عربي ودولي
الثّلاثاء 26 نوفمبر 2024 1:18 مساءً - بتوقيت القدس
ساعات حاسمة في الشمال.. التصعيد الذي يسبق التبريد
رام الله -خاص بـ"القدس" دوت كوم
د. تمارا حداد: حزب الله يرفض أن تتدخل إسرائيل أو أن تكون قادرة على التأثير في السيادة اللبنانية أو الجنوب اللبناني
سامر عنبتاوي: المقاومة اللبنانية أثبتت قوتها وتعاملت بذكاء استراتيجي مع مقترحات التهدئة وحوّلت الأزمة نحو إسرائيل
د. أشرف بدر: فجوة كبيرة بين ما تطمح إليه إسرائيل وما يمكن أن يقبل به حزب الله تجعل استمرار المواجهة خياراً مرجحاً
سليمان بشارات: حزب الله يسعى لترسيخ معادلة جديدة في الصراع مع إسرائيل مستندة إلى قوة النيران كأداة استراتيجية
نزار نزال: التصعيد الأخير قد يكون مؤشراً إلى حصول حزب الله على ضوء أخضر من إيران لتكثيف ضرباته وتوسيعها
عماد موسى: حزب الله أراد من تصعيده إعادة ترسيم معادلة التناسبية في الصراع والرد على محاولات "التفاوض بالنار"
يثير التصعيد العسكري على الجبهة الشمالية بين حزب الله وإسرائيل تساؤلات حول احتمالية الوصول إلى تسوية أو استمرار المواجهة المفتوحة، خاصة بعدما صعد حزب الله خلال اليومين الماضيين، بشكل لافت باستهداف أهداف إسرائيلية.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن حزب الله يسعى لإثبات قدراته العسكرية والسياسية من خلال تصعيد عملياته وتكثيف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، فيما تواجه إسرائيل تحديات متزايدة في احتواء تداعيات هذه الهجمات على المستويات الأمنية والاقتصادية.
ويوضح الكتاب والمحللون أن حزب الله يهدف من خلال التصعيد إلى تعزيز موقفه التفاوضي، مؤكدين رفضه أي تدخل إسرائيلي في السيادة اللبنانية، وملتزماً بفرض قواعده أبرزها تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 دون شروط أو تعديلات قد تقيد لبنان، في المقابل، يبدو أن إسرائيل تسعى لإطالة أمد الحرب لفرض واقع جديد يضعف الحزب ويمنحها مزيداً من حرية التدخل في لبنان.
ويلفتون إلى أنه رغم الجهود الدولية الساعية للتهدئة، يعكس الوضع الراهن فجوة كبيرة بين أهداف الطرفين، ما يزيد من احتمالات التصعيد الإقليمي.
أبعاد وأهداف متعددة لتصعيد حزب الله
تؤكد الكاتبة والباحثة السياسية في الشأن الإقليمي د.تمارا حداد أن تصعيد حزب الله بإطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل يحمل أبعاداً وأهدافاً متعددة، تتجاوز الجانب العسكري لتصل إلى مطالب سياسية واستراتيجية لتلبي شروطه المتعلقة بالسيادة اللبنانية وتنفيذ القرارات الدولية.
وتوضح حداد أن الهدف الأول للتصعيد يتمثل في الضغط لتحقيق مطالب لبنانية مرتبطة بوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المناطق التي تتواجد فيها بجنوب لبنان، كما يسعى الحزب إلى إجبار إسرائيل على الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 دون أي تعديلات أو ملاحق جديدة يمكن أن تقيد السيادة اللبنانية أو تعطي إسرائيل حرية التدخل الأمني والعسكري داخل لبنان.
وتشير حداد إلى أن حزب الله يرفض أن تكون إسرائيل قادرة على التأثير في السيادة اللبنانية أو أن تتدخل في أي تهديدات مستقبلية من الجنوب اللبناني، خاصة في ما يتعلق بمنع تمرير السلاح عبر سوريا، كما يصر الحزب على تعزيز وجود الجيش اللبناني بعد تنفيذ القرار 1701، مع استمرار مهام قوات "اليونيفيل" منسقة بالكامل مع الجيش اللبناني ووفق تفاهمات لبنانية داخلية.
