أقلام وأراء
الجمعة 07 فبراير 2025 9:39 صباحًا - بتوقيت القدس
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/cc1d7217a0bd5f1ff79623fd321fbca1.jpg)
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي، هذه كلمات الشاعر الفلسطيني الكبير المرحوم سميح القاسم، رأيته في العائدين من جنوب غزة إلى شمالها بعد اتفاقية وقف إطلاق النار، صوت الناس المتعطشين للعودة يقول: لن يتكرر الهجيج الذي جرى عام النكبة 1948، نحمل جثثنا وآلامنا وما تبقى من حطام الروح، وما تبقى من هواء الأرض ونمشي ثم نمشي، لا شيء يوقفنا، لأن وقوفنا موتنا، الضحايا تنهض وتتنفس بدمها ولحمها وترفض الدفن والنسيان.
نحن الشعب الفلسطيني نقول للرئيس الأمريكي ترامب ولمخططاته العدوانية الرامية إلى تهجير أبناء شعبنا في قطاع غزة، وتدمير المخيمات ووكالة غوث اللاجئين كعنوان أممي وحقوقي لحق العودة: أنت لا تعرف الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي يبني كيانه ودولته حجراً حجراً، ينتشل الشهداء من تحت الأنقاض، الشهداء يعودون ويشاركون في البناء، المأساة الفلسطينية في ثقافتنا لها معنى، فنحن عشاق حرية، عشاق المكان إلى درجة الموت، إلى درجة الانعتاق والتحرر، لا نملك سوى دمنا وقيدنا، ومن حقنا أن نعلن دولتنا المستقلة فوق أجساد شهدائنا، على صخرنا وفي سمائنا وفي بحرنا، فدمنا هو لغتنا، نحن شعب يتصبب شمساً وحرية.
إن مشهد عودة النازحين في قطاع غزة يقول: لا تخف، إننا أمة لو جهنم صبت فوق رأسها واقفة، هذه كلمات الشاعر العربي مظفر النواب يتردد صداها في غزة، والتي لا تنطبق إلا على الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي تركته الأمة العربية وحيداً يذبح في أبشع إبادة دموية في العصر الحديث، هذا الشعب أعلن النفير، حمل جروحه وآلامه وبؤسه ومتاعه وهدم الخيمة، عاد مشياً على الأقدام إلى مكان سكنه في شمال غزة، وأبعد من كل ذلك، إلى البيوت والمنازل المهجرة التي هجر منها عام النكبة، البيت والأرض والذكريات، هدم السياج والخوف وعاد، نحن هنا باقون على صدوركم كالجدار، وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار، لن نرحل، سنقيم فوق الركام ونبدأ من جديد، لن يقتلعنا أحد، لا قسراً ولا طوعاً، نعود إلى منازلنا لأن البيوت تموت إذا غاب سكانها، إنها العودة العنيدة والإصرار على البقاء.
الشعب الفلسطيني خرج من المجزرة، اغتسل الشهداء ونهضوا ليشاركوا في بناء الحياة مرة أخرى، وبعد مسافات طويلة وشاقة، وبأقدام حافية ومتعبة، وصلوا إلى منازلهم التي دمرتها الصواريخ والمتفجرات، وكان هناك يافطة كتب عليها: غزة ترحب بكم من جديد، تلاشت الأوجاع، إنه وعد العودة، الأمل الذي أذاب المسافات وحطم اليأس، الأمل الذي صنع من جزمة الفدائي أفقاً، النازحون وصلوا إلى شمال غزة، انفجر الحنين مرة واحدة، الحنين في أرض الولادة معركة، اختلط الفرح بالوجع والمشاعر الجارفة، دمنا دلنا على الطريق، البيوت رحبت بسكانها وألقت عليهم السلام، وها نحن نستند إلى حائط مهدم، نجلس على التراب، وهنا بدأت الشوارع والحارات تتكلم، صوت الشهداء يمتزج بصوت الآذان، الأحياء يصافحون الشهداء، تجتمع العائلة بعد غياب.
هل شاهد الرئيس ترامب مشهد العودة الأسطوري؟ شعب لن يموت، شعب مولود تحت ضربات القنابل والانفجارات، شعب يقوم من تحت الخراب، شعب يبني بيته فوق جسده، شعب ينظف بقايا الموت عن عتبة الدار، أطفال يلعبون بما عثروا عليه من أشيائهم الصغيرة تحت الإسمنت والحديد، نسمع من يدق المسامير في الخشب، ونرى من يجمع الحجارة ويوقد النار ويعلن أن غزة تنتقل إلى ورشتها، ذهب الموت وجاءت الحياة.
