Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

إضاءات على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، حيثياته وتبعاته

الأربعاء 24 يوليو 2024 5:57 مساءً - بتوقيت القدس

فلسطيني

آليات التقاضي الدولي تكون عبر محاكم دولية دائمة أو خاصة يتم إنشاؤها بقرار من هيئة دولية معبرة أو بالاتفاق مع الدولة المعنية، وتشمل ولاية المحكمة جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، وجميع المسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات والاتفاقات المنصوص عليها. إسرائيل كدولة احتلال، تنتهك القانون الدولي، وتحتل أراضي الغير، وترتكب الجرائم يتم مقاضاتها بالمسؤولية الدولية المدنية أمام محكمة العدل الدولية، وهي الأداة الرئيسية للأمم المتحدة للفصل في النزاعات القانونية الدولية طبقا لأحكام القانون الدولي، وتقديم الفتاوى بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، من المهم الإشارة إلى أن هذه الآلية الدولية تصلح لمقاضاة إسرائيل بالحق المدني ومطالبتها بالتعويض وجبر الأضرار، في ذات الوقت يمكن مقاضاة قادتها سواء كانوا سياسيين أو عسكريين بالحق الجنائي عبر محكمة الجنايات الدولية. تنشأ المسؤولية المدنية بتوفر عدة شروط، أهمها فعل غير مشروع ضد دولة أخرى يلحق بها ضررا مباشرا، ويترتب على ذلك وقف الفعل والتعويض العيني بإعادة الحال إلى ما كان عليه، أو التعويض المالي نتيجة خرق التزام دولي، وهذا لا يأخذ الصفة الجزائية بقدر كون طابعه إصلاح الضرر أو إعادة الحال إلى ما كان عليه، تَحَمُل المسؤولية المدنية يعني التوقف عن ممارسة ما يخالف قواعد وأحكام القانون الدولي، سواء كان احتلال بلد آخر أو استغلال موارده، والعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل ذلك، وفي بعض الحالات، حين يتعذر إعادة الوضع إلى ما كان عليه كما هو في حالات القتل او تدمير مرافق الدولة المتضررة واستغلال مواردها، يصبح التعويض المالي هو الإجراء الوحيد والممكن بهدف إعادة الوضع إلى ما كان عليه قدر الإمكان، وقد تصدر المحكمة حكما قضائيا ملزما ونهائيا إذا وافق الطرفان على قبول اختصاص المحكمة، وذلك على عكس محكمة الجنايات الدولية التي يكون حكمها ملزما لجميع الأطراف سواء قبلت اختصاص المحكمة أو لم تقبل.

للمحكمة نوعان من الاختصاص أولها قضائي والأخر استشاري، من الناحية القضائية، هناك نوعان من الولاية اولها اختيارية مشروطا بقبول الدول المتنازعة عرض النزاع عليها كشرط أولي لتقرير ولايتها، حيث تقوم الولاية على رضا جميع أطراف النزاع، اما الثانية، فهي ولاية إجبارية، حيث للمحكمة النظر في المنازعات القانونية المتعلقة بتفسير معاهدة أو مسألة في القانون الدولي أو التقرير حول واقعة معينة وإذا ما كانت تشكل خرقا لالتزام دولي معينا، فضلا عن نوع التعويض المترتب على ذلك ومداه.

وبالإضافة إلى اختصاصها القضائي، خوّلها ميثاق الأمم المتحدة اختصاصا اخر غير قضائي، لإبداء آراء أو فتاوى استشارية في مسائل قانونية فقط، وذلك لتسهيل أعمال مؤسسات الأمم المتحدة كمجلس الأمن أو الجمعية العامة للفصل فيما يعرض عليهما من نزاعات، ويحق لباقي هيئات ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة طلب فتواها في مسائل قانونية تقع في نطاق أعمالها، وفتاويها تكون غير ملزمة للجهة التي طلبتها، لكن جرت العادة أن يُحترم رأي المحكمة إلى الدرجة التي تجعلها أحكاما ملزمة قانونيا، كما انه لا يحق للدول طلب آراء استشارية او فتاوي من المحكمة مباشرة.