وتطرقت حداد إلى أن حزب الله يعتمد على استراتيجيات تفاوضية تعتمد على التصعيد العسكري، إذ يمتلك ورقتي ضغط قوية، الأولى تتمثل في قوة "الرضوان" المؤلفة من نحو 40 ألف مقاتل، أما الثانية، فهي الترسانة الصاروخية الهائلة التي لم تُستخدم بالكامل حتى الآن.
التصعيد الحالي قد لا يؤدي إلى تسوية قريبة
وفي ما يتعلق بالوضع الميداني، تؤكد حداد أن التصعيد الحالي قد لا يؤدي إلى تسوية قريبة، نظراً لأن إسرائيل تسعى إلى إطالة أمد الحرب لفرض أمر واقع يضعف حزب الله، كما ترغب إسرائيل في الحصول على ضمانات أمريكية تتيح لها حرية اختراق الأجواء اللبنانية والتدخل في حال وقوع تهديدات أمنية مستقبلية.
وعلى الرغم من ذلك، ترى حداد أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى زيادة شدة المواجهات، خاصة إذا طالت البنية التحتية للدولة اللبنانية، مما قد يُدخل لبنان في حالة انهيار اقتصادي وأمني شاملة.
وتلفت حداد إلى أن السلم الأهلي في لبنان لا يزال مستقراً نسبياً، بالرغم من الضغوط المتزايدة، لكن استمرار الحرب وتصاعدها قد يؤدي إلى استنزاف لبنان اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً.
وتشير حداد إلى أن الداخل الاسرائيلي يواجه حالة من الاضطراب نتيجة القلق المتزايد من وضع مليوني شخص في الملاجئ، وتفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، فيما تتعزز مشاعر الخوف والإحباط بين الإسرائيليين، سواء في صفوف المدنيين أو الجنود.
تحولات نوعية واضحة أربكت المنظومة الأمنية الإسرائيلية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن التصعيد الأخير الذي قاده حزب الله اللبناني تميز بتحولات نوعية واضحة، حيث استخدم الحزب كميات كبيرة وغير مسبوقة من الصواريخ والطائرات المسيّرة، ووسع نطاق عملياته بشكل لافت، ما أربك المنظومة الأمنية الإسرائيلية بشكل كبير.
ويوضح عنبتاوي أن هذه التحركات تعكس استراتيجية جديدة للمقاومة اللبنانية، التي أرادت من خلال هذا التصعيد إيصال عدة رسائل وتحقيق مجموعة من الأهداف.
ويشير عنبتاوي إلى أن إسرائيل تسعى منذ فترة لممارسة ضغوط على حزب الله والدولة اللبنانية، بهدف فرض شروطها للتوصل إلى اتفاق تفاوضي تحت الضغط العسكري، في المقابل، جاء رد المقاومة اللبنانية عبر تصعيد واضح لتوجيه رسالة بأنها لن تسمح لدولة الاحتلال بفرض أجندتها.
ويوضح عنبتاوي أن حزب الله أراد أن يثبت من خلال عملياته الأخيرة أن قدراته لم تتراجع كما تروج الدعاية الإسرائيلية، بل إنه يمتلك المزيد من الإمكانات في مواجهة الاحتلال، كما يهدف الحزب إلى تحقيق معادلة بيروت مقابل تل أبيب بعد الاستهداف الإسرائيلي العنيف للضاحية الجنوبية في بيروت.
ويؤكد عنبتاوي أن حزب الله يرغب في إيصال رسالة واضحة، مفادها بأنه حتى لو قرر الدخول في أي تهدئة، فإن ذلك سيتم من منطلق القوة والقدرة على حماية لبنان وشعبه من أي تهديدات أو ضغوط.
"عملية عض أصابع" بين الطرفين
ويعتبر عنبتاوي أن ما يجري حالياً يمثل "عملية عض أصابع" بين الطرفين، إذ يحاول كل منهما كسب المزيد من الأوراق حتى اللحظة الأخيرة.
ويعتقد عنبتاوي أن التصعيد الذي يقوده حزب الله قد يكون مقدمة لفرض شروط المقاومة قبل أي تهدئة محتملة.
لكن على الجانب الآخر، يشير عنبتاوي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يستغل هذا التصعيد لتعطيل جهود التهدئة، كما فعل سابقًا في قطاع غزة، بهدف تحميل المسؤولية للمقاومة وعرقلة أي اتفاق.
ويحذر عنبتاوي من أن استمرار التصعيد قد يدفع الأمور نحو مواجهة شاملة على مستوى الإقليم، مشيراً إلى أن الوضع ما زال مفتوحاً على جميع السيناريوهات، خاصة مع استمرار التوتر في غزة والضفة الغربية، وعدم رد إيران حتى الآن على التهديدات التي طالتها.
ويلفت عنبتاوي إلى أن نتنياهو لا يرغب في تهدئة الأوضاع، إذ يرى أن ذلك قد يضر بمستقبله السياسي وبمشروع حكومته اليمينية، التي تسعى إلى حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وتصفية حساباتها مع محور المقاومة في المنطقة.
ويوضح عنبتاوي أن حزب الله أظهر والمقاومة اللبنانية ذكاءً استراتيجياً في التعامل مع ملف التهدئة، ولم ترفض المقترحات المتعلقة بذلك، حيث تجنب تحويل الصراع إلى الداخل اللبناني وركز عملياته على الداخل الإسرائيلي.
ويؤكد عنبتاوي أن المقاومة اللبنانية لم ترفض أي مقترحات تهدئة، لكنها ربطت تصعيدها بالخطوات الإسرائيلية، وهذا التصعيد أحدث ارتباكًا عميقًا في الداخل الإسرائيلي، حيث استهدفت عمليات الحزب العمق الإسرائيلي بشكل مؤثر، ما أدى إلى زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق مع لبنان، وربما مع غزة أيضًا.
ويشير عنبتاوي إلى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية تعاني من انقسامات واضطرابات نتيجة لهذه الحرب، وهو ما يشكل عامل ضغط إضافياً على حكومة الاحتلال، التي تجد نفسها أمام خيارات محدودة في مواجهة تعقيدات الصراع الإقليمي والداخلي.
تصعيد حزب الله يحمل في طياته رسائل استراتيجية
يرى الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي د.أشرف بدر أن التصعيد الحالي من قبل حزب الله يحمل في طياته رسائل استراتيجية تهدف إلى التأكيد لإسرائيل أن الحزب ما زال يحتفظ بقوته العسكرية وقادر على التأثير في الميدان، كما يسعى حزب الله من خلال تكثيف عملياته العسكرية لإثبات أن ترسانته الصاروخية ما زالت بحالة جيدة، وأنه يمتلك القدرة على فرض شروطه إذا ما اتجهت الأمور نحو مفاوضات جدية.
وبالرغم من وجود تسريبات صحفية تتحدث عن قرب إبرام اتفاق بين حزب الله وإسرائيل، يعتقد بدر أن هناك فجوة كبيرة بين ما تطمح إليه إسرائيل وما يمكن أن يقبل به حزب الله كحد أدنى، وهذه الفجوة تجعل من استمرار المواجهة خيارًا مرجحًا، حيث لم يُهزم حزب الله، ولم تحقق إسرائيل انتصاراً واضحاً، ما يعني أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيداً من التصعيد.
ويؤكد بدر أن عدم استعداد أي من الطرفين لتقديم تنازلات يعزز احتمالية تصاعد المواجهة بدلاً من الاتجاه نحو تسوية، المرحلة المقبلة قد تشهد إما حرب استنزاف طويلة الأمد، أو تصعيداً أكثر حدة من كلا الجانبين.