كيف عادوا وقد أصبحت غزة مكاناً لا يصلح للعيش والسكن كما ظنوا؟ غزة عادت إلى العصور الحجرية كما قال جنرالات الحرب في تل أبيب، لكنهم لا يعرفون أن الشعب الفلسطيني ليس بوسع أي حرب أن تطرده من أرضه، هذه الأرض خصيبة رغم الحريق والجحيم، هذه الأرض قادرة على التجدد والنماء، فيها الماء والدم والتراب والهواء، فيها البحر والمد والجزر والطوفان والرمل والتاريخ والبذور، الأجساد المعجونة بالطين ما زالت طازجة، كيف عادوا؟ إنها معجزة، وعلى العالم أن ينحني الآن للشعب الفلسطيني الذي كلما انهار المكان أعاد تركيب المكان، يبني حياته ألف مرة ومرة، وهنا باقون للمرة التي لا تحصى، نرمم ما بداخلنا من فقدان وأحزان ونمسك فأساً وحجراً ، نزرع شجرة، نكتب نشيدنا الوطني، إنها هوية الروح منذ الأزل وإلى الأبد، لا مكان آخر لنا، فمن المقبرة إلى الأرض ومن الأرض إلى المقبرة.
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي، نستقبل الأسرى المحررين كل يوم سبت، شارة نصر وفرح ودهشة، حررنا يوم السبت من طقوسهم الخرافية، آلامنا حولناها إلى زفاف، تحرر الأسرى من أحكام المؤبدات، خرجوا من المقابر العميقة، وقد رأيت الأسير زكريا الزبيدي حراً مرتين: مرة عندما حفر نفقاً تحت سجن جلبوع ووصل مدينة الناصرة، ومرة عندما حفر نفقاً في الوعي الصهيوني الذي أصيب بالصدمة عندما شاهد الشهداء يحملون الأحياء على أكتافهم في شوارع رام الله، يرفعونهم أعلى وأعلى من جدران سجونهم ومن جرائمهم المتوحشة.
المفارقة أن الوعي اليهودي احتاج إلى كل هذا الزمن الطويل من القتل والهدم والاعتقالات حتى يستيقظ وينشئ هيئة شؤون أسرى، ويطالب بحرية المحتلين من الشعب الواقع تحت الاحتلال، وكأنه لم يكن يرانا نرزح سنين طويلة بين القضبان، الصورة المتعاكسة ليست متشابهة، لكن مفتاح السجن لم يعد في يد السجان .
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي، وأسمع الأعداء يصرخون: لقد فشلنا، لقد هزمنا، ونحن من دمر غزة بآلاف من أطنان القنابل والصواريخ، غزة تعود إلى حياتها اليومية، لم يهاجر سكانها، لم يستسلموا، لم تعلمنا هذه الحرب الأوسع والأكثر طغياناً في التاريخ المعاصر أن المأساة الفلسطينية تقرأ بطريقة جدلية، لم نتعلم أنه كلما أوغلنا في القتل والمذابح تخنقنا دماء الفلسطينيين، وتنفجر من تحتنا آلاف القنابل، لم يهاجروا، بل فر الآلاف من الإسرائيليين إلى الخارج حسب تقارير الصحف العبرية، وأسمع الأعداء يصرخون: هذه الأرض لا تعرفنا، تلفظنا، القوة العسكرية والجدران الحديدية لا تصنع حقاً ولا تاريخاً في هذه المنطقة.
عودة النازحين إلى بيوتهم في غزة عبرت عن عجز الاحتلال عن الحياة مع قوة الحياة التي يعبر عنها الفلسطينيون، لهذا لا يعرفون العيش إلا داخل ملجأ أو دبابة، إن العائد إذا عاد لا يعود إلا إلى وطنه، ونراهم الآن يهاجمون المخيمات بشراسة وسادية وهمجية، لأن صفيح المخيم تحول إلى سماء، المخيم وعاء الجسد المؤقت، المخيم فاتحة الطريق، الفلسطيني اللاجئ يعيد بناء الفكرة كما يعيد بناء جسده ويعيد بناء بيته، ويعيد بناء مخيمه ويقاتل.
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي، وما زال الشاعر سميح القاسم في شمال غزة، طعام الشهيدة يكفي شهيدين، وطعام الأسيرة يكفي أسيرين، نجلس هنا فوق أرضنا، نعمرها بأيدينا وبجوعنا وبدموعنا، يجمعنا الخبز والملح وأشلاؤنا بلقمة العودة ومائدة المصطبة، نصوم شهر رمضان ونصلي صلاة الفجر العظيم في المسجد الأقصى، نحن شعب يستعصي على الإبادة.
