فلسطين
الجمعة 17 يناير 2025 7:58 صباحًا - بتوقيت القدس
اتفاق وقف النار في غزة.. استعارة من "أوسلو" في التدرج المرحلي
رام الله -خاص بـ"القدس" دوت كوم
نور عودة: في اتفاق غزة هناك استعارة واضحة من "النمط المرحلي" الذي ميّز اتفاق أوسلو حيث يعتمدان على مراحل واستمرار التفاوض
د. حسين الديك: اتفاق غزة مثّل تحولاً في مواقف الحكومة الإسرائيلية بعد تدخل حاسم من ترمب ما دفع نتنياهو لتقديم تنازلات
د. عبد المجيد سويلم: الشعب الفلسطيني رغم ما تعرض له من ويلات الحرب والدمار لم يُبدِ أي استعداد للاستسلام أو القبول بالهزيمة
نعمان عابد: الاتفاق إنجاز مهم لوقف المذبحة لكنه لم يحقق نصراً كاملاً أو تسوية سياسية شاملة تعيد الكينونة للقضية الفلسطينية
د. عقل صلاح: الاتفاق يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه فشل اتفاقيات السلام السابقة في منح الشعب الفلسطيني حقوقه
سليمان بشارات: الاتفاق تحول إيجابي على صعيد وقف المأساة الإنسانية والإبادة وإسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها الاستراتيجية
وسط تصاعد حدة الأزمة في قطاع غزة التي استمرت أكثر من 15 شهراً، وخلفت دماراً هائلاً وآلاف الضحايا، تم التوصل مساء أول من أمس الأربعاء، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية مصرية-قطرية-أمريكية، إلا أن الاتفاق قد يصطدم بإمكانية خرق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو له، والاستمرار بالمقتلة مجدداً.
بالرغم من الأهمية الظاهرة للاتفاق في إنهاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، فإن كُتاباً ومحللين سياسيين ومختصين يرون في أحاديث منفصلة مع "ے" أنه لا يشكل تسوية سياسية شاملة للقضية الفلسطينية، حيث إن البنود تركز بشكل أساسي على تداعيات الحرب وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل العدوان، فيما يعكس الاتفاق حالة من التراجع الاستراتيجي لإسرائيل بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية من الحرب.
من جهة أخرى، يرى بعض الكتاب أن الاتفاق يمثل إنجازاً مرحلياً للمقاومة الفلسطينية، التي تمكنت من فرض شروط جديدة في الصراع، مع المحافظة على تماسكها وصمودها رغم وحشية العدوان، فيما لا يرى البعض أن الاتفاق "نصر" للشعب الفلسطيني، بل هو وقف للإبادة والمقتلة فقط.
الاتفاق الحالي يمثل "اتفاق إطار"
تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية المتخصصة بالشأن الدبلوماسي والعلاقات الدولية نور عودة أن الأهمية الرئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار الحالي تكمن في أنه يضع حداً للمقتلة المستمرة في قطاع غزة، ما يتيح لأهالي القطاع فرصة للملمة جراحهم واستيعاب الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بهم خلال الأشهر الخمسة عشرة الماضية.
وتشير عودة إلى أن ما جرى يمثل كارثة إنسانية ستحتاج أشهراً وربما سنوات لاستيعابها وفهم أبعادها على الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية ككل.
وتوضح عودة أن أي خطوة توقف العدوان يجب أن تكون مرحباً بها، مشيرة إلى أن الاتفاق الحالي يمثل "اتفاق إطار"، حيث تركز المرحلة الأولى منه على وقف العدوان والتعامل مع تداعياته، لكنها تشدد على أن التفاصيل الواضحة حتى الآن تقتصر على هذه المرحلة، في حين لا تزال المرحلتان الثانية والثالثة رهن المفاوضات التي تتطلب تدخلاً سياسياً دولياً لضمان التنفيذ.
وتؤكد عودة أن غياب التدخل الدولي يهدد بإعادة استئناف العدوان على قطاع غزة في حال تراجحت حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو استكمال "المقتلة"، مشيرة إلى أن هذه المخاطر ليست بعيدة عن الواقع.
وتشير عودة إلى أن الحسابات السياسية لنتنياهو والقرارات المتوقعة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد تكون عوامل رئيسية في تقرير مصير الاتفاق واستمراره.