ويرى بدر أن التصعيد المستمر قد يُلقي بظلاله الثقيلة على الداخل اللبناني، حيث من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة حدة الخلافات السياسية والاستقطاب داخل المجتمع اللبناني، وهذه التوترات قد تنجم عن الضغوط التي يفرضها التصعيد العسكري على الاقتصاد اللبناني، إضافة إلى الخلافات بين القوى السياسية المختلفة حول إدارة الأزمة.
تعميق الانقسامات الداخلية في إسرائيل
أما على الجانب الإسرائيلي، فيوضح بدر أن التصعيد المتواصل يُعمّق الانقسامات الداخلية بين الداعمين لاستمرار الحرب، وهم غالباً من معسكر اليمين المتطرف، وبين المطالبين بفرض تسوية، وهم الفئات التي تتكبد خسائر كبيرة نتيجة استمرار الحرب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ويؤكد بدر أن الوضع الراهن يعكس تعقيداً في المشهد الإقليمي، حيث لا يبدو أن هناك أفقاً واضحاً لإنهاء التصعيد، في المقابل، فإن أي زيادة في حدة العمليات العسكرية قد تؤدي إلى اتساع رقعة المواجهة لتشمل أبعاداً إقليمية أكثر خطورة.
رسالة لإسرائيل: استمرار الحرب لا يحمل أفقاً أو مستقبلاً
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن حزب الله يسعى لترسيخ معادلة جديدة في الصراع مع إسرائيل، مستندة إلى قوة النيران كأداة استراتيجية.
هذه المعادلة، كما يشير بشارات، تهدف إلى إيصال رسالة واضحة لإسرائيل مفادها بأن استمرار الحرب لا يحمل أفقاً أو مستقبلاً، ويضع الاحتلال في موقف معقد ومكلف، مما يجعله مضطراً لإعادة التفكير في خياراته السياسية والعسكرية.
ويعتقد بشارات أن الحرب الحالية تقف عند محطة مفصلية؛ فإما أن يتم التوصل إلى اتفاق سياسي يوقف التصعيد ويؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات القائمة على موازين ردع متبادلة، أو أن تتجه الأمور نحو تصعيد أكبر بسقوف أعلى مما كان عليه الوضع في الأسابيع الأولى من الحرب.
ويرى حزب الله، بحسب بشارات، أن استمراره في المعادلات التصعيدية السابقة لن يؤدي سوى إلى تحويل لبنان إلى تجربة مشابهة لما يعانيه قطاع غزة، حيث يتفرد الاحتلال الإسرائيلي في فرض شروطه.
ويشير بشارات إلى أن حزب الله يحاول الموازنة بين موقفه السياسي وميدانه العسكري، ولكنه في الوقت نفسه يرفع وتيرة الاستهداف وكثافة النيران كوسيلة لتعزيز موقفه التفاوضي.
التصعيد بهذا الشكل، كما يوضح بشارات، يشكل رسالة مزدوجة: من جهة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للقبول بحل سياسي، ومن جهة أُخرى التأكيد على أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات الاحتلال تغيير قواعد الاشتباك.
ومع ذلك، يوضح بشارات أن التصعيد قد يفتح الأبواب على احتمالات معقدة، ففي حين أن حزب الله يسعى إلى اتفاق يرسخ السيادة اللبنانية ويعتمد القرار 1701 كمرجعية أساسية، فإن إسرائيل قد ترى في أي اتفاق فرصة للفصل بين الجبهات، ما قد يعزل غزة عن الدعم اللبناني ويسمح للاحتلال بمواصلة عدوانه في القطاع دون تدخلات إقليمية، لكن ذلك يضع تساؤلات إن كان حزب الله سيقبل بذلك أم لا.