وها نحن أبناء أحيائنا عائدون
على عربات المنافي
ومن دمدمات المجازر
ومن همهمات المحاور
ومن تمتمات المقابر
ومن صرخات السجون
أجل عائدون
دلالات
اعتدال ابوقمر قبل حوالي 19 ساعة
حروف لرسالة الكل الفلسطيني ...تؤكد اننا شعب الجبارين ....الذي ينتفض من بين الركام كالعنقاء تحلق بعنان السماء حينما ظن البعض موتها.... خسئتم يامن تراهنون على الرحيل ....نحن شعب تعشقنا ارضنا وترفض الحياه دونما
الحاج موسى جرادات قبل حوالي 23 ساعة
دامت الحروف وسلم اليراع ودام نبض الحرية والمجد داىما لاصحاب القيم النضالية والأخلاقية والانسانية في اطارديننا الحنيف الانتماء الصادق للدين والوطن والشعب بكرامة الانسان التي منحها الله للبشر في قوله تعالى: (أنا كرمنا
المزيد في أقلام وأراء
هل أصبحنا مدمنين على السرعة؟ تيك توك، العقل، وفقدان الصبر!
بقلم : صدقي ابوضهير : باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
الذكاء الاصطناعي ووهم المعرفة
بقلم: عبد الرحمن الخطيب، مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
الجنائية والجُناة!
ابراهيم ملحم
تغييب وترهيب
حديث القدس
الرئيس ترمب والتهجير والاستيلاء على غزة
فراس ياغي
زيارة 1987.. عن مخيم الفارعة وصوت الشيخ إمام ويويا وإرهاصات الانتفاضة
توفيق العيسى
أوهام ترمب.. إعلان حرب
حديث القدس
هجوم "الصدمة والرعب".. هل يحقق أهدافه؟
جيمس زغبي
لقاء نتنياهو مع ترامب
حمادة فراعنة
من يأخذ قلم ترامب من يده؟
بهاء رحال
مشروع ترامب للتطهير العرقي.. استهداف لفلسطين قضية وهوية
راسم عبيدات
اليوم الإسرائيلي - الأمريكي التالي لغزة والضفة
نبهان خريشة
المجنون!
ابراهيم ملحم
حرب ترامب الاقتصادية
حمادة فراعنة
العالم على كف "رئيس"
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
محمد جودة
عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل
حديث القدس
المشهد الراهن والمصير الوطني
جمال زقوت
الخيار العسكري الإسرائيلي القادم
راسم عبيدات
ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!
د. إبراهيم نعيرات
الأكثر تعليقاً
ترامب: الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتصبح مالكة له
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/7b8112957c31df0e4436a02ba0b5b22f.webp)
العالم على كف "رئيس"
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/cab3842b3bbac2835a1bc7b83e104c1a.webp)
الرئيس ترمب والتهجير والاستيلاء على غزة
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/83aead7a0a093fe0a7bb6ddc38ae0110.webp)
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/cc1d7217a0bd5f1ff79623fd321fbca1.jpg)
الرئيس عباس يصدر قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة مجلس تنظيم قطاع المياه
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/411a6d0564b671d13622fb2f98fbd813.jpg)
"حماس" تطالب بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع التهجير
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/e1dfcdabbf5cd2566bd190000e8a7e0a.jpg)
اتفاق التهدئة.. هدنة دائمة أم فاصل بين جولتين؟
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/7c968425137b750114bde81645fc1b7f.webp)
الأكثر قراءة
رئيس الأركان الإسرائيلي بعد مقتل جنديين في الضفة: سنتعلم الدرس
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/50f237ba9dfd5403be5c9aa7e5647c69.webp)
"الأونروا": الوضع في مخيم جنين كارثي وجميع سكانه نزحوا
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/2844ec68a0e87c2dc7389f9b1032c765.webp)
ترامب: الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتصبح مالكة له
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/7b8112957c31df0e4436a02ba0b5b22f.webp)
نتنياهو يهدي جهاز بيجر لترامب والأخير يعلق
"العفو الدولية": ترمب يضاعف ترحيبه بنتنياهو بعدم اعتقاله أو إخضاعه للتحقيق
الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية يعربان عن رفضهما لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/2a079486226ab8dc2477357009a667e0.jpg)
العالم على كف "رئيس"
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/cab3842b3bbac2835a1bc7b83e104c1a.webp)
![](/assets/block_backgrounds/finance1-27a30c25.jpg)
أسعار العملات
الخميس 06 فبراير 2025 8:54 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
يورو / شيكل
بيع 3.67
شراء 3.68
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 582)
شارك برأيك
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي