Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 18 نوفمبر 2024 9:38 صباحًا - بتوقيت القدس

الحاجة إلى توطيد العلاقات الاجتماعية

يلاحظ، وبشكل جليّ، أن إحدى انعكاسات التدهور المتسارع في الحالة السياسية، والذي انتقل إلى كل من  الوضع الاقتصادي والنفسي، أن هناك منسوباً عاليأ من الاضطراب في العلاقات الاجتماعية بين الناس، سواء على صعيد الفرد، الأسرة، العشيرة أو المجتمع ككل، حتى المدرسة والجامعة والمؤسسة الثقافية والصحيّة التي يفترض أن تكون مصدراً للتنوير وصون ثقافة وقيم التعاضد والتكافل المجتمعي، نحو إيجاد البيئة ( سواء المصغّرة – العائلة، أو الكبيرة، المجتمع ككل ) الآمنة التي تعمل على تعزيز الطمأنينة والاستقرار النفسي، فترى السواد الأعظم من أفراد مجتمعنا ومن كافة الفئات العمرية والاجتماعية والمستويات التعليمية، في حالة عزوف عن المشاركة في/ المبادرة إلى إيجاد مناسبات اجتماعية يشارك بها غيره، سواء مناسبات أفراح أو أتراح، وإن حصل وشارك تراه دوما في حالة وجوم وقلق وتوتر،  فسرعان ما يغادر المكان، وهذا عكس طبيعة الإنسان الذي يأنس بأخيه الإنسان.


طبيعي جداً أن تتأثر العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع ( الصغير/ الكبير) بما يدور حوله من أحداث ومحطات تاريخية مفصليّة، كما حدث مع الشعب الفلسطيني بدءاً من ثورة البراق، ثورة 1936، نكبة 1948، هزيمة حزيران 1967، معركة الكرامة 1968، يوم الأرض 1976 ( وما تبعه من حراكات وطنية عديدة)، غزو لبنان 1982 ( وما تبعه مثل مجزرة صبرا وشاتيلا)، الهبة الشعبية سنة 1985 ( جراء سياسة القبضة الحديدية التي أعلنها وزير الحرب إسحق رابين آنذاك) وما تمخض عنها: انتفاضة 1987، توقيع اتفاق أوسلو البغيض، وسلسلة الاجتياحات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 2001، وحالة الانقسام السياسي الفلسطيني التي أوهنت الموقف الفلسطيني، مما أدّى إلى تراجع ملحوظ في حالة القضية الوطنية الفلسطينية العادلة، وبناء جدار الفصل العنصري وما نجم عنه من انفصال عائلات كثيرة عن بعضها البعض، وكثرة الحواجز العسكرية، ما يعيق بل ويصادر حرية الحركة والتنقل، والحروب المتتالية على غزة، وما تخلل كل ذلك من اهتزازات، وتراجعات ملحوظة في نمط ومستوى العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، إلى أن جاءت جائحة كورونا التي وضعت هذه العلاقات في حالة جمود  لمدة من الزمن، تلتها الحرب المستعرة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى يومنا هذا، والتي هي أيضاً وضعت العلاقات الاجتماعية في حالة لم ولن نحسد عليها. أضف إلى ذلك ما واكب تلك المحطات من حالات فقدان واقتلاع وتهجير وتدمير للمنازل التي يعتبرها الأطفال مكاناً آمنا لهم، كل هذا قاد الوضع من عدم التوازن والاستقرار في الحالة النفسيّة للمواطن الفلسطيني والذي أثّر بدوره على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد.


كل ذلك، أدّى إلى تراجع ملحوظ في حالة التوافق النفسي، لدرجة الخواء النفسي المعنوي لدى المواطن الفلسطيني، وبدء انتشار حالات الشعور بالخذلان، والاحباط، والاستياء، والقلق الدائم، والشعور بالحرمان، ما ساهم في تفشي ونشر آثار ما بعد الصدمات النفسيّة PTSDK الناجمة عن الأحداث المؤلمة التي رافقت تلك المحطات التاريخية. ( لمزيد من المعلومات حول هذا الجانب، يمكن الرجوع إلى البحث المنشور عام 2013 تحت عنوان ( Inter-Generational Intentional Traumatic events  among the Palestinians) الأحداث الصادمة والمتعمدة عبر الأجيال في المجتمع الفلسطيني، وهو من إعداد الكاتب وزميله بروفسور إيان بارون، جامعة داندي (في حينه)، اسكتلندا.  


هنا، نود أن نقترح ما يلي للتخفيف/ الحد من حالات الاضطراب/ الرهاب من/في العلاقات الاجتماعية: 

* لا بد من تكثيف الجهود لإعادة بناء أواصر اجتماعية تقوم على الرأفة عند التواصل المجتمعي ( لفظياً، ومعنوياً أو جسدياً)، عملاً بقوله تعالى "وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط مستقيم"  24/ الحج،  وحتى عند الفراق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، بعيداً عن التذلل والنفاق أو بذل جهود مضنية في البحث عن عيوب الآخرين، متناسياً عيوبك الشخصيّة.


* المسارعة دوماً إلى عمل الخيرات والدعاء إلى تجنب المنكرات كسوء الظن والغمز واللمز والهمز" انهم كانوا يسارعون في الخيرات ..." الآية 90، سورة الأنبياء .


* لنعمل على تشكيل لجان أحياء تولي أهمية قصوى بالشؤون الاجتماعية، الرياضية والتثقيفية، وتشجيع التجوال في عقول وتجارب المبدعين/ المبدعات من خلال تعزيز مهارات فهم المقروء، والشغف بالفنون (مسرح وموسيقى ورسم)، حتى لو كانت من مجتمعات أخرى مع أخذ الحيطة والحذر طبعاً.


