نبيل محمد سمارة

هكذا كان حظي , ان اولد في بلد غمرته الحروب و الازمات السياسية ! بلد لم يرتاح على مدى اكثر من اربعة عقود ..
هل احمل هذه المسؤولية لجدي الذي هو تحت التراب ولم يبقى منه حتى العضام , أم احمل المسؤولية للظروف التي لا ترحم
حين وصل عمري الى خمسة سنوات , بدت الحرب العراقية - الايرانية , وانا احدث والدي : ما معنى الحرب ومن يدفع ثمن الحرب, ومن المستفيد منها ؟ - كان جواب والدي بائس فيها حصرة وألم .

واستمرت الحرب وكانها لا تنتهي , يوم يخوض الجيش العراقي الملاحم في الجبهات الايرانية , ويوم يتقدم الجيش الايراني على الحدود العراقية وهكذا , وكأنها ماكينة الموت تحصد الطرفين بلا شبع .

ثمانية سنوات من الحرب احرقت الاخضر واليابس , احرقت اقتصاد كان ينبغي أن تدفع لمشاريع العمران والبنى
التحتية ؟ , اصبح عمري ثلاث عشر ربيعا , عندما سمعت بانتهاء الحرب العراقية الايرانية , لم اصدق نفسي أن الحرب التي انهكتنا قد انتهت .

ولم يمر علينا عامين من الهدوء , والأمان , واذ بدخول العراق للكويت , ليجعلها المحافظة
التاسعة عشر, سمعت في الراديو " أن الشعب الكويتي يطلب من صدام حسين تحريره من نظام أل الصباح" في وقتها لم اعرف ان الاعلام يمارس " التضليل والخداع"

في البداية صدقت هذه الاشاعات , ولكني ايقنت ان الشعب الكويتي لم يطلب من صدام حسين تحريره من حكام ال صباح

ثم جاءت امريكيا باساطيلها الكبيرة لتحرر الكويت من الغزو العربي -العربي , وبعد خروج الجيش العراقي من الكويت , تأملت خيرا .

بدأ الحصار القاسي على الشعب , واندثرت العملة النقدية العراقية ! واصبحت عملة
لا تساوي شيئا امام الدولار , وانتشر الفقر في اغلب العوائل العراقية .

ثلاثة عشر سنة من الحصار الجائر , وهو يلازمنا في العمل وفي الشارع وفي البيت , ولم يعد صاحب البيت يتحمل طاقته المعاشية من اجل لقمة يطعمها لأولاده , فصار الموظف يبيع حاجيات بيته بسبب العوز و انحرم الشعب من الاطعمة الدسمة, بينما عدي صدام يظهر في التلفاز وهو يطعم الاسود بسلة محملة باللحوم المسلوقة يطعم اسوده .

وفي سنة 2003 اصرت امريكيا بالاطاحة بنظام عبثي مراوغ جدا , وبدأت الحرب بين الجيش العراقي وجيوش العالم بلا هوادة , ذهب الكثير من الشباب شهداء للدفاع عن تراب العراق ,حرب سالت فيها الدماء كسريان النهر .

وبعد سقوط النظام , تخربطت اوضاعنا , وتفرقنا , واصبحنا " سنة " و" شيعة " و " كرد", وتمزق النسيج العراقي , ثم
, تهجرنا , وتبعثرنا, وتبخرنا , وترملت النساء , وتيتم الاطفال ... وما زلنا نعاني صعاب الحياة القاسية .
دخلت علينا الاحزاب السياسية تعاني الثقة بينها , يتخاصمون ويتصالحون , ويتجالسون في طاولة مستديرة ! اصبح الشعب العراقي لقمة سهلة الهضم في حلوق اعداء الوطن , لتبدأ مرحلة ارعاب الشعب بخطة رسمت في الظلام مع خفافيش الليل الا وهي السيارات والعبوات المفخخة التي لم تفرق بين النساء و الاطفال وبعد كل هذا سقطت الموصل و الرمادي وتكريت , لتأتي حقبة اخرى من الشباب لتدافع عن هذا الوطن الغالي وكسر المخطط الغربي وسالت دماء كثيرة من الابرياء الشباب لتثقل هموم الامهات اللواتي فجعن بفقدان الابناء الاعزاء كما فجعن في السابق بحرب الثمانينيات.
استبشرنا خيرا بعد تحرير تلك المدن وساد الهدوء وبدأت حملة اعمار واسعة في العراق رغم بعض السلبيات.

العراق اليوم احوج من اي وقت مضى لكي نضع اليد باليد , وان نفشل اي مخطط غربي وان يكون العراق بعيدا عن تلك العيون الحاقدة التي تحدق شرا بوطن ارهقته الحروب على مدى اربعة عقود
ولكن يكفي ان نقول ان الله ارحم بعباده , ويشد بعضنا بعضا , و ننزع الشوك من حياتنا لنقول بصوت واحد , وبحنجرة واحدة و قلب واحد :
نعم للعراق