وتؤكد عودة أن الأولويات السياسية الأميركية وكيفية تصرف ترامب قد تلعب دوراً محورياً في إقناع نتنياهو بعدم العودة للعدوان.
وتحذر عودة من أن هناك خطراً استراتيجياً يهدد الوجود الفلسطيني، لا سيما في الضفة الغربية، حيث يسعى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بضم الضفة الغربية، وقتل أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تشمل القدس وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتشدد عودة على أهمية الحوار الفلسطيني الداخلي لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا الاتفاق، لا سيما فيما يتعلق بالمرحلتين الثانية والثالثة، حيث ستتضمن هذه المراحل قضايا رئيسية تتعلق بإدارة قطاع غزة بعد الحرب.
وتؤكد عودة أن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف الفلسطينية لضمان الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، داعية إلى تأسيس رؤية فلسطينية مشتركة تبتعد عن الحسابات الفصائلية الضيقة وتنتصر للحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
وترى عودة أنه في اتفاق غزة هناك استعارة واضحة من "النمط المرحلي" الذي ميز اتفاق أوسلو، حيث يشترك الاتفاقان في اعتمادهما على مراحل واستمرار التفاوض، مشيرة إلى أن هذه الاستعارة تثير القلق والتشاؤم لدى كثيرين.
وتوضح عودة أن الفارق الجوهري يكمن في أن اتفاق أوسلو تعامل مع كينونة سياسية واحدة للفلسطينيين بينما هذا الاتفاق يتعامل مع غزة وحدها دون التطرق للقضايا السياسية الكبرى مثل مستقبل القدس وباقي الضفة الغربية والاستقلال والعودة.
وتؤكد عودة أن منظمة التحرير الفلسطينية، التي قادت مفاوضات أوسلو، كانت تمتلك التفويض الشعبي والسياسي كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين رغم الخلافات التي أثارها الاتفاق، أما في الحالة الحالية، فقد تم التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار مع فصيل فلسطيني بعينه، ما يُبرز غياب الإجماع السياسي والشعبي ويعزز من مخاوف تأثيره على مستقبل الوحدة الفلسطينية.
وتحذر عودة من المخاطر الاستراتيجية التي قد تنجم عن غياب رؤية فلسطينية موحدة، مؤكدة أن الاتفاق يتطلب تعاوناً فلسطينياً شاملاً لضمان استمرار الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتشدد عودة على أهمية الحوار الفلسطيني الداخلي لتأسيس حكم تشاركي ورؤية وطنية مشتركة قادرة على مواجهة التحديات السياسية والإقليمية، والوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وتؤكد عودة أن المستقبل الفلسطيني يواجه خطراً استراتيجياً يتطلب الوعي وإعادة صياغة للواقع السياسي، وأنه دون ذلك الحديث عن اعادة البناء والتحرر والاستقلال يصبح الأمر عبثياً.
رسالة من ترمب لنتنياهو أرغمته على تغيير مواقفه
يصف الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي د. حسين الديك أن اتفاق الهدنة في قطاع غزة بأنه تاريخي، وجاء برعاية مصرية-قطرية-أمريكية، ليطوي الآلالم بعد حرب مدمرة استمرت لأكثر من 15 شهرًا على القطاع، حيث أن الاتفاق، الذي مثّل تحولًا في مواقف الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، جاء بعد تدخل حاسم من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب.
بحسب د. حسين الديك، فإن ترمب أرسل مبعوثه الخاص إلى تل أبيب لإبلاغ نتنياهو رسالة واضحة: "الرئيس يريد توقيع الاتفاق خلال أيام"، وهذه الرسالة دفعت نتنياهو إلى تغيير مواقفه، ليس فقط بالموافقة على الاتفاق، بل أيضاً بتقديم تنازلات ملموسة، وهذه التنازلات حققت لحركة حماس مكاسب جوهرية، خاصة في القضايا التي رفضتها إسرائيل سابقاً، مثل الانسحاب الكامل من قطاع غزة ووقف إطلاق النار النهائي بعد المراحل التنفيذية الثلاث للاتفاق.