ويرى بشارات أن موقف حزب الله معقد لعدة أسباب، فمن جهة، لا يمكنه الخروج عن حالة الإجماع اللبناني، إذ إن أي تجاوز لذلك قد يفتح الباب أمام خلافات داخلية تزيد المشهد اللبناني تعقيداً، ومن جهة أُخرى، ترتبط خطوات الحزب بحسابات سياسية إيرانية، خاصة في ظل التصريحات الأخيرة التي تبدو وكأنها تميل نحو القبول بطرح سياسي قد لا يضمن وقف الحرب في غزة، ولكنه يساهم في تهدئة الجبهة اللبنانية.
ويشير بشارات إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستكشف ملامح المرحلة المقبلة، إذ ستظهر الاتجاهات التي سيسلكها الأطراف، سواء نحو التهدئة أو التصعيد، وكيف يمكن أن تتحول هذه التحركات إلى مخرجات سياسية أو عسكرية.
سيناريوهات محتملة في حال استمرار التصعيد
ويتناول بشارات السيناريوهات المحتملة إذا استمرت حالة التصعيد، حيث أن السيناريو الأول يتمثل في تجاوز المرحلة السياسية الحالية، ما قد يؤدي إلى تصعيد أعلى بكثير من المستوى الحالي.
وفي هذا السيناريو، يعتقد بشارات أن إسرائيل سوف تتجه نحو استهداف البنية التحتية اللبنانية، بما في ذلك المرافق الحيوية مثل المطارات والموانئ والمؤسسات الحكومية، وهذا التصعيد سيضع حزب الله أمام خيار مواجهة استحقاقات كبيرة، حيث قد يضطر إلى توسيع نطاق الاستهداف داخل إسرائيل ليشمل مناطق حيوية وسكانية، ما قد يؤدي إلى انفلات الأمور عن السيطرة ودخول المنطقة في حالة من التدمير الشامل.
ويتطرق بشارات إلى السيناريو الثاني، وهو تصعيد محدود في سياق الاستنزاف مع وضع كوابح محددة للصراع، من دون الوصول إلى مواجهة شاملة، ولكن هذا الخيار قد لا يكون مجدياً للطرفين، لأنه قد يغير من موازين القوة القائمة دون تحقيق مكاسب حقيقية.
السيناريو الثالث، وهو الأكثر خطورة، بحسب بشارات، يتمثل في استمرار التصعيد مدة طويلة، ما سيُدخل لبنان وإسرائيل في حالة تدميرية شاملة.
وفي هذا السياق، يشير بشارات إلى احتمالية توسع المواجهة لتشمل ساحات أخرى خارج لبنان، مثل سوريا واليمن والعراق، وقد يلجأ حزب الله إلى استهداف مكثف وشامل داخل إسرائيل، ما يعقد المشهد الإقليمي ويزيد من احتمالية تدخل أطراف دولية بشكل مباشر.
ويشير بشارات إلى أن إسرائيل قد تستغل أي اتفاق محتمل مع لبنان لتعزيز موقفها في غزة، ما قد يضع حزب الله أمام اختبار صعب فيما يتعلق بعلاقته مع الجبهات الأخرى للمقاومة الفلسطينية.
على الجانب الإسرائيلي، يرى بشارات أن هناك حالة من التململ بين الأوساط الشعبية والسياسية نتيجة استمرار الحرب، وهذا التململ يظهر في احتجاجات رؤساء المجالس المحلية في الشمال، والضغط المتزايد على حكومة نتنياهو للقبول بحل سياسي، لكن إسرائيل قد ترفض تقديم تنازلات كبيرة، ما يعقد فرص الوصول إلى اتفاق.
أما في الداخل اللبناني، فيرى بشارات أن تعقيدات النسيج الاجتماعي والطائفي تضيف بُعداً إضافياً للأزمة، إذ إن حزب الله يواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على وحدة الصف الداخلي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها لبنان.