وفي حال طلب احد مؤسسات الأمم المتحدة راي المحكمة، ففي هذه الحالة قد تصدر المحكمة فتوى أو رأي استشاري وفقا لأحكام القانون الدولي، كما هو الحال في الحالة الفلسطينية بخصوص الاستيطان بتاريخ 19 تموز 2024 وقبل ذلك فتواها في موضوع الجدار عام 2004، ويكون ذلك بناء على طلب من أحد أجهزة الأمم المتحدة، وهذه الفتاوى وحتى وان كانت غير ملزمة للأطراف، لكنها تحمل في طياتها قيمة معنوية كبيرة لجهة الاعتراف بالحقوق وحفظ حقوق الأجيال القادمة وديمومة المطالبة بحقوقها، كما وتعد بمثابة وثيقة تاريخية قانونية دولية تقر بالحق الفلسطيني، ويمكن قراءة ذلك من خلال ردة فعل السياسيين في إسرائيل تجاه المحكمة وفتواها، ما يشير إلى أن هذا المجال سيكون ساحة أخرى من ساحات الصراع يتطلب الكثير من المتابعات والإجراءات، والتي لا يبدو أن السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية قادرة على تحمل أعبائها لعدة أسباب على رأسها الانقسام السياسي.

والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو متعلق بجدوى التوجه للمحاكم الدولية فلسطينيا سعيا لاستعادة حقوقهم وإذا ما كانت القيادة الفلسطينية والعربية لديها الإرادة السياسية والاستعداد لتحمل تبعات ذلك في ظل واقع عربي مترد ويعاني من مشكلات جمة فضلا عن غياب العمل العربي المشترك واحتمال تذرع البعض بإشكالات قانونية كعدم الاعتراف بإسرائيل الى جانب الحسابات السياسية الأخرى او عدم الرغبة في إزعاج الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين لا يرون ولا يسمعون إلا ما يحدث في أوكرانيا!

في الحالة الفلسطينية، كان من المتوقع أن لا تقبل إسرائيل بالولاية الإجبارية للمحكمة، إذ لا توجد اية إعلانات أو اتفاقات او تفاهمات خاصة مع الفلسطينيين بهذا الخصوص تقود إلى امتداد ولاية المحكمة أو الالتزام بتنفيذ احكامها، وبالتالي كان الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو الحصول على حكم إدانة يحمل إسرائيل مسؤولية انتهاك القانون الدولي وانتهاك التزاماتها وفقا للمعاهدات والاتفاقيات الموقعة عليها ومطالبتها بالتعويض وجبر الأضرار، وهو حكم غير ملزم، خاصة إذا ما جاء طلب الرأي الاستشاري عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أو أحد أجهزتها.

عودا على بدء، الرأي الاستشاري الخاص بالآثار القانونية لبناء جدار الفصل العنصري

عام 2003 طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بخصوص الآثار القانونية المترتبة على بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس، واعطت المحمة راها في التاسع من تموز عام 2004 وفقا لمبادئ القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، أثيرت في حينها العديد من القضايا ضد اختصاص المحكمة من قبل الجانب الإسرائيلي، والتي بنيت أولا على أساس الطعن في قرار الدعوة للدورة الاستثنائية للجمعية العامة وأن الجمعية قد تجاوزت سلطتها بطلب رأي استشاري في مسألة متعلقة بحفظ السلام والأمن الدولي وهي مسؤوليات مجلس الأمن الدولي، كما تم الادعاء أن الأمر ليس مسألة قانونية بل هو متعلق بنزاع لم يوافق فيه احد الطرفين على اختصاص المحكمة وبالتالي فان الرأي الاستشاري سيضر بفرص التوصل إلى حل سياسي، وأخيرا حملت فلسطين المسؤولية عن ممارسة أعمال أدت الى بناء الجدار كإجراء وقائي أو رد فعل، وردت المحكمة في حينها جميع هذه الحجج وقالت بأن مجلس الأمن ليس صاحب المسؤولية الحصرية التي تحجب هيئات الأمم المتحدة الأخرى وانه عجز عن القيام بدوره نتيجة استخدام الولايات المتحدة لحق النقض الامر الذي فتح الباب أمام تدخل الجمعية العامة لاتخاذ هذا القرار وطلب الرأي الاستشاري، وأكدت المحكمة أن الرأي الاستشاري متعلق بآثار قانونية ناجمة عن فعل مخالف للقانون الدولي وأن موافقة جميع الأطراف لا تنطبق في هذه الحالة واصرت بان رايها – وعلى العكس تماما،- يمكن أن يساعد في التوصل لحل سياسي.

وبالنسبة لإسرائيل، خلصت المحكمة حينها إلى عدم مشروعية ضم الأراضي بالقوة أو التهديد وأكدت على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وأقرت بإمكانية تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية وبالتالي عدم شرعية المستوطنات وعدم شرعية بناء الجدار، رافضة اعتبار ذلك حق دفاعيا بل هو مخالف للقانون الدولي ويترتب عليه مسائل قانونية كاحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واحترام الالتزامات المقررة وفقا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وطلبت وضع نهاية لانتهاك التزاماتها الدولية الناجمة عن بناء الجدار وطالبت بهدم أجزاء منه تقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعويض الأشخاص الطبيعيين والقانونيين الذين أصابهم ضرر جراء ذلك.

أما بالنسبة لبقية دول العالم، فإن الآثار القانونية بحسب المحكمة تتمثل في عدم الاعتراف بالوضع المستحدث وعدم تقديم أي مساعدة تساعد على إبقاء الحال على ما هو عليه، وإزالة أي عوائق تحول دون ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، ودعت الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة إلى العمل على إنهاء الوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار في قرار نسف الحجج الإسرائيلية وأكد على الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة وإقرار بالحق الفلسطيني وإدانة لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي في موضوع الجدار وممارساتها الأخرى، وكان واضحا خلال السنوات التالية تقاعس مؤسسات الأمم المتحدة عن اتخاذ خطوات عملية وفقا للرأي الاستشاري للمحكمة لإنهاء الوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار.

الرأي الاستشاري الخاص بالاحتلال والاستيطان

في قرارها رقم 77/247 بتاريخ 30 كانون اول 2022 طرحت الجمعية العامة على محكمة العدل الدولية سؤالين:
السؤال الأول متعلق بالعواقب القانونية الناشئة عن بعض السياسات والممارسات التي تتبعها إسرائيل كسلطة احتلال في حالة احتلال عسكري منذ عام 1967.

السؤال الثاني متعلق بكيفية تأثير هذه السياسات والممارسات على الوضع القانوني للاحتلال في ضوء بعض الظروف وقواعد ومبادئ القانون الدولي والعواقب القانونية التي تنشأ عن هذا الوضع ورات المحكمة أن هذه الأسئلة هي أسئلة قانونية.

ويستند اختصاص المحكمة في إصدار هذه الفتوى إلى الفقرة 1 من المادة 65 من نظامها الأساسي، التي تنص على أنه "يجوز للمحكمة أن تصدر فتوى في أي مسألة قانونية بناء على طلب أي هيئة تأذن لها أو وفقا لميثاق الأمم المتحدة لتقديم مثل هذا الطلب" وأشارت المحكمة إلى أنه عملا بالفقرة 1 من المادة 96 من ميثاقها فانه يجوز للجمعية العامة "أن تطلب من محكمة العدل الدولية إصدار فتوى بشأن أي مسألة قانونية" ويجب على المحكمة أن تقتنع، وفقا لمتطلبات المادة 96 من الميثاق والمادة 65 من نظامها الأساسي، بأن المسألة التي يطلب منها إبداء الرأي فيها هي "مسألة قانونية".

ولكون المحكمة مختصة بإبداء الرأي الاستشاري فإنها غير ملزمة بممارسته حيث انها تتمتع بسلطة تقديرية لرفض إعطاء فتوى، الا ان المحكمة باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة قد رات أن ردها يمثل مشاركة في أنشطة الأمم المتحدة ولا ينبغي رفضه، وأنها قد تمتنع عن ذلك لأسباب قاهرة وهو ما تذرع به بعض الدول التي قدمت مرافعات شفهية او مكتوبة وتلخصت حجج الدول التي طلبت من المحكمة رفض طلب الجمعية العامة بالتالي:

1. طلب الرأي الاستشاري يتعلق بنزاع بين طرفين، أحدهما لم يوافق على اختصاص المحكمة؛
2. الرأي لن يساعد الجمعية العامة؛
3. قد يؤدي هذا الرأي إلى تقويض عملية المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية
4. الرأي الاستشاري يمكن أن يضر بعمل مجلس الأمن؛
5. ليس لدى المحكمة معلومات كافية لتمكينها من إعطاء رأي استشاري؛
6. صياغة الأسئلة تمت بطريقة منحازة

وردت المحكمة جميع هذه الحجج بعد ان اثبتت ان الآثار القانونية الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، تقع ضمن اختصاص المحكمة ويحق لها إبداء الرأي الاستشاري المطلوب وأن طلب رأيها الاستشاري مقدم حسب الأصول ووفقًا للميثاق كما ان الأسئلة المقدمة ذات طابع قانوني وتقع ضمن نطاق اختصاص المحكمة.

وحول الحجة الأولى قالت المحكمة ان موضوع الطلب ليس مسألة ثنائية، ورغم ان أحد الطرفين لم يوافق على اختصاص المحكمة فان إبداء الرأي لا يعد تحايل على موافقته على التسوية القضائية وأن الأسئلة المطروحة لا تتعلق في المقام الأول بنزاع ثنائي بل هو متعلق بمسؤوليات الأمم المتحدة حول السلام والأمن الدوليين والتزاماتها تجاه المجتمع الدولي ولا تعتبر المحكمة موضوع الطلب مقتصرا على مسالة ثنائية، بل يعود الى تدخل هيئات الأمم المتحدة، وقبل ذلك عصبة الأمم، في المسائل المتعلقة بفلسطين ويعود ذلك الى فترة الانتداب ومن ثم تبني الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عام 1947 ما جعل القضية الفلسطينية محل بحث دائم أمام الجمعية العامة التي ناقشتها وتبنت قرارات بشأنها وذلك بشكل سنوي تقريبًا وهي بالتالي – أي القضية الفلسطينية - مسألة ذات اهتمام خاص للأمم المتحدة ومسؤولية دائمة الى ان يتم حلها بجميع بطريقة مرضية ووفقًا للشرعية الدولية وذلك بحسب قرار الجمعية العامة 57/107 بتاريخ 3 كانون اول 2002 وبالتالي فان القضايا المثارة جزء من هذه القضية.

وحول الحجة الثانية وإذا ما إذا كان رأي المحكمة سيساعد الجمعية العامة في أداء وظائفها حيث تم الادعاء بان الجمعية العامة لا تسعى للحصول على رأي المحكمة، بل تسعى لتأكيد المحكمة على استنتاجات قانونية معينة ذات صلة بحل نزاع ثنائي، لم تر المحكمة أن هناك سببًا قويًا يجعلها ترفض إعطاء رأيها.

اما وحول الحجة الثالثة وإذا كان رأي المحكمة قد يقوض عملية التفاوض ويعيق نتائج المفاوضات وقد يزيد من حدة الخلاف او تدخلا في عملية المفاوضات التي تجري وفق إطار إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت عام 1993 والاتفاق المؤقت بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1995 (أوسلو الأول والثاني)، اعتبرتها المحكمة تكهنات فضلا عن ان المفاوضات متوقفة أصلا منذ سنوات وبالتالي لا يمكن للمحكمة التكهن بآثار رأيها.

اما وحول الحجة الرابعة وإذا ما كان الرأي الاستشاري سيكون ضارًا بعمل مجلس الأمن لأنه المسؤول الرئيسي عن القضايا المتعلقة بهذا النزاع وليس الجمعية العامة، رات المحمة ان مجلس الأمن لا يملك المسؤولية الحصرية بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ويمكن للجمعية العامة أيضًا أن تتناول قضايا من هذا القبيل وان طلب الجمعية العامة المتعلق بمسألة تجري مداولاتها في مجلس الأمن جاء بعد مداولات في لجانها الستة التي لم تتناول موضوع السلامة والأمن فحسب، بل أيضًا قضايا حقوق الإنسان والوضع القانوني والتنمية المستدامة والمسائل الإنسانية من بين أمور أخرى ، الى جانب اعلان الجمعية العامة بأن الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد يؤثر على قدرة فلسطين على ممارسة حق تقرير المصير، وبالتالي فان المسائل المطروحة تشمل نطاقًا واسعًا من القضايا التي تتجاوز قضايا حفظ السلام والأمن الدوليين التي هي ضمن اختصاص مجلس الأمن، وبالتالي، لا تعتبر المحكمة أن هناك سببًا قويًا يجعلها ترفض إعطاء رأيها بداعي الاضرار بعمل مجلس الأمن.

وحول الحجة الخامسة ما إذا كانت المحكمة لديها معلومات كافية لتمكينها من إصدار فتوى وانه يتعين عليها ارسال بعثة لتقصي الحقائق تغطي فترة من أجل الإجابة على الأسئلة التي طرحتها عليها الجمعية العامة ، اكدت المحكمة ان لديها ما يكفي من المعلومات والأدلة في السجل المعروض عليها وفي الوثائق المتاحة للجمهور لإجراء تقييم صحيح للمسائل المتعلقة بالوقائع ذات الصلة والضرورية للإجابة على الأسئلة القانونية المطروحة عليها ويعود للمحكمة أن تقوم، في كل حالة، بتقييم طبيعة ومدى المعلومات المطلوبة لأداء وظيفتها القضائية وانه ، وفي هذه القضية، قدم أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية معلومات ذات صلة بالرد على الأسئلة التي طرحتها الجمعية العامة على المحكمة ، ورات المحكمة أن أمامها معلومات كافية للبت في المسائل القانونية بطريقة تتفق مع وظيفتها القضائية، وعليه فلا يوجد سبب قاهر للامتناع عن إبداء الرأي المطلوب على هذا الأساس.

وحول الحجة السادسة وما اذا كانت الأسئلة قد صيغت بطريقة متحيزة او تفترض وجود انتهاكات للقانون الدولي من قبل إسرائيل، قالت المحكمة أنها تتمتع بسلطة تفسير الأسئلة المطروحة عليها، وإعادة صياغتها عند الضرورة لذلك فإن الأمر متروك للمحكمة لتقدير وتقييم مدى ملاءمة صياغة الأسئلة ويجوز للمحكمة أيضًا عند الضرورة، أن تحدد بنفسها نطاق ومعنى الأسئلة المطروحة عليها، ولا ترى أن الجمعية العامة كانت تنوي تقييد حرية المحكمة في البت في هذه القضايا وانها ستتأكد بنفسها إذا كانت سياسات وممارسات إسرائيل تنتهك قواعد ومبادئ القانون الدولي المعمول بها، وذلك قبل تحديد العواقب القانونية لأي من هذه الانتهاكات، وبالتالي لا يمكن للمحكمة، في إطار ممارسة سلطتها التقديرية، أن ترفض إبداء فتواها على هذا الأساس.

وبالتالي وفي ضوء ما سبق، استنتجت المحكمة أنه لا توجد أسباب مقنعة لرفض تقديم الرأي المطلوب من قبل الجمعية العامة، وللمرة الأولى منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 قالت محكمة العدل الدولية ان هذا الاحتلال غير قانوني وان سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية تنتهك القانون الدولي، و أكدت أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو انتهاك للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف وأن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب القانون الدولي ورأت أن اتفاقيات جنيف تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة مشيرة الى ان هذه الاتفاقيات جاءت خصيصا لحماية المدنيين في أي نزاع مسلح أو احتلال، بغض النظر عن الوضع القانوني السابق للأراضي وإعادة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واعتبرت أن استمرار الاحتلال والإجراءات الإسرائيلية والاستيطان يعرقل تحقيق هذا الحق وان ذلك يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ودعت إسرائيل إلى إنهاء احتلالها وتفكيك المستوطنات ودعت المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، إلى اتخاذ خطوات لضمان احترام القانون الدولي وإنهاء الاحتلال وأكدت على مسؤولية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف أو دعم الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وبالتالي فان فتوى المحكمة تمثل إدانة قوية للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مؤكدة على أن الاحتلال والاستيطان غير شرعيين بموجب القانون الدولي داعية الى إنهاءها واحترام حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

ماذا بعد؟

الفلسطينيون قادرون على الاستفادة من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية إذا تمكنوا من التغلب على التحديات الداخلية وتعزيز الدعم الدولي وهذا يتطلب استراتيجية شاملة تتضمن توحيد الصفوف، تعزيز الكفاءة القانونية والدبلوماسية، والاستفادة من الشبكات الدولية والمجتمع المدني، وبالنظر إلى تجارب مشابهة حيث أصدرت المحكمة آراء استشارية، سواء في الحالة الفلسطينية او غيرها يمكن للفلسطينيين الاستفادة من الخبرات والممارسات التي اتبعتها الأطراف الأخرى لتحقيق تقدم في ذلك والاستفادة من الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية داخليا وخارجيا من خلال :

• مواجهة التحديات المتعلقة بالانقسام السياسي الذي يعوق ويضعف القدرة على تحقيق أهداف استراتيجية من خلال التوجه نحو المصالحة الوطنية وتوحيد الصف الفلسطيني بغية استغلال الرأي الاستشاري بفعالية وتشكيل جبهة موحدة للعمل الدبلوماسي والقانوني.
• الإصلاح القانوني والدبلوماسي بهدف زيادة الكفاءة القانونية والدبلوماسية وتأهيل كوادر وفرق متخصصة في القضايا القانونية والدبلوماسية الدولية بالتعاون مع خبراء دوليين ومحامين متخصصين في القانون الدولي والاستفادة من خبرات وتجارب دولية على هذا الصعيد.
• تعزيز الجهد القانوني من خلال رفع قضايا أمام المحاكم الوطنية في الدول التي تعترف بالاختصاص القضائي للمحكمة الدولية واستخدام الرأي الاستشاري كمستمسك قانوني يمكن أن يؤدي إلى إصدار أحكام تقضي بعدم قانونية الاستيطان فضلا عن تحريك قضايا في محكمة الجنايات الدولية، فكما اشرنا سابقا بالرغم من ان فتوى المحكمة غير ملزمة الا انه مستمسك قانوني يمكن استخدامه لدعم القضايا المرفوعة أمام محكمة الجنايات الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب والتي تعد احكامها ملزمة على خلاف محكمة العدل الدولية.
• زيادة الوعي والإعلام الفاعل حول كيفية استغلال الرأي الاستشاري وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والدولية في نشر الوعي والعمل على حملات توعية مستمرة حول الآثار القانونية والسياسية للاستيطان غير القانوني، واستخدام الرأي الاستشاري كجزء من هذه الحملات والذي سيكون أداة قوية للتأثير على الرأي العام العالمي من خلال وسائل الإعلام الدولية، مما يزيد من الضغوط على الحكومات لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الاستيطان.
• تفعيل استخدام الرأي العام كأداة دبلوماسية من خلال توجيه الحملات الدبلوماسية لاستخدام الرأي الاستشاري في المحافل الدولية لزيادة الضغط على إسرائيل ولفت الانتباه إلى عدم شرعية الاستيطان وتقديم تقارير وشكاوى إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة استنادا إلى الرأي الاستشاري وتعزيز الدعم الدولي من خلال الاستناد الى مسؤولية الدول الأخرى بموجب الراي الاستشاري لتشجيعها على تبني مواقف واضحة ضد الاستيطان، والدعوة إلى فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل.
• تعزيز دور المجتمع المدني حيث يمكن لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية توثيق الانتهاكات والعمل على رفع مستوى الوعي حول حقوق الفلسطينيين باستخدام الرأي الاستشاري وبالتالي توجيه حملات مقاومة الاستيطان بما في ذلك الاحتجاجات والمقاطعة الاقتصادية.
• تعزيز الشراكات الدولية مع المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان لاستخدام الرأي الاستشاري في حملات الضغط والعمل القانوني او من خلال استراتيجيات متعددة ومتنوعة، تمكن الفلسطينيين من تحويل الرأي الاستشاري إلى أداة فعالة لتحقيق تقدم ملموس في قضيتهم ضد الاستيطان غير القانوني في الأراضي الفلسطينية.

إقرأ المزيد لـ فلسطيني ...

أسعار العملات

الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.13

شراء 5.11

يورو / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 177)