ويوضح الديك أن الاتفاق يُعد تطوراً مهماً كونه ينهي واحدة من أطول الحروب التي دمرت غزة بشكل واسع، وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
ويتطرق الديك إلى أهم بنود الاتفاق التي تشمل:ووقف إطلاق النار النهائي بعد مرحلة ثالثة يتم تنفيذها تدريجياً، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة، وهو مطلب كانت الحكومات الإسرائيلية ترفضه بشكل قاطع، وإعادة الإعمار والتعويض حيث نص الاتفاق على بدء عملية إعادة الإعمار، لكنه لم يحدد آليات التنفيذ أو الجهة المسؤولة عن إدارة العملية في غزة، مما يترك هذا البند في حالة من الغموض.
القضية الأخرى بالاتفاق يصفها الديك بأنها محورية هي إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، فالمرحلة الأولى تشمل الإفراج عن 250 أسيراً من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، ما يمثل إنجازاً غير مسبوق، خصوصاً إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية التي قد تؤدي إلى خلو السجون الإسرائيلية من أسرى المؤبدات تماماً.
رغم المكاسب الظاهرة، يشدد الديك على أن هذا الاتفاق لا يمكن اعتباره اتفاق سلام بين حركة تحرر ودولة احتلال. فهو لا يتناول القضايا السياسية الجوهرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مثل:ومستقبل الحدود والسيادة، ومصير اللاجئين، وإدارة قطاع غزة والمعابر الدولية.
ويلفت الديك إلى أن الاتفاق يتعامل فقط مع التداعيات المباشرة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وينص على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023.
في هذا السياق، يؤكد الديك أن الاتفاق في غزة لا يحمل أي بُعد سياسي مستقبلي، ولا يضمن حلاً دائماً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ويرى الديك أن المقارنة بين هذا الاتفاق واتفاق أوسلو غير منطقية، فبينما جاء أوسلو في سياق تفاوض سياسي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، هدف هذا الاتفاق إلى إنهاء العمليات العسكرية ووقف الدمار في غزة، كما أن أوسلو تضمن وعوداً سياسية مثل إقامة دولة فلسطينية، بينما يغيب هذا البعد تماماً في الاتفاق الحالي.
ويُشير الديك إلى أن الاتفاق جاء في ظل ظروف دولية وإقليمية ضاغطة، حيث ان الإدارة الأمريكية الجديدة لعبت دوراً رئيسياً في دفع الأطراف إلى الاتفاق، فيما وفرت مصر وقطر غطاءً دبلوماسياً لتنفيذه، ومع ذلك، يبقى الاتفاق مرهونًا بتحديات عدة، أهمها آلية تطبيق البنود المتعلقة بإعادة الإعمار وضمان وقف العدوان المستقبلي.
ويؤكد الديك أن هذا الاتفاق يمثل إنجازاً مرحلياً لحركة حماس وللشعب الفلسطيني، لكنه يترك العديد من الأسئلة الجوهرية دون إجابة، وهو اتفاق لإنهاء أزمة حادة وليس لتسوية الصراع الطويل، ما يعني أن القضية الفلسطينية ستبقى في حالة من عدم الاستقرار السياسي في غياب حلول شاملة وعادلة.
إرادة الفلسطينيين ستؤسس لمرحلة جديدة في الصراع
يرى الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم أن اتفاق وقف النار في غزة يشكل حدثاً عظيماً، انطلاقاً من زوايا أساسية عدة، أهمها وقف آلة القتل والدمار حتى وإن كان ذلك مؤقتاً ولمدة 42 يوماً فقط، ورغم احتمالية خرق إسرائيل للاتفاق أو سعيها لإفشاله مستقبلاً، فإن وقف الإبادة والعدوان بحد ذاته يعد إنجازاً كبيراً، خصوصاً مع التدهور الملحوظ في الوضع الداخلي الإسرائيلي، والانفجارات السياسية والاجتماعية التي باتت تظهر فيه.
ويؤكد سويلم أن أي إخفاقات أو انتهاكات إسرائيلية محتملة للاتفاق لا تقلل من أهميته، بل تثبت أن هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول في الصراع، موضحاً أن التهدئة المؤقتة قد أوقفت حمام الدم ومنحت الفلسطينيين فرصة لالتقاط الأنفاس والاحتفاء بكرامتهم الوطنية، التي صمدت أمام آلة الحرب.
