند الخوض في جدلية من المنتصر يتعين الإجابة على السؤال: كيف يتحقق النصر وما معاييره ودلالاته؟ .. هناك جملة معايير صريحة ودلالات تؤشر على تحقق النصر، كاعتراف أحد الأطراف بالهزيمة، أو توقيع اتفاقية أو معاهدة سلام تقر نتائج الحرب لمصلحة أحد الطرفين، أو إعلان الاستسلام، وحتى تكون النتيجة حاسمة أيضاً، لا بد من أن يكون النصر المتحقق دائماً لا مؤقتاً. وبخلاف ذلك، يصبح مفهوم النصر تقييماً أو رأياً، وتبقى نتيجة الحرب مفتوحة للتأويلات
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
توماس فريدمان: هذا أكثر ما يثير الرعب في هذيان ترامب بشأن غزة
عن صحيفة "نيويورك تايمز"
بين متلازمة غزة ومتلازمة تل أبيب
بهاء رحال
قبلة على جبين المقاومة تحت ظل العلم
حديث القدس
قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية
دلال صائب عريقات
عملية الحافلات في "بات يام".. وراء الأكمة ما وراءها
راسم عبيدات
نجاح المقاومة مع استمرار التفاوض
حمادة فراعنة
رأي الذكاء الاصطناعي بخطة التهجير
بقلم عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
“في ميونخ يناقشون أخطار الذكاء الاصطناعي… ونحن نعيش الذكاء المُستَبدّ!”
بقلم : صدقي أبوضهير/ باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
تخليق الذرائع قبل جلب المدافع!
ابراهيم ملحم
العودة بالتوابيت.. قرار إسرائيلي
حديث القدس
النطاسي في زنزانة
بهاء رحال
في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية
جهاد حرب
واشنطن والخطة العربية لغزة.. بين إعادة الإعمار وإعادة الترتيب السياسي
مروان اميل طوباسي
"غزة وجنين جميلتان بأهلهما فقط"
حديث القدس
بعد 500 يوم .. تفجعونـ(نا) بقتل رهائنـ(كم)
حمدي فراج
أولوية إعمار غزة: إزالة الركام والعمل على البنية التحتية وإعادة تأهيل المجتمع نفسياً واقتصادياً
المهندس محمد الحلبي المدير الأسبق لمؤسسة االرؤيا العالمية
"سيكولوجية الجماهير": قوة الحشود وتأثيرها على الأفراد
سهى زيدان
أمريكا وإسرائيل عدوانية غير مسبوقة
راسم عبيدات
إسرائيل وتهديد القمة العربية
أنطوان شلحت
مأزق الانقسام الفلسطيني
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
ترامب: لن أفرض خطة غزة.. وفوجئت برفض مصر والأدرن
الرئيس يقدم للقمة العربية الطارئة الرؤية الفلسطينية لمواجهة التحديات في المرحلة المقبلة

بدء تسليم الدفعة السابعة من الأسرى الإسرائيليين في غزة
وفاة أسير محرر إثر سقوطه من علو في العيسوية
قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية

"إسرائيل" تعطل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين و"حماس" ترد
602 أسيرا فلسطينيا يُطلَق سراحهم السبت وإسرائيل تؤكد استلام قائمة رهائنها
الأكثر قراءة
602 أسيرا فلسطينيا يُطلَق سراحهم السبت وإسرائيل تؤكد استلام قائمة رهائنها
نتنياهو من مخيم طولكرم: أصدرت الأوامر بتعزيز القوات في الضفة الغربية
«حماس» تعلن تسليم جثمان الرهينة الإسرائيلية شيري بيباس
طوباس: 3 شهداء في مخيم الفارعة والاحتلال يحتجز جثامينهم
"عيوننا عليكم".. رسائل الاحتلال الإسرائيلي على مباني رام الله
عباس رافضا دعوات التهجير: فلسطين ليست للبيع

ترامب: لن أفرض خطة غزة.. وفوجئت برفض مصر والأدرن

أسعار العملات
الأربعاء 19 فبراير 2025 10:18 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.54
شراء 3.53
دينار / شيكل
بيع 5.0
شراء 4.99
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 686)
شارك برأيك
جدل النصر والهزيمة