أقلام وأراء
الإثنين 30 ديسمبر 2024 8:31 صباحًا - بتوقيت القدس
عيد أنوار سعيد من جباليا!
هذا العنوان، كان مدخلاً لفيديو قصير، يظهر جرافات الاحتلال وهي تدمر منازل جباليا المدمرة. كانت جرافات ضخمة وبشعة أكثر بشاعة من صرصار كافكا، وأكثر إصراراً من إصرار سيزيف على الهدم وتسوية جباليا بالأرض.
كان المنظر مرعباً وصادماً وعبثياً أيضاً إلى حد كبير، فإسرائيل بهذا العمل تقول للعالم كله إنها لم تكتف بالقصف والتهجير، بل هي تسعى إلى إزالة جباليا عن الوجود كلياً. تريد أن تمحو البلدة ومخيمها، وكأنها لم تكن ذات يوم، تريد أن تحول كل جباليا بما فيها إلى مجرد خواطر وذكريات تموت بموت من سكنوها، تريد تغيير الخارطة حتى لا تظهر جباليا أو غيرها. تريد إسرائيل بذلك أن تعيد أو تعرف علاقتها بالشعب الفلسطيني من جديد، فهي تريد أن لا تراه، وأن لا تصنع معه علاقة مهما كانت، لا تفاوضه ولا تتشارك معه ولا تساكنه، تدمير المدمر وتهديم المهدم، وصياغة جغرافيا جديدة بهذا الإصرار، وهذا التوحش وهذا العمى الكامل، يستعيد عيد الانوار اليهودي أو يستلهم منه، هكذا يريد الصهاينة في الحقيقة وليس اليهود، فاليهود يقولون علناً أن هؤلاء لا يمثلونهم، ولا يجب أن يتحدثوا باسمهم، الصهاينة خلقوا ديناً جديداً آخر يعتقدون فيه أنهم ينوبون عن الإله، أو يساعدونه في تحقيق نبوءاته.
عيد الأنوار وهو عيد سياسي لا ديني، هو عيد يمثل انتصار اليهودي القديم على سلطة يونانية غربية ومحتلة وغاشمة أرادت أن تصادر حرية اليهود وتمنعهم من ممارسة شعائرهم وتجبرهم على الانصياع للثقافة اليونانية الوثنية. هذا الظلم الصريح دفع بعائلات يهودية متعددة يقودها متتياهو وابنه يهودا إلى الثورة على ذلك، وهي ثورة استمرت ثلاث سنوات تقريباً، انتهت بانتصار تلك العائلات على القوانين اليونانية، وبالتالي أعادت تلك العائلات إصلاح الهيكل وإيقاد القناديل فيه. وتقول الأسطورة إن الماء تحول إلى زيت لإشعال تلك القناديل أو أن الزيت القليل كان كافياً لإيقاد كل القناديل، وبذلك تم تدشين الهيكل من جديد، ولهذا فان عيد الأنوار يسمى عيد التدشين، ليس فقط تدشين أو إعادة افتتاح وتأهيل المعبد، وإنما افتتاح عهد جديد من الحرية والانعتاق من ظلم السلطة الحاكمة المحتلة.
إن أناساً يحتفلون بمثل هذا العيد الذي يمثل هذه القيم، لا يرون غضاضة بأن يدمروا مدينة بل قطاعاً عدة مرات، ويحاصرونه عدة مرات، ويقتلون أبناءه عدة مرات بالرصاص والجوع والمرض والبرد والحصار.
إن أناساً يحتفلون بعيد الأنوار الذي يعلي من شأن الحرية، والانعتاق والإيمان، لا يجدون حرجاً أو عيباً في أن يسووا بلدة جباليا ومخيمها بالأرض، في مسعى منهم للخلاص من الشعب الفلسطيني، أو تجريده من رغبته في الحياة والحرية والانعتاق.
لا يمكن أن تكون هذه هي إرادة الله، فهو الرحيم، الذي يحب كل مخلوقاته بالتساوي، ويوزع رحمته عليهم دون النظر إلى ألوانهم أو لغاتهم أو أعراقهم. الله يعرفنا ويحبنا واحداً واحداً، ولا يفرق بيننا سوى أعمالنا فقط.
إن تدمير جباليا بهذا الشكل المتوحش والانتقامي سيكون سبباً آخر للاشتباك القادم ليس إلا، إن هذا الفيديو الذي يبث تحت هذا العنوان" عيد أنوار سعيد من جباليا"، يثير الشفقة حقاً، فهو لا يخيف بل يعمق الجرح، ولا يردع بل يشجع على المواجهة، وإذا كان الصهاينة يعتقدون أنهم الأكثر فهماً لثقافة المنطقة وروحها- كما يدعون- فإن مثل هذه الصور المفزعة لن تسهم على الإطلاق في خلق بيئة واعدة.
بعد هذا الفيديو المفزع، ربما أدركت أنا شخصياً المعنى الحقيقي للفروق بين الجماعات اليهودية، فاليهود الذين يعتقدون أن دينهم بما فيه من نبوءات إنما هي بتقدير وتدبير الرب لا بتدبيرهم، ولا بمؤامراتهم، أما الصهاينة فقد استغلوا الدين اليهودي، وربما المأساة اليهودية في الغرب الاستعماري، أو تم استغلالها من قبل الغرب الاستعماري أيضاً ليجعلوا منه دين حروب ودماء وكراهية .
نسي هؤلاء أن استخدام الدين بهذه الطريقة سيحولهم إلى ألغام شديدة الانفجار، يعود ضررها أولاً عليهم هم بالذات. الله يدبر الأمر، ولا يمكن أن يسمح لمخلوق مهما كان أن يدبر الأمر بديلاً عنه، أو منتحلاً اسمه أو صفته أو مشيئته. كل من تحدث باسم الرب زوراً وبهتاناً دفع ثمن ذلك إن آجلا أو عاجلاً.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية
حديث القدس
2024 عام الزلازل و2025 عام الهزات الارتدادية
راسم عبيدات
غزة.. بداية عام جديد والإبادة مستمرة
بهاء رحال
رغم المجاعة.. التكافل في غزة بـ"الرغيف"
ريما محمد زنادة
وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية
فتحي كليب
مهابةُ الفكرةِ وهيبةُ المسيرةِ
عام التحديات
حديث القدس
ستون عاماً من الثورة.. النصر آت ؟
د. فوزي علي السمهوري
توثيق التعذيب في فلسطين.. بين الأمل بالإنصاف والتحديات العملية
سماح جبر
معركة غير متكافئة
حمادة فراعنة
الحرديم ولماذا يرفضون قانون التجنيد؟ حرب أهلية مقبلة
إسماعيل المسلماني
تمر الأعوام وتبقى الآلام
حديث القدس
انكشاف المستعمرة وعريها
حمادة فراعنة
2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم
هاني المصري
نحن في حالة ضياع وتيه... والبداية من مخيم جنين
راسم عبيدات
حسام أبو صفية.. الطبيب يتحدى الإبادة
جمال زقوت
صناعة القائد في وسائل الإعلام.. بين التلميع والتضليل
د. أسامة ارميلات
تصعيد مرعب للجرائم الإسرائيلية الفظيعة
حديث القدس
لسان الحال والأحوال.. علقم يا وطن
إياد أبو روك
صباحُ الخَيْر يا غزَّة
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
إسرائيل ترفض تزويد السلطة الفلسطينية بالسلاح لدعم عملية جنين
النداء الأخير من المحرقة...صرخة أنس تقرع جدران الخزان
بهدوء.. أسئلة وأجوبة!
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
مقتل الصحفية شذى الصباغ في جنين.. دعوات لتحقيق مستقل وشفاف تشارك فيه جميع الأطراف
"حارس أملاك الغائبين".. الحرامي يسطو على أراضي السكان الأصليين
الأكثر قراءة
نيويورك تايمز: وراء تفكيك حزب الله عقود من الاستخبارات الإسرائيلية
هآرتس: اختفاء غزيين كانوا معتقلين لدى الجيش الإسرائيلي
مقتل الصحفية شذى الصباغ في جنين.. دعوات لتحقيق مستقل وشفاف تشارك فيه جميع الأطراف
مفاوضات الصفقة.. المحتجزون يُلدغون من جُحر نتنياهو عشر مرات!
القسام تقتل 5 جنود إسرائيليين من المسافة صفر في مخيم جباليا
إعلام عبري: تأكيد إصابة نتنياهو بسرطان البروستاتا
2025 عام التحولات وسقوط الأقنعة والسرديات.. تحديات خطيرة تُحدّق بالقضية الفلسطينية
أسعار العملات
الأربعاء 01 يناير 2025 2:37 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.79
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 336)
شارك برأيك
عيد أنوار سعيد من جباليا!