ويرى سويلم أن الاتفاق لم يقتصر على وقف القتل فقط، بل حقق مكاسب معنوية للشعب الفلسطيني، ويظهر ذلك جليًا في فرحة المواطنين واعتزازهم بما تحقق، كما أن الاتفاق ألقى بظلاله على المشهد الإسرائيلي الداخلي، حيث أثار ردود فعل غاضبة في أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف، في حين رحبت به الشعوب العربية والأحرار حول العالم كإحباط واضح للمخططات الإسرائيلية التي فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة.
ويشير سويلم إلى أن المقاومة استطاعت من خلال هذا الاتفاق أن تحافظ على كرامتها وصمودها، ما يعزز مكانتها كقوة كفاحية على الأرض.
ويؤكد سويلم أن الاتفاق أثبت أن الشعب الفلسطيني رغم كل ما تعرض له من ويلات الحرب والدمار، لم يُبدِ أي استعداد للاستسلام أو القبول بالهزيمة، بل على العكس، أظهرت الأحداث أن إرادة الفلسطينيين ستؤسس لمرحلة جديدة في الصراع.
ويشيد سويلم بالتكامل المميز بين الأداء الميداني للمقاومة والتفاوض السياسي والعمل الإعلامي، واصفاً هذا التناغم بأنه كان حاسماً في تحقيق هذا الاتفاق.
ويرى سويلم أن حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة قد أظهرت صموداً وإتقاناً في إدارة معركة التفاوض، جنباً إلى جنب مع إدارة المعركة العسكرية والإعلامية.
ويعتقد سويلم أن الأداء الكفاحي منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم تميز بالتخطيط المحكم والقدرة على فرض معادلات جديدة في الصراع، وهذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الإرادة الصلبة للمقاومة، والتي ستظل تلعب دوراً محورياً في تشكيل مستقبل القضية الفلسطينية.
ويشيد سويلم بالتكامل المميز بين الأداء الميداني للمقاومة والتفاوض السياسي والعمل الإعلامي، واصفاً هذا التناغم بأنه كان حاسماً في تحقيق هذا الاتفاق.
ويرى سويلم أن حركة حماس وفصائل المقاومة، واضطرت في النهاية إلى توقيع اتفاق مع من كانت تسعى إلى القضاء عليهم.
ويعتقد سويلم أن الأهداف الإسرائيلية، سواء المعلنة أو الخفية، قد سقطت بشكل كامل، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تعد قادرة على فرض رؤيتها لما يسمى "اليوم التالي" بعد الحرب، كما يرى أن توازنات الإقليم والمقاومة الفلسطينية أصبحت العامل الأساسي في صياغة المرحلة المقبلة، ما يضعف الهيمنة الإسرائيلية.
ويشدد سويلم على أن هناك فرقاً كبيراً بين هذا الاتفاق واتفاق أوسلو، فبينما كان أوسلو محاولة لتأسيس سلطة حكم ذاتي ضمن إطار الهيمنة الإسرائيلية، فإن الاتفاق الحالي يُظهر فشل إسرائيل وتراجعها الاستراتيجي.
ويوضح سويلم أن الأطراف الإقليمية والدولية باتت تدرك أن إسرائيل لم تعد قادرة على فرض شروطها، ما يفتح الباب أمام طرح قضية الدولة الفلسطينية من زوايا جديدة قائمة على ضعف إسرائيل وليس على قوتها.
ويرى سويلم أن الاتفاق يمنح الشعب الفلسطيني فرصة للتأمل والتخطيط لوضع استراتيجية وطنية متماسكة للتعامل مع نتائج الحرب، ومع أن الاتفاق لا يمثل سلامًا شاملاً، إلا أنه يشكل تهدئة طويلة الأمد يمكن البناء عليها لتغيير المعادلة السياسية في المستقبل.
ويؤكد سويلم أن الشعب الفلسطيني أثبت أن تضحياته لم تكن بلا ثمن، وأن المرحلة المقبلة تتطلب استثمار هذا الصمود الأسطوري لبناء رؤية وطنية شاملة تستند إلى الحقائق التي أفرزتها هذه الحرب.
إسرائيل فشلت في تنفيذ مخطط التهجير الجماعي
يوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص في العلاقات الدولية نعمان عابد أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة جاء بعد مماطلات استمرت 15 شهراً من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي ورئيسها بنيامين نتنياهو، وهذه المماطلات كانت تهدف إلى إطالة أمد العدوان لتحقيق أهداف استراتيجية، أبرزها الضغط على سكان قطاع غزة وتحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة، في محاولة لإجبارهم على الهجرة، إلى جانب الانتقام من الشعب الفلسطيني عبر تكبيدهم أكبر عدد ممكن من الضحايا.