* التوقف عن دوام معاملة الآخرين وفق سياسة الند بالند، وليكن نهج العفو والسماح بديلاً لذالك "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" الآية 89، سورة الزخرف، " والعافين عن الناس"، " والكاظمين الغيظ"، "ولا يلقاها إلا الصابرين" . 


* الحاجة إلى التوقف عن الإفراط في التفكير السلبي، مثل التفكير في خيبات الأمل التي حصلت مع الفرد سابقا، والتجارب السلبية من خلال العمل بكل ما أوتيت من جهد للابتعاد عن مذكرات (reminders ) بتلك الأحداث والتجارب القاسيّة.


 •  الحاجة إلى بذل أقصى درجات العمل للابتعاد عن مصادر الطاقة السلبية: أشخاص، مواقف وأحداث سواء كانت عبر المعاملة المباشرة أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والاستعاضة عن ذلك بالرياضة الجسدية والروحية ودوام رفقة الأقران الإيجابيين، من نوع" الأخلاء يؤمن بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" 67 ، الزخرف.


•   لمجابهة الرهاب الاجتماعي: داوم على اصطحاب من يعانون منه إلى اللقاءات المليئة بمواطن الخير  وجبر الخواطر وصنع المعروف. دعهم يعيشون لحظات ترجمة الأقوال إلى أفعال، ولا غضاضة في توظيف لغة الفكاهة لكن باتزان. هكذا تلامس أرواحهم وتخفّف من رهابهم الاجتماعي، كونك أوجدت ما هو أكثر أصالة وديمومة في النفس. 


* إذا ما التزمنا بهذا (قدر المستطاع)، سنرى الحياة جميلة، وسيساعدك كل هذا على تجنب الاضطراب في العلاقات الاجتماعية نسبياً، ومواجهة الرهاب الاجتماعي، رغم كل المنغصّات، كونك تتصرف بموجب أخلاقك الفضيلة المستمدّة من قناعاتك التي تحكمها عقيدتك الدينية وتربيتك السليمة "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" 17، سورة السجدة،  وقوله تعالى في الآية 94 من سورة الأنبياء " فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن  فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون"، مع لزوم دوام التفكير الحذر قبل اتخاذ أي قرار، يواكب ذلك دوام تقوى الله "إن المتقين في مكان أمين" الآية 51 سورة الدخان.


في الختام، نحذّر من مغبّة أنه إذا لم نعمل سوية من أجل الرقي بالعلاقات الاجتماعية البناءة، فالخطر الداهم هو سيادة وهيمنة الشعور بالانفصال عن الواقع (derealization)، وصعوبة التعافي الجسدي والنفسي مع  صعوبة التركيز في الأمور الحياتية الأخرى نظراً لافتقارهم الى عدم القدرة على بلورة شخصية واقعية ذات اهتمامات حياتية واقعية وانعدام المشاعر العاطفية نحو ذواتهم ونحو الآخرين، وأحيانا الإقدام على ممارسة العنف وإيذاء  الذات أو الغير، كله بسبب حالة عدم الوعي بمتطلباته الشخصية   Depersonalization أو فقدان الذاكرة الانفصالي dissociative amnesia ، إذ لا يتمنى الفرد تذكر ما حدث معه نظراً لطغيان حالة النسيان وبالتالي مضيعة الوقت، مثل هذا يجعل من الشخص يعاني من اضطراب الهوية الانفصالي dissociative identity disorder وبدء تهيؤ سماع أصوات غريبة أو تخيل أشخاص يراقبونه/ يلاحقونه، يسترقون السمع له في كل صغيرة أو كبيرة يسمعون أصواتاً في رأسهم، وبالتالي فوجوده ليس أكثر من أشلاء مجتمعة مع بعضها البعض.

دلالات

شارك برأيك

الحاجة إلى توطيد العلاقات الاجتماعية

المزيد في أقلام وأراء

في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!

حديث القدس

العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم

الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة

بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة

د. غسان عبدالله

من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية

زياد ابحيص

احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد

راسم عبيدات

جحيم الإبادة في شمال القطاع

بهاء رحال

قيادات قيد التحقيق لدى المستعمرة

حمادة فراعنة

تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان

د. أحمد رفيق عوض

يمكننا تحقيق حل الدولتين ولكن ذلك يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا وقيادة الشعبين

جرشون باسكين وسامر سنجلاوي

عندما تصبح جثامين الشهداء هياكل عظمية

حديث القدس

الرضيعة عائشة القصاص تجمد جسدها حد الموت

بهاء رحال

ترامب.. الرئيس القوي

د. ناجي صادق شراب

نحن لا نتضامن مع جنين.. نحن لسنا إلا جنين نفسها!

د. رمزي عودة

الأمن العربي في خطر.. البداية فلسطين والدول المحيطة

فوزي علي السمهوري

الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي

د. دلال صائب عريقات

دولة الزينكو...

حسام أبو النصر

الذكاء الاصطناعي: أداة ربات البيوت الفلسطينيات في إدارة المنزل وتدريس الأبناء

بقلم : صدقي ابوضهير " باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

من أنا؟ الذكاء الاصطناعي يجيب!

عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

أنفاسٌ مكتومةٌ تحت الركام!

ابراهيم ملحم

أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

يورو / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.76

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%57

%43

(مجموع المصوتين 290)