إسرائيل لن توافق على وقف النار إلا تحت ضغط عسكري
يرى الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع نزار نزال أن حزب الله بات مقتنعاً بأن إسرائيل مستمرة في حربها الحالية ولن توافق على وقف إطلاق النار إلا تحت وطأة ضغط عسكري مكثف، واستناداً إلى ذلك، لجأ الحزب إلى تكثيف هجماته لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها الضغط على إسرائيل من خلال استهداف مناطق جديدة ومدن الوسط، وهو ما يهدف إلى دفع إسرائيل للقبول باتفاق يعكس توازن القوى بين الطرفين.
وبحسب نزال، يسعى حزب الله إلى أن يكون أي اتفاق محتمل بين الطرفين قائمًا على مبدأ التكافؤ وليس الهزيمة، حيث يرغب الحزب في إبرام اتفاق بشروطه التي تعكس صورته كطرف منتصر قادر على فرض إملاءاته، وليس كطرف منهزم، ومن وجهة نظر الحزب، فإن التصعيد العسكري بات ضرورة استراتيجية لمنع إسرائيل من استغلال تفوقها الميداني لتوسيع عملياتها القتالية وإلحاق المزيد من الدمار والقتل، في ظل تكيف الشارع الإسرائيلي مع الهجمات الصاروخية المعتادة التي يطلقها حزب الله.
ويشير نزال إلى أن الأيام المقبلة، خاصة حتى نهاية الأسبوع، ستكون حاسمة في ظل تهديدات الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين بالانسحاب من جهوده للوساطة بين الطرفين.
ويلفت نزال إلى أن التصعيد الأخير قد يكون مؤشراً إلى حصول حزب الله على ضوء أخضر من إيران لتكثيف ضرباته وتوسيع نطاق استهدافه ليشمل مناطق جديدة لم تتعرض لهجماته في السابق.
ويرى نزال أن حزب الله يعتقد أن التصعيد هو السبيل لفرض وقف إطلاق النار بشروطه الخاصة، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تصعيد إضافي بدلاً من تحقيق هدنة.
إسرائيل ماضية نحو استهداف الدولة اللبنانية بشكل عام
لكن إسرائيل، وفقاً لتقديرات نزال، تمضي بخطوات واضحة نحو استهداف الدولة اللبنانية بشكل عام، وليس فقط مواقع حزب الله أو الضاحية الجنوبية في بيروت.
ويلفت نزال إلى التصعيد المتبادل بين الطرفين، حيث هدّد حزب الله باستهداف تل أبيب إذا تعرضت العاصمة اللبنانية بيروت لهجمات إسرائيلية مباشرة، وفعلاً جرى استهداف تل أبيب مرتين في الفترة الأخيرة، ما يعكس استعداد الحزب لتوسيع نطاق المواجهة.
ويعتقد نزال أن المنطقة مقبلة على مرحلة مختلفة تماماً في حال استمر حزب الله بوتيرة التصعيد نفسها التي شهدتها الأيام الماضية.
ومع ذلك، لا يرى نزال أن هذا التصعيد سيقود إلى اتفاق بين الطرفين، فإسرائيل تسعى إلى فرض شروطها الخاصة على أي اتفاق محتمل، فيما يحاول حزب الله فرض شروطه التي تعكس توازن القوى.
ويؤكد نزال أن إسرائيل تحاول أن تظهر بموقف المنتصر في أي اتفاق قادم، في حين يسعى حزب الله إلى التأكيد على أنه ند قوي لها.
ويرى نزال أن سلوك إسرائيل الحالي يعكس رغبتها في تحقيق تهدئة تُظهِر حزب الله كطرف منهزم، وهو أمر ترفضه قيادة الحزب بشدة.
على الصعيد الداخلي، يشير نزال إلى التعقيدات التي يواجهها لبنان نتيجة نسيجه الاجتماعي المتنوع والمتناقض، حيث تزيد التوترات السياسية والطائفية من تعقيد الوضع الراهن، وهذه التعقيدات تجعل من الصعب إدارة التصعيد العسكري دون تأثيرات كبيرة على الداخل اللبناني، الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.