ويشير عابد إلى أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، فعلى الرغم من اعتماد نتنياهو على العمليات العسكرية لاستعادة المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، فإن هذه العمليات لم تحقق أي نجاح ملموس، كما لم تتمكن إسرائيل من إجبار المقاومة على الاستسلام أو تنفيذ مخطط التهجير الجماعي للفلسطينيين.
ويوضح عابد أن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، تلعب دوراً غير مباشر في هذا التغيير نحو إبرام اتفاق غزة، فترمب، الذي يركز بشكل أساسي على الشأن الداخلي الأميركي ولا يرغب في رؤية حروب الشرق الأوسط تشتعل مع بداية فترة رئاسته المحتملة، وهو يميل إلى استراتيجية قائمة على التطبيع والمصالح الاقتصادية في المنطقة، ما يعزز ضغوطه على إسرائيل لوقف الحرب.
في المقابل، يشير عابد إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن كانت داعمة لسياسات نتنياهو العدوانية وقدمت له دعماً سياسياً وعسكرياً غير محدود.
رغم أهمية الاتفاق في وقف الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، يرى عابد أن الاتفاق لم يلبِ كافة الطموحات.
ويشير عابد إلى أن أربع قضايا رئيسية كان ينبغي معالجتها في الاتفاق: إلغاء المناطق العازلة، وشمول الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والمسجد الأقصى لوقف الانتهاكات التي تمارس بما يحقق وحدة جغرافية وسياسية بين الضفة وغزة، خاصة أن العملية التي بدأت في 7 أكتوبر جاءت تحت شعار "طوفان الأقصى".
ووفقاً لعابد، فإن الاتفاق كان يجب أن يشمل الإفراج عن الأسرى اللبنانيين المحتجزين منذ أكتوبر 2023 ضمن الاتفاق، وفاءً للمقاومة اللبنانية وتضحياتها، وكذلك وضوح الرؤية السياسية، حيث إن الدماء الفلسطينية التي أريقت والتضحيات العظيمة تستوجب استثمارها في تحقيق إنجازات سياسية شاملة، وليس فقط إنسانية، لضمان أن تكون نتائج الاتفاق نقطة انطلاق لمستقبل أفضل للقضية الفلسطينية.
ويشدد عابد على أن الاتفاق يُعد إنجازاً مهماً لوقف المذبحة في غزة، لكنه لم يحقق نصراً كاملاً أو تسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق الكينونة للقضية الفلسطينية.
ويشدد عابد على أن الاتفاق في غزة لا يرقى لمستوى اتفاق أوسلو سواء اتفقنا معه أم لا من حيث كونه اتفاقاً دولياً وسياسياً ناقش القضايا الكبرى للشعب الفلسطيني.
ويؤكد عابد ضرورة توخي الحذر في التعامل مع المرحلة المقبلة، حيث من المحتمل أن تحاول حكومة نتنياهو استئناف العدوان، داعياً إلى التركيز على صياغة اتفاق سياسي مستقبلي يضمن عدم العودة إلى دائرة الصراع مرة أخرى، ويؤسس لمرحلة جديدة تعزز الحقوق الفلسطينية.
إخفاق نتنياهو في تحقيق أهدافه وتراجع شعبيته
يصف الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح بأنه على مدار خمسة عشر شهراً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عانى الفلسطينيون من مستويات غير مسبوقة من الدمار والتجويع، حيث إن ما جرى "معجزة تاريخية" تسجل في صمود الشعب الفلسطيني، رغم بشاعة الجرائم الإسرائيلية التي ترقى إلى مستوى الإبادة، وأظهر الفلسطينيون قدرة استثنائية على المقاومة، وسط واقع كارثي وغير مسبوق.
ويرى صلاح أن المشهد الإسرائيلي يشير بوضوح إلى إخفاق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها بداية العدوان، فقد وعد بالقضاء على حركة حماس والمقاومة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية، لكنه واجه فشلاً ذريعاً أدى إلى تراجع شعبيته ووصفه بـ"البطل الكرتوني" من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ويعتقد صلاح أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية دولية والوسيطين مصر وقطر، يعد اعترافاً ضمنياً من نتنياهو بعجزه عن مواصلة الحرب أو تحقيق أهدافها المعلنة، ورغم محاولاته المستمرة لتبرير الاتفاق أمام اليمين المتطرف في حكومته، إلا أن أصواتاً داخل إسرائيل تصف الاتفاق بـ"الكارثي"، خاصة مع استمرار سقوط الصواريخ الفلسطينية وتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في الأيام الأخيرة من القتال.
