أقلام وأراء
الإثنين 04 نوفمبر 2024 8:55 صباحًا - بتوقيت القدس
التعليم كما يراه باولو فريرو وجون ديوي وخليل السكاكيني
باولو فريري صاحب كتاب تعليم المقهورين 1968، يقول في كتابه أن تغيير المجتمعات يبدأ في التعليم الذي يرسم تاريخ وثقافة المجتمعات. وهذا الكتاب قائم على الحوار النشط لحل المشكلات والقائم على الأمل والحب والتواضع والإنسانية. ويرى أن التعليم ليس محايداً فإما أن يكون أداة للترويض وصهر الأجيال أو أداة لتحرير العقل وقدح شرارة الإبداع، ويركز على الحوار المتبادل بين المعلم والمتعلم وعلى أنسنة التعليم للخروج بما سماه التعليم البنكي الذي يشجع على الحفظ والتلقي وخزن المعلومات. وطالب بأن يتحول التعليم ليكون المتعلم محور العملية التعليمية وليس المعلم والمحتوى.
ويرى ضرورة تغيير أساليب التدريس بأساليب أكثر تحفيزاً وتنوعاً ومرونة كالتعلم التعاوني والتعلم النشط وحل المشكلات، ما يغير دور المعلم المهيمن على كل ما يجري داخل الصف إلى محاور وميسّر ومسهّل للتعليم. ويؤمن فريري بالتعليم الحواري البعيد عن التلقين وخزن المعلومات في عقل الطالب، وهيمنة المعلم ورفض ثقافة الصمت الصفي الذي يجعل الطلبة سلبيين.
ويعتبر أن الحوار والحديث سبب لنهضة التعليم من خلال تربية تفاعلية قائمة على الحب والتواضع والأمل والإنسانية. ويؤكد فريري أن البشر يستطيعون تغيير ظروفهم إذا اعتمدوا الحوار المتبادل. ويرى فريري أن أزمة الحوار التي نعاني منها هي نتيجة حتمية لضعف ثقافة الحوار التي تسود المجتمعات، فالتربية الحوارية في نظره تبدأ من البيت، لأنه إذا نشأ الطفل محروماً من الحوار في البيت فسيكون عدواً للحوار.
و يرى أن الحوار يجب أن يكون أسلوب حياة في البيت والمدرسة والمجتمع. ويدعو فريري إلى أن يكون نظام التعليم ديموقراطياً من خلال المبادئ التالية:
1. المحبة هي أساس الحوار ويكون من الصعب أن يقوم حوار مع شخص آخر دون أن يكون الحب أساس العلاقة.
2. يؤمن فريري بأنسنة التعليم ويقول إن الناس يستطيعون تغيير ظروفهم من خلال حوار قائم على الاحترام والتواضع.
3. الثقة بالطالب وقدرته على إحداث تغيير.
4. تشجيع التفكير الناقد، فالإنسان المفكر يرى أن المستقبل عملية تطور ونماء مستمر لتحقيق أنسنة الإنسان، ويرى أنه من الضروري وجود معلم صاحب نظرة إيجابية، ولا يؤمن بأنه المصدر الوحيد للمعلومات.
أما جون ديوي في كتابه الديموقراطية والتربية 1916 فإنه يدعو فيه إلى الوحدة بين النظرية والممارسات.
ويرى ديوي أن المعلمين يعتبرون الطلبة مكتسبين للمعرفة فقط، حيث يتم فصل العقل عن الجسم ما ينتج عنه مشاكل في الانضباط الصفي وإهمال الحواس والأنشطة الجسدية. ويقول ديوي"إذا علمنا الطلبة اليوم بنفس الأسلوب الذي استخدمناه في الأمس فإننا سنسرق منهم الغد "فالتعليم بالنسبة لديوي ليس إعداد للحياة، وإنما هو الحياة. ويقوم التعليم بالنسبة له على التجربة والخطأ والتأمل والتجربة والممارسة والخبرة وانعكاس الخبرة العملية على عملية التعلم. والتعليم بالنسبة له هو قدح الشرارة، وليس ملء الوعاء.
وطالب بأن يكون الصف مركز تفريخ للإبداع من خلال بيئة تعليمية محفزة تشاركية مشجعة يتفاعل فيها الطالب مع المواقف المختلفة والمتنوعة. وقد ربط ديوي في كتابه بين الديموقراطية والتربية والتعليم من خلال المبادئ التالية:
1. التعلم بالحوار، وهنا يتفق مع فريري على أهمية الحوار والمناقشة من خلال بيئة تعليمية ديموقراطية تركز على ثقافة الحوار.
2. التعلم النشط الذي يركز على النشاط الذاتي للمتعلم في بيئة جذابة شيقة أمنة.
3. التعلم الديموقراطي من خلال قرارات يشارك فيها المعلمون والطلبة والأهل والمجتمع وأصحاب الاختصاص.