أما في إسرائيل، فيشير نزال إلى وجود حالة من التململ داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة بين رؤساء البلديات المحلية في حيفا وعكا، الذين أعربوا عن استيائهم من استمرار الحرب.
ويلفت نزال إلى أن الشارع الإسرائيلي بات يدرك أن الحل العسكري مع حزب الله غير ممكن، وهو ما دفع البعض للضغط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق، ومع ذلك، لا تزال الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تناور لتجنب تقديم تنازلات كبيرة.
ويرى نزال أن الموقف الأمريكي يعكس تبايناً في التعامل مع التصعيد في لبنان مقارنة بغزة والضفة الغربية، وبينما تضغط الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار في لبنان، تبدو أقل اكتراثًا بإنهاء التصعيد في غزة والضفة.
حزب الله رسم معادلة واضحة في قواعد الاشتباك
يرى الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى أن حزب الله اللبناني، منذ انطلاق دعمه لغزة، رسم معادلة واضحة في قواعد الاشتباك، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسة: توجيه السلاح نحو الجيش الإسرائيلي بمقراته وقواعده وأفراده، وتجنب استهداف المدنيين بشكل مباشر قدر الإمكان، والالتزام بعقيدته القتالية المستندة إلى الدين ومبادئ القانون الدولي الإنساني.
ووفق موسى، فإن هذه القواعد عكست استراتيجية متزنة للمقاومة اللبنانية، التي حرصت على استهداف المنشآت العسكرية كأبراج التنصت ومراكز جمع المعلومات، مع تجنيب المدنيين ويلات الحرب.
ويعتقد موسى أن تكثيف حزب الله لإطلاق الصواريخ، خاصة الثقيلة منها، باتجاه تل أبيب، يحمل دلالة استراتيجية واضحة، وهو الرد على مقولة بنيامين نتنياهو بأن التفاوض يتم بالنار.
ويؤكد موسى أنه من خلال هذا التصعيد، أراد الحزب إعادة ترسيم معادلة التناسبية في الصراع، بحيث تصبح تل أبيب مقابل بيروت، في إشارة إلى قدرة الحزب على الموازنة في الردع العسكري.
نتنياهو بات مهووساً بفكرة الإبادة والسيطرة
ويشير موسى إلى أن بنيامين نتنياهو بات مهووساً بفكرة الإبادة والسيطرة، وهو يسعى لتحقيق أهداف مزدوجة من خلال إطالة أمد الحرب.
الهدف الأول وفق موسى، هو تحقيق مكاسب عسكرية تمكّنه من فرض شروطه على المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
ويشير موسى إلى أن الهدف الثاني هو تعزيز فرص الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب بعد العودة إلى البيت الأبيض، حيث يعتمد نتنياهو على إدارة ترامب لدعم خططه في المنطقة، بما في ذلك الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للتراجع عن قراراتها التي تستهدف اعتقاله شخصياً ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
ويشير موسى إلى أن نتنياهو يحاول استغلال الحرب لتوجيه رسالة إلى الأمريكيين أن تأثير "اللولب الصهيوني" والقوى الداعمة له هو الذي يفرض المعادلات، مشيراً إلى أن العلاقة بين إسرائيل والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي تمثل تحالفًا يتجاوز أهمية حلف الناتو في بعض الجوانب.
ويؤكد أن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، لا سيما في ظل محاولاته لتوجيه ضربة للمؤسسات الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية.
هذه المحاولات بحسب موسى، تأتي ضمن سياق أوسع لتصفية الحسابات مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وضمان السيطرة الإسرائيلية على المنطقة، من غزة إلى لبنان، مروراً بالعراق واليمن.
دلالات
الأكثر تعليقاً
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
أي شرق نريد؟
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
الأكثر قراءة
الفيتو في مجلس الأمن.. أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
الفيتو في مجلس الأمن... أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
أي شرق نريد؟
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 111)
شارك برأيك
ساعات حاسمة في الشمال.. التصعيد الذي يسبق التبريد