أما على الجانب الفلسطيني، فيؤكد صلاح أن الشعب الفلسطيني، رغم القصف المستمر والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، رفض الاستسلام أو رفع الراية البيضاء، مشيراً إلى أن المقاومة الفلسطينية صعّدت عملياتها القتالية، موقعةً خسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي، مما أجبر الاحتلال على قبول اتفاق يتضمن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم المحكوم عليهم بالمؤبدات، وهو إنجاز وصفه بـ"المعجزة" في تاريخ النضال الفلسطيني.
ويشير صلاح إلى أن الضغوط الدولية، وتحديداً من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، لعبت دوراً حاسماً في إجبار نتنياهو على التوقيع.
ويوضح صلاح أن الاتفاق لا يمثل نهاية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل هو مجرد اتفاق لتحقيق أهداف محدودة للطرفين.
ويشير صلاح إلى أن الاحتلال، الذي كان يهدف إلى تصفية الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بالمؤبدات، وجد نفسه مضطراً للإفراج عنهم ضمن شروط المقاومة، مما يعكس فشل السياسة الإسرائيلية وعنجهيتها.
ويقارن صلاح الاتفاق الأخير في غزة مع اتفاق أوسلو، مشيراً إلى أن لكل منهما ظروفه وسياقاته المختلفة، فبينما كان أوسلو اتفاقاً سياسياً برعاية دولية ومفاوضات مباشرة بين منظمة التحرير وإسرائيل، فإن اتفاق غزة هو وقف لإطلاق النار جاء نتيجة وساطة إقليمية ودون مفاوضات مباشرة.
ويوضح صلاح أن أوسلو كان يهدف إلى بناء كيان سياسي فلسطيني، لكنه فشل بسبب عدم التزام إسرائيل ببنوده، بينما يركز اتفاق غزة على إنهاء الحرب وتبادل الأسرى، دون طموح سياسي.
ويرى صلاح أن الاتفاق الأخير في قطاع غزة يعكس حاجة الطرفين للتهدئة، لكنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه فشل اتفاقيات السلام السابقة، خاصة أوسلو، في منح الشعب الفلسطيني حقوقه.
ويشير صلاح إلى أن العالم بدأ يدرك ضرورة صياغة اتفاق جديد يعالج جذور الصراع ويمنح الفلسطينيين حقوقهم.
ويؤكد صلاح أن استمرار الاحتلال يعني استمرار المقاومة، مشدداً على أن أي اتفاق دون تحقيق العدالة للفلسطينيين سيظل مجرد اتفاق واستراحة محارب قد تكون طويلة الأجل في صراع طويل الأمد.
الحكم على الاتفاق يعتمد على نتائج تطبيق بنوده
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الاتفاق بشأن قطاع غزة يمثل نقطة ارتكاز مهمة في مسار وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع.
ويعتبر بشارات أن هذا الاتفاق هو تحول إيجابي على صعيد وقف المأساة الإنسانية والإبادة الجماعية التي يواجهها سكان غزة، وعلى الرغم من الخسائر البشرية الهائلة، يؤكد الاتفاق أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تحبط أهداف إسرائيل الاستراتيجية، مثل تهجير سكان القطاع وإنهاء المقاومة عسكرياً.
ويوضح بشارات أن من أبرز ما حققته المقاومة هو إفشال الجهود الإسرائيلية لاستعادة الأسرى الإسرائيليين من خلال العملية العسكرية، كما أن البنود المتعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين تُعد مكسباً واضحاً، حيث استطاعت المقاومة تحويل أوراق قوتها إلى نتائج ملموسة.
ويؤكد بشارات أن الاتفاق يتضمن بروتوكولات خاصة بملف الإغاثة الإنسانية، مثل إدخال المساعدات وإعادة بناء وترميم القطاع الصحي، ما يُعد خطوة إيجابية ومهمة لتخفيف معاناة السكان.
الأهم في الاتفاق، وفق بشارات، هو ما يتردد بشأن انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة بعد تطبيق مراحله النهائية، وهو ما يمثل نقطة تحول في مواجهة محاولات إسرائيل لإعادة احتلال غزة عسكرياً.
وعلى الرغم من الإيجابيات، يرى بشارات أن الحكم النهائي على الاتفاق لا يمكن إصداره الآن، بل يعتمد على نتائج التطبيق العملي لبنوده عبر مراحل التنفيذ.
ويشير بشارات إلى أن هناك العديد من المخاوف والمحاذير، بما في ذلك آليات إعادة الإعمار، التي ستبقى مرهونة بالظروف السياسية والإقليمية.
ويؤكد بشارات أن الاتفاق لا يمثل اتفاق سلام بقدر ما هو اتفاق لوقف حرب دامية، فيما يعرب بشارات عن أمله في أن يفتح هذا الاتفاق أفقاً لمسارات سياسية ودبلوماسية تقود إلى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، بما يشمل السيادة والحقوق السياسية.
ويشير بشارات إلى أن ذلك سيعتمد على قدرة الفلسطينيين على توحيد موقفهم وصياغة مشروع وطني موحد، وكذلك على مواقف الأطراف الإقليمية والدولية.
وفي مقارنة مع اتفاق أوسلو، يوضح بشارات أن هناك فارقاً كبيراً بين الاتفاقين، فاتفاق أوسلو كان شاملاً في طبيعته ومرجعيته الوطنية، إذ جاء بإطار شامل لمنظمة التحرير الفلسطينية، أما الاتفاق الحالي، فهو مرتبط فقط بالحرب على غزة، ويشمل فصائل المقاومة في غزة وليس جميع الفلسطينيين أو منظمة التحرير، ما يجعله اتفاقاً مرحلياً في أبعاده الجغرافية والسياسية.
ويشير بشارات إلى أن اتفاق أوسلو قام على مبدأ "الأرض مقابل السلام"، بينما الاتفاق الحالي يمكن تسميته بـ"السلام مقابل السلام"، أي وقف المواجهات ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع.
ويؤكد بشارات أن الاتفاق قد يحمل أفقاً سياسياً مستقبلياً أكثر شمولية إذا ما جاءت تطورات لاحقة تُحدث تحولاً في المواقف الأمريكية والإسرائيلية والدولية.
ويعتقد بشارات أن الحكم على ذلك لا يزال مبكراً، وأن التطورات التي ستعقب الحرب ستكون الفيصل في تحديد مدى إمكانية تحقيق مكاسب سياسية مستدامة للفلسطينيين.
دلالات
الأكثر تعليقاً
محاضرة في النمسا تثير تساؤلات: لماذا يسرق الاسرائيليون تراث الفلسطينيين؟
نتنياهو: "حماس" تتراجع عن بعض تفاصيل اتفاق غزة
خلال 15 شهراً من الإبادة.. حسابات الربح والخسارة
"الرئاسة" تدين جريمة الاحتلال في مخيم جنين
رئيس الوزراء: يجب ألا تحكم أي سلطة غير السلطة الفلسطينية قطاع غزة
مصطفى: غزة تحتاج إلى حكومة قادرة على مداواة جراح شعبنا وإعادة توحيدها
"هآرتس" تكشف تفاصيل عن الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم ضمن الصفقة
الأكثر قراءة
الصحة العالمية: إعادة بناء النظام الصحي في غزة تتطلب 10 مليارات دولار
مصر تنسق لفتح معبر رفح وتنفيذ اتفاق يهدف لتحسين الأوضاع في غزة
بايدن: الفلسطينيون عانوا كثيرا ويستحقون السلام ونحن على مقربة من الصفقة
سكان غزة يحتفلون بأنباء اتفاق وقف النار وصفقة تبادل الأسرى
"رويترز" تنشر أجزاءً من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
مصادر منخرطة في المفاوضات تكشف لـ"القدس" تفاصيل الاتفاق الذي سيعلن اليوم
"هآرتس" تكشف تفاصيل عن الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم ضمن الصفقة
أسعار العملات
الأربعاء 15 يناير 2025 8:59 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.63
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.12
شراء 5.1
يورو / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%57
%43
(مجموع المصوتين 438)
شارك برأيك
اتفاق وقف النار في غزة.. استعارة من "أوسلو" في التدرج المرحلي