4. الخبرة، وتزويد الطلاب بخبرات متعددة متنوعة يتفاعل فيها الطالب مع الآخرين من خلال بيئة خاصة وأن الخبرة والنمو لا يتوقفان، ويرى أن التربية هي عملية بناء ونماء مستمرة هادفة في بيئة يتفاعل فيها الإنسان مع الآخر.
ويؤكد أنه لا يوجد نظام تعليمي مثالي، أو معلم مثالي، أو بيئة مثالية أو منهاج مثالي.
أما خليل السكاكيني الذي أسس المدرسة الدستورية سنة 1909 م، وحاول من خلالها بناء نموذج تربوي من أسفل، يعتمد على المحيط وعلى السياق الأهلي ومتطلباته وكرامة الإنسان من خلال شعار تعلم تحرري يركز على إعزاز التلميذ لا إذلاله، ويرى أن كل إنسان فريد وليس فرداً، أي أن كل فرد له نمط معين للتعلم يختلف عن الآخر. وطالب بتحرير التلميذ وبناء تربية إعزازه لا إذلاله، ويرى أن التعلم التحرري هو فعل مستمر للتغيير والتفكير والتعديل والتنوع والمرونة والتعددية وفهم ذلك في سبيل عقل متحرر متحرك. وأكد أن التلميذ محور العملية التعليمية، مع تعزيز مستمر من المعلم مع بث الدافع لدى التلميذ من خلال تعريضه لتجارب مختلفة من أجل تعزيز مهاراته، ثم ترك القرار له والتخصص والاستكشاف والمحاورة لكسر سلطة المعلم ومداورة هذه السلطة في الصف بين المتعلمين والمعلم، وهو ما يعني حالياً بلغة العصر: تبادل الأدوار بين المعلم والطلاب.
ويرى أن كل متعلم فريد وهو إضافة جوهرية للصف، علينا استكشافه تمهيداً لمعرفة المتعلمين كل على حدة بما يختلفونه، ويرى أنه لا يمكن أن يكون هنالك مستقبل أكثر أهمية من ضمان أن أطفالنا لديهم مستقبل، ويجب أن تكون المدرسة حرة حتى يكون التلميذ حراً. ويرى أن المدرسة هي موروث استعماري كل شيء فيها مقيّد من سلطة المعلم وسلطة الكتاب وسلطة الامتحانات. ويقول أن المدرسة هي مصنع ثقافي للطبقة الوسطى، وهنا يتفق مع باولو فريرو، في أن المدرسة هي شكل يذوب فيه الفرد في إطار سلطة المعلم، لأن المعلم هو السبيل الوحيد للوصول للعلم والمعرفة ويرى أن التعليم التلقيني هو تعلم بنكي من حيث المضمون، وقمعي من حيث الشكل. مدرسة السكاكيني تقوم على شعار إعزاز التلميذ، لا إذلاله ولا علامات ولا جوائز ولا عقاب.
و ما أجمل ما قاله :
إننا نعلم أطفالنا التاريخ لا ليعرفوا التاريخ بل ليكونوا مؤرخين.
نعلم أطفالنا الأدب لا ليعرفوا الأدب لكن ليكونوا أدباء.
تعلم أطفالنا اللغة لا ليعرفوا اللغة بل لينزلوا منها منزلة أهلها.
نعلم أطفالنا الرياضيات ليكون لهم أدمغة رياضية.
و من خلال شعاره إعزاز التلميذ لا إذلاله، يتفق مع باولو فريرو بأن التعليم يجب أن يكون إنسانيا ويتفق مع باولو فريرو وجون ديوي في اعتبار المتعلم مجرب محاور، وبلغة اليوم مركز العلمية التعليمية، ويتفق معهما كذلك في أن التعليم يجب أن يضع التلميذ في جو حواري ما يساعد على نمو شخصيته ويتفق مع ابن خلدون في أن قهر المعلم للطالب يفسد معاني الإنسانية.
أعجبني جداً مصطلحه المداورة في الصف، وبلغة اليوم تبادل أدوار وتدوير الأدوار والحوار بين المتعلمين وكذلك مصطلح بث الدافع لدى المتعلم. ويعرف التعلم التحرري بأنه فعل مستمر للتغيير والتفكير والتعديل والتنوع والمرونة والتعددية لخلق عقل متحرر متحرك، ويتفق مع نيتشه الألماني في أن التعليم أداة للسيطرة والقمع وترويض الإنسان من خلال إذلاله وهدر كرامته، وتكلم عن فردية المتعلمين كل على حدة، في المحيط والسياق الأهلي ومتطلباته وكرامة الإنسان.
أخيراً، أرى أن الأقطاب الثلاثة (فريرو وديوي والسكاكيني) يتشاركون في نظرتهم عنالتعليم ودور المعلم ودور الطالب ودور البيئة، ويركز نهج كل منهم كذلك على ديموقراطية التعليم من خلال أساليب محفزة مشجعة مرنة متنوعة، وطالبوا بأنسنة التعليم. وأقول إن تطبيق هذه الآراء التربوية في أي نظام تعليمي تقود الى تغيير التعليم ومخرجاته.
ويؤكد الاقطاب الثلاثة على أهمية التعليم وتطويره وإصلاحه في إحداث نقلة نوعية على صعيد المخرجات، لتحقيق نهضة تنموية تساهم في تحقيق التحول نوعي للعملية التعليمية.
بلغة العصر: البيئة الصفية.
أعجبتني جداً هذه الأفكار التربوية التقدمية في ذلك الزمان الذي جاءت فيه قبل كثير من الأفكار التربوية التي نرددها اليوم من قبل باولو فريرو وجون ديوي ولم يتم ترجمتها إلى فعل تربوي، ورؤية السكاكيني تضاهي ما جاء به ديوي 1916 في كتابه عن ديموقراطية التعليم وما جاء به باولو فريرو في كتابه تعليم المقهورين 1968، و ما زال الكثير منا يتذكر كتاب اللغة العربية ( دار دور، راس روس) لخليل السكاكيني، وأرى أن يتم تشكيل لجنة من التربويين وعلماء الاجتماع والمهتمين والعارفين وأصحاب القرار لترجمة هذه الأفكار لبناء نموذج تربوي عصري فلسطيني، لأننا نقف في هذا القرن على عتبة باب ردّاد، فإما أن يفتح باتجاه النور والتقدم والتغيير والتفكير والتطوير والنظر للأمور من زوايا مختلفة من خلال عقل ناهض متفتح متحرك، أو يفتح على مزيد من التخلف والجهل والتعصب والظلمات.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترف الحوار تحت وطأة جريمتي الإبادة والتطهير العرقي
جمال زقوت
صوت الأذان سيصدح في كل مكان وكل زمان
حديث القدس
التكفيريون يضربون في سوريا تنفيذاً لتهديدات نتنياهو وأطماع أردوغان
وسام رفيدي
مصير وحدة الساحات بعد اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحزب الله
اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
"تعزيز الفوضى واستدامة الاحتلال" مشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط
مروان أميل طوباسي
أنقرة تنوب عن تل أبيب في الحرب على سوريا
راسم عبيدات
خطط الاستيطان في غزة واستمرار الإبادة
بهاء رحال
حتى لا يدفع الفلسطينيون ثمن التسويات في الإقليم
د. أحمد رفيق عوض
لسوريا ومع سوريا
حمادة فراعنة
ولا يُنبئك مثل خبير!
اعتراف من الداخل
حديث القدس
المكلومون
بهاء رحال
معركة المواجهة بين الهزيمة والانتصار
حمادة فراعنة
النموذج اللبناني.. وضوح الرؤية ووحدة القرار
د. دلال صائب عريقات
أهميـة المشـاركة في اتخاذ القـرار
أفنان نظير دروزه
غزة في خضم الحرب: إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا
ياسـر منّاع
اقتراح مقدم للأخ الرئيس محمود عباس
المحامي زياد أبو زياد
الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل العلاقات العامة: حقبة جديدة من الاتصال الذكي
بقلم: صدقي ابوضهير
أبرز التوجهات التقنية الاستراتيجية لعام 2025: نظرة مستقبلية
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
الصورة بكل الأوجاع!
ابراهيم ملحم
الأكثر تعليقاً
في حدث تاريخي: ملك النرويج يشارك في إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
ترمب يهدد "حماس" في حال لم تطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين
اختتام فعالية تحكيم المرحلة الثالثة من مسابقة "ماراثون القراءة الفلسطيني الأول" في الخليل
الرئاسة تطالب بعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية
يعلون: ننفذ تطهيرا عرقيا في شمال قطاع غزة
مسؤول في "Coinbase": فوز ترامب يفتح الباب أمام تنظيم سريع للعملات المشفرة
"الأونروا": حرب الإبادة على غزة تسببت في وباء إصابات فظيعة
الأكثر قراءة
قصف مكثف للاحتلال على غزة وخان يونس يوقع 7 شهداء وعدد من الجرحى
مصدر مصري: القاهرة قدمت مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة
"رويترز": السعودية تخلت عن التوصل إلى معاهدة دفاعية مع أميركا مقابل التطبيع مع إسرائيل
الاحتلال الإسرائيلي يغتال 4 شبان قرب جنين
المرسوم الرئاسي.. حاجة دستورية أم مناكفة سياسية؟
بدء اجتماع حماس ومسؤولين مصريين في القاهرة
هجوم هيئة تحرير الشام على حلب نسقته إدارة بايدن مع إسرائيل وتركيا
أسعار العملات
الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.13
شراء 5.11
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 163)
شارك برأيك
التعليم كما يراه باولو فريرو وجون ديوي وخليل السكاكيني