فتح وحماس: قراءة مقارنة وخلاصة نتائج حرب "طوفان الأقصى"
الإثنين 20 يناير 2025 7:52 مساءً - بتوقيت القدس
شهدت القضية الفلسطينية تحولات كبيرة في مسارها منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية حتى يومنا هذا، حيث لعبت حركتا فتح وحماس دورين رئيسيين في مسيرة النضال الفلسطيني، لكن كل منهما اعتمد على نهج وأسلوب مختلفين، انعكسا بشكل واضح على موازين القوى والنتائج التي تحققت.
حين تأسست حركة فتح في ستينيات القرن الماضي، كانت تهدف إلى تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح. اتخذت فتح مقرها خارج الأراضي الفلسطينية، حيث عملت من دول عربية مثل الأردن ولبنان، ما وفر لها مساحات أكبر للتحرك وتنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن هذا الوجود خارج الوطن جعلها تعتمد على دعم الدول المضيفة، مثل الأسلحة والتمويل الذي قدمته الدول العربية. ومع ذلك، كان لهذا الدعم ثمن باهظ، إذ تورطت فتح في أزمات مع هذه الدول، مثل أحداث "أيلول الأسود" في الأردن ودورها في الحرب الأهلية اللبنانية، ما أثر سلبًا على قدرتها على الاستمرار بمرونة في العمل العسكري والسياسي.
من جهة أخرى، اعتمدت فتح بشكل كبير على شخصية الزعيم ياسر عرفات، الذي كان يتمتع بحضور سياسي قوي وقدرة على توحيد الحركة تحت قيادته. لكن هذا الاعتماد جعل الحركة تواجه ضعفًا كبيرًا بعد رحيله، حيث ظهرت الانقسامات الداخلية وتراجع دورها في الساحة الفلسطينية.
غير أن مقاتلو فتح حملوا عقيدة وطنية واضحة تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهي عقيدة شكلت دافعًا قويًا لهم، لكنها لم تكن بنفس تأثير العقيدة الدينية التي يتبناها مقاتلو حركة حماس، والتي تضفي طابعًا مقدسًا على القتال ضد الاحتلال.
حماس، التي تأسست أواخر الثمانينيات كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين، اختارت نهجًا مختلفًا تمامًا. الحركة عملت من الداخل الفلسطيني، ما جعلها أكثر التصاقًا بالجماهير الفلسطينية ومعاناتها اليومية.
كما أن إدارتها لقطاع غزة منذ عام 2007 أعطاها قدرة أكبر على العمل بحرية، لكن أيضًا وضعها تحت ضغوط الحصار الإسرائيلي المستمر والأزمات الاقتصادية المتفاقمة. ورغم هذه التحديات، نجحت حماس في بناء قدرات عسكرية ذاتية، حيث اعتمدت على تصنيع السلاح محليًا وتطوير تكتيكاتها القتالية، مما قلل من حاجتها للدعم الخارجي، وجعلها أكثر استقلالية مقارنة بفتح.
إضافة إلى ذلك، استفادت حماس من عقيدتها الدينية التي تمنح مقاتليها شعورًا بأنهم يخوضون حربًا مقدسة. هذا الإيمان القوي يعزز شجاعة مقاتليها وإصرارهم في المواجهة مع الاحتلال.
على عكس فتح التي اعتمدت على قيادة مركزية تمثلت في عرفات، تبنت حماس نموذجًا قياديًا مرنًا يعتمد على توزيع الأدوار بين قادتها السياسيين والعسكريين. هذا الهيكل القيادي جعل الحركة أكثر قدرة على الصمود أمام محاولات إسرائيل استهداف قادتها عبر الاغتيالات أو الضغوط السياسية.
هذه الديناميكيات ظهرت بوضوح في حرب "طوفان الأقصى"، التي بدأت في أكتوبر 2023 بهجوم مفاجئ شنته حماس على إسرائيل. العملية التي شملت اقتحام مستوطنات إسرائيلية واحتجاز جنود ومدنيين كأسرى، شكلت صدمة كبيرة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية وأظهرت ثغراتها بشكل واضح.
من الناحية العسكرية، تمكنت حماس من تسجيل إنجاز نوعي من خلال تنفيذ عمليات دقيقة أثرت على الداخل الإسرائيلي معنويًا واستراتيجيًا.
لكن هذه الحرب، رغم نجاحها العسكري، لم تخلُ من التحديات. فقد تعرض قطاع غزة لقصف مكثف من الجيش الإسرائيلي، أدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، وزاد من معاناة السكان. ومع ذلك، توجت الحرب بصفقة مشرفة تضمنت إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، من بينهم أصحاب أحكام عالية، مقابل الإفراج عن الجنود والمدنيين الإسرائيليين الذين احتجزتهم حماس. كما شملت الصفقة اتفاقًا على تخفيف الحصار المفروض على غزة من خلال فتح المعابر والسماح بحركة البضائع والأفراد، إضافة إلى وقف إطلاق النار الذي أوقف نزيف الدماء.
يمكن القول إن حماس حققت إنجازات استراتيجية مهمة من خلال هذه الحرب. فقد أظهرت قدرة كبيرة على مفاجأة الاحتلال وتغيير قواعد الاشتباك. كما عززت من مكانتها كقوة فلسطينية رئيسية لا يمكن تجاهلها في أي معادلة سياسية قادمة. ومع ذلك، فإن هذه الإنجازات تأتي بثمن باهظ، خاصة على صعيد الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها قطاع غزة.
في النهاية، تظهر مقارنة بين حماس وفتح أن لكل منهما مزاياها وتحدياتها. فتح كانت القوة الرائدة في عصرها، لكنها تأثرت باعتمادها على الدعم الخارجي وغياب القيادة الجماعية. أما حماس، فقد استطاعت تطوير نموذج أكثر مرونة واستقلالية، مستفيدة من عقيدتها الدينية القوية وبنيتها التنظيمية المتماسكة. حرب "طوفان الأقصى" أثبتت أن الفلسطينيين قادرون على فرض معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه الإنجازات العسكرية إلى مكاسب سياسية واقتصادية تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة.
إقرأ المزيد لـ احمد حسين ...
الأكثر تعليقاً
من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
الاحتلال يفرج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار
الرئيس يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية
الترامبيّة المُتحوّرة!
هل وصلت الرسالة إلى حماس؟
إصرار ترمب على التهجير.. ما لم يُحققه في ولايته الأولى لن يُحققه في الثانية
الأكثر قراءة
إعلام عبري: نتنياهو يناقش خطط عودة الجيش الإسرائيلي إلى غزة
الشرطة الإسرائيلية تعتقل 432 عاملا فلسطينيا داخل أراضي 1948
ترامب: لا ضمانات لدي أن الهدنة بين إسرائيل وحماس ستصمد
مستعمرون يقتحمون مبنى "الأونروا" في حي الشيخ جراح
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
مارتن أولينر يدعو إلى دعم خطة ترامب للتهجير.. "سكان غزة لا يستحقون الرحمة"
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 554)
شارك برأيك
فتح وحماس: قراءة مقارنة وخلاصة نتائج حرب "طوفان